السائل: السلام عليكم فضيلة الشيخ هل يجوز كتابة المصحف بغير اللغة العربية مثال (اللغة الفلبينية) بحيث تكون الاحرف فلبينية والنطق يكون باللغة العربية واذا جاز ذلك فكيف يكتب حرف الضاد في غير اللغة العربية ؟
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اتفق العلماء -رحمهم الله تعالى كما في تفسير المنار (9/284) على عدم جواز كتابة القرآن بغير العربيةلأن الترجمة الحرفية للقرآن مستحيلة، فلو قلنا لشخص ترجم لنا هذا الحديث أو بيت الشعر من العربية إلى الإنجليزية ثم جئنا لشخص آخر ثالث أعطيناه هذه القطعة المترجمة وقلنا له ترجمها لنا بالعربية دون أن يعرف أنها أصلا مترجمة من العربيةفإنه سينظر إلى معنى من المعاني يسبق ذهنه إليه وقد يحرف في المعنى المترجم لعدم فهمه لمعاني العربية فإذا أريدت إعادته إلى الأصل ما استطاع؛ لأن اللفظة الواحدة في العربية لها عدة معاني . وهذا النوع من الكتابة أو الترجمة محال عقلاً وشرعا. أما عقلاً؛ فلأن التجارب العلمية برهنت على أن نقل كلام من لغة إلى أخرى بكل ما في الأصل مما ذكر في التعريف مستحيل في كلام البشر، فكيف به في كلام الله المعجز . ينظر : ترجمات معاني القرآن الكريم، ص (14،15)، والقول السديد، ص (12) وأما شرعا فإنه مستحيل أيضا؛ لأن معناه الإتيان بقرآن مثل هذا القرآن بلغة أُخرى، وقد قال الله تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}ينظر : مناهل العرفان (2/40) . وأما ترجمة معانية إلى غير العربية وهو التفسير والشرح فلا بأس به بل هو محل اتفاق بين العلماء كما في الموسوعة الفقهية (33/39). واختم بكلام الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار (9/281) :(وَمُلَخَّصُ هَذِهِ الْفَتْوَى : أَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ تَرْجَمَةً حَرْفِيَّةً مُتَعَذِّرَةٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُكَثِيرَةٌ ، فَهُوَ مَحْظُورٌ لَا يُبِيحُهُ الْإِسْلَامُ ; لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى التَّرْجَمَةُ قُرْآنًا وَلَا كِتَابَ اللهِ ، وَلَا أَنْ يُسْنَدَ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَيْهِ تَعَالَى فَيُقَالُ قَالَ : اللهُ كَذَا ; لِأَنَّ كِتَابَ اللهِ وَقُرْآنَهُ عَرَبِيٌّ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَالْإِجْمَاعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ سَلَفِ أَهْلِ الْمِلَّةِ كُلِّهِمْ وَخَلَفِهِمْ لَا الْإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ; وَلِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِ الْقُرْآنِ اللَّفْظِيَّةِ وَلَا الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْإِعْجَازِ ، وَهِيَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُخَالِفَةً لَهُ فِي الْمَعْنَى كَمُخَالَفَتِهَا فِي اللَّفْظِ ، فَإِسْنَادُهَا إِلَيْهِ تَعَالَى كَذِبٌ عَلَيْهِ وَكُفْرٌ بِكِتَابِهِ . بَلْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْمُصْحَفِ بِلَفْظٍ آخَرَ يُرَادِفُهُ مِنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ كَكَلِمَتِي شَكٍّ ، وَرَيْبٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ (2 : 2) وَأَمَّا التَّرْجَمَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْسِيرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرِهِ مِنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَغَيْرُ مُحَرَّمٍ ، وَإِنَّمَا تُتَّبَعُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِقَدْرِهَا ) . والله أعلم .