ما هي محظورات الإحرام مع الدليل ؟

1878
السائل: أرجو توضيح محظورات الإحرام مع الأدلة الدالة عليها ؟
وجزاكم الله خيرا

الشيخ: محظورات الإحرام هي :
المحظور الأول :
لُبْسُ المخيط :
أجمع أهل العلم على أن المحرم الرجل لا يجوز له لبس المخيط .
ينظر : الإجماع ابن عبد البر ص (156) ، والإجماع لابن المنذرص (62) ، وموسوعة الإجماع لابن تيمية ص (287) ، والإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة ص (93)
والمراد بالمخيط هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى شرح العمدة (3/15) : ( إن المحرم يحرم عليه أن يلبس على بدنه المخيط المصنوع على قدر العضو مثل القميص … وكذلك لو وضع على مقدار العضو بغير خياطة مثل أن ينسج نسجاً أو يُلْصَق بِلَصُوق أو يربط بخيوط … ونحو ذلك مما يوصل به الثوب المقطع حتى يصير كالمخيط فإن حكمه حكم المخيط ، وإنما يقول الفقهاء المخيط بناءً على الغالب ، فأما إن خيط أو وصل لا لِيُحيط بالعضو ويكون على قدره مثل الإزار والرداء … فلا بأس به فإن مناط الحكم هو اللباس المصنوع على قدر الأعضاء ) .
دليل تحريم المخيط :
عن ابن عمر رضي الله عنهما : (( أن رجلاً قال : يا رسول الله ما يَلْبَسُ المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يَلْبًسُ القُمُصَ ولا العمائِمَ ولا السراويلاتِ ولا البرانسَ(جمع بُرْنُس ثوب رأسه منه ملتزق به يلبسه المغاربه ) ولا الخفاف( وهو ما يلبس في الرِّجل ويغطي الكعبين ويصل إلى نصف الساق أحياناً ) إلا أحدٌ لا يجد نعلينِ فليلبَسْ خفينِ وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئاً مَسَّه زعفران أو وَرْسٌ(نبت أصفر يصبغ به الثياب له رائحة طيبة )))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1468) ، ومسلم رقم الحديث (1178).) .
قال الإمام ابن عبد البر( التمهيد (15/103)) : ( كلّ ما في هذا الحديث فمجمع عليه من أهل العلم أنه لا يلبسه المحرم ما دام محرماً وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء ) .
ومن لم يجد الإزار والرداء أو النعلين فإنه يلبس ما يجد ، ولا فدية عليه . وهو مذهب الشافعية والحنابلة . دليله :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات وقال : (( مَنْ لم يجدِ الإزارَ فَلْيَلْبَسَ السَّراويلَ ومن لم يجدِ النَّعْلَينِ فليلبس الخُفين ))(أخرجه البخاري رقم الحديث (1746) ، ومسلم رقم الحديث (1177) . ) .
المحظور الثاني :
يحرم لُبْسُ القفازين للرجل والمرأة ، ويحرم على المرأةِ شَدُّ النقابِ أو اللثامِ ونحوها على وجهها :
اتفق العلماء على أنه يحرم على الرجل لُبس القفازين( ينظر : الموسوعة الفقهية (2/156) ، والمجموع (7/272)) ، واتفقوا كذلك على أنه يحرم على المرأة شدّ النقاب أو اللثام ونحوهما على وجهها ، كذلك يحرم على المرأة لبس القفازين ، وهو مذهب المالكية ، والمعتمد عند الشافعية ، وهو مذهب الحنابلة دليله :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تَنتَقبُ المرأةُ المحرمةُ ولا تَلبَس القُفَّازين))( رواه البخاري رقم الحديث (1741) ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( نَهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ ، وَالنِّقَابِ ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا( المصبوغ بالعُصفر) ، أَوْ خَزًّا(نوع من الحرير ) ، أَوْ حُلِيًّا ، أَوْ سَرَاوِيلَ ، أَوْ قَمِيصًا ، أَوْ خُفًّا (رواه أبو داودرقم الحديث (1827) . ينظر : صحيح أبي داود رقم الحديث (1612) ) .
