الشيخ: اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم العمرة والراجح من أقوال أهل العلم أن العمرة واجبة في العمر مرة واحدة إلا أنها تسقط بحجّ التمتع و القران لأنها داخلة فيهما ، وهو قول ابن عمر وابن عباس – رضي الله عنهم – ، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية ، وطاوس بن كيسان ، وأكثر الحنفية ، والأظهر عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة . دليل الوجوب ما يأتي : الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَقِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (25361) ، وابن ماجه رقم الحديث (2901) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (3074) . ينظر : إرواء الغليل (4/151) ، وصحيح ابن ماجه رقم الحديث (2345) ) . وجه الدلالة : قوله صلى الله عليه وسلم : ((عليهن)) فإنه يدل على الوجوب كما هو الراجح في علم أصول الفقه . قال ابن خزيمة في صحيحه (4/395) : ( في قوله صلى الله عليه وسلم : عليهن جهاد لا قتال فيه ، وإعلامه أن الجهاد الذي عليهن الحجّ والعمرة بيان أن العمرة واجبة كالحجّ . إذ ظاهر قوله : عليهن ، إنه واجب ، إذ غير جائز أن يقال : على المرء ، ما هو تطوع غير واجب ) . الدليل الثاني : عن أبي المنتفق – رضي الله عنه- قال : ((أَتَيْتُ مكةَ ، فسأَلْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : هو بعرفةَ ، فأَتَيْتُهُ ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ نَبِئْنِي بما يباعدني من عذابِ اللهِ ويدخلني الجنةَ ؟ قال : تَعْبُد اللهَ ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاةَ المكتوبةَ ، وتؤدي الزكاةَ المفروضةَ ، وتصوم رمضانَ ، وتحجّ وتعتمر ))(السلسلة الصحيحة رقم الحديث (3508) ) . وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمره بالعمرة كما أمره بالحجّ ، والأصل في الأمر أنه للوجوب . الدليل الثالث : حديث جبريل – عليه السلام – وفيه : (( فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا الإِسْلاَمُ ؟ قَالَ : الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ ))(رواه الدارقطني في سننه رقم الحديث (2708) وقال : (إسناده ثابت صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد ) . ورواه ابن حبان في صحيحه رقم الحديث (173) . ينظر : إرواء الغليل (1/34) ، وصحيح الترغيب رقم الحديث (175) ) . الدليل الرابع : عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما – قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ((أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلاً ))( رواه البخاري رقم الحديث (1493) ، ومسلم رقم الحديث (1216) ) . وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يحلوا ويأتوا بعمرة ، والأصل في الأمر أنه للوجوب ، فدل هذا على وجوب العمرة . الدليل الخامس : عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْليّ – رضي الله عنه : ((أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ : إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلاَ الْعُمْرَةَ وَلاَ الظَّعْنَ. قَالَ : حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ))(رواه الترمذي رقم الحديث (930) ، والنسائي رقم الحديث (2621) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (3040) . ينظر : صحيح الترمذي رقم الحديث (1595) ) . وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين أن يحجّ ويعتمر عن أبيه مع أنه شيخ كبير لا يستطيع ذلك ، فدل هذا على أنه قد وجب على أبيه الحجّ والعمرة ، وأيضاً الأصل في الأمر أنه للوجوب . الدليل السادس : عن الصُّبَيُّ بن مَعْبَدٍ قال : (( أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا وَإِنِّي أَسْلَمْتُ ، وَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَتَيْتُ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي فَقَالَ لي : اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ . وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا مَعًا . فَقَالَ لِي عُمَرُ -رضي الله عنه- : هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1799) ، والنسائي رقم الحديث (2719) . ينظر :إرواء الغليل رقم الحديث (983) ، وصحيح أبي داود رقم الحديث (1583) ) . وجه الدلالة : قوله : ((مكتوبين علي)) أي : مفروضين ، ولم ينكر عمر – رضي الله عنه – عليه ذلك ، بل قال له : (( هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم )) . الدليل السابع : قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان (5/657) : ( والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية ترجيح أدلة الوجوب على أدلة عدم الوجوب وذلك من ثلاثة أوجه : الأول : أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل على الخبر المبقي على البراءة الأصلية . الثاني : أن جماعة من أهل الأصول رجحوا الخبر الدال على الوجوب على الخبر الدال على عدمه ، ووجه ذلك هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب . الثالث : أنك إن عملت بقول من أوجبها فأديتها على سبيل الوجوب برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها ، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالباً بواجب على قول جمع كثير من العلماء ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم : (( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ )) ) . والله أعلم . ينظر : ما صح من الآثار (2/749) والمحلى (5/3) وفقه طاوس بن كيسان ص (418) وبدائع الصنائع (2/226) ، وحاشية ابن عابدين (3/421) والبيان (4/10) ، وحاشيتا القيلوبي وعميرة (2/134) ، وحاشية البجيرمي (2/154) ، وإخلاص الناوي (1/388) ، وحاشية الجمل (4/5) ، والمجموع (7/11) والإقناع (1/535) ، والإنصاف (3/350) ، والمغني (5/13) .