قضاء صوم رمضان عن الميت ؟

1566
السائل: السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
توفي أبي بمرض في بطنه وهو على صراع طول سنتين،فلم يصم رمضان بسبب العلاج،واتت فترة تحسن فيها قليلا لكنه لم يستطع الصوم حتى أتاه الأجل.فهل يجب على أولياءه الصيام أو كفاره من ماله؟
وجزاكم الله خيرا

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
من مات وعليه صوم رمضان لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : المعذور الذي لم يتمكن من قضاء الصوم بسبب ضيق الوقت أو لعذر المرض أو السفر ونحوهما ودام عذره إلى أن مات فإنه لا يجب عليه ولا على ورثته شيء ، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .ينظر : المبسوط (3/89) ، والمجموع (6/413 و421) ، والمغني (4/398)
والأدلة على ترجيح هذا المذهب ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ))( رواه مسلم رقم الحديث (1337)) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأمر يفعل عند الاستطاعة فإذا عجز عن الفعل الواجب ثم مات فلا شيء عليه لأنه غير مفرط ، فلا يصح أن يكلف به أو ورثته بعد موته لأنه لم يكن مستطيعاً ، فهو غير مطالب به حال حياته لعجزه فكيف يطالب به بعد موته ؟!
الدليل الثاني : القياس ، قال ابن قدامة في المغني (4/398) : (إنه حق لله تعالى وجب بالشرع ، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل ، كالحج ) .
الحال الثانية : المتمكن من قضاء الصيام لكنه لم يقضه حتى مات ، فقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في سقوط الصيام عنه ، وفي الواجب على ورثته ، والراجح أنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولا يصام عنه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، منهم الشافعية في القديم ، والحنابلة ، وبه قال الليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن عليه ، وأبو عبيد وغيرهم .
ورجحت هذا المذهب لما يأتي :
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ))(رواه أبو داود في الصوم /باب فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ رقم (2403) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2078) ، وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) .
وجه الاستدلال : أنه صريح في أن من كان عليه صوم من رمضان ولم يصم لمرض حتى مات فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، لأنه كان الواجب عليه أن يفعل ذلك في حياته كما سبق في مبحث المرض الذي لا يرجى برؤه ، وأيضاً فيه أنه يصام عن الميت صوم النذر .
الدليل الثاني : عن عَمْرَةَ (( أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَقْضِيه عَنْهَا ؟ قَالَتْ : لاَ , بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ))(أخرجه الطحاوي (3/142) ، وابن حزم في المحلى (7/4) واللفظ له . وصححه الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص (215) ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة -رضي الله عنها- ترى أنه إذا مات الميت وعليه من رمضان أنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً .
ينظر : فتح القدير مع العناية (2/352) ، وبداية المجتهد (1/299) ، والمنتقى (2/63) ، والموافقات (2/174) ، والمجموع (6/415) ، والمغني (4/398) ، والإنصاف (3/334) ، وكشاف القناع (2/334) .

والظاهر من سؤالك أن أباك -رحمه الله تعالى- من الحال الأولى حيث إنه لم يستطع القضاء بسبب العذر ، لكن إذا كنت غير متأكد من أنه كان يستطيع القضاء ولكن لم يقض فالأحوط إن تطعموا عنه عن كل يوم مسكينا.
والله أعلم .