الحديث المعضل

النوع الثالث : الحديث المعضل :

المسألة الأولى : تعريفه :

المعضل لغة([1]) : اسم مَفْعُولٍ من أَعْضَلَهُ بمعنى أَعْيَاه ، وعَضَلَ عليه عَضْلاً : ضَيَّقَ وحالَ بينه وبين مُرادِه . وعَضَّلَ عليه تَعْضِيلاً وعَضَّلَ به الأمرُ : أي اشتدَّ عن ابْن دُرَيْدٍ كَأَعْضَلَ إذا ضاقَتْ عليه الحِيَلُ ، والأمر المُعْضِل ، وهو الشَّديد الذي يُعيِي إصلاحُه وتدارُكُه ، وأصلُ العَضْلِ : المَنْعُ والشِّدّة . وأَعْضَلَه الأمرُ : غَلَبَه .

المعضل اصطلاحا([2]) : ما سقط منه راويان فأكثر على التوالي .

مثاله :

روى الإمام مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ((لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ ))([3]) .

هذا الحديث معضل لأنه سقط منه راويان متواليان بين مالك وأبي هريرة –رضي الله عنه- وهما : محمد بن عجلان ، وأبوه فقد رواه الحاكم([4]) قال : أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله الشعيري حدثنا خمش بن عصام المعدل ثنا حفص بن عبد الله ثنا إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ([5]).

المسألة الثانية : إطلاق لفظ المعضل :

اعلم أن إطلاق لفظ (المعضل) لم يكن شائعا عند المتقدمين بالمعنى الذي شاع عند المتأخرين وسبق بيانه ، وكان عند غالب المتقدمين لفظ (المعضل) مندرجا تحت الحديث المنقطع أو المرسل بعموم معناهما .

فقد أطلق كثير من المحدثين لفظ (المعضل) على الراوي الذي يروي الحديث الموضوع والمنكر ، وإليك بعض عباراتهم :

قال ابن عدي([6]) : (الحسن بن زيد هذا يروي عن أبيه وعكرمة أحاديث معضلة ) .

وقال([7]) في حصين بن عمر : (عامة أحاديثه معاضيل ينفرد عن كل من يروي عنه) .

وقال العقيلي([8]) : (عُمر بن يَزيد الشَّيباني الرَّفَّاء , شَيخ بَصريٌّ : مَجهول بِالنَّقل ، جاء عن شُعبة بِحَديث مُعضَل ) .

وقال الذهبي([9]) : (ضُبَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ … ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ ، وَسَاقَ لَهُ أَحَادِيثَ تُنْكَرُ . وَقَالَ الْجُوزْجَانِيُّ : رَوَى حَدِيثًا مُعْضِلا ) . قال الحافظ ابن حجر([10]) : (وهو متصل الإسناد) .

وقال ابن حبان([11]) في عمر بن محمد بن صهبان الأسلمي : (يروي عن الثقات المعضلات التي إذا سمعها من الحديث صناعته لم يشك أنها معمولة  ) .

وقال([12]) عن المسيب بن شريك التميمي : (ظهر من حديثه المعضلات التي يرويها عن الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل التعجب) .

ولهذا قال الحافظ ابن حجر([13]) : (وجدت التعبير بالمعضل في كلام الجماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء البتة .

فمن ذلك : ما قال محمد بن يحيى الذهلي – في الزهريات -: حدثنا أبو صالح الهراني2 ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : ((كان رسول الله ﷺ يعتكف فيمر بالمريض فيسلم عليه ولا يقف)) .

قال الذهلي : (هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة – رضي الله عنها – ليس للنبي ﷺ فيه ذكر ، والوهم فيما نرى من ابن لهيعة) .

ومن ذلك : قال النسائي – في اليوم الليلة – : ثنا يزيد بن سنان نا مكي بن إبراهيم ، عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر – رضي الله تعالى عنه – قال : ((متعتان كانتا على عهد رسول الله ﷺ ..)) الحديث .

