الشيخ: مس الحائض للمصحف اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في جواز مس المصحف من المحدث والحائض على قولين ، والراجح أنه تستحب الطهارة لمس المصحف ولا تجب ، وعليه يجوز مس المصحف من المحدث حدثاً أكبر أو أصغر ، وهو مذهب العراقيين كما في الخلافيات للبيهقي (1/497) ، والحكم بن عتبة وحماد بن أبي سليمان كما في تفسير الثعلبي (9/220) ، والمجموع (2/89) ، والظاهرية كما في المحلى (1/94) مسألة رقم (116) ، واختاره ابن المنذر من الشافعية كما في الأوسط (2/103) ، والشوكاني كما في نيل الأوطار (1/259) ، وغيرهم .ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :الدليل الأول : الأصل الجواز ولا يصار إلى المنع إلا بدليل صريح صحيح فمن قال بالمنع يطالب بالدليل ، ولا دليل فيما نعلم يمنع الحائض من مس المصحف فوجب البقاء على الأصل .الدليل الثاني : عن ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما قال : (( إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ الْخَلاَءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً . قَالَ وَزَادَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ : إِنَّكَ لَمْ تَوَضَّأْ ؟ قَالَ : مَا أَرَدْتُ صَلاَةً فَأَتَوَضَّأَ )) رواه مسلم .ورواه عبد بن حميد بسنده عن بن عباس – رضي الله عنهما- : ((أنَّ رسولَ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِن الغائطِ ثم أرادَ أنْ يَطْعَم ، فقيل : ألا تتوضأ ؟ فقال : إنما أُمِرْتُم بالوضوءِ للصلاة )) رواه في المنتخب (1/230) رقم الحديث (690) وإسناده صحيح .وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم عبر بالحصر (إنما) ، فدل هذا على أن الطهارة تشترط للصلاة وما كان في حكمها كالطواف لا غير ، وعليه فلا تشترط الطهارة لمس المصحف أو قراءة القرآن فيجوز للحائض أن تمسه .الدليل الثالث : قياس مس المصحف على قراءة القرآن ممن كان به حدث أصغر ، فإذا كانت قراءة القرآن من دون مس جائز بالإجماع فكذلك مسه من باب أولى لأن الشارع تعبدنا بقراءته وتدبره والعمل به ولم يتعبدنا بمجرد مسه .الدليل الرابع : إذا كان مس المصحف من المحدث حدثاً أكبر جائز بالعصا أو القلم أو من وراء حائل فمسه باليد مثله أو أولى منه ، لأن يد المسلم طاهرة فعَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ : (( قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ . قَالَتْ : فَقُلْتُ : إِنِّي حَائِضٌ . فَقَالَ : إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ )) رواه مسلم ، و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال : (( إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : كُنْتُ جُنُبًا ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ . فَقَالَ : سُبْحَانَ اللهِ ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ )) رواه البخاري وسلم .وذكرت أدلة المخالفين في كتابي الإصابة في أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة ص (119) وأجبت عليها .