النوع الثاني من أنواع السقط الخفي : المرسل الخفي :
لا زال الكلام على الحديث الضعيف ولا زال الكلام على المسلك الأول وهو انقطاع السند وانتهينا من القسم الأول وهو السقط الظاهر ثم شرعنا في القسم الثاني وهو السقط الخفي وانتهينا من النوع الأول وهو الحديث المدلس ونشرع الآن في النوع الثاني وهو المرسل الخفي :
المسألة الأولى : تعريفه :
المرسل الخفي : هو أن يروي الراوي عمَّن عاصره ولم يلقه موهماً أنه سمعه منه([1]) .
مثاله :
قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، وَإِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَ : أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ ))([2]) .
هذا الحديث إسناده ضعيف([3]) لأن يحيى بن أبي كثير عاصر أنساً -رضي الله عنه- لكن لم يسمع منه شيئاً ، فالحديث مرسل وهو من الإرسال الخفي ، قال الحافظ ابن حجر([4]) : (يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل ) وقال([5]) : (روى عن أنس وقد رآه … وقال أبو حاتم : يحيى إمام لا يحدث إلا عن ثقة وروى عن أنس مرسلا وقد رأى أنسا يصلي في المسجد الحرام رؤية ولم يسمع منه … قال عمرو بن علي : مات سنة تسع وعشرين ومائة وقال غيره : مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة ) .
فروايته عن أنس –رضي الله عنه- بالعنعنة من قبيل الإرسال الخفي وإن كان بعضهم يرها من قبيل التدليس لأن يحيى بن أبي كثير وصف بالتدليس لكن على التعريف المختار للإرسال الخفي تكون روايته عن أنس –رضي الله عنه- من المرسل الخفي أما لو روى عن غيره بالعنعنة ممن عاصره وسمع منه فهو من باب التدليس ، كما سيأتي تفصيله في المسألة الثالثة . والله أعلم .
المسألة الثانية : الفرق بين المرسل الخفي والمرسل الظاهر :
سبق أن المرسل الظاهر هو ما أضافه التابعي إلى النبي ﷺ مما سمعه من غيره ، أما المرسل الخفي فهو هو أن يروي الراوي عمَّن عاصره ولم يلقه موهماً أنه سمعه منه ، فالفرق بينها فيما يأتي :
أولا : أن المرسل الظاهر فيه عدم المعاصرة والإدراك بين المرسل والمرسل عنه ظاهرة فاللقاء مستحيل بينهما بخلاف المرسل الخفي ، فإن المعاصرة موجودة بينهما ، واللقاء بينهما ممكن ومن هنا جاء الخفاء ، لكن بعد البحث يتبين أنه عاصره دون لقاء .
ثانياً : أن المرسل الظاهر ما أضافه التابعي إلى النبي ﷺ ، أما المرسل الخفي فهو ما أضافه الراوي إلى من عاصره فهو يشمل ما أضيف إلى النبي ﷺ أو دونه .
ثالثاً : أن المرسل الظاهر هو ما أضافه التابعي ، أما المرسل الخفي فيشمل ما أضافه التابعي أو غيره عن من عاصره فيكون الانقطاع في أي موضع من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا .
المسألة الثالثة : الفرق بين المرسل الخفي وتدليس الإسناد :
المرسل الخفي فيه شبه بالتدليس لخفاء السقط في كل منهما مع الإيهام بالسماع ، إلا أن هناك فرقا بينهما ، وهو أن تدليس الإسناد أن يروي الراوي عمّن عاصره وسمع منه ما لم يسمع منه موهماً أنه سمعه منه ، فالتدليس فيه لُقيا وسماع ، ولكن هذه الرواية لم يسمعها من شيخه ، أما المرسل الخفي ففيه معاصرة لكن ليس فيه لُقيا ولا سماع مطلقاً ، كما سبق في رواية يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- فإن يحيى بن أبي كثير عاصر أنساً -رضي الله عنه- لكن لم يسمع منه شيئاً .
المسألة الرابعة : ما يعرف به المرسل الخفي :
سبق أن المرسل الخفي فيه معاصرة مع عدم ملاقاة ، وذلك يعرف بما يأتي :
أولا : أن يخبر الراوي المُرسِل أنه عاصر فلان لكنه لم يلقه ، أو يخبر أنه لم يلق فلاناً .
ثانياً : أن يجزم بذلك أمام مطلع ، فيجزم أن فلانا لم يلق فلانا ، مع وجود المعاصرة بينهما .
([1])ينظر : شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص (423) ، شرح ألفية السيوطي الأثيوبي (1/184) ، النكت على ابن الصلاح لابن حجر (2/623) ، والتقييد والإيضاح ص (249) ، الباعث الحثيث (1/175) ، وكفاية الحفظة ص (230) ، فتح الباقي ص (142) ، فتح المغيث (4/70) ، وتدريب الراوي (2/205) .
([2])رواه الإمام أحمد في المسند (19/215) رقم الحديث (12177) .
([3])هذا الإسناد ضعيف إلا أن الحديث صحيح ثابت فقد رواه أبو داود قال : حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ ، فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ ﷺ : (( أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ )) وهذا سند صحيح .