زيادة أجر العبادة في الروضة الشريفة

1099
السائل: السلام عليكم،،،
نويت أن أزور المسجد النبوي خلال الشهر القادم ، فهل ورد في السنة أو عند السلف الصالح صلاة ركعتين في الروضة؟ وهل ورد أن لها أجر خاص ؟
أفتونا مأجورين

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اعلم بارك الله فيكم أن الصلاة في المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة فيما سواه وقد ورد في ذلك أحاديث منها ما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ : ((صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)) رواه البخاري ومسلم .
وعَنْ جَابِرٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ : (( صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَصَلاَةٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ )) رواه ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة/باب مَا جَاءَ فِى فَضْلِ الصَّلاَةِ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ رقم الحديث (1406) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (14694) ، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (4/146).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : ((تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى ...)) رواه الحاكم في المستدرك (4/554) رقم الحديث (8553) ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ . ووافقه الذهبي . وصححه الشيخ الألباني في تمام المنة ص (294) .
وأما فضل الروضة فقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ((مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي))رواه البخاري ومسلم.
قال النووي شرح مسلم (9/161) : (قَوْلُهُ ﷺ : ((مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ)) ذَكَرُوا فِي مَعْنَاهُ قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِعَيْنِهِ يُنْقَلُ إِلَى الْجَنَّةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ . انتهى كلامه .
وجواب سؤالك هو أنّ هذا الفضل الوارد للروضة هو فضل للمكان ولا يلزم من فضل المكان أن يكون له فضل في العبادة كالصلاة وقراءة القرآن ونحوهما ، ففضل الصلاة الوارد في المسجد النبوي يعم جميع المسجد النبوي ومنه الروضة ، ولا أعلم أنّ هناك عبادة خاصة للروضة الشريفة في السجد النبوي ، أو مزية للطاعة فيها بزيادة أجر أو نحوه ، ومن قال بأن قراءة القرآن أو الصلاة في الروضة أفضل وأعظم أجرا فإنه مطالب بالدليل ، ولا أعلم دليلا يحث فيه النبي ﷺ على قراءة القرآن أو الصلاة في الروضة بعينها ، أما هذا الحديث فهو خبر يجب الإيمان به ولا يلزم منه زيادة الأجر فيها ، فمثلا الحجر الأسود من الجنة قال النبي ﷺ : (( نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ )) رواه الترمذي رقم الحديث (877) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2733) . وهو في السلسلة الصحيحة رقم الحديث (2618) ، وصحيح الترغيب والترهيب (2/29) ، وقد ورد فيه أنه يحط الخطايا لمن استلمه قال النبي ﷺ : ((إِنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا )) رواه الإمام أحمد في المسند ، رقم الحديث (5457) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3698) . وهو في صحيح الترغيب والترهيب (2/27) ، فبين النبي ﷺ أنه من الجنة وهذا خبر وبين كيفية العبادة عنده تكون باستلامه وأنه يستقبله استقبالاً ويقول عنده : ( بسم الله والله أكبر ) ، ثم يستلمه بيده ، ويقبله بفمه ، ويسجد عليه أيضاً ، وغير ذلك مما صح عن النبي ﷺ ، ولا يجوز أن يتعبد عنده بغير الثابت عن النبي ﷺ ، ولم يرد حديث في تفضيل أو تخصيص عبادة بعينها في الروضة ، فلا يصح أن يقال بأن الأجر فيها بالعبادة المعينة فيه أجر زائد إلا بدليل ، ومثله قول النبي ﷺ : ((سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ)) رواه مسلم ، فالخبر بأن هذه البقعة من الجنة لا يلزم منه أن التعبد فيه أكثر أجرا ، فهذا يحتاج إلى دليل .
والله أعلم .

صلاة سنة الفجر في حضور جماعة متأخرة

3259
السائل: دخلت مسجداً على الطريق بعد انتهاء صلاة الفجر مع الإمام الراتب وكانت هناك جماعة متأخرة فهل من الأولى ان اصلي سنة الفجر أم انظم إلى الجماعة المتأخرة خشية الا تكون هناك جماعة عند فراغي من السنة. وهل يختلف الأمر إذا كان المسجد في حضر أي ليس على الطريق.
جزاكم الله خيراً

الشيخ:
دخلت مسجداً على الطريق بعد انتهاء صلاة الفجر مع الإمام الراتب وكانت هناك جماعة متأخرة فهل من الأولى ان اصلي سنة الفجر أم انظم إلى الجماعة المتأخرة خشية الا تكون هناك جماعة عند فراغي من السنة. وهل يختلف الأمر إذا كان المسجد في حضر أي ليس على الطريق.

