حكم تمثيل الصحابة -رضي الله عنهم-

1760
السائل:
ما حكم تمثيل الصحابة –رضي الله عنه- ؟

الشيخ:

السؤال


ما حكم تمثيل الصحابة –رضي الله عنه- ؟

الجواب

قبل الجواب على هذا السؤال المهم لا بد من تأصيل المسألة ثم تفريع الحكم عنها ، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره .
فأقول وبالله تعالى التوفيق :
تعريفه في اللغة : قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : (مثل) الميم والثاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على مناظرَة الشّيءِ للشيء . وهذا مِثْل هذا، أي نَظِيرُه ، والمِثْل والمِثال في معنىً واحد . وربَّما قالوا مَثِيل كشبيه . تقول العرب : أمثَلَ السُّلطان فلاناً : قَتَلَه قَوَداً ، والمعنى أنَّه فعل به مِثلَ ما كان فَعَلَه . والمَثَل : المِثْل أيضاً ، كشَبَه وشِبْه . والمثَلُ المضروبُ مأخوذٌ من هذا ، لأنَّه يُذكَر مورَّىً به عن مِثلِه في المعنى . وقولهم : مَثَّل به ، إذا نَكَّل ، هو من هذا أيضاً ، لأنَّ المعنى فيه أنَّه إذا نُكِّل بِهِ جُعِل ذلك مِثالاً لكلِّ مَن صَنَعَ ذلك الصَّنيعَ . انتهى .
وإذا أردنا أن ننظر إلى التمثيل في وقتنا المعاصر بمعناها المستخدم الآن فإننا نجد أن كتب اللغة وخاصة القديمة منها لم تتعرض له ، وعليه نستطيع أن نقرب المعنى بين المعنى اللغوي وبين المعنى المعاصر فيكون معنى التمثيل المعاصر : هو محاكاة لحدث تاريخي أو متخيل يقصد منه التأثير في المشاهدين من خلال تمجيد الفضيلة أو تجسيد الخطأ أو أمور أخرى .
وبهذا نعلم أن التمثيل لا بد له من الأمور الآتية :
أولا : المحاكاة والتقليد من المُقَلِد للمُقَلَّد ، بحيث يأتي بحركاته وأقواله وأفعاله .
ثانياً : لا بد من جهة الصورة والشكل أن يكون شكل المُقَلِد كالمُقَلَّد أو يماثله أو يكاد يماثلة ، حتى يكون قريبا للمشاهد .
ثالثا : أن يكون للمُقَلِد ثأثير في المشاهدين من حيث الإيجاب أو السلب فيما يقلد فيه ، فقد يمثل أحدهم شخصية رجل صالح لكن يدخل في التمثيل ما يهدم هذه الشخصية كإدخال صفة البخل مثلا بصورة غير مباشر ، فتكون هذه الشخصية وهي وإن كانت صالحة إلا أنها شخصية غير مقبولة ، وهكذا بقية تمثيل الشخصيات وكل ذلك يرجع إلى كاتب القصة والمخرج والممثل في إبراز هذه الشخصية المراد تمثيلها .
تعريف الصحابي : هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة في الأصح .
وعليه فلنشرع في جواب سؤالك ، فأقول وبالله التوفيق :
تمثيل الصحابة –رضي الله عنهم- لا يجوز بحال ، وهو حرام للأدلة الآتية :
الدليل الأول : أن الله تعالى ذكر الصحابة بوصف لا يوجد عند غيرهم وأثنى عليهم واختارهم لنبية صلى الله عليه وسلم ، فهم صفوة الأمة وخير البشر بعد الأنبياء صلى الله عليهم ، قال تعالى : ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ ﴾ الفتح 29 . وقال تعالى : ﴿ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة الحشر 8-9 .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في بيان فضلهم وهي كثير منها :
عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )) رواه البخاري ومسلم . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )) . رواه البخاري ومسلم .
فبلوغ مرتبة الصحابة ممن جاء بعدهم أمر مستحيل ، وهو محل اتفاق ، – ولهذا كان الصحابة عند علماء أهل السنة كلهم عدول كما هو مقرر في علم المصطلح وغيره – فتمثيلهم من باب أولى أن لا يصل إلى مرتبتهم لأنه محاكاة زعموا لفعلهم وقولهم ، فمن الذي يستطيع أن يمثل صفوة الخلق بعد الأنبياء ، مهما حاول أن يقلدهم فلا شك أنه سيخل بتقليدهم ويقصر في حقهم ، مما يجعله ينتقص من حقهم وقدرهم ويخالف المنزلة التي أنزلهم الله تعالى إياهم ورسولُه صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني : إن مما هو مشاهد من عامة الناس ممن يرون التمثيل في التلفاز أنهم يسخرون أو يقلدون على سبيل السخرية بالممثل ، وهذا قطعا سيكون في تمثيل الصحابة ، لأن الممثل ستخرج منه ألفاظ تكون محلا للسخرية مع عبارات وجهه.
الدليل الثالث : أن تمثيل الصحابة مهما حصل من التحفظ ومراعاة الصدق فيها فإن الممثل سيقع في الكذب عليهم والغيبة بهم من حيث يدري أو لا يدري لأنه سيتكلم على بعضهم بما لا يليق من حيث أنه يمثل دور عدو من أعدائهم فسيشتم أو يلعن أو يسب الصحابة أو أحدهم ، ويسب الإسلام والدين وأهله ولا شك أن هذا منكر عظيم ، يخل بعقيد المسلمين بربهم وكتابه ونبيه وأصحابه المطهرين وهذا وحده يكفي في تحريم تمثيلهم .
