السائل: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أحسن الله إليك , عندي إشكالات في مسألة المسح على الخفين
1- من لبس الخفين و مسح عليهما ثم بعد ذلك نزعهما و لبس غيرهما فهل يمسح عليهما بدون وضوء
2- هل يصح المسح على الجورب و النعلين
3- اذا انقضت المده او نزعت الخقين فما الذي يترتب على ذلك و هل ينتقض الوضوء
جزاك الله خيرا
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما سؤالك : 1- من لبس الخفين و مسح عليهما ثم بعد ذلك نزعهما و لبس غيرهما فهل يمسح عليهما بدون وضوء جوابه : لا يجوز له أن يمسح عليهما لأنه لا يصدق أنه لبس هذين الخفين على قدمين مغسولتين ومن شروط جواز المسح عليهما أن يلبس الخفين على قدمين مغسولتين وأدلة هذا الشرط كثيرة منها : عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : (( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ ، فَقَالَ : دَعْهُمَا ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ . فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا )) رواه البخاري ومسلم وقوله صلى الله عليه وسلم : ((طاهرتين)) أي مغسولتين . وعن أَبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((إذَا أَدْخَلَ أَحَدُكُمْ رِجْلَيْهِ فِي خُفَّيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ؛ ثَلاَثًا لِلْمُسَافِرِ ، وَيَوْمًا لِلْمُقِيمِ))رواه ابن أبي شيبة في المصنف رقم الحديث (1894) . وصحح إسناده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (15/30) تحت حديث رقم (3455) . ولا خلاف بين العلماء في اشتراط تقدم الوضوء لجواز المسح على الخفين ينظر : المجموع (1/542) ، والمغني (1/361) . وهذا لا يصدق عليه أن توضأ قبل لبس الخفين . أما سؤالك الثاني : 2- هل يصح المسح على الجورب و النعلين جوابه : اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في جواز المسح على الجوربين ، فذهب جمهور العلماء –رحمهم الله تعالى إلى جواز المسح على الجوربين( الموسوعة الفقهية (37/271) ) ، قال ابن المنذر في الأوسط (1/462) : (رُوِيَ إِبَاحَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَأَبِي مَسْعُودِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، وَبِلَالٍ ، وَأَبِي أُمَامَةَ ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، كَذَلِكَ قَالَا : إِذَا كَانَا صَفِيقَيْنِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَالْأَعْمَشُ ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَزُفَرُ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ . قَالَ أَحْمَدُ : قَدْ فَعَلَهُ سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَالَ إِسْحَاقُ : مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ) . فالقول بجواز المسح على الجوربين هو مذهب جمهور العلماء ، واختلفوا في بعض الشروط : فقيل : يشترط لجواز المسح عليهما أن يكونا صفيقين . وقيل : يشترط لجواز المسح عليهما أن يكونا مجلدين أو منعلين . وقيل : يشترط لجواز المسح عليهما أن يكونا مجلدين فقط . وقيل : يجوز المسح على الجوربين مطلقاً ما دام يسميان جوربين . والراجح أنه يجوز المسح على الجوربين مطلقاً وإن كانا يشفان القدمين مادام يسميان جوربين ، وهو مذهب عمر وعلي –رضي الله عنهما- ، وهو قول أبي يوسف ، ومحمد ، وإسحاق ، وداود ، وابن حزم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. قال النووي في المجموع (1/527) : (وحكى أصحابنا عن عمر وعلى -رضى الله عنهما- جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا ، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد واسحق وداود) . وينظر : المحلى (1/324) مسألة (212) . ومجموع الفتاوى (21/214) . وأدلة ترجيح هذا المذهب كثيرة ، منها : الدليل الأول : عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ –رضي الله عنه- : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ))رواه أبو داود رقم الحديث (137) ، وابن ماجه رقم الحديث (552) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18206) ، والترمذي رقم الحديث (92) ، وقال : (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1/274) : (إسناده صحيح على شرط البخاري ، وصححه ابن حبان ، وقال الترمذي : إنه حديث حسن صحيح ، واحتج به ابن حزم) . الدليل الثاني : عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ –رضي الله عنه- : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ))رواه ابن ماجه رقم الحديث (553) . قواه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1/274) بحديث المغيرة –رضي الله عنه- المتقدم . الدليل الثالث : آثار الصحابة الكثيرة مع عدم وجود مخالف حتى قال ابن قدامة في المغني (1/374) : (الصحابة -رضي الله عنهم- مسحوا على الجوارب ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً ) ومن هذه الآثار: أولا : عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : ((رَأَيْتُ أَبَا مَسْعُودٍ بَالَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ))رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/189) رقم (2000) . بإسناد صحيح . وعن خالد بن سعد قال : ((كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه))(رواه عبد الرزاق في المصنف (1/199) رقم (774) . بإسناد صحيح على شرط الشيخين ) . وعن همام بن الحارث عن أبي مسعود –رضي الله عنه- : ((أنه كان يمسح على الجوربين والنعلين ))(رواه عبد الرزاق في المصنف (1/200) رقم (777) . بإسناد صحيح ) . ثانياً : عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه- : (( أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ))(رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/188) رقم (1990) . بإسناد صحيح ) . وعن قتادة عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- : ((أنه كان يمسح على الجوربين قال نعم يمسح عليهما مثل الخفين ))( رواه عبد الرزاق في المصنف (1/200) رقم (779) . بإسناد صحيح على شرط الشيخين ) . ثالثاً : عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ((رَأَيْتُ الْبَرَاءَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ))(رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/189) رقم (1996) . ورواه عبد الرزاق في المصنف (1/200) رقم (778) . وإسناد حسن ) . رابعاً : عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْث –رضي الله عنه- : (( أَنَّ عَلِيًّا تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ))(رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/189) رقم (1998) . ورواه ابن المنذر في الأوسط (1/462) . وإسناد حسن . تنبيه : تحرفت (حريث) إلى (كريب) عن ابن أبي شيبة ، والصواب حريث كما عند ابن المنذر ) . خامساً : عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ : (( رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ))(رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/188) رقم (1991) . وإسناد حسن ) . الدليل الرابع : أن أحاديث المسح على الجوربين ، وكذلك الآثار وردت مطلقة من غير تقييد بقيد ، وتقييد ما أطلقة الشرع لا يجوز إلا بدليل من الكتاب أو السنة الإجماع ، وعليه يجوز المسح على كل ما يطلق عليه أنه جورب . واما المسح على النعلين : اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في جواز المسح على النعلين ، والراجح أن يجوز المسح عليهما ، وهو مذهب جماعة من الصحابة –رضي الله عنهم- ، وقال به طائفة من أهل العلم( ينظر : شرح معاني الآثار (1/97) ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلا أنه قيده بالنعل التي يشق نزعها إلا بيد ورجل(ينظر : الفتاوى الكبرى (1/304) ، والإنصاف (1/180) ) . وما ذهب إليه شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- من تقييد النعلين بهذا القيد هو الظاهر ، لأن الظاهر من حكمة المسح على الخفين والجوربين هي مشقة النزع والحاجة وهذا لا يكون إلا في النعل التي يشق نزعها إلا باليد والرجل كالخفين والجوربين ، أما النعل التي تنزع بدون ذلك بمجرد رفع الرجل عنها أو إخراجها بسهولة ، فحكمة المسح غير متحققة ، فلا يجوز أن يترك غسل القدمين في الوضوء ، الذي هو ركن من أركان الوضوء الوارد في تركه الوعيد من غير سبب ، وأيضا من تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته –رضي الله عنهم- يظهر له أن نعالهم كانت لا تنزع إلا باليد . والله أعلم . والأدلة على ذلك كثيرة منها ما تقدم ذكره في أدلة المسح على الجوربين فقد ورد فيها كذلك المسح على النعلين ومن الأدلة كذلك : الدليل الأول : عن أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ –رضي الله عنه- : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (138) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1/282) : (حديث صحيح . وأخرجه ابن حبان في صحيحه . وصححه ابن القطان من حديث ابن عمر ) ) . الدليل الثاني : عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ : رَأَيْنَاكَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ نَرَ أَحَدًا يَفْعَلُهُ غَيْرُكَ . قَالَ : وَمَا هُوَ؟ قَالَ : رَأَيْنَاكَ تَلْبَسُ هَذِهِ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ . قَالَ : (( إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا )) رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/287) رقم الحديث (1415) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (199) . وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح ابن خزيمة ، والمسح على الجوربين ص (45) . الدليل الثالث : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما- : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ))رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/286) رقم الحديث (1410) . وقال الشيخ الألباني في المسح على الجوربين ص (45) : (أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( رقم 783 ) والبيهقي ( 1 / 286 ) من طريقين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه . وهذا إسناد صحيح غاية وهو على شرط الشيخين ) . وغيرها من الأدلة كثير . أما سؤالك الثالث : 3- اذا انقضت المده او نزعت الخقين فما الذي يترتب على ذلك و هل ينتقض الوضوء جوبه : إذا انتهت مدة المسح فلا يجوز له أن يمسح بعد ذلك إلا بعد أن يخلع خفيه وتوضأ وضوءا كاملا وإلا لم يكن ثم لتوقيت المسح فائدة ، وإذا كا على وضوء وانتهت مدة المسح فإن وضوءه لا ينتقض فانتهاء مدة المسح لا تبطل الوضوء إنما تبطل الاستمرار في المسح ، وعليه فوضوؤه صحيح يستطيع أن يصلي به ما شاء من الصلوات ما لم يأت بناقض له ، وهو قول (الحسن البصري ، والنخعي ، وأبي العالية ، وقتادة ، وسليمان بن حرب) ، واختاره ابن المنذر ، والنووي ، وابن حزم ، وشيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر : الأوسط (1/457) .المجموع (1/557) .المحلى (1/321) .الاختيارات ص (15). والأدلة على ذلك ما يأتي : الدليل الأول : الأصل فيمن توضأ الوضوء الصحيح شرعاً أنه على وضوء ، فلا تنقض طهارة إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع ، ولا يوجد دليل يدل على أن انتهاء مدة المسح أو خلع الخفين ناقض للوضوء . الدليل الثاني : أحاديث توقيت المسح حددت ابتداء المسح وانتهائه ، ولم تتعرض لانتهاء الطهارة ، فمن جعل الطهارة تنتهي بمدة المسح أو خلع الخفين فقد حمل الأحاديث ما لا تحتمل . الدليل الثالث : أنه قد دل الدليل على أن خلع الخفين لا ينقض الوضوء ، مع أن مدة المسح تنتهي بخلع الخفين ، فكذلك إذا انتهت مدة المسح بالوقت المحدد شرعاً ولا فرق ، فعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ : ((رَأَيْتُ عَلِيًّا بَالَ قَائِمًا ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ فَخَلَعَهُمَا ))(رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/190) رقم (2010) . بإسناد صحيح ) ، ولا أعلم له مخالفاً من الصحابة . الدليل الرابع : أن انتهاء مدة المسح شيء وانتقاض الوضوء شيء آخر ، فكما أن انتقاض الوضوء لا يؤثر على انتهاء مدة المسح مادام الوقت باقياً ، فكذلك انتهاء مدة المسح لا تؤثر على الوضوء مادام لم يأتِ بناقض من نواقض الوضوء . الدليل الخامس : أن الطهارة لا ينقضها إلا الحدث ، وانتهاء مدة المسح ليس حدثاً حتى يحكم على الطهارة بالانتقاض به ، ومن قال بأنه حدث فإنه مطالب بالدليل ولا دليل . والله أعلم .