العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

1717
السائل:
ما حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؟

الشيخ:

السؤال


ما حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؟

الجواب

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في جواز العمل بالحديث الضعيف على مذهبين :
المذهب الأول : جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون الحلال والحرام ، وهو مذهب جماعة من أهل العلم ، ونقله النووي على أنه إجماع كما في المجموع (2/94) و (3/226) ، وهو إجماع مردود كما سيأتي في المذهب الثاني ، ولم أقف على دليل صحيح يعتمد عليه يستند عليه أصحاب هذا المذهب إلا أن الحديث الضعيف ليس كالحديث الموضوع ، فالعمل به وإن كان عملا بظن مرجوح لكن يعمل به بشروط تجعله يستأنس بالعمل به في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال ، وهذه الشروط هي :
الشرط الأول : أن لا يكون شديد الضعف ، فإذا كان شديد الضعف ككون الراوي كذابا ، أو فاحش الغلط ، فلا يجوز العمل به .
الشرط الثاني : أن يكون الضعيف مندرجاً تحت أصل عام من أصول الشريعة ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل معمول به أصلاً .
الشرط الثالث : أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يثبت عنه , بل يعتقد الاحتياط .
الشرط الرابع : أن لا يتعلق بصفات الله تعالى ولا بأمر من أمور العقيدة .
الشرط الخامس : أن يكون موضوع الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، ولا يتعلق بحكم من أحكام الشريعة من الحلال والحرام ونحوها .
الشرط السادس : أن لا يعارض حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أصلاً من أصول الشريعة .
الشرط السابع : أن لا يشتهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيُشَرّع ما ليس بشرع , أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة .
الشرط الثامن : أن يبين ضعفه عند روايته للناس حتى لا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقله ، وحتى لا يغتر العامة به .
كلّ هذه الشروط ذكرها العلماء القائلون بجواز العمل بالحديث الضعيف صيانة للشريعة حتى لا ينسب إليها ما ليس منها .
المذهب الثاني : عدم جواز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً ، وهو مذهب جماعة من أهل العلم .
قال القاسمي في قواعد التحديث ص (70) : (لا يعمل به مطلقاً لا في الأحكام ولا في الفضائل ، حكاه ابن سيد الناس في عيون الأثر عن يحيى بن معين ، ونسبه في فتح المغيث لأبي بكر بن العربي ، والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضاً ، يدل عليه شرط البخاري في صحيحه ، وتشنيع الإمام مسلم على رواية الضعيف كما أسلفناه ، وعدم إخراجهما في صحيحهما شيئاً منه ، وهذا مذهب ابن حزم -رحمه الله- أيضاً حيث قال في الملل والنحل : ((ما نقله أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن في الطريق رجلاً مجروحاً بكذب أو غفلة أو مجهول الحال فهذا يقول به بعض المسلمين ، ولا يحل عندنا القول به ، ولا تصديقه ولا الأخذ بشيء)) انتهى )
وقال الحافظ ابن حجر تبيين العجب ص (4) : (ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام ، أو في الفضائل ، إذ الكل شرع ) .
وقال الشوكاني وبل الغمام (1/53) : (وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا ، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً ، وهو الحق) .
وقال الشيخ أحمد شاكر شرح ألفية السيوطي ص (84) : (والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كلّ حال ؛ لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح … وأنه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة ، بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن ) .
ورجح هذا المذهب الشيخ الألباني( ينظر : تمام المنة ص (34) ، ومقدمة صحيح الترغيب والترهيب ) .
فالمسألة ليس فيها إجماع كما زعم الإمام النووي –رحمه الله تعالى- فالخلاف محفوظ .
والمذهب الثاني هو الراجح بلا شك ، وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ))(رواه مسلم رقم الحديث (1) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه من حدث بحديث يرى -يظن- أنه كذب يعني لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم فهو أحد الكاذبين ، فالذي يروي الحديث الضعيف ويعمل به داخل في هذا الوعيد ، لأنه يروي الحديث الضعيف ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرى في نفس الوقت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله ، ومع ذلك يعمل به على أن فيه فضيلة ، فهذه الفضيلة إما لأنه يعتقد أنها من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل ، وإما أنها لأدلة أخرى صحيحة فلا عبرة إذا بهذا الحديث ولا في روايته ، وإما من عند نفسه ، وهذا أمر محرم لأن الذي يستحب الأمور الشرعية ويبين فضلها هو الشارع فقط .

