هل اجتماع يوم العيد مع يوم الجمعة مسقط للجمعة والظهر ؟

1134
السائل: شيخا العزيز ابا سيف حفظة الله ورعاه
اخي العزيز سوالى هو هل تجزىء صلاة العيد اذا اجتمعت مع الجمعة عن الجمعة والظهر ام فقط عن الجمعة.
ارجو التوضيح لانة دار نقاش بيننا والبعض يرى ان صلاة العيد تجزىء عن صلاة الظهر لفعل ابن الزبير ورد ابن عباس على من سال حيث قال ان ابن الزبير اصاب السنة بفعلة افيدونا جزاكم الله خيرا

الشيخ: الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- فيما إذا اجتمع يوم العيد مع يوم الجمعة ، فهل تسقط الجمعة عمن صلى العيد ؟ والراجح أنه يسقط حضور الجمعة عمن صلى العيد جماعة مع الإمام ، ويصلي من لم يحضر الجمعة الظهر ، وهو مذهب الحنابلة ، والشافعية إلا أنهم أسقطوها عن أهل القرى دون أهل البلد .
ينظر : المغني (3/242) ، ومسائل عبد الله رقم المسألة (482) ، والمحرر (1/159) ، والاختيارات الفقهية ص (81) ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (24/210) ، وزاد المعاد (1/448) ، والفروع (1/134)،والمجموع (4/358)
قال ابن قدامةفي المغني (3/242) : (وممن قال بسقوطها الشعبي ، والنخعي ، والأوزاعي ، وقيل : هذا مذهب عمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعيد ، وابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير) .
والراجح مذهب الحنابلة للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ : (( شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ : أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ صَنَعَ ؟ قَالَ : صَلَّى الْعِيدَ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ))رواه أبو داود في الصلاة /بَاب إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ رقم الحديث (904) ، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها /بَاب مَا جَاءَ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدَانِ فِي يَوْمٍ رقم الحديث (1300) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/237) : (حديث صحيح ، وصححه ابن المديني والحاكم والذهبي ).
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في عدم حضور الجمعة ، ولم يفرق بين أهل القرى وغيرهم ، بل ظاهره أنه خطاب لأهل المدينة وغيرهم ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة هنا قائمة فلو كان هناك فرق لبينه النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ))رواه أبو داود في الصلاة /باب إِذَا لَمْ يَخْرُجِ الإِمَامُ لِلْعِيدِ مِنْ يَوْمِهِ يَخْرُجُ مِنَ الْغَدِ رقم الحديث (1159) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/322) : (إسناده صحيح ، وكذا قال البيهقي والعسقلاني ، وقال الدارقطني: إسناد حسن ثابت ، وصححه أيضا ابن المنذر وابن السكن وابن حزم)
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من صلى العيد فقد أجزأه عن حضور صلاة الجمعة ، ولم يفرق بين أهل القرى وغيرهم .
الدليل الثالث : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ ))رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها /بَاب مَا جَاءَ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدَانِ فِي يَوْمٍ رقم الحديث (1301) . صحيح ابن ماجه رقم الحديث (1311).
الدليل الرابع : عن أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ : ((شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ ))رواه البخاري في الأضاحي /بَاب مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْهَا رقم (5251) .
وجه الاستدلال : أن عثمان –رضي الله عنه- رخص في ترك حضور صلاة الجمعة لمن صلى العيد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
وبهذا الحديث استدل الشافعية –رحمهم الله تعالى- على أن الحكم خاص بأهل القرى .
وهذا الاستدلال مردود من وجوه :
أولا : الأدلة السابقة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم تفرق .
ثانياً : أن إذن عثمان –رضي الله عنه- لأهل القرى لا ينفي ما عداه ، فلا يدل على التخصيص .
ثالثاً : لو سلم أن هذا مذهب لعثمان –رضي الله عنه- فقد خالفه غيره من الصحابة –رضوان الله عليه- وإذا اختلف الصحابة ننظر فيمن وافق ظاهر النصوص المرفوعة فيؤخذ بقوله ، وقد أثبتنا أن المرفوع لم يفرق بين أهل القرى وغيرهم ، فيرجح على غيره .
رابعا : الدليل الآتي ، وهو من أقوى الأدلة في الرد على مذهب الشافعية –رحمهم الله تعالى- .
الدليل الرابع : عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : (( صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : أَصَابَ السُّنَّةَ))رواه أبو داود في الصلاة /باب إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ رقم الحديث (1073) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/322) : (إسناده صحيح على شرط مسلم) .
وعن عَطَاء قَالَ : (( اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ))رواه أبو داود في الصلاة /باب إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ رقم الحديث (1074) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/238) : (إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن خزيمة).