ويجوز لها أن تسدل على وجهها وهي محرمة كما سبق بيانه في جواب لسؤال أجبت عليه في هذا الموقع.
المحظور الثالث :
تغطية المُحرم رأسه بعمامة ونحوها :
اتفق العلماء على تحريم تغطية المحرم رأسه أو بعضه بعمامة ونحوها(ينظر : الموسوعة الفقهية (2/154) ، والتمهيد (15/104و109) ، والإجماع لابن المنذر ص (64) ) .
دليله :
عن ابن عمر رضي الله عنهما : (( أن رجلاً قال : يا رسولَ اللهِ ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ من الثِّيابِ ؟ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لا يَلْبًسُ القُمُصَ ولا العمائِمَ ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1468) ، ومسلم رقم الحديث (1178)) .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قَالَ : (( وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ ، فَقَتَلَتْهُ ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : اغْسِلُوهُ ، وَكَفِّنُوهُ ، وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ ، وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1742) ) .
المحظور الرابع :
تغطية وجه المحرم المتوفى :
يحرم تغطية وجه المحرم المتوفى خاصة دون الحي ، وهو مذهب طائفة من أهل العلم ، ونصره ابن حزم ، المحلى (5/78) . وينظر : السلسلة الصحيحة (6/2/943).
أما المحرم الحي فيجوز له أن يغطي وجهه ، وهو مذهب الشافعية ، والحنابلة في الصحيح من المذهب، وعزاه الإمام النووي إلى الجمهور .
أما دليل تحريم تغطية وجه المحرم المتوفى خاصة دون الحي :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قَالَ : (( كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اغْسِلُوهُ وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَلاَ تُغَطُّوا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي ))(رواه البخاري رقم الحديث (1206) ، ومسلم رقم الحديث (1206) واللفظ له ) .
أما دليل جواز تغطية وجه المحرم الحي ما يأتي :
عن عثمان رضي الله عنه : (( أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُخَمّرُ وَجْهَهُ وهو مُحْرِمٌ ))(ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (2899) ) .
وثبت من قول وفعل الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر بعضهم على بعض(ينظر : ما صح من الآثار (2/744و745) ، وفتح الباري لابن حجر (4/65) ، والمحلى (5/78) ) ، منها :
عن الْفُرَافِصَة بْنِ عُمَيْرٍ الْحَنَفِىّ : (( أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّى وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ))(أخرجه الإمام مالك في الموطأ (1/327) ، وابن حزم في المحلى (5/78) . وهو صحيح ) .
وعَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ : (( يَغْتَسِلُ المُحْرِمُ وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيُغَطِّي أَنْفَهُ مِنَ الْغُبَارِ وَيُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ نَائِمٌ…))( أخرجه البيهقي في سننه (5/54) ، وابن حزم في المحلى (5/79) ، وأبو داود في مسائله (110) . وهو صحيح ) .
قال الإمام ابن قدامة(المغني (5/153) ) : ( ولنا ما ذكرنا من قول الصحابة ، ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم ، فيكون إجماعاً ) .
المحظور الخامس :
الطّيب :
قال الإمام ابن قدامة( المغني (5/140) ) : ( ومعنى الطّيب : ما تُطيّب رائحته ، ويتّخذ للشّمّ ، كالمسك ، والعنبر ، والكافور ، و الغالية ، والزّعفران ، وماء الورد ، والأدهان المطيّبة ) .
أجمع العلماء على أنه يحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب سواء كان في الثوب أو البدن ، وأجمعوا أيضا على أنه يحرم الرجل والمرأة لبس إحرام أو ثياب مسها طيب إلا بعد غسلها . ينظر : التمهيد (2/254) و (15/104و122) ، والمغني (5/140-142) ، والمجموع (7/282)
دليله :
عن ابن عمر رضي الله عنهما : (( أن رجلاً قال : يا رسول الله ما يَلْبَسُ المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا تلبسوا شيئاً مَسَّه زعفران أو وَرْسٌ ))(أخرجه البخاري رقم الحديث (1468) ، ومسلم رقم الحديث (1178). ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( نَهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ ، وَالنِّقَابِ ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ ، (((رواه أبو داود برقم (1827) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (1612) ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قَالَ : (( كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اغْسِلُوهُ وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَلاَ تُغَطُّوا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي ))( رواه البخاري رقم الحديث (1206) ، ومسلم رقم الحديث (1206) واللفظ له ) .