الدليل الثاني : الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن المرجوح ، كما سبق ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، بل الظن المرجوح جاء ذمه في القرآن والسنة ، كقوله تعالى : ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ سورة يونس: ٣٦ ، وقوله تعالى : ﴿وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ سورة النجم: ٢٨ ، وعن أَبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ …))( رواه البخاري رقم الحديث (5143) ، ومسلم رقم الحديث (6701)).
فالعمل بالحديث الضعيف مذموم داخل في هذه النصوص لأنه عمل بالظن المرجوح.
فإن قيل : إن العمل بالحديث الضعيف عندنا يشترط أن يدل عليه أصل من الشريعة ، فالعمل إذا يكون بالظن الراجح .
جوابه :
الجواب الأول : إن زعمتم أن العمل منكم كان بأصل الشريعة فلماذا تذكرون الفضل الوارد في الحديث الضعيف؟! فاستدلالكم في الحقيقة إنما هو بالحديث الضعيف ، وإن كان بالحديث الضعيف فقد عملتم بالظن المرجوح . فأنتم في الحالين عملتم بالظن المرجوح المذموم .
الجواب الثاني : عملكم بالحديث الضعيف مع أصل الشريعة لا يخلو إما أن هذا الأصل قوى الحديث الضعيف وعليه فإن الحديث حسن أو صحيح محتج به ، وهذا باطل لأن بحثنا معكم في الحديث الضعيف ، ولأنكم تقولون العمل بالحديث الضعيف لا الصحيح أو الحسن المحتج به ، وإن كان لم يتقوَ به وهذا هو المراد فإذاً أنتم عملتم بالحديث الضعيف فعملتم بالظن المرجوح المذموم ، فالعمل بالحديث الضعيف عمل بالظن المرجوح المذموم ، بلا شك .
الدليل الثالث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ))( رواه مسلم رقم الحديث (7) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من أخذ الحديث والرواية عن الضعفاء ، وذلك حتى لا يعمل بها ، والعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال داخل في هذا التحذير النبوي بلا ريب ، وعليه لا يجوز العمل به .
قال المناوي( فيض القدير (4/174) ) : ((سيكون في آخر الزمان أناس من أمتي) يزعمون أنهم علماء (يحدثونكم بما لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم) من الأحاديث الكاذبة والأحكام المبتدعة والعقائد الزائفة (فإياكم وإياهم) أي احذروهم وبعدوا أنفسكم عنهم ، وبعدوهم عن أنفسكم ، قال الطيبي : ويجوز حمله على المشهورين المحدثين ، فيكون المراد بها الموضوعات ، وأن يراد به ما هو بين الناس أي يحدثوهم بما لم يسمعوا عن السلف من علم الكلام ونحوه ، فإنهم لم يتكلموا فيه . وعلى الأول ففيه إشارة إلى أن الحديث ينبغي أن لا يتلقى إلا عن ثقة عرف بالحفظ والضبط وشهر بالصدق والأمانة عن مثله حتى ينتهي الخبر إلى الصحابي ، وهذا علم من أعلام نبوته ومعجزة من معجزاته فقد يقع في كلّ عصر من الكذابين كثير ، ووقع ذلك لكثير من جهلة المتدينة المتصوفة) .
الدليل الرابع : ومما يضعف المذهب الأول أنهم يرون أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف في الحلال والحرام لكن في فضائل الأعمال فقط ، وهذا لا ضابط فيه عندهم بدليل أنهم عملوا بالحديث الضعيف في الأحكام ، فهذا الإمام النووي وهو يتكلم على السترة وعلى الخط قال –رحمه الله تعالى- ( المجموع (3/226) ) : (فان لم يجد شيئا شاخصا فهل يستحب أن يخط بين يديه نص الشافعي في القديم وسنن حرملة أنه يستحب وفى البويطى لا يستحب … والمختار استحباب الخط لأنه وإن لم يثبت الحديث ففيه تحصيل تحريم للمصلي ، وقد قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون الحلال والحرام ، وهذا من نحو فضائل الأعمال) .