جزاكم الله خيراً

سلام عليكم
إذا دخلت مسجدا على الطريق وكانت الجماعة الأولى قد صلت صلاة الفجر ، ووجدت جماعة ثانية قائمة فإنك تدخل معها وتصلى الفرض معها جماعة وبعد الانتهاء من الصلاة تصلي سنة الفجر ، أما إن كان المسجد مسجدَ حضرٍ ووجدت الجماعة الأولى قد صلت الفجر ، ووجدت الجماعةَ الثانيةَ قائمةً تصلي في المسجد فمن يرى أن الجماعة الثانية تكرهه في غير مسجد الطريق فالتخريج على هذا المذهب أن الأولى أن تصلي لوحدك ، وعليه فإنك تبدأ بسنة الفجر ثم تصلي الفرض ، أما من يرى جواز الجماعة الثانية من غير كراهة فإنه يرى أن تصلي مع الجماعة ثم تصلي سنة الفجر، والأول أظهر . هذا والمسألة فيها تفصيل .
والله أعلم

اجتماع يوم العيد مع يوم الجمعة

2686
السائل:
هل إذا اجتمع يوم العيد مع يوم الجمعة تسقط صلاة العيد صلاة الجمعة والظهر أو الجمعة فقط ؟

الشيخ:

هل إذا اجتمع يوم العيد مع يوم الجمعة تسقط صلاة العيد صلاة الجمعة والظهر أو الجمعة فقط ؟

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- فيما إذا اجتمع يوم العيد مع يوم الجمعة ، فهل تسقط الجمعة عمن صلى العيد ؟ والراجح أنه يسقط حضور الجمعة عمن صلى العيد جماعة مع الإمام ، ويصلي من لم يحضر الجمعة الظهر ، وهو مذهب الحنابلة ، والشافعية إلا أنهم أسقطوها عن أهل القرى دون أهل البلد .

قال ابن قدامة في المغني (3/242) : (وممن قال بسقوطها الشعبي ، والنخعي ، والأوزاعي ، وقيل : هذا مذهب عمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعيد ، وابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير) .

 

ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :

الدليل الأول : عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ : (( شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ : أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ صَنَعَ ؟ قَالَ : صَلَّى الْعِيدَ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ)). رواه أبو داود رقم الحديث (904) ، وابن ماجه رقم الحديث (1300) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/237) : (حديث صحيح ، وصححه ابن المديني والحاكم والذهبي )

وجه الاستدلال : أن النبي ﷺ رخص في عدم حضور الجمعة ، ولم يفرق بين أهل القرى وغيرهم ، بل ظاهره أنه خطاب لأهل المدينة وغيرهم ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة هنا قائمة فلو كان هناك فرق لبينه النبي ﷺ .

وأيضا ليس في الحديث أنه أسقط الظهر بل أسقط حضور صلاة الجمعة فقط ، وسقوط الجمعة لا يستلزم سقوط الظهر ، بل المعلوم أن الجمعة إذا لم تؤدّ لعذر فإنه يصليها ظهراً بلا خلاف ، وهكذا هنا ولا فرق كما سيأتي .

الدليل الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : ((قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)) . رواه أبو داود رقم الحديث (1159) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/322) : (إسناده صحيح ، وكذا قال البيهقي والعسقلاني ، وقال الدارقطني: ” إسناد حسن ثابت “، وصححه أيضا ابن المنذر وابن السكن وابن حزم)

وجه الاستدلال : أن النبي ﷺ بين أن من صلى العيد فقد أجزأه عن حضور صلاة الجمعة ، ولم يفرق بين أهل القرى وغيرهم ، وقوله : ((وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)) فيه دليل على أن الظهر لم تسقط ، لأنه لو سقطت لترك النبي ﷺ صلاة الجمعة ، فمعناه أن من أراد أن يصلي معنا الجمعة فلا بأس فهي مسقطة للظهر ، ومن لم يُرد ذلك فعليه الظهر .

