الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر بدل الطعام ، والراجح أنه لا يجوز إخراج القيمة ، وهو مذهب جمهور العلماء منهم المالكية ، والشافعية ، والحنابلة . وذلك للأدلة الآتية: الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – قَالَ (( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1432) ، ومسلم رقم الحديث (2326) ) . وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه – قال : ((كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ))(رواه البخاري رقم الحديث (1435) ، ومسلم في الزكاة / باب رقم الحديث (2330) ) . وجه الاستدلال : أن زكاة الفطر التي أمر بها صلى الله عليه وسلم والتي كانت تخرج في عهده صلى الله عليه وسلم هي الطعام ، فهي مفروضة بالشرع من هذا الجنس ، فلا يجوز العدول عن هذا بغير دليل ، ولا دليل على جواز إخراج القيمة ، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم القيمة لبينها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . قال الماوردي في الحاوي (3/383) : (لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى قَدْرٍ مُتَّفَقٍ فِي أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَسَوَّى بَيْنَ قَدْرِهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَقِيمَهَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقَدْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ دُونَ قِيمَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَوَجَبَ إِذَا كَانَ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ ضُرُوعٍ ، وَهُوَ الزَّبِيبُ الْكِبَارُ أَضْعَافَ حِنْطَةٍ ، فَأَخْرَجَ مِنَ الزَّبِيبِ نِصْفَ صَاعٍ قِيمَتُهُ مِنَ الْحِنْطَةِ صَاعٌ أَنْ يُجْزِئَهُ ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، وَإِنْ كَانَ بِقِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ دُونَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ) . يعني أن لا ضابط للقيمة ، فقيمة صاع الزبيب أكثر من صاع الحنطة ، فقيمة نصف صاع الزبيب يساوي صاعا من حنطة ، فأي القيمتين سيخرج ، قيمة الصاع من الزبيب أو الصاع من الحنطة لأنه لا يجوز أن يخرج قيمة نصف الصاع . وهذا من دقة فقهه . الدليل الثاني : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ ))(رواه رقم الحديث (1371) ، وابن ماجه رقم الحديث (1817) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/317) : (إسناده حسن ، وحسنه ابن قد امة والنووي ) ) . وجه الاستدلال : أن من أخرج زكاة الفطر قيمة لا يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ((وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ)) ، لأنه لم تخرج طعاماً ، ولهذا لا يجوز إخراج قيمتها . الدليل الثالث : أن إخراج القيمة لو كان مشروعاً وأفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلما لم يفعلوا ذلك علمنا أن لا يجوز فعله ، لأنه إخراج القيمة حينئذ يكون من غير سبيل المؤمنين . تنبيه : يجوز لمخرج زكاة الفطر أن يوكل شخصاً لإخراج زكاة الفطر بحيث يدفع له مبلغاً من المال لإخراج زكاة الفطر طعاماً ، كما لو أعطاه طعاماً ووكله بتوزيعه على المساكين ، والأفضل أن يخرجها بنفسه إلا إذا كان الشخص المُوَكَّل أعلم بالمساكين منه ، والله أعلم . ينظر : بلغة السالك (1/201) ، الكافي (1/323) والمجموع (6/112) والمغني (4/295) .