المحظور السادس :
تقليم الأظافر :
أجمع أهل العلم على أن المحرم لا يجوز له قَلْم أظفاره ، وأجمعوا أيضا على أن للمحرم أن يزيل ظفره إذا انكسر ينظر : المغني (5/146) ، والإقناع في مسائل الإجماع (1/260) ، وموسوعة الإجماع (1/72) . وخالف ابن حزم في المحلى (5/278) وقال بالجواز مطلقاً . واستدل بأثر ابن عباس – رضي الله عنهما – الآتي وهو حجه عليه لا له لأن ابن عباس رضي الله عنهما رأى جواز إزالة الظفر إذا انكسرلا مطلقاً ، ومفهومه أنه لا يجوز تقليم أظفاره إذ أنه يستطيع أن يقول : لا بأس للمحرم أن يقلم أظفاره . ولا مخالف لابن عباس في هذا يعرف فكان إجماعاً أن المحرم لا يجوز له قلم أظفاره .
.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما قال : ((المُحْرِمُ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ ، وَيَنْزِعُ ضِرْسَهُ ، وَيَشُمُّ الرَّيْحَانَ ، وَإِذَا انْكَسَرَ ظُفُرَهُ طَرَحَهُ وَيَقُولُ : أَمِيطُوا عَنْكُمُ الأَذَى فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَصْنَعُ بِأَذَاكُمْ شَيْئًا))( رواه البيهقي في سننه في الحج / باب المحرم ينكسر ظفره ، رقم الأثر (8907) . وقال الألباني حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص(29) : سنده صحيح ).
المحظور السابع :
إزالة شعر الرأس وبقية شعر الجسد :
أجمع العلماء على أن المحرم يحرم عليه أخذ شيء من شعر رأسه إلا من عذر ، وذهب أكثر العلماء إلى أن بقية شعر الجسد كذلك . وإزالة شعر الرأس والجسد محرمة سواء أكان بالحلق ، أو التقصير ، أو النتف ، أو غير ذلك .وخالف ابن حزم في المحلى (5/278) وقال بالجواز في بقية الجسد وإن المنع في شعر الرأس خاصة . وهو قول مرجوح ، والراجح ما ذهب إليه الجمهور ، وأثر ابن عباس – رضي الله عنهما – الآتي حجة عليه بل لو قيل : إن الإجماع السكوتي في عهد الصحابة – رضي الله عنهم – على المنع لما بعُد لأثر ابن عباس كما سيأتي فيكون بذلك قد وقع الإجماع قبل خلاف الظاهرية . والله أعلم .
ينظر : المغني (5/145) ، والمجموع (7/262) ، وموسوعة الإجماع لابن تيمية ص (288) ، وموسوعة الإجماع (1/71) ، والإقناع في مسائل الإجماع (1/261)
والدليل على تحريم إزالة شعر الرأس :
قوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ سورة البقرة : 196.
والآية نبهت بالأعلى وهو الحلق على الأدنى وهو التقصير ، وأيضاً الحلق أو التقصير يتحلل بأحدهما المحـرم فهما سـواء في التحريم .
الدليل على تحريم إزالة شعر الجسد :
قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ سورة الحجّ :29.
وجه الدلالة : أن الشارع الحكيم قال : ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ أي بعد التحلل ، مفهوم الآية أنه لا يحل له ذلك قبل التحلل ، فلا يحل له إزالة شيء من شعر جسده بقص أو حلق أو غيرهما ، كما لا يجوز له قص أظفاره ، لأن التفث معناه :
قال ابن عباس – رضي الله عنهما : (( التَّفَثُ : الرَّمْيُّ ، والذَّبْحُ ، والحَلقُ ، والتَّقصيرُ ، والأخذُ من الشاربِ والأَظْفَارِ واللحيةِ ))(أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم الأثر (15673) ، بسند صحيح . ينظر : ما صح من آثار الصحابة (2/702) ).