الدليل الثالث : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : ((اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ )) . رواه ابن ماجه رقم الحديث (1301) . صحيح ابن ماجه رقم الحديث (1311)

الدليل الرابع : عن أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ : ((شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ )). رواه البخاري رقم (5251)

وجه الاستدلال : أن عثمان –رضي الله عنه- رخص في ترك حضور صلاة الجمعة لمن صلى العيد كما فعل النبي ﷺ .

الدليل الرابع : عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : (( صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : أَصَابَ السُّنَّةَ)) . رواه أبو داود رقم الحديث (1073) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/322) : (إسناده صحيح على شرط مسلم)

وعن عَطَاء قَالَ : (( اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ)) . رواه أبو داود رقم الحديث (1074) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/238) : (إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن خزيمة)

وجه الاستدلال : أن ابن الزبير –رضي الله عنه- صلى العيد ، ثم لم يحضر لصلاة الجمعة ، فبين ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه أصاب السنة ، يعني سنة النبي ﷺ .

فائدة :

في هذا الأثر دليل على استحباب حضور الإمام للجمعة يوم العيد ، ولا يجب عليه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد وغيره ينظر : المغني (3/242) فإن ابن الزبير –رضي الله عنه- كان هو الإمام ولم يحضر ، وصوبه ابن عباس –رضي الله عنهما- فلو كان حضور الإمام واجباً لأنكر عليه ابن عباس –رضي الله عنهما- ذلك.

إلا أنه ينبغي أن يعلم أنه إذا كان في تخلف الإمام عن الجمعة مفسدة فيجب عليه الحضور ، أو يعين غيره لينوب عنه ، فالنبي ﷺ رخص في حضور الجمعة إلا أنه حضرها وصلاها بالناس ، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ .

تنبيه :

استدل بعض أهل العلم بفعل ابن الزبير رضي الله عنه- على سقوط الظهر أيضاً ، وهذا الاستدلال مردود من وجوه :

الوجه الأول : ليس في أثر ابن الزبير –رضي الله عنه- أنه لم يصلّ الظهر بل فيه أن لم يصلّ الجمعة فقط .

الوجه الثاني : الأثر فيه : ((فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً)) وهذا يدل على أمور :

الأول : أنه جمع الجمعة إلى العيد وصلاهما ركعتين ، وهذا باطل قطعاً لأن صلاة الجمعة غير صلاة العيد ، فلا يصح جمعهما ، وأيضاً لو كان المراد بأنه جمع الجمعة إلى العيد فإنه يدل على أن حضور الجمعة لم يسقط إلا لمن نوى الجمع بين الجمعة والعيد ، وهذا باطل مخالف للأدلة السابقة ، فلو أن شخصاً صلى العيد مع الجماعة ولم ينو إليها الجمعة لم يجز له التخلف عن صلاة الجمعة ، وهذا عين الباطل ،  وأيضا جاء في نفس الأثر ((ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا)) فلو كانت الجمعة جمعت مع العيد فكيف صلوا وحداناً الظهر ، لأن من صلى الجمعة لا يجوز له أن يصلي الظهر .

الثاني : أنه صلى العيد وجمع في نيته أنه لن يحضر الجمعة ، وأنه لن يصليها في هذا اليوم ، وليس في هذا أنه لم يصلّ الظهر ، وهذا هو الموافق للأدلة الأخرى .

الثالث : أن هذا فهم عطاء –رحمه الله تعالى- وليس بحجة ، ففهم عطاء من قول ابن الزبير –رضي الله عنه- : ((عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ)) أنه جمع بين الجمعة والعيد وعليه فهذا مسقط للظهر ، ولهذا قال : ((فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ)) ، وليس في هذا حجة ، لأنه فهم لعطاء -رحمه الله تعالى- .

الوجه الثالث : أن قول ابن عباس –رضي الله عنهما- : ((أَصَابَ السُّنَّةَ)) في تركه حضور الجمعة ، وليس في ترك الظهر كما يدل السياق ، فلا دلالة فيه ، إذ لو كان المراد أنه أصاب السنة في تركه الجمعة والظهر لبينه ابن عباس –رضي الله عنهما- بقوله أو فعله ، ولأنكر على من صلى الظهر ممن كان في المسجد بأنهم ما أصابوا السنة لأن عطاء قال : ((ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا)) ، فدل هذا على أنه أصاب السنة في تركه الجمعة فقط ، وهو الموافق للأحاديث الأخرى .