وجه الاستدلال : أن ابن الزبير –رضي الله عنه- صلى العيد ، ثم لم يحضر لصلاة الجمعة ، فبين ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه أصاب السنة ، يعني سنة النبي صلى الله عليه ، فهذا فيه دليل ظاهر على أن الحكم عام يشمل من كان في المدينة وأهل القرى فيرد مذهب الشافعية المفرق ، لأن ابن الزبير –رضي الله عنه- ليس من أهل القرى ، بل هو كان أمامهم ، وجعل ابن عباس –رضي الله عنهما فعله من السنة ، ولقوة هذا الدليل ولا نصاف الإمام النووي –رحمه الله تعالى- قال في المجموع (4/359) : (واحتج أصحابنا بحديث عثمان وتأولوا الباقي على أهل القرى لكن قول ابن عباس من السنة مرفوع وتأويله أضعف ).
هذا ما يتعلق بسقوط حضور الجمعة أما صلاة الظهر فإنها لا تسقط بل يجب على من لم يحضر الجمعة أن يصلي الظهر وأما الاستدلال بفعل ابن الزبير –رضي الله عنه- على سقوط الظهر مع الجمعة ، فهو الاستدلال مردود من وجوه :
الوجه الأول : ليس في أثر ابن الزبير –رضي الله عنه- أنه لم يصلّ الظهر بل فيه أن لم يصلّ الجمعة فقط .
الوجه الثاني : الأثر فيه : ((فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً)) وهذا يدل على أمور :
الأول : أنه جمع الجمعة إلى الظهر وصلاهما ركعتين ، وهذا باطل قطعاً لأن صلاة الجمعة غير صلاة العيد ، فلا يصح جمعهما ، وأيضاً لو كان المراد بأنه جمع الجمعة إلى العيد فإنه يدل على أن حضور الجمعة لم يسقط إلا لمن نوى الجمع بين الجمعة والعيد ، وهذا باطل مخالف للأدلة السابقة ، فلو أن شخصاً صلى العيد مع الجماعة ولم ينو إليها الجمعة لم يجز له التخلف عن صلاة الجمعة ، وهذا عين الباطل ، وأيضا جاء في نفس الأثر ((ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا)) فلو كانت الجمعة جمعت مع العيد فكيف صلوا وحداناً الظهر ، لأن من صلى الجمعة لا يجوز له أن يصلي الظهر .
الثاني : أنه صلى العيد وجمع في نيته أنه لن يحضر الجمعة ، وأنه لن يصليها في هذا اليوم ، وليس في هذا أنه لم يصلّ الظهر ، وهذا هو موافق للأدلة الأخرى .
الثالث : أن هذا فهم عطاء –رحمه الله تعالى- وليس بحجة ، ففهم عطاء من قول ابن الزبير –رضي الله عنه- : ((عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ)) أنه جمع بين الجمعة والعيد وعليه فهذا مسقط للظهر ، ولهذا قال : ((فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ)) ، وليس في هذا حجة ، لأنه فهم لعطاء -رحمه الله تعالى- .
الوجه الثالث : أن قول ابن عباس –رضي الله عنهما- : ((أَصَابَ السُّنَّةَ)) في تركه حضور الجمعة ، وليس في ترك الظهر كما يدل السياق ، فلا دلالة فيه ، إذ لو كان المراد أنه أصاب السنة في تركه الجمعة والظهر لبينه ابن عباس –رضي الله عنهما- بقوله أو فعله ، ولأنكر على من صلى الظهر ممن كان في المسجد بأنهم ما أصابوا السنة لأن عطاء قال : ((ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا)) ، فدل هذا على أنه أصاب السنة في تركه الجمعة فقط ، وهو الموافق للأحاديث الأخرى .
الوجه الرابع : أنه لو سلم جدلا أن ابن الزبير –رضي الله عنه-فعل ذلك ، وهذا في غاية البعد ، وليس في الأثر ما يدل عليه ، فإن غيره من الصحابة –رضي الله عنهم- خالفوه ، والأحاديث المرفوعة تؤيدهم ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رخص في الظهر أو هو لم يصلها ، وإنما ثبت خلاف ذلك ، والذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو حضور الجمعة فقط فلا يجوز أن يتعدى بالحكم إلى غيره .

قال الصنعاني في سبل السلام (2/53) : (ولا يخفى أن عطاءاً أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة ، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله ، فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيداً على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله ، بل في قول عطاء أنهم صلوا وحدانا أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ، ولا يقال : أن مراده صلوا الجمعة وحدانا فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً ، ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة والظهر بدل عنها قول مرجوح بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء والجمعة متأخر فرضها ، ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه ، وقد حققناه في رسالة مستقلة ) .

وقال ابن عبد البر في التمهيد (10/270) : (ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة ، وأي الأمرين كان فإن ذلك أمر متروك مهجور ، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر فإن الأصول كلّها تشهد بفساد هذا القول لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يسقط أحدهما ، فكيف أن يسقط فرض لسنة حضرت في يومه؟! هذا ما لا يشك في فساده ذو فهم ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيميةفي مجموع الفتاوى (24/210) : (الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ لَكِنْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودَهَا وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ . وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ : كَعُمَرِ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ . وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ حَصَلَ مَقْصُودُ الِاجْتِمَاعِ ، ثُمَّ إنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ فَتَكُونُ الظُّهْرُ فِي وَقْتِهَا وَالْعِيدُ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْجُمُعَةِ ) .
والله أعلم .