السائل: هل التلحين وتكلف السجع في دعاء القنوت أمر مستحب ؟
الشيخ: التلحين في الدعاء والتكلف في السجع في دعاء القنوت أمر لم يفعله السلف –رضوان الله عليهم- وهو يخالف مقصود الدعاء ، فالداعي ينبغي أن يكون حالُه حالَ المتضرع لله تعالى الوَجِل منه ، والتلحين و التكلف في السجع لا يناسبه ، فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : ((فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ ، يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ))( رواه البخاري رقم الحديث (5978) ). قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (10/97) : (إنما نهى عن السجع في الدعاء ، والله أعلم ؛ لأن طلب السجع فيه تكلف ومشقة ، وذلك مانع من الخشوع وإخلاص التضرع لله تعالى وقد جاء في الحديث : ( إن الله لا يقبل من قلب غافلٍ لاهٍ ) . وطالب السجع في دعائه همته في تزويج الكلام وسجعه ، ومن شغل فكره وكد خاطره بتكلفه ، فقلبه عن الخشوع غافل لاه لقول الله تعالى : ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ سورة الأحزاب: ٤) .انتهى . وقد يكون التلحين و التكلف في السجع من موانع الاستجابة ، قال المناوي في فيض القدير (1/296) : (قال الكمال ابن الهمام : ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والانشغال بتحريات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة ، بل هو من مقتضيات الرد ، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به ، فكأنه قال اعجبوا من حسن صوتي وتحريري ، ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال ، وما ذاك إلا نوع لعب ، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني ، فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان) . انتهى . قال الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص (469) : ( إِنَّ التلحين , والتطريب , والتغني , والتقعر , والتمطيط في أَدَاءِ الدُّعاءِ , مُنْكَرٌ عَظِيم , يُنَافِيْ الضَّرَاعَة , والابْتِهَال , والعُبُوديَّةَ , وداعِيةٌ للرياء , والإِعجاب , وتكثير جمع المعجبين به وقد أَنكرَ أَهل العلم على من يفعل ذلك في القديم والحديث. فعَلَى مَنْ وَفَّقهُ الله تعالى وصَارَ إِماماً للناسِ في الصلوات , وقنتَ في الوترِ , أَن يجتهدَ في تصحيح النية , وأَن يُلْقِيَ الدُّعاء بصوته المعتاد , بضراعة وابتهال , مُتَخَلَّصاً مِمَّا ذُكِرَ , مجتنباً هذه التكلفات الصارفة لقلبه عن التعلُّق بربه ) . انتهى . فإن قيل : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم السجع في بعض أدعيته فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما – قال : (( دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ ))( رواه البخاري رقم الحديث (2775) ، ومسلم رقم الحديث (4641)) ، ونحوها من الأدعية التي فيها السجع . جوابه : أن السجع المنهي عنه في حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- وكلام العلماء إنما هو السجع المتكلف ، وهو الذي أشرت إليه في هذه المسألة ، أما إذا كان السجع في الدعاء من غير تكلف فلا بأس به . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/139) : (ولا يرد على ذلك( يشير إلى حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- في النهي عن السجع ) ما وقع في الأحاديث الصحيحة لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه ، ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد : ((اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب)) وكقوله صلى الله عليه وسلم : ((صدق وعده واعز جنده )) الحديث وكقوله : ((أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع )) وكلّها صحيحة قال الغزالي : المكروه من السجع هو المتكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة . قال الأزهري : وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم لمشاكلته كلام الكهنة كما في قصة المرأة من هذيل ) . والله أعلم .