الشيخ: أنواع الإحرام ثلاثة باتفاق الفقهاء : النوع الأول : القران : وله ثلاث صور : الصورة الأولى : أن يحرم بالحجّ والعمرة معاً ، فيقول : (لبيك اللهم بحجّ وعمرة) . وهذا يقتضي بقاء المحرم على صفة الإحرام إلى أن يفرغ من أعمال العمرة والحجّ جميعاً . الصورة الثانية : أن يحرم بالعمرة وحدها ، ويدخل عليها الإحرام بالحجّ قبل طواف العمرة . فيكون بذلك قرن بين العمرة والحجّ . الصورة الثالثة : أن يحرم بالحجّ أولا ثم يدخل عليه الإحرام بالعمرة . النوع الثاني : التمتع : هو الاعتمار في أشهر الحجّ ثم يحجّ من عامه الذي اعتمر فيه ، ويتحلل بين العمرة والحجّ . صورته : أن يحرم بالعمرة وحدها ، ويقول : ( لبيك اللهم بعمرة ) . وهذا يقتضي البقاء على صفة الإحرام حتى يصل إلى مكة ، فيطوف بالبيت ، ويفعل بقية أعمال العمرة ، ويتحلل ويخلع ثياب الإحرام ويلبس ثيابه المعتادة ، ويأتي كلّ ما كان قد حرم عليه بالإحرام ، إلى أن يجيء يوم التروية فيحرم من مكة بالحجّ . النوع الثالث : الإفراد : وهو أن يحرم بالحجّ وحده . صورته : أن يحرم بالحجّ وحده ، ويقول : ( لبيك اللهم بحجّ ) . وهذا يقتضي أن يبقى محرماً حتى ينتهي من أعمال الحجّ . وأفضل هذه الأنواع التمتع ، وهو مذهب الشافعية في قول ، والحنابلة ، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التمتع ، وهو الظاهر ، وممن قال به حَبُر الأمةِ وبَحرُها ابن عباس رضي الله عنهما ونصره ابن حزم ، وابن القيم. قال ابن القيم( زاد المعاد (2/178) ) : ( وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم الأمرَ بفسخِ الحجّ إلى العمرةِ أربعة عشر من أصحابه وأحاديثُهم كلّها في الصحاح وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي ، والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي منهم عبد الله بن عباس وجماعةٌ فعندهم لا يجوز العدول عما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به أصحابه فإنه قرن وساق الهدي وأمر كلّ من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة فالواجب أن نفعل كما فعل أو كما أمر ( . وقال : ( ولا يوحِشُكَ قلةُ القائلين بوجوب ذلك فإن فيهم البحر الذي لا يَنْزِفُ عبد الله بن عباس وجماعةً من أهـل الظاهـر والسنـة هي الحَكَمُ بين الناس والله المستعان ) . وعليه إذا أراد الإحرام فإن كان قد ساق الهدي يقول : (لبيك اللهم بحجّةٍ وعمرةٍ ) وهذا هو القِران ، وإن لم يسق الهدي لبى بالعمرة وحدها وهو التمتع ، فيقول : ( لبيك اللهم بعمرة ) ، فإن كان لبى بالحجّ وحده وهو الإفراد فعليه أن يفسخه بأن يجعل معه عمرة لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه جميعاً أن يُحِلُّوا من إحرامهم وأن يجعلوا طوافَهُم وسعيهم عمرةً إلا من ساق الهدي منهم . استدل من قال بوجوب التمتع على من لم يسق الهدي بما يأتي : الدليل الأول : عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قال: ((قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ . فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً ))( رواه البخاري رقم الحديث (1495) ، ومسلم رقم الحديث (1216) ) . وفي رواية : (( فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً ، وَيَطُوفُوا ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا ، إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ ، فَقَالُوا : نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى ، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ))( رواه البخاريرقم الحديث (1568) ، ومسلم رقم الحديث (1216) ) . وفي رواية : قال صلى الله عليه وسلم : (( لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً . فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى وَقَالَ : دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لاَ بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ )) (رواه مسلم رقم الحديث (1218)) . الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : ((قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلموَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ( من ذي الحجة ) مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً ، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْحِلِّ ؟ قَالَ : الْحِلُّ كُلُّهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (3620) ، ومسلم رقم الحديث (1240) واللفظ له . الدليل الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((اجْعَلُوهَا عُمْرَةً . فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ ))( رواه مسلم رقم الحديث (1211) ) . وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : (( دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْتُ : مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ . قَالَ : أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ ، وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا ))( رواه مسلم رقم الحديث (1211) ) . وأحاديث أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالتمتع كثيرة ، والأصل في الأمر أنه للوجوب . والله أعلم ينظر : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/592) ، والموسوعة الفقهية ( 2/140) ، وبداية المجتهد (3/293) ، والمغني (5/82) ، والمجموع (7/141) وشرح العمدة لابن تيمية (1/438) ، والمغني (5/82) ، والإنصاف (3/392) ، والإقناع (1/560) ، والشرح الممتع (7/84) والمحلى (5/87) مسألة رقم (883) .