وهذا قول صحابي لا يعرف له مخالف من الصحابة ، وقول الصحابي حجّة على الراجح من أقوال أهل العلم .
قال الإمام أحمد : ( شعر الرأس واللحية والإبط سواء لا أعلم أحداً فرق بينهما ) .ينظر : شرح العمدة لابن تيمية (2/7) .
وكذا فسر التفث بما قاله ابن عباس – رضي الله عنهما غير واحدٍ من أهل العلم (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/34) ، وأحكام القرآن للجصاص (3/310) ، وأحكام القرآن لابن العربي (3/284) ، وأضواء البيان (5/404) ) .
قال الجوهري( الصحاح (1/274) ) : ( التفث في المناسك : ما كان من نحو قص الأظفار والشارب وحلق الرأس والعانة ، قاله أبو عبيدة ) .
ويجوز له أن يزيل شعر رأسه وهو محرم إذا كان يتأذى ببقائه بالإجماع كما سبق ، لكن عليه الفدية .
دليله :
قوله تعالى : ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ سورة البقرة 196.
وعَنْ كَعْبٍ هُوَ ابْنُ عُجْرَةَ قَالَ : (( أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَنْ رَأْسِي ، فَقَالَ : أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةً ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً )) ( رواه البخاريرقم الحديث (3954) ، ومسلم ، رقم الحديث (1201) ) .
المحظور الثامن :
الجماع ودواعيه الفعلية أو القولية :
يحرم على المحرم باتفاق العلماء الجماع ودواعيه الفعلية أو القوليةوالجماع أشد المحظورات حظراً .
( ينظر : الموسوعة الفقهية (2/168) ، وموسوعة الإجماع (1/69) ، والتمهيد (10/24) ، والإقناع في مسائل الإجماع (1/257) ، وبداية المجتهد (3/386) ، والمغني (5/166) ) .
دليله :
قوله تعالى : ﴿ الْحجّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحجّ ﴾ سورة البقرة 197 .
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى : ﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ ﴾ : (( هو التعريض بذكر الجماع ))( أخرجه الطبري في تفسيره (2/263) . بإسناد صحيح . ينظر : ما صح من آثار الصحابة (2/703) ) .
وقال – رضي الله عنه – : (( إنما الرَّفَث ما رُوجِعَ به النساء))( أخرجه الطبري في تفسيره (2/263-264) . وهو صحيح . ينظر : ما صح من آثار الصحابة (2/703) ) .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما- قال : (( الرَّفث : الجماع))( رواه الحاكم في المستدرك رقم الأثر (3094) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم . وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه رقم الأثر (13237) . ينظر : ما صح من آثار الصحابة (2/704)) .
المحظور التاسع : اقتراف المعاصي وهو الفسوق : وهو حرام في كلّ حال وفي حال الإحرام آكد وأغلظ .
دليله :
قوله تعالى : ﴿ الْحجّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحجّ ﴾ سورة البقرة 197 .
قال الشنقيطي(أضواء البيان (5/357) ) : ( والأظهر في معنى الفسوق في الآية أنه شامل لجميع أنواع الخروج عن طاعة الله تعالى ) .
المحظور العاشر : الجِدال : وهو المخاصمة والمراد به الجدال بغير علم أو الجدال في الباطل .
دليله :
قوله تعالى : ﴿ الْحجّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحجّ ﴾ سورة البقرة 197 .
أما الجدال في طلب الحق فلا يدخل في هذا لأنه الله تعالى يقول : ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ سورة النحل 125.
قال في الموسوعة الفقهية( الموسوعة الفقهية (2/169) ) : (والجدال : المخاصمة . وقد قال جمهور المفسرين المتقدمين : أن تُماري صاحبك حتى تغضبه . وهذا يقتضي النهي عن كلّ مساوىء الأخلاق والمعاملات . لكن ما يحتاج إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدخل في حظر الجدال ) .