قال النسائي : ( هذا حديث معضل لا أعلم من رواه غير مكي ، لا بأس به ، لا أدري من أنبأني به) …

فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين ، أو يكون المُعْضَل الذي عرف به المصنف ، وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد ، وهذا الذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد و يعنون به المستغلق الشديد . وفي الجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا ) .

تنبيه :

إطلاق لفظ المعضل بالتعريف المتقدم وهو : ما سقط منه راويان فأكثر على التوالي . قد عرف عند العلماء المتقدمين ، قال الحافظ ابن حجر([14]) : (فإن قيل : فمن سلف المصنف([15]) – في نقله – أن هذا النوع يختص بما سقط من إسناده اثنان فصاعدا ؟

قلنا : سلفه في ذلك علي بن المديني ومن تبعه . وقد حكاه الحاكم في علوم الحديث عنهم . فإنهم قالوا : المعضل : أن يسقط بين الرجل وبين النبي ﷺ أكثر من رجل ، والفرق بينه وبين المرسل أن المرسل مختصر التابعين دون غيرهم – والله الموفق – ) .

المسألة الثالثة : حكم الحديث المعضل :

الحديث المعضل ضعيف لا يحتج به لأنه أسوأ حالا من المرسل لتعدد الساقط من إسناده وجهالتهم ، فهو فاقد لشرط من شروط الصحة وهو الاتصال .

المسألة الرابعة : طرق معرفة الإعضال في الإسناد :

يعرف الإعضال في إسناد الحديث بما يأتي :

أولاً: يعرف الإعضال بمعرفة التاريخ فالذي روى الحديث عمن فوقه وكانت طبقة الراوي عن طبقة عنه بعيده ، بحيث إن الناظر في الإسناد يرى أن وفاة الأول متأخرة جدا عن وفاة من روى عنه بحيث يغلب على ظنه أن بينهما راويين على أقل تقدير .

ثانياً : يعرف بدلالة جمع طرق الحديث ، فيجد أن الإسناد الذي معه قد سقط منه أكثر من راوي بدلالة الإسناد الآخر الذي جاء من نفس طريق الراوي ، لكن ثبوت الإعضال بهذا الطريق قليل نادر .

 

  ([1])ينظر : لسان العرب (9/259) ، والصحاح (5/1766) ، ومختار الصحاح ص (438) ، وتهذيب اللغة (1/474) ، ومعجم مقاييس اللغة (4/345) ، والقاموس المحيط ص (1335) ، وتاج العروس (30/1) .

  ([2])ينظر : علوم الحديث لابن الصلاح ص (54) ، مقدمة ابن الصلاح ص (147) ، والتقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ص (65) ، النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/575) ، وتوضيح الأفكار (1/323) ، وشرح نخبة الفكر القاري ص (409) ، النكت على نزهة النظر ص (112) ، وفتح الباقي بشرح ألفية العراقي ص (150) ، وفتح المغيث (1/279) ، الباعث الحثيث (1/167) ، وتدريب الراوي (1/240) ، والديباج المذهب للجرجاني ص (54) ، والاقتراح لابن دقيق ص (208) ، إرشاد الحقائق للنووي (1/183) .

  ([3])رواه الإمام مالك في الموطأ (2/980) رقم  (1769) .

  ([4])معرفة علوم الحديث ص (80) .

  ([5])الحديث قد رواه الإمام مسلم موصولا عن أبي هريرة –رضي الله عنه- من غير طريق الإمام مالك في الأيمان /باب إِطْعَامِ الْمَمْلُوكِ مِمَّا يَأْكُلُ وَإِلْبَاسِهِ مَمَّا يَلْبَسُ وَلاَ يُكَلِّفُهُ مَا يَغْلِبُهُ رقم الحديث (4406) .

  ([6])الكامل في الضعفاء (2/326) .

  ([7])الكامل في الضعفاء (3/301) .

  ([8])الضعفاء للعقيلي (4/200) .

  ([9])تاريخ الإسلام (3/898) .

  ([10])النكت (2/576) .

  ([11])المجروحين لا بن حبان (2/82) .

  ([12])المجروحين لا بن حبان (3/24) .

  ([13])النكت (2/575) .

  ([14])النكت (2/579) .

  ([15])يعني ابن الصلاح .