إحياء السنن المهجورة من علامات الطائفة المنصورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبعد :

فإن إتباع هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه النجاة في الدنيا والآخرة ، وفي تركه الهلاك ، قال تعالى : {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (النور 54) ، وقال تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(الحشر7) ، وقال تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (آل عمران31) ، وقال سبحانه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (الأنبياء107) ، وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } (الأحزاب36) ، وقال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور63) .

وعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَادِيهِمْ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ )). السلسلة الصحيحة رقم (490) .

ولقد أصبحت كثير من سنن النبي صلى الله عليه وسلم مهجورة بل ربما يظن بعض المسلمين ممن لا علم لديه أن السنة بدعة والبدعة سنة ، وما ذاك إلا للجهل بسنن النبي صلى الله عليه وسلم ، وللغربة التي تمر بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ )) . رواه مسلم برقم (389) ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : (( إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا )) . رواه مسلم برقم (390) ، قال الإمام النووي في شرح مسلم (1/270) : (قَالَ : أَبُو الْحُسَيْن بْن سَرَّاج : ( لَيَأْرُز ) بِضَمِّ الرَّاء وَحَكَى الْقَابِسِيّ فَتْح الرَّاء وَمَعْنَاهُ يَنْضَمّ وَيَجْتَمِع . هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب . وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْر هَذَا مِمَّا لَا يَظْهَر .

وَقَوْله صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْن الْمَسْجِدَيْنِ ) أَيْ مَسْجِدَيْ مَكَّة وَالْمَدِينَة . وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَه : فِي قَوْله : ( غَرِيبًا ) رَوَى اِبْن أَبِي أُوَيْس عَنْ مَالِك -رَحِمَهُ اللَه – أَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْمَدِينَة وَأَنَّ الْإِسْلَام بَدَأَ بِهَا غَرِيبًا وَسَيَعُودُ إِلَيْهَا . قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِر الْحَدِيث الْعُمُوم وَأَنَّ الْإِسْلَام بَدَأَ فِي آحَاد مِنْ النَّاس وَقِلَّة ثُمَّ اِنْتَشَرَ وَظَهَرَ ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْص وَالْإِخْلَال حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا فِي آحَاد وَقِلَّة أَيْضًا كَمَا بَدَأَ) انتهى .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس )) . السلسلة الصحيحة رقم (1273) .

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : (ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن) . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10 / 319 ). قال الهيثمي : رجاله موثوقون . مجمع الزوائد ( 1 / 188) .

وعن عبد الله بن المبارك – رحمه الله- قال : (اعْلَمْ- أي أَخي- أَن الموتَ اليومَ كرامة لكلِّ مسلم لقيَ اللهَ عَلى السنة ، فإنا للّه وإِنَّا إِليه راجعون ؛ فإِلَى اللهِ نَشكو وَحْشتَنا ، وذهابَ الإِخوان ، وقلةَ الأعوانِ ، وظهورَ البدع ، وإِلى الله نَشكو عَظيمَ ما حل بهذهِ الأمةِ من ذهاب العلماء ، وأَهل السنة ، وظُهور البدع) . البدع والنهي عنها لابن الوضاح ص (97) .

وكان الأعمش يقول : (لا أعلم لله قوما أفضل من قوم يطلبون الحديث ، ويحيون هذه السنة ، كم أنتم في الناس ؟! لأنتم أقل من الذهب ) . ذم الكلام رقم (963) .

لهذا كلّه أحببت أن أكتب في هذه المقالات إن شاء الله تعالى عن سنن هجرها كثير من الناس وسيكون عنوان هذه المقالات سلسلة إحياء السنن المهجورة من علامات الطائفة المنصورة ، فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : (( لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ )) ، رواه البخاري ، سائلين المولى جل في علاه أن يجعلنا ممن قال فيهم : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (العنكبوت69) ، وممن قال فيهم رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )) . رواه مسلم برقم (2398) .

وسنجعل الكلام على هذه السنن متتابعاً إن شاء الله تعالى ، وسأتكلم في كلّ مقالة على سنة واحدة فقط ، سواء كانت في الصلاة أو الوضوء أو الطعام والشراب أو غيرها ، أسأل الله تعالى أن يرد جميع المسلمين إلى دينه رداً جميلا ، وأن نحقق الشرط المذكور في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (محمد7) ، فيتحقق لهذه الأمة النصر والعزة على أعدائها ، فنصر الله تعالى يكون بإتباع أوامره واجتناب نواهيه ، والله أعلم .