هل يستحب صيام ستة أيام من شوال وهل استحباب صيامها مشروط بمن صام رمضان كاملا أو لا ؟

1415
السائل: هل يستحب صيام ستة أيام من شوال وهل استحباب صيامها مشروط بمن صام رمضان كاملا أو لا ؟

الشيخ: يستحب صيام ستة أيام من شوال ، وهو مذهب متأخري الحنفية ، وهو مذهب المالكية (إلا أنهم كرهوا صومها لمقتدَى به ، ولمن خيف عليه اعتقاد وجوبها ، إن صامها متصلة برمضان متتابعة وأظهرها ، أو كان يعتقد سنية اتصالها ، فإن انتفت هذه القيود استحب صيامها ) ، والشافعية ، والحنابلة.
ودليل هذا :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ))( رواه مسلم رقم الحديث (1984)) .
قال الإمام النووي في شرح مسلم (5/56) : (فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة ، وقال مالك وأبو حنيفة : يكره ذلك . قال مالك في الموطأ : ما رأيت أحدا من أهل العلم يصومها . قالوا : فيكره لئلا يظن وجوبه . ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح ، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلّهم لها ، وقولهم : قد يظن وجوبها ، ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب) .
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف المواق في التاج والإكليل مع مواهب الجليل (3/329) : (إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِذِي الْجَهْلِ لَا مَنْ رَغِبَ فِي صِيَامِهَا لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ .
قال الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ : لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَمَالَ اللَّخْمِيِّ لِاسْتِحْبَابِ صَوْمِهَا ) .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/380) : (لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه ، والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة ، وكان رحمه الله متحفظا كثير الاحتياط للدين ، وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله ) .
الدليل الثاني : عَنْ ثَوْبَانَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ ))( رواه الإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22412) ، الدارمي (1755) ، وابن ماجه (1715) ، والنسائي في الكبرى (2860) و (2861) ، وابن خزيمة (2115) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2348) و (2349) ، وابن حبان (3635) ، والطبراني في الكبير (1451) ، والبيهقي (4/293) . وهو حديث صحيح . ينظر : إرواء الغليل (4/107) )
أما شق السؤال الثاني فإن جوابه هو أنه لا يستحب صيامها إلا لمن صام رمضان كاملا ، وهو مذهب الحنابلة ، وذلك لحديث أبي أيوب –رضي الله عنه- فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ)) يعني كاملا –والله أعلم- ، لأنه لا يقال لمن صام بعضه أنه صام رمضان بل يقيد بأنه صام بعض رمضان أو أغلبه ، ثم قال : ((ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ)) فالحديث دلّ بظاهره على أن صيام ستّ من شوال يكون بعد صيام رمضان كاملا ، فمن صام بعض رمضان وصام ستا من شوال لم يصدق عليه الحديث ، ومن صام رمضان كاملا وصام شيئا من الستة من شوال لم يصدق عليه الحديث ، ومن صام بعض رمضان وشيئا من الستة من شوال لم يصدق عليه الحديث ، فلا بد أن يصوم رمضان كاملا وكذلك ستاً من شوال ، يؤيده حديث ثَوْبَانَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ)) ، فإنه صريح في أن فضل صيام ستة من شوال لا يتحقق إلا بصيام رمضان كلّه لأن الشهر بعشرة أشهر ، فلو أنقص شيئا من رمضان لم يتحقق فيه أنه حصل على فضل عشرة أشهر ، وعليه لم يحصل على فضل صيام الدهر حتى لو صام ستا من شوال .
والله أعلم .
ينظر : حاشية ابن عابدين (2/125) ، وبدائع الصنائع (2/78) ، والفتاوى الهندية (1/201) وحاشية الدسوقي (1/517) ، والخرشي على خليل (2/243) ، ومواهب الجليل (3/329) ، والموسوعة الفقهية (28/92) والبيان (3/548) ، والمجموع (6/426) ، ومغني المحتاج (1/447) وكشاف القناع (2/337) ، والإنصاف (3/309) ، والمغني (4/438).