الدليل الرابع : تمثيل الصحابة -رضوان الله عليهم- سيؤثر على الشخصية التقية النقية الصادقة التي رسمت في أنفس الناس للصحابة ، فسيكون وضع الصحابة في أنفس الناس وضعا مزريا تتزعزع معه الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم .
الدليل الخامس : قد يمثل أحدهم شخصية الصحابي لكن يدخل في التمثيل ما يهدم هذه الشخصية كإدخال صفة منكرة ذميمة مثلا بصورة غير مباشر ، من حيث يدري أو لا يدري وكل ذلك يرجع إلى كاتب القصة والمخرج والممثل في إبراز هذه الشخصية المراد تمثيلها .
الدليل السادس : أن تمثيل الصحابة سترتسم صورة في أذهان المشاهد وخاصة الجيل الجديد أن هذا هو شكل عمر ، وهذا شكل عثمان ، وهذا شكل علي ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهي ليست كذلك ، ثم يخرج هذا الممثل في فلم آخر يرتكب الفسق والفجور ، فالصورة التي رسمت للصحابي في ذهن المشاهد يرها في فلم آخر مجرمة مرتكبة لما حرم الله تعالى ، وهذا يؤدي إلى زعزعة حب الصحابة والثقة بهم .
الدليل السابع : أنه عرف من حال الممثلين وما يهدفون إليه غالبا هو الظهور بصورة فيها شيء من الفجور والسفور وهذا غالب تمثيلهم وإن كانوا يزعمون أنهم أن الهدف من ذلك إظهار فضيلة ما ، فنقول : أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل ، فتمثيل الصحابة يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل فكيف للثرى أن يحاكي الثريا ، وكيف للدون أن يبلغ النجوم ؟!!!
الدليل الثامن : أن من قواعد الشريعة المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأنه يحرم تقديم المصلحة مع وجود المفسده الراجحة ، وتمثيل الصحابة رضي الله عنهم فيه من المفاسد ما ذكرناه لك وغيرها كثير ، ولو فرضنا أن فيه مصلحة فهي لا شيء في مقابل هذه المفاسد ، والحقيقة أن تمثيلهم لا يوجد فيه أي مصلحة فالمسلمون ولله الحمد كانوا ولا زالوا يقرؤون سيرة الصحابة رضي الله عنهم وما احتاجوا إلى هذا التمثيل المزعوم .
الدليل التاسع : أن تمثيل الصحابة رضي الله عنهم يحرم أيضا من باب سد الذرائع ، لأن تحريم تمثيلهم والمنع منه فيه حفاظ على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
الدليل العاشر: أن تمثيلهم سؤدي لا محالة بشكل من الأشكال في التشكيك في أحد الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك سيفضي في التشكيك في حملة هذا الدين ، والتشكيك في حملة الدين سيفضي إلى التشكيك في الدين الذي وصلنا عن طريقهم ، وهذا في حد ذاته هدم للدين .
الدليل الحادي عشر : أن تمثيل الصحابة رضي الله عنهم سيؤدي إلى إثارة الريب والشكوك والنزاع بين المسلمين ، وخاصة في زمن الصحابة التي وقعت فيها الفتن والمحن ، لأن العامي لا يعرف من هو على الحق وأين الصواب ، بخلاف ما لو كانت السيرة تلقى على مسامع الناس من عالم يبين الحق والصواب في ماحصل بين الصحابة رضي الله عنه وأنهم كلهم مجتهدون مأجورون ، وكذلك ماحصل مع غيرهم من المرتدين والمشركين ، ولا شك أن هذا منكر عظيم يتحتم على العالم القول بتحريم تمثيل الصحابة .
وعليه فمن قال بجواز تمثيل الصحابة بحجة إظهار محاسنهم أو محاسن بعضهم ، قوله مردود للمفاسد التي ذكرناها ، ومحاسنهم لله الحمد والمنة معلومة بالكتاب والسنة ، من عصرهم إلى يومنا هذا فلا نحتاج أن نظهرها بالتمثيل الذي سيضر بسبب المفاسد التي ذكرناها .
وممن قال من العلماء بتحريم تمثيل الصحابة هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية مجلة البحوث الإسلامية (1/235) ، وهو قرار رابطة العلم الإسلامي ، وهو قول الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ، لقاء الباب المفتوح (24) ، والشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود ، وغيرهم .
وعليه أرجو من جميع المسلمين عدم مشاهدة هذه الأفلام وأن يستنكروها ، وأسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين حكاما ومحكومين في بذل جهدهم في وقف إخراج مثل هذه المسلاسلات والأفلام ، وأن تبقى صورة الصحابة رضي الله عنهم في نفوس المسلمين عزيزة جليلة موقرة . والله أعلم .