هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟
السؤال
هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟
الجواب
السؤال
هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟
الجواب
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه على مذاهب :
المذهب الأول : قالوا : إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد جامع وهو مذهب الحنفية ، والحنابلة ، قال ابن بطال في شرح البخاري (4/161) : (وذهبت طائفة إلى أنه لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة ، روي هذا القول عن علي ، وابن مسعود ، وعروة ، وعطاء ، والحسن ، وابن شهاب ، وهو قول مالك في ( المدونة ) ، قال : أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع) .
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (2/734) : (وهو قول عامة التابعين ، ولم ينقل عن صحابي خلافه ، إلا من قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ، أو مسجد نبي ) .
وهو الراجح أعني أن الاعتكاف لا يجوز إلا في مسجد تقام فيه الصلوات ، ومنها الجمعة إذا كان اعتكافه سيكون أو يمتد إلى يوم الجمعة .
ورجحت هذا المذهب لما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتِ : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ … وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ))(رواه أبو داود رقم الحديث (2475) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8377) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/235) : (إسناده حسن صحيح ) ) .
وجه الاستدلال : أن الحديث مرفوع لقولها-رضي الله عنها- : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ)) فيكون قولها : ((وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ)) مرفوعاً ، وفيه أن الاعتكاف يجوز في المسجد الجامع دون غيره .
الدليل الثاني : عن ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَال : (( لاَ اعْتِكافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تجمع فِيهِ الصَّلوات ))( أخرجه عبد الله في مسائله عن أبيه برقم (196) ، بإسناد صحيح . ينظر : ما صح من الآثار (2/694)) .
الدليل الثالث : أن الاعتكاف في غير مسجد جامع سيؤدي إلى تضيع الجمعة والجماعات وهذا لا يجوز ، أو يكثر خروجه من المسجد المعتكف فيه وهذا لا يجوز كذلك .
قال ابن قدامة في المغني (4/461) : (ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه ، يعني تقام الجماعة فيه . وإنما اشترط ذلك ؛ لأن الجماعة واجبة ، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين : إما ترك الجماعة الواجبة ، وإما خروجه إليها ، فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه ، وذلك مناف للاعتكاف ، إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه ) .فإن قيل : إن خروجه من المسجد ليشهد الجمعة والجماعات أمر مشروع غير مناف للاعتكاف ، كما يخرج للأمور المباحة التي لا بد منها .
جوابه :
أن هذا الأمر المشروع بل الواجب -أعني خروج المعتكف ليشهد صلاة الجمعة والجماعات- يستطيع أن يأتي به لو اعتكف في مسجد جامع ، فخروجه للجماعات من معتكفه الذي لا بد أن يلزمه ولا يخرج منه كان بسبب عدم اعتكافه في مسجد جامع ، فهو مناف لمعنى الاعتكاف ، ولهذا قلنا : لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد جامع .
المذهب الثاني : إنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهو قول حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – ، وهو مروي عن علي – رضي الله عنه – دون ذكر المسجد الأقصى ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء دون ذكر المسجد الأقصى ، دليلهم ما ثبت عَنْ جامع بن أبي شداد عن أبي وائل قال : (( قال حذيفة لعبد الله – يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- : قوم عكوف بين دارك و دار أبي موسى لا تغير ( و في رواية : لا تنهاهم )؟! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فقال عبد الله : لعلك نسيت و حفظوا ، أو أخطأت و أصابوا))( ينظر : السلسلة الصحيحة رقم (2786) ، وصحح الحديث كذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/80)) .
جوابه :
الجواب الأول : أن معنى النفي هنا نفي الكمال ، وهو وإن كان خروجاً عن الأصل إلا أنه يصار إليه لوجود الدليل في جواز الاعتكاف في المسجد الجامع كما سبق في المذهب الأول ، ونفي الكمال قد ورد في الشرع منه ما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: ((مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ : لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))(رواه الإمام أحمد في مسنده رقم الحديث (12383) . ينظر : صحيح الجامع رقم (13135) ، وصحيح الترغيب رقم (3004) ).
الجواب الثاني : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- رد على حذيفة –رضي الله عنه- بقوله : ((لعلك نسيت و حفظوا ، أو أخطأت وأصابوا)) وهذا يفيد أحد أمرين :
الأول : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- يخطيء حذيفة –رضي الله عنه- في روايته للفظ الحديث ، وبهذا يسقط الاستدلال به .
الثاني : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- يخطيء حذيفة –رضي الله عنه- في استدلاله به على عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فيريد ابن مسعود –رضي الله عنه- أن النفي في الحديث نفي للكمال وليس للصحة ، وعليه لا يصح الاستدلال به على عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة .
المذهب الثالث : أنه يصح في أي مسجد ، وهو مذهب المالكية والشافعية ، واستدلوا بقوله تعالى : ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ سورة البقرة :187. فالمساجد جمع تشمل جميع المساجد .
جوابه :
أن المراد بالمساجد هنا المساجد التي تقام فيها الجماعات ، وهذا هو المعهود من أطلاقها ، وأيضاً لما ذكرناه من أدلة المذهب الأول ، فهي ظاهر في ذلك ، وأن المراد منها المساجد الجامعة .
والله أعلم .ينظر : عمدة القاري (11/141) ، والمبسوط (3/114) ، والتمهيد (8/325) ، والاستذكار (3/385) ، وبداية المجتهد (3/234) ، والمجموع (6/507) ، والمغني (4/461) ، والموسوعة الفقهية (5/211) ، والسلسلة الصحيحة (6/1/667) ، وقيام رمضان ص (37) وحاشية ابن عابدين (2/129) ، وعمدة القاري (11/141) ، والمبسوط (3/114) والمغني (4/461) ، وكشاف القناع (2/351).