الوجه الرابع : أنه لو سلم جدلا أن ابن الزبير –رضي الله عنه-فعل ذلك ، وهذا في غاية البعد ، وليس في الأثر ما يدل عليه ، فإن غيره من الصحابة –رضي الله عنهم- خالفوه ، والأحاديث المرفوعة تؤيدهم ، فلم يثبت عن النبي ﷺ أن رخص في الظهر أو هو لم يصلها ، وإنما ثبت خلاف ذلك ، والذي رخص فيه النبي ﷺ هو حضور الجمعة فقط فلا يجوز أن يتعدى بالحكم إلى غيره .

الوجه الخامس : أن صلاة العيد مسقطة للاجتماع للجمعة ، ولا يدل ذلك على أن الاجتماع للجمعة إذا سقط سقطت الظهر ، فإن الجمعة إذا سقطت للعذر وجبت الظهر، وهذا ظاهر بين لا إشكال فيه .

الوجه السادس : أن النبي ﷺ صلى بأصحابه الجمعة في يوم العيد ، وقال: ((وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)) فهذا دليل ظاهر على أن الظهر لم تسقط ، لأن النبي ﷺ صلى الجمعة ليؤكد أن الجمعة لم تسقط وإنما سقط وجوب حضورها ، وهو الرخصة ، فإذا كانت الجمعة لم تسقط وإنما الرخصة في عدم حضورها فقط ، فمن باب أولى أن الظهر لم يسقط .

قال الصنعاني سبل السلام (2/53)  : (ولا يخفى أن عطاءاً أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة ، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله ، فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيداً على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله ، بل في قول عطاء أنهم صلوا وحدانا أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ، ولا يقال : أن مراده صلوا الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً ، ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل عنها قول مرجوح بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء والجمعة متأخر فرضها ، ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه ، وقد حققناه في رسالة مستقلة ) .

وقال ابن عبد البر التمهيد (10/270): (ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة ، وأي الأمرين كان فإن ذلك أمر متروك مهجور ، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر فإن الأصول كلّها تشهد بفساد هذا القول لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يسقط أحدهما ، فكيف أن يسقط فرض لسنة حضرت في يومه؟! هذا ما لا يشك في فساده ذو فهم … ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (24/210) : (الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ لَكِنْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودَهَا وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ . وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ : كَعُمَرِ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ . وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ … وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ حَصَلَ مَقْصُودُ الِاجْتِمَاعِ ، ثُمَّ إنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ فَتَكُونُ الظُّهْرُ فِي وَقْتِهَا وَالْعِيدُ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْجُمُعَةِ …) .

ينظر : المغني (3/242) ، ومسائل عبد الله رقم المسألة (482) ، والمحرر (1/159) ، والاختيارات الفقهية ص (81) ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (24/210) ، وزاد المعاد (1/448) ، والفروع (1/134) . ينظر : المجموع (4/358)

 

 

 

 

صلاة التراويح قبل صلاة العشاء

2672
السائل: هل يجوز صلاة التراويح قبل صلاة العشاء .مع العلم انا في فرنسا.شكرا est ce que en faire salat trawih avant salat alichaa.merci

الشيخ:

صلاة التراويح والوتر لا تصلى قبل صلاة العشاء فوقتها بعد صلاة العشاء
والله أعلم

الجمع بين حديث : ((ليس في النوم تفريط)) وحديث ((ينام عن الصلاة))

2142
السائل: السلام عليكم و رحمة الله

كيف الجمع بين قول النبي عليه الصلاة و السلام : ليس في النوم تفريط و بين قوله عليه الصلاة و السلام في مارآه في المنام أن شخصا كان يعذب فأخبراه الملكان فقالا له إنه كان ينام عن الصلاة المكتوبة .
و جزاكم الله خيرا

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا تعارض بين الحديثين فالحديث الأول رواه مسلم في صحيحه وهو يتكلم عن من غلبه نومه فنام عن الصلاة وكان قد أخذ بأسباب استيقاضه لها فهذا ليس مفرطا أما الحديث الآخر فقد رواه البخاري في صحيحه ولفظه : ((أما الذي يثلغ رأسه بالحجر، فإنه يأخذ القرآن، فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة)) فإنه يتكلم عن من يتعمد النوم قبل الصلاة ولا يأخذ بأسباب الاستيقاض لها حتى يخرج الصلاة عن وقتها كلياً .
والله أعلم

