السائل: بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم الصلاة في صف فيه ساريتين {عامودين} في المسجد في يوم الجمعةأو في أي يوم لا يكفي المسجد لاستعياب المصلين فيه؟
و بما أن الحكمة من النهي عن الصلاة بين السواري هو أنها تقطع الصف, فهل يجوز أن يأمر الإمام المصلين بالصلاة بين الساريتين و ترك بقية الصف؟
الشيخ: اعلم –رحمك الله تعالى- أن الصلاة بين السواري منهي عنه للأدلة الآتية : الدليل الأول : عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ : (( صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدُفِعْنَا إِلَى السَّوَارِى فَتَقَدَّمْنَا وَتَأَخَّرْنَا فَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نَتَّقِى هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- )) . رواه الحاكم في المستدرك (1/329) ، وأبوداود في سننه رقم الحديث (821) ، والترمذي في سننه رقم الحديث (229) ، وابن خزيمة رقم الحديث (1568) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم الحديث (2492) . وصححه الحافظ في الفتح (1/689) ، وابن خزيمة ، والحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (190) . الدليل الثاني : عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ((كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا )) . رواه ابن ماجه رقم الحديث (1002) ، والبيهقي في الكبرى رقم (5205) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم (1567) ، والحاكم في المستدرك رقم (794) ، والطبراني في الكبير (19/21) . وهو حديث حسن بما قبله ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان والألباني . واعلم أن العلة من النهي هي قطع الصف على الراجح من أقوال أهل العلم وقد دل عليها النصوص الآمره بتسوية الصفوف وسد الفرج ، وحتى لا تترك فرجة للشيطان ، والسارية لا شك أنها تترك فرجة بين المصلي الذي عن يمينها والمصلي الذي عن يسارها ، ولا يحصل التراص المأمور به بين المأمومين ، وعليه فإن الصف إذا لم يجاوز الساريتين فإنه لا ينهى عنه لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، وهذا ما ذهب إليه البيهقي في سننه (3/148) فإنه قال : (وَهَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ، لِأَنَّ الْأُسْطُوَانَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وَصْلِ الصَّفِّ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ لَمْ يُجَاوِزُوا مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لِمَا رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ بِلَالًا: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي فِي الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ ) . الحديث رواه البخاري رقم الحديث (504) وبوب عليه بقوله : (باب الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِى فِى غَيْرِ جَمَاعَةٍ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/689) : (إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب) . وقال ابن قدامة في المغني (3/60) : (ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري ، ويكره للمأمومين لأنها تقطع صفوفهم فإن كان الصف صغيرا قدر ما بين الساريتين لم يكره ، لأنه لا ينقطع بها) . وقال ابن رجب في فتح الباري (2/651) : (وإنما يكره ذلك ؛ لصف تقطعه السواري ، فلو صلى اثنان أو ثلاثة جماعة بين ساريتين لم يكره أيضا ، هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي وغيرهم من العلماء) . واعلم أن حكم الصلاة بين السواري لغير حاجة مختلف فيه وظاهر الأحاديث يفيد التحريم لأن الطرد والنهي يفيد ذلك فإن كان هناك حاجة كازدحام الناس في المسجد ونحو ذلك مما يدعو إلى الصلاة بين السواري فلا بأس ، قال الشوكاني في نيل الأوطار (3/229) : (وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه . وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم) . وعليه فيجوز الصلاة بين الساريتين للمنفرد ، والجماعة إذا كان الصف بين الساريتين ، ويجوز للجماعة حتى ما بعد الساريتين للحاجة كالازدحام ونحوه ، وعلى الإمام أن يبين هذه المسألة للمأمومين بالحكمة والموعظة الحسنة ، وادعو إخواني الذين يبنون المساجد أن يحاولوا تجويدها من السواري قدر المستطاع . والله أعلم .