المحظور الحادي عشر والثاني عشر :
الخِطْبَة وعقدُ النكاح :
ذهب جمهور العلماء من المالكية ، والشافعية ، والحنابلةإلى أنه يحرم على المحرم عقد النكاح وأنه يقع باطلاً .
قال الإمام النووي(المجموع (7/302) ) : ( وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وهو مذهب عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن بشار ، والزهري ) .
والمشهور عن ابن عباس – رضي الله عنهما – خلافه ، كما رواه ابن أبي شيبة برقم (12964) . وكذا نقله ابن قدامة في المغني (5/162).والله أعلم.
دليله :
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يَنْكِح المُحرمُ ولا يُنْكَح ولا يَخْطُب ))(رواه مسلم رقم الحديث (1409) ) .
المحظور الثالث عشر :
التعرض لصيد البر بقتل أو ذبح أو إشارةٍ أو دلالة عليه لصيده :
أجمع العلماء على أنه يحرم على المحرم قتل أو صيد البر مما يؤكلّ ، وأجمعوا على أن الصيد يحرمه الإحرام على المحرم ويحرمه الحَرَم على الحلال( ) ، وأجمعوا أيضا على أنه لا يحلّ للمحرم الإعانة على الصيد بشيء ، مثل : الدلالة عليه ، أو الإشارة إليه ، أو غير ذلك(ينظر : المجموع (7/310) ، والمغني (5/132) ، ومراتب الإجماع ص(78) ، والإقناع في مسائل الإجماع (1/260) ، وموسوعة الإجماع (173) ) .
دليله :
قوله تعالى : ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ الله الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ سورة المائدة : 96 .
وقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ سورة المائدة :95 .
وقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ ﴾ سورة المائدة : 2 ، مفهومه أنه إذا لم تحلوا فلا تصطادوا .
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن الأتان(الأنثى من الحمر الوحشية ) التي صادها أبو قتادة رضي الله عنه وكان حلالاً وهم محرمون فقال صلى الله عليه وسلم : ((مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا ؟ قَالُوا : لاَ . قَالَ : فَكُلُوا مَا بَقِىَ مِنْ لَحْمِهَا ))( رواه البخاري رقم الحديث (1728) ، ومسلم رقم الحديث (1196) ).
وأجمع العلماء على إباحة صيد البحر للمحرم ، وأجمعوا أيضاً على أن للمحرم أن يذبح من الأنعام والدجاج الأنسيّ( ينظر : مراتب الإجماع ص (78) ، والإقناع في مسائل الإجماع (1/260) ) .
دليله :
قوله تعالى : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ الله الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ سورة المائدة :96.
المحظور الرابع عشر :
الأكلّ من الصيد الذي صيد من أجلــه أو بإشارته أو بإعانته عليه :
ذهب جمهور العلماء من المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .
دليله :
قوله صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن الأتان التي صادها أبو قتادة رضي الله عنه وكان حلالاً وهم محرمون فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا ؟ قَالُوا : لاَ . قَالَ : فَكُلُوا مَا بَقِىَ مِنْ لَحْمِهَا ))( رواه البخاري رقم الحديث (1728) ، ومسلم رقم الحديث (1196) ).
مفهوم الحديث أنه لو أشار إليه أحد من المحرمين أو أعان عليه أو أمر حتى يصاد له لحرم أكله عليهم وإلا لم يكن للسؤال فائدة .
وعن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي – رضي الله عنهم : ((أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان ، فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم )) .
فالنبيّ صلى الله عليه وسلم ردّ لحم الصيد في هذا الحديث وحرمه على المحرم ، وأباحه في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فتعين للجمع بين الحديثين أن يقال : إنه أباحه لأنه لم يصد للمحرم ولم يعن أو يشر إليه ، ومنعه لأجل ذلك ، وأيضا حرم لأنه صِيد للمحرم كما لو أمر أو أعان عليه .
والله أعلم .