هذه السنة من السنن المهجورة عند كثير من الناس فتراه بعد أن ينتهي من صلاة الفريضة يقوم مباشرة لصلاة النافلة في المكان نفسه دون الفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو تغيير للمكان ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة مطالب أولي النهى (1/550) ، والمجموع (4/29) ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (24/202) ، وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عن عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ – ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ – يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي ، فَصَلَّيْتُ ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ : ((لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ ، فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ ، أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ)) . رواه مسلم رقم الحديث (883).
قال ابن رجب في فتح الباري (5/264) : (وهذا الحديث يدل على كراهة أن يَصِلَ المكتوبة بالتطوع بعدها من غير فصل ، وإن فصل بالتسليم) .
قال النووي شرح مسلم (6/171) : (قوله : (فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج) فيه دليل لما قاله أصحابنا : إن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر ، وأفضله التحول إلى بيته وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده ، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة : وقوله : (حتى نتكلم) دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه . والله أعلم ).
قال المناوي في فيض القدير (6/548) : ((لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج) من المسجد فيسن الفصل بينهما بالانتقال من محل الفرض والخروج لغيره فإن لم يفعل فصل بنحو كلام ) .
الدليل الثاني : عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي ، فَرَآهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَلَاتِهِمْ فَصْلٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحْسَنَ ابْنُ الْخَطَّابِ )) . رواه الإمام احمد في المسند رقم الحديث (23121) بإسناد صحيح . ينظر السلسلة الصحيحة رقم (2549) .
الدليل الثالث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ يَعْنِي السُّبْحَةَ )) . رواه ابن أبي شيبة رقم الحديث (6011) ، وابن ماجه رقم الحديث (1417) ، وأبو داود رقم الحديث (1006) . صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/160) .
الدليل الرابع : قال ابن أبي شيبه حدثنا ابن عليه عن أيوب عن عطاء : (( أن ابن عباس وابن الزبير وأبا سعيد وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يقولون : لا يتطوع حتى يتحول من مكانه الذي صلى فيه الفريضة )). المصنف (2/23) رقم (6012) . إسناده صحيح .
الدليل الخامس : روى عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : ((مَنَ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ فَلْيَتَكَلَّمْ ، أَوْ فَلْيَمْشِ ، وَلْيُصَلِّ أَمَامَ ذَلِكَ)) قَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : (( إِنِّي لَأَقُولُ لِلْجَارِيَةِ : انْظُرِي كَمْ ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ؟ مَا بِي إِلَّا أَنْ أَفْصِلَ بَيْنَهُمَا )) . في المصنف (2/416) رقم (3914) . إسناده صحيح .
الدليل السادس : عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ ، تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا ، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ )) . رواه أبوداود رقم الحديث (1130) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/293) : (إسناده صحيح ، رجاله رجال الصحيح ) .