الفرق بين الأصل والظاهر

2151
السائل: السلام عليكم ورحمة الله أود طلب المساعدة في موضوع:الفرق بين الأصل والظاهر ، والأصل والمتصحب وأجزل الله لكم المثوبة.

الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الفرق بين الأصل والظاهر ، أن الأصل عند الأصوليين يطلق على عدة معان :

أولاً : الدليل : كقولهم : الأصل في وجوب الحج قوله تعالى : ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة آل عمران:97] . يعني الدليل ، وكقولهم : الأصل في المسح على الخفين السنة ، فيراد بالأصل هنا الدليل من الكتاب أو السنة أو غيرهما .

ثانياً : الرجحان : كقولهم : الأصل في الكلام الظاهر دون التأويل ، والأصل براءة الذمة يعني الراجح .

ثالثاً : القاعدة الكلية المستمرة : كقولهم : إباحة أكل الميتة للمضطر على خلاف الأصل ، يعني على خلاف القاعدة المستمرة وهي عدم أكلها .

رابعاً : المقيس عليه : وهو ما يقابل الفرع في باب القياس فإن أركان القياس كما سيأتي أصل (وهو المقيس عليه) ، وفرع ، وعلة ، وحكم .

          إلا أن الإمام الزركشي –رحمه الله تعالى- قال في البحر المحيط (1/26) : ( وفيه نظر ، لأن الصورة المقيس عليها ليست معنى زائداً ، لأن أصل القياس اختلف فيه هل هو محل الحكم أو دليله أو حكمه؟ 

وأياً ما كان  فليس معنى زائداً ، لأنه إن كان أصل القياس دليله فهو المعنى السابق ، وإن كان محله أو حكمه فهما يسميان أيضاً دليلاً مجازاً ، فلم يخرج الأصل عن معنى الدليل ) .

          وعلى هذا فإن إطلاق الأصل على المقيس عليه فيه نظر حيث إنه لا فرق بينه وبين الإطلاق   الأول .

أما الظاهر : هو ما احتمل معنيين فأكثر هو في أحدهما أرجح من الآخر .

وأما الاستصحاب : استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً حتى يقوم دليل على تغير الحالة . 

اعلم أن الاستصحاب ثلاثة أنواع :

النوع الأول : استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل ناقل عنه . يسميه بعضهم : عدم الدليل دليل على البراءة .

فإن العقل يدل على براءة ذمة المكلف حتى يقوم الدليل على تكليفه به ، كعدم وجوب صيام – شوال – مثلاً – لأن الأصل براءة الذمة منه ، فيستصحب الحال في ذلك .

وهذا النوع هو الذي ينصرف إليه اسم الاستصحاب ، هو المعروف بالبراءة الأصلية والإباحة العقلية .

وذهب أكثر العلماء إلى حجية هذا النوع ، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك

النوع الثاني : استصحاب دليل الشرع ، بمعنى استصحاب ما دلّ الشرع على ثبوته واستمراره .

مثل : استصحاب النص حتى يرد الناسخ ، واستصحاب العموم حتى يرد المخصص ، ودوام الملك حتى يثبت انتقاله ، ونحوها .

وهذا النوع حجة معمول به ، وقد نقل غير واحد الإجماع على ذلك . واختلفوا في تسمية هذا النوع بالاستصحاب ، فذهب جمهور الأصوليين إلى إثباته وأنه يسمى به ، ومنعه بعضهم .

النوع الثالث : استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع . 

مثاله : انعقد الإجماع على صحة صلاة المتيمم الفاقد للماء ، فإذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه ، ولا تصح صلاته .

لكن إذا تيمم ثم دخل في الصلاة ، وهو في الصلاة وجد الماء ، فهل تصح صلاته استصحاباً للأصل على صحة صلاة المتيمم الفاقد للماء بالإجماع قبل الصلاة فيستصحب هذا الأصل أثناء الصلاة ، أو لا تصح الصلاة لتغير الحال الذي كان عليه وهو فقد الماء قبل الدخول في الصلاة إلى وجوده أثنائها ؟

اختلف العلماء في هذا النوع فذهب الجمهور إلى أنه ليس بحجة وهو الراجح ، لأن الإجماع أنما دلّ على الدوام في الصلاة حال عدم وجود الماء ، أما مع وجوده فلا إجماع حتى يقال بالاستصحاب ، بمعنى أن الإجماع كان قائماً حالة فقد الماء على صحة الصلاة بالتيمم ، لكن بشرط ألا تتغير حالة فقدان الماء بحالة وجوده ، فإن الحالة التي أجمعوا عليها تخالف الحالة الأخرى ، فالحالة الأولى عدم وجود الماء ، والثانية وجوده فلا يصح استصحاب الإجماع لأن الحال مختلفة كلياً .