من فاتته صلاة العصر حتى دخل وقت المغرب ؟

2026
السائل: كنت نائما وفاتتني صلاة العصر ودخلت صلاة المغرب هل اصلي المغرب ثم العصر ام العكس وشكرا

الشيخ: الراجح من أقوال أهل العلم أنك تصلى العصر أولا ثم تصلي المغرب وذلك لما ثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: (( جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ، وَقَالَ: مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ، قَالَ: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ )) رواه البخاري ومسلم .
ولأن ترتيب الصلوات الفائته واجب على الراجح من أقوال أهل العلم لفعله صلى الله عليه وسلم المتقدم مع قوله صلى الله عليه وسلم : ((وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )) رواه البخاري ولما ثبت عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ )) رواه البخاري ومسلم وجه الدلالة من هذا الحديث : أن من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها على هيأتها وترتيبها وكذلك من نسي أكثر من صلاة وهو مذهب الإمامين مالك وأبي حنيفة وذهب الإمام أحمد إلى أنه شرط وليس واجب فقط .
والله أعلم

تأخير الصلاة ؟

1998
السائل: موظفة في القطاع الخاص أصلي الظهر و العصر بعد عودتي الى البيت قبل صلاة المغرب.
السؤال: هل يتقبل الله صلاتي أم أنني مذنبة في ذلك, أرجو افادتي بجوابكم و نصيحتكم.
بارك الله فيك.

الشيخ: لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها لقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) فالصلاة لها أوقات تبدأ بها وتنتهي بها فلا يجوز إخراجها عن وقتها إلا لعذر ، والجمع بين الصلاتين كذلك لا يجوز إلا لعذر ، فيجب عليك أختي أن تصلي صلاة الظهر في وقتها والعصر في وقتها والصلاة لا تأخذ أكثر من عشر دقائق بل أقل فلا ينبغي أن نقدم الدنيا الفانية على الآخرة الباقية فالإنسان قد يأتيه الموت فجأة فما هو عذرك أمام الله تعالى في إخراجك صلاة الظهر عن وقتها ؟ !وأظن أنك تستطيعين الصلاة في وقتهاإن شاءالله تعالى إذا عزمت وصدقت النية مع الله تعالى . والله أعلم .

تأخير الوتر إلى قبيل الفجر ؟

1965
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اذا اخر المعتمر الوتر حتى ينتهي من عمرته وبعد الطواف اكتشف انه لم يبق على الفجر إلا القليل فهل يجوز ان يصلي الوتر بعد ركعتي الطواف ؟

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يجوز له أن يصلي الوتر لأنه لم يدخل وقت الفجر ثم بعد ذلك يتم بقية أعمال العمرة .
والله أعلم .

جمع صلاة المغرب إلى العشاء بسب العذر ؟

1910
السائل: نحن مجموعة من الطالبات من سلطنة عمان ندرس في مدينة دبي ونأتي في نهاية الأسبوع إلى بلدنا وفي الطريق يدخل علينا وقت المغرب ولكن قائد الباص لايقف لكي نؤدي الصلاة ونضطر لجمعها مع العشاء في بلدنا (البيت) علماً بأننا نَصِلْ وقت أذان العشاء ، فهل يجوز لنا أن نجمع المغرب مع العشاء في هذه الحالة ؟ أو ماذا نفعل ؟

الشيخ: الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد :
أولا : فهمت من سؤالكن أنكن طالبات من سلطنة عمان تسافرن من عمان إلى دبي للدراسة ثم نهاية الأسبوع ترجعن ، فإذا كان سفركن من سلطنة عمان إلى دبي وكذلك الرجوع من غير محرم فقد وقعتن في مخالفة السفر من غير محرم ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : ((لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ، وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ : انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ))( رواه البخاري رقم الحديث (2844) ، ومسلم رقم الحديث (1341) واللفظ له ) .
فإذا كان سفر الحج لا يجوز إلا بمحرم فكيف بما هو دونه .
ثانياً : أما صلاة المغرب إذا كنتن لا تستطعن الصلاة في وقتها بسبب عدم توقف الباص لخوفه من التوقف معكن في الطريق أو لمفاسد أخرى ثم إذا وصلتن إلى البيت فعليكن أن تصلين أولا المغرب ثم العشاء من غير قصر وذلك لوجود العذر وهو الحرج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ» قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا، لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: «أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ» رواه مسلم .
قال النووي في شرح مسلم (5/219) : (وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول بن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره بن المنذر ويؤيده ظاهر قول بن عباس أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم )

