هل يشرع دعاء قنوت الوتر في جميع رمضان بل والسنة أو في نصف رمضان الأخير فقط ؟؟

فتاوى الصلاة

السؤال

هل يشرع دعاء قنوت الوتر في جميع رمضان بل والسنة أو في نصف رمضان الأخير فقط ؟

📝

الجواب

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على مذاهب والراجح أنه يشرع قنوت الوتر في جميع السنة ، وهو مذهب الحنفية ، ووجه عند الشافعية قال عنه النووي في المجموع (3/510) : (ووجه ثالث أنه يستحب في الوتر في جميع السنة ، وهو قول أربعة من كبار أصحابنا ، أي : عبد الله الزبيري ، وأبي الوليد النيسابوري ، وإبي الفضل بن عبدان ، وأبي منصور بن مهران ، وهذا الوجه قوى في الدليل) . وهو مذهب الحنابلة .
والسنة أن يترك القنوت أحياناً .
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- قَالَ : ((عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))(رواه أبو داود رقم (1427) ، والنسائي رقم الحديث (1756) ، والإمام أحمد في مسنده رقم الحديث (1727) . وصححه النووي في المجموع (3/496) ، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/168) وقال : (حديث صحيح ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، وحسنه الترمذي ) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن هذا الدعاء في قنوت الوتر ولم يخصه بوقت دون وقت ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة هنا قائمة لأنه موطن تعليم ، فدل هذا على مشروعية القنوت طوال السنة .
الدليل الثاني : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ))(رواه أبو داود رقم (1429) ، و ابن ماجه رقم الحديث (1235) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/169) ) .
الدليل الثالث : عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ –رضي الله عنه- : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (1172) ، والنسائي رقم الحديث (1710) . وصححه الشيخ الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (3/968) ) .
وجه الاستدلال من الحديثين : أنه ليس فيهما تقييد لدعاء القنوت بوقت دون وقت ، وعليه فإنه يشرع في جميع السنة .
وأما قولي بأن السنة أن يترك القنوت أحياناً لأنه قد وردت أحاديث كثيرة في إيتاره صلى الله عليه وسلم كأحاديث عائشة وابن عباس –رضي الله عنهم- وغيرها وقد مرت معنا وليس فيها ذكر القنوت مطلقاً ، فالجمع بينها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحياناً ويترك أحينا ، ولا يعارض هذا ما ذكرناه من مشروعية القنوت جميع السنة ، لأن القنوت من جملة الدعاء فإن فعله جميع السنة فمشروع ، وإن فعله أحيناً وتركه أحياناً فقد أصاب السنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى (22/271) : (وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة من شاء فعله ومن شاء تركه … وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن ، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن ، وإن لم يقنت فقد أحسن ) . انتهى .
فإن قيل : قد ثبت عن عبد الرحمن بن عبد القاري : (( ... فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان ، فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - ، فكان الناس يقومون أوله ، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف ))(رواه ابن خزيمة في صحيحه (2/155) رقم الأثر (1100) ، وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح ) .
وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- : ((أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْنُتُ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الثاني مِنْ رَمَضَانَ ))(أخرجه عبد الله في مسائله عن أبيه (96) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/305) بإسناد صحيح ) .
جوابه :
الجواب الأول : ليس في الأثر الأول أنهم لم يقنتوا إلا في النصف الأخير ، وليس فيه كذلك القنوت في النصف الأخير فقط ، بل فيه الدعاء على الكفرة في النصف الأخير ، فلا يوجد في الأثر نفي القنوت في النصف الأول ، فلا يصح الاستدلال به .
الجواب الثاني : لو سلمنا جدلا في الأثر الأول أنهم لم يقنتوا في النصف الأول فلا يلزم منه عدم مشروعيته ، وكذا يقال في الجواب على أثر ابن عمر –رضي الله عنهما- لأنه قد أثبتنا بالأحاديث المرفوعة ثبوت القنوت من غير تقييد بوقت دون وقت ، فعدم فعل الشيء من بعض الصحابة لا يستلزم عدم مشروعيته .
الجواب الثالث : أنه ثبت عن غيرهم من الصحابة خلاف ذلك ، فقد ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ترك القنوت في الوتر طوال السنة ، وثبت عن آخرين القنوت في الوتر طوال السنة(ينظر : مصنف ابن أبي شيبة (2/97-100) ، ومختصر قيام الليل للمروزي ص (135-136) ، ومجموع الفتاوى (22/271) ، وأصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (3/970) ) ، فيرجع في الخلاف إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما بينته لك من أنه كان يقنت أحياناً ويدع أحياناً أخرى . والله أعلم .
قال الترمذي في سننه (2/329) : (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَارَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَقُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ) .
تنبيه : آثار ضعيفة :
هناك بعض الآثار الضعيفة قد يستدل بها في هذه المسألة أحببت أن أنبه عليها فهي لا تصلح للاستدلال لكلّ من الفريقين ، وهي :
الأثر الأول : عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ : ((أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ - يَعْنِى فِي رَمَضَانَ - وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))( رواه أبو داود رقم الأثر (1430)).

وهذا الأثر إسناده ضعيف لجهالة من روى عنهم محمد بن سيرين ، وضعفه الزيلعي ونقله عن النووي(ينظر : نصب الراية (2/126) ) .

الأثر الثاني : عَنِ الْحَسَنِ : (( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، وَلاَ يَقْنُتُ بِهِمْ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، فَإِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ : أَبَقَ أُبَيٌّ ))(رواه أبو داود رقم الأثر (1431) . أبق : هرب ) .
وهو أثر إسناده ضعيف ، لأن الحسن البصري لم يدرك عمر –رضي الله عنه- ، وضعفه الزيلعي في نصب الراية (2/126) ، وقال الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود (2/82) : (إسناده ضعيف ؛ لانقطاعه بين الحسن- وهو: البصري- وعمر . وضعفه النووي والزيلعي) .
روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : ((كان أُبَيّ يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة ، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ ، وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول : اللهم قحط المطر ، فيقولون : آمين ، فيقول : ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو ))(رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (7724). ) .
إسناده ضعيف بسبب انقطاعه لأن ابن سيرين لم يدرك زمن عمر –رضي الله عنه- .
الأثر الثالث : قال ابن أبي شيبة حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرِِ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : (( كَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَقْنُتُ السَّنَةَ كُلَّهَا فِي الْفَجْرِ ، وَيَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ الرُّكُوعِ ))قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا .
(رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/100) رقم (6941) ) . وهذا الأثر ضعيف لأن في إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف( ينظر : تقريب التهذيب (1/113) رقم (524) ، وتهذيب الكمال (3/264) رقم (524) ) .
وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (2/166).
والله أعلم .
ينظر : البحر الرائق (3/43) ، وبدائع الصنائع (1/273) ، ومجمع الأنهر (1/128) وروضة الطالبين (1/253) ، والمجموع (3/510، 520).