فأنت تلاحظ أن الظاهر قد يدخل في النوع الثاني من أنواع الأصل وهو الرجحان ، والاستصحاب قد يدخل في النوع الثالث من أنواع الأصل وهو القاعدة المستمرة .

التعارض بين الأصل والظاهر:

اعلم أن المقصود بالأصل هنا القاعدة المستمرة ، والظاهر هو ما غلب على الظن ، وهو الذي تقدم تعريفه ، فقد يتعارض عند المجتهد الأصل مع الظاهر ، فالفقهاء في هذا التعارض أحيانا يقدمون الظاهر وأحيانا يقدمون الأصل ، قال ابن رجب في القواعد ص(338) : (إذَا تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْإِخْبَارِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُسْتَنِدُهُ الْعُرْفُ أَوْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَوْ الْقَرَائِنُ أَوْ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الظَّاهِرِ، وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْأَصْلِ، وَتَارَةً يُخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : مَا تُرِكَ الْعَمَلُ فِيهِ بِالْأَصْلِ لِلْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ قَوْلُ مَنْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا:

مِنْهَا: شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ بِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ مَنْ عُلِمَ اشْتِغَالُ ذِمَّتِهِ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ.
وَمِنْهَا: إخْبَارُ الثِّقَةِ الْعَدْلِ بِأَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذِهِ الْإِنَاءِ.

وَمِنْهَا: إخْبَارُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.

....

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا عُمِلَ بِالأَصْلِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ:

... وَمنها: إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ أَوْ النَّجَاسَةَ فِي مَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ بَدَنٍ وَشَكَّ فِي زَوَالِهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الأَصْلِ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ زَوَالَهُ، وَلاَ يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَلاَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَيَقَّنَ حَدَثًا أَوْ نَجَاسَةً وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الأَصْلِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ وَغَيْرِهِمَا.
وَمنها: إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، أَحْمَدُ، وَلاَ عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَبِالْقَرَائِنِ وَنَحْوِهَا مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى إخْبَارِ ثِقَةٍ بِالطَّلْعِ.
...
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا عُمِلَ فِيهِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الأَصْلِ وَلَهُ صُوَرٌ:
منها: إذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلاَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ منها فَإِنَّهُ لاَ يَلْتَفِتُ إلَى الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ عَدَمَ الإِتْيَانِ بِهِ وَعَدَمَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ لِلْعِبَادَاتِ أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَيَرْجِعُ هَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الأَصْلِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي الْوُضُوءِ وَجْهٌ أَنَّ الشَّكَّ فِي تَرْكِ بَعْضِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَالشَّكِّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لاِنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا.
وَمنها: لَوْ صَلَّى ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً وَشَكَّ هَلْ لَحِقَتْهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَمْكَنَ الأَمْرَانِ فَالصَّلاَةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ عَدَمَ انْعِقَادِ الصَّلاَةِ وَبَقَاؤُهَا فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا، لَكِنْ حُكِمَ بِالصِّحَّةِ؛ لاِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَعْمَالِ الْمُكَلَّفِ وَجَرَيَانُهَا عَلَى الْكَمَالِ وَعَضَّدَ ذَلِكَ أَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ مُقَارَنَةِ الصَّلاَةِ لِلنَّجَاسَةِ، وَتُرْجَعُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ إلَى تَعَارُضِ أَصْلَيْنِ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا بِظَاهِرٍ عَضَّدَهُ ...) انتهى كلام ابن رجب وقد ذكر أمثلة كثيرة تحت هذه الأقسام .

 

 

 

 

 

 

سؤال جديد

السؤال


طاقة الكترونية وزعت على كل المتقاعدين يتقاضون من خلالها رواتبهم عن طريق المصارف او وكلاء المصارف في النواحي والقرى التي ليس فيها مصارف من خلال شريط يحتوي على قيمة الراتب والاستقطاعات وصافي الراتب فعند الصرف عن طريق المصرف فان المتقاعد يتقاضى صافي راتبه بدون قطع أما اذا كان الصرف عن طريق الوكلاء فأنهم يأخذون مبلغ ٣٠٠٠دينار بعد صرف الراتب علما ان الوكيل يتقاضى من المصرف ١٠٠٠دينار عن كل شريط راتب يصرف عن طريق مكتبه/ ألسؤال ما حكم صرف الراتب من الوكلاء علما ان اغلب المتقاعدي من الكبار بالسن ومن كلا الجنسين وهذه المكاتب وجدت لتسهيل امرهم

الجواب