حكم الصلاة بين السواري ؟

1847
السائل: بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم الصلاة في صف فيه ساريتين {عامودين} في المسجد في يوم الجمعةأو في أي يوم لا يكفي المسجد لاستعياب المصلين فيه؟
و بما أن الحكمة من النهي عن الصلاة بين السواري هو أنها تقطع الصف, فهل يجوز أن يأمر الإمام المصلين بالصلاة بين الساريتين و ترك بقية الصف؟

الشيخ: اعلم –رحمك الله تعالى- أن الصلاة بين السواري منهي عنه للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ : (( صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدُفِعْنَا إِلَى السَّوَارِى فَتَقَدَّمْنَا وَتَأَخَّرْنَا فَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نَتَّقِى هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- )) . رواه الحاكم في المستدرك (1/329) ، وأبوداود في سننه رقم الحديث (821) ، والترمذي في سننه رقم الحديث (229) ، وابن خزيمة رقم الحديث (1568) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم الحديث (2492) . وصححه الحافظ في الفتح (1/689) ، وابن خزيمة ، والحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (190) .
الدليل الثاني : عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ((كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا )) . رواه ابن ماجه رقم الحديث (1002) ، والبيهقي في الكبرى رقم (5205) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم (1567) ، والحاكم في المستدرك رقم (794) ، والطبراني في الكبير (19/21) . وهو حديث حسن بما قبله ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان والألباني .
واعلم أن العلة من النهي هي قطع الصف على الراجح من أقوال أهل العلم وقد دل عليها النصوص الآمره بتسوية الصفوف وسد الفرج ، وحتى لا تترك فرجة للشيطان ، والسارية لا شك أنها تترك فرجة بين المصلي الذي عن يمينها والمصلي الذي عن يسارها ، ولا يحصل التراص المأمور به بين المأمومين ، وعليه فإن الصف إذا لم يجاوز الساريتين فإنه لا ينهى عنه لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، وهذا ما ذهب إليه البيهقي في سننه (3/148) فإنه قال : (وَهَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ، لِأَنَّ الْأُسْطُوَانَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وَصْلِ الصَّفِّ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ لَمْ يُجَاوِزُوا مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لِمَا رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ بِلَالًا: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي فِي الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ ) .
الحديث رواه البخاري رقم الحديث (504) وبوب عليه بقوله : (باب الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِى فِى غَيْرِ جَمَاعَةٍ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/689) : (إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب) .
وقال ابن قدامة في المغني (3/60) : (ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري ، ويكره للمأمومين لأنها تقطع صفوفهم فإن كان الصف صغيرا قدر ما بين الساريتين لم يكره ، لأنه لا ينقطع بها) .
وقال ابن رجب في فتح الباري (2/651) : (وإنما يكره ذلك ؛ لصف تقطعه السواري ، فلو صلى اثنان أو ثلاثة جماعة بين ساريتين لم يكره أيضا ، هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي وغيرهم من العلماء) .
واعلم أن حكم الصلاة بين السواري لغير حاجة مختلف فيه وظاهر الأحاديث يفيد التحريم لأن الطرد والنهي يفيد ذلك فإن كان هناك حاجة كازدحام الناس في المسجد ونحو ذلك مما يدعو إلى الصلاة بين السواري فلا بأس ، قال الشوكاني في نيل الأوطار (3/229) : (وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه . وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم) .
وعليه فيجوز الصلاة بين الساريتين للمنفرد ، والجماعة إذا كان الصف بين الساريتين ، ويجوز للجماعة حتى ما بعد الساريتين للحاجة كالازدحام ونحوه ، وعلى الإمام أن يبين هذه المسألة للمأمومين بالحكمة والموعظة الحسنة ، وادعو إخواني الذين يبنون المساجد أن يحاولوا تجويدها من السواري قدر المستطاع . والله أعلم .