السائل: هل يجوزالفطر للحامل والمرضع ، وهل عليهما القضاء أو الاطعام؟
الشيخ: الحامل و المرضع إذا خافتا على نفسيهما ، أو ولديهما( ويعرف ذلك بإخبار الطبيب المسلم الثقة ، أو هي شعرت بعد أن شرعت في الصوم بالمشقة الشديدة والإعياء ، أو أنّه يغلب على ظنها أنّ الرضيع يتضرر بصيامها ، ونحو ذلك ، وليس مجرد شكوك ، ولتتق الله في ذلك ) فلهما الفطر ، ودليل ذلك ما يأتي: الدليل الأول : الإجماع ، فقد أجمع العلماء على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان ، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته ، أو الضرر أو الهلاك ، فالولد من الحامل بمنزلة عضو منها ، فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق منه على بعض أعضائها. ينظر الاجماع في المغني (4/393) ، والمجموع (6/272) ، والموسوعة الفقهية (28/54) ، وموسوعة الإجماع (2/745) الدليل الثاني : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ إِخْوَةِ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ : (( أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَيْتُ أَوْ قَالَ : فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ : اجْلِسْ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا . فَقُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ . قَالَ : اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّلاَةِ وَعَنِ الصِّيَامِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاَةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ أَوِ الْحُبْلَى))(رواه أبو داود رقم الحديث (2410) . ينظر : صحيح أبي داود رقم الحديث (2107) وهو حسن صحيح ، وصحيح النسائي رقم الحديث (2181) ). وأما شق السؤال الثاني هل عليهما الإطعام أو القضاء ؟ اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة إلى ستة مذاهب ، والراجح منها أن عليهما أن يطعمان عن كلّ يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليهما ، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- وسعيد بن جبير ، والقاسم بن محمد . وذهب إسحاق ابن راهويه إلى التخيير ، فإن شاءت الحامل والمرضع أن تطعما ، ولا قضاء عليهما ، وإن شاءتا قضتا ، ولا إطعام عليهما ، وهو قول حسن تدل عليه الأدلة الآتية أيضاً ، لأن نفي القضاء في الآثار الآتية هو نفي لوجوبه . والله أعلم . ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية : الدليل الأول : عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : (( إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كلّ يوم مسكيناً ، ولا يقضيان صوماً))(ينظر: إرواء الغليل (4/19) وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم ) . وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه رأى أمَّ ولد له حبلى أو ترضع فقال : (( أنت من الذين لا يطيقون ، عليك الجزاء وليس عليك القضاء))(رواه الدارقطني (2/207) وقال : إسناده صحيح . ينظر: إرواء الغليل (4/19) ) . الدليل الثاني : وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : (( الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي))( رواه الدارقطني (2/207) وصححه . ينظر : الإرواء (4/20)) . وعن مالك عن نافع : (( أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها ؟ فقال : تفطر وتطعم مكان كلّ يوم مسكيناً مُدّاً من حنطة ))(رواه مالك في الموطأ برقم (678) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (7868) . ينظر: إرواء الغليل (4/22) ) . وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- : (( أنّ امرأته سألته وهي حبلى ، فقال : أفطري وأطعمي عن كلّ يوم مسكيناً ، ولا تقضي))( رواه الدارقطني (2/207) . ينظر: إرواء الغليل (4/20) وقال : إسناده جيد ) . عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- : (( كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش ، وكانت حاملاً فأصابها عطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر ، وتطعم عن كلّ يوم مسكيناً ))( رواه الدارقطني (2/207) . ينظر: إرواء الغليل (4/20) وقال : إسناده صحيح) . فابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم من فقهاء الصحابة ، كانا يفتيان بذلك ، ولا أعلم أنه صح عن الصحابة –رضي الله عنهما- ما يخالف قوليهما ، فكان حجة . والله أعلم. أما من قال بوجوب القضاء والفدية معا، فقوله مردود من وجوه : الوجه الأول : أن وجوب الأمرين معا يحتاج إلى دليل من الشرع ، ولا دليل على ذلك فكان مردوداً . قال أبو عبد الله المروزي : ( لا نعلم أحدا صح عنه أنه جمع عليهما الأمرين القضاء والإطعام إلا مجاهدا ، قال : وروي ذلك عن عطاء وعن ابن عمر أيضا ، ولا يصح عنهما ، والصحيح عن ابن عمر فيها الإطعام ولا قضاء )( ينظر : الاستذكار (10/223) ، والمبسوط (3/99)) . الوجه الثاني : أنه غير جائز إيجاب الأمرين القضاء والفدية معاً عليهما ، لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك –وهو الصوم- فلا يكون الإطعام فدية ، وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء ، لأن الفدية أجزأت عنه وقامت مقامه . الوجه الثالث : أن الفدية مشروعة بدلا من الصوم ، والجمع بين البدل والأصل لا يجوز ، وهو بدل غير معقول المعنى . وأما من قال بوجوب القضاءفقط ، استدلوا بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدم قَالَ : (( أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَيْتُ أَوْ قَالَ : فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ : اجْلِسْ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا . فَقُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ . قَالَ : اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّلاَةِ وَعَنِ الصِّيَامِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاَةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ أَوِ الْحُبْلَى)قالوا : قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحامل والمرضع بالمسافر ، وجعلهما معًا في معنى واحد ، فصار حكمهما كحكمه ، وليس على المسافر إلا القضاء لا يعدوه إلى غيره . أقول وهذا الاستدلال مردود من وجوه : الوجه الأول : أن الحديث لم يتعرض للفدية ولا للقضاء ، فكان القضاء والفدية موقوفين على دليل خارجي ، فلا حجة فيه على وجوب القضاء . فإن قيل : إن الحديث لم يتعرض للفدية والقضاء ، ولكنه ذكر الصوم وإسقاطه عن المسافر والحامل والمريض ، وساوى بينهما ، ومعلوم أن المسافر يقضي الصوم فلزم الحامل والمرضع قضاؤه . قلت : استدلالكم على القضاء إنما هو من باب قرن الحامل والمرضع مع المسافر ودلالة الاقتران فيها خلاف بل هي من أضعف الدلالات عند أكثر الأصوليين ، والصحيح أن فيها تفصيل ، والاستدلال بها هنا ضعيف جداً . وأيضاً يلزم من قولكم بأن الحامل والمرضع يجب عليهما القضاء لأجل اقترانهما بالمسافر الذي يجب عليه القضاء ، فكذلك يجب على المسافر الذي سقطت عنه شطر الصلاة أن يقضي الشطر الآخر لاقتران الصلاة بالصوم الذي يجب قضاؤه ، وهذا ظاهر البطلان . الوجه الثاني : أن كلمة وضع يعني اسقط نصف الصلاة عن المسافر ولم يذكر القضاء ، واسقط الصوم عن المسافر والحامل والمرضع ولم يذكر القضاء ، فلا يجب القضاء إلا بدليل ، وجاءت الأدلة بوجوب القضاء على المسافر ، والإطعام للحامل والمرض فوجب أن نصير إليها . قال السندي في حاشيته (3/438) : ( وَالْحَامِل وَالْمُرْضِع : أَيْ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْحَمْل وَالرَّضِيع أَوْ عَلَى أَنْفُسهمَا ، ثُمَّ هَلْ هُوَ وَضْع إِلَى قَضَاء أَوْ لَا ، وَهَذَا الْحَدِيث سَاكِت عَنْهُ فَكُلّ مَنْ يَقُول بِقَضَائِهِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ دَلِيل ) . الوجه الثالث : أن فهمكم هذا مخالف لما كان عليه الصحابة كابن عباس وابن عمر –رضي الله عنهم- فلا عبرة به . والله أعلم تنظر المذاهب : فتح القدير مع الهداية (2/355) ، وبدائع الصنائع (2/97) ، بداية المجتهد (3/191) ، والاستذكار (10/221) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/288) ، والمجموع (6/274) ، ومغني المحتاج (2/174) ، والحاوي (3/436) ، والمغني (4/393) ، وكشاف القناع (2/313) ، والمحلى لابن حزم (4/410) ، وشرح السنة للبغوي (6/316)