الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في حكم صلاة العيدين ، والراجح أنها واجبة على الأعيان ، وهو الصحيح المفتى به عند الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن حزم ، والشوكاني ، والصنعاني ، وصديق حسن خان. ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية : الدليل الأول : عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : ((أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَّهُنَّ . قَالَتِ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ : لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا))( رواه البخاري رقم الحديث رقم الحديث (344) ، ومسلم رقم الحديث (1473) ولفظه عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : ((أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ ))). وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد ، فالرجال من باب أولى ، والأصل في الأمر أنه للوجوب ، إلا لقرينة ولا قرينة هنا تصرف هذا الأمر إلى غيره . قال صديق حسن خان في الروضة الندية (1/357) : (فالأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب , والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ، ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه ) . الدليل الثاني : عَنْ حَفْصَةَ –رضي الله غنها- قَالَتْ : ((كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا ، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشَرَةَ ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ . قَالَتْ : كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى ، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى ، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ ؟ قَالَ : لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا ، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ . فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا : أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ : بِأَبِي نَعَمْ وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُهُ إِلاَّ قَالَتْ : بِأَبِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى . قَالَتْ حَفْصَةُ : فَقُلْتُ : الْحُيَّضُ ؟! فَقَالَتْ : أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا ))(رواه البخاري رقم الحديث رقم الحديث (318) ) . وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالخروج لصلاة العيد ، بل أمر الحيض أن يخرجن ليشهدن الخير ، بل لم يأذن للتي ليس عندها جلباب بعدم الحضور ، وأمرها أن تبحث عن جلباب عند أختها ، فالرجل الذي ليس كذلك من باب أولى أن تكون صلاة العيدين واجبة عليه . الدليل الثالث : عن أَبي بَكْرٍ الصديق –رضي الله عنه- قال : ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ ذَاتِ نِطَاقٍ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدَيْنِ ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (5835) . وصحح سنده الشيخ الألباني في صلاة العيدين ص (13) ، والسلسلة الصحيحة (5/407)) . قال الحافظ في فتح الباري (2/545) : ( وقد ورد هذا الحديث مرفوعاً بإسناد لا بأس به) . والحق بمعنى الواجب كما هو مقرر عند علماء الأصول . الدليل الرابع : عَنْ أُخْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((وَجَبَ الْخُرُوجُ عَلَى كُلِّ ذَاتِ نِطَاقٍ))( رواه الإمام أحمد في المسند رقم الحديث (27014) . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (2408)) . الدليل الخامس : أنها مسقطة لحضور صلاة الجمعة كما سيأتي تفصيله ، ولا يسقط الواجب إلا ما هو واجب ، فدل هذا على وجوب صلاة العيد . عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ : ((شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ : أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ صَنَعَ ؟ قَالَ : صَلَّى الْعِيدَ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (904) ، وابن ماجه رقم الحديث (1300) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/237) : (حديث صحيح ، وصححه ابن المديني والحاكم والذهبي ) ) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ الهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1159) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/322) : (إسناده صحيح ، وكذ ا قال البيهقي والعسقلاني ، وقال الدارقطني: إسناد حسن ثابت ، وصححه أيضا ابن المنذر وابن السكن وابن حزم)) . الدليل السادس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها قط ، بل داوم عليها ، وأمر أصحابه عندما لم يروا الهلال إلا بعد خروج الوقت أن يصلوها من الغد ، وهذا يؤكد الوجوب لأنها مع خرج وقتها إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بصلاتها ، فعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (( أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلاَلَ بِالأَمْسِ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1075) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/239) : (حديث صحيح) ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/182) : (وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ . وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يُعْرَفْ قَطُّ دَارُ إسْلَامٍ يُتْرَكُ فِيهَا صَلَاةُ الْعِيدِ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ . وقَوْله تَعَالَى : ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ سورة البقرة: ١٨٥ . وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ الرَّاتِبِ وَالزَّائِدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ، وَإِذَا لَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي تَرْكِهِ لِلنِّسَاءِ فَكَيْفَ لِلرِّجَالِ . وَمَنْ قَالَ : هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ . قِيلَ لَهُ : هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَحْصُلُ مَصْلَحَتُهُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَهْرِ الْعَدُوِّ ، وَلَيْسَ يَوْمُ الْعِيدِ مَصْلَحَةً مُعَيَّنَةً يَقُومُ بِهَا الْبَعْضُ ، بَلْ صَلَاةُ يَوْمِ الْعِيدِ شَرَعَ لَهَا الِاجْتِمَاعَ أَعْظَمَ مِنْ الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّهُ أَمَرَ النِّسَاءَ بِشُهُودِهَا وَلَمْ يُؤْمَرْنَ بِالْجُمُعَةِ بَلْ أَذِنَ لَهُنَّ فِيهَا ، وَقَالَ : { صَلَاتُكُنَّ فِي بُيُوتِكُنَّ خَيْرٌ لَكُنَّ }) . والله أعلم . ينظر : بدائع الصنائع (1/274) ، والهداية (1/60) ، وتحفة الفقهاء (1/283) والإنصاف (2/396) ومجموع الفتاوى (23/161) ، والاختيارات الفقهية ص (82) ، والجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/254) والمحلى (3/301) وسبل السلام (2/138) والروضة الندية (1/358)