وهل استحباب الخط من فضائل الأعمال ؟! بل هو حكم شرعي يتقرب به إلى الله تعالى وأنه إذا فعله فكأنما وضع سترة أمامه ، ولم يأت دليل صحيح باستحبابه؟! وقد وقع له من ذلك ولغيره من القائلين بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال الشيء الكثير وذلك بسبب القول بجواز العمل بالحديث الضعيف ، فوجب والحالة هذه أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف ، حتى لا ينسب إلى الشرع ما ليس منه ، لأنه إذا كان بعض العلماء كأمثال النووي وغيره من الجهابذة وقعوا في العمل بالحديث الضعيف في الأحكام بسبب جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل فغيرهم من باب أولى .
الدليل الخامس : أن فضائل الأعمال لا تخرج عن الأحكام التكليفية الخمسة ، فالعمل بالحديث الضعيف في فضل عمل ما يعني استحبابه بعينه لورود هذا الفضل في هذا الحديث الضعيف ، ولا شك أن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز إثباته إلا بنص صحيح .
الدليل السادس : قاعدة سد الذريعة : يحرم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وخاصة في هذا الزمان . لأنك ترى –حفظك الله تعالى- أن العلماء الذين قالوا بهذا المذهب ذكروا شروطا وذلك لحفظ وصيانة الشريعة من أن يدخل فيها ما ليس منها ، فهل من يروي الأحاديث الضعيفة أو يعمل بها في فضائل الأعمال أعمل هذه الشروط ؟ لا شك أنه لا يفعل ذلك ، لأنه كيف له أن يميز بين الحديث الضعيف وشديد الضعف ، والضعيف والموضوع ، وأن يكون لهذا الحديث الضعيف أصل من أصول الشرع وهكذا بقية الشروط . فهذه القيود والشروط التي ذكرها العلماء لا يفهمها إلا من له بالحديث عناية ، يميز شديد الضعف من خفيفه ، أما أن يسترسل في ذلك ممن ليس الحديث مهنته ، فهذا يخشى عليه الوقوع في جملة القائلين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، فلا شك أن هذا يدعوا لترك العمل بالحديث الضعيف مطلقاً ، وفي الصحيح ما يغني عنها .
الدليل السابع : قال الشوكاني( وبل الغمام (1/54)) : ( وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا ، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً ، وهو الحق ، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام ، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع ما لم يثبت كونه شرعاً ، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل ، وما كان في فضائل الأعمال ، إذ جعل العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل ، فلا ريب أن العامل به ، وإن كان لم يفعل إلا الخير ، من صلاة أو صيام أو ذكر ، لكنه مبتدعٌ في ذلك الفعل من حيث اعتقاده مشروعيته بما ليس شرع ، وأجر ذلك العمل لا يوازي وِزْرَ الابتداع ، فلم يكن فعل ما لم يثبت مصلحة خالصة ، بل معه عرضة بمفسدة هي إثم البدعة ، ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح … وقيل : إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دلّ عليه الحديث الضعيف داخلاً تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك ، وإلا فلا ، مثلاً : لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين في غير وقت كراهة فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضلية الصلاة مطلقا إلا ما خص . يقال : إن كان العمل بذلك العام الصحيح فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة ، وإن كان العمل بالخاص عاد الكلام الأول ؛ وإن كان العمل بمجموعهما كان فعل الطاعة مشوبا ببدعة ، من حيث إثبات عبادة شرعية بدون شرع ) .
ينظر : تدريب الراوي ص (196) ، والقول البديع للسخاوي ص (258) ، وعلوم الحديث لابن الصلاح ص (93) ، وتبيين العجب لما ورد في فضل رجب لابن حجر ص (3-4) ، والدر المختار (1/128) ، ودرر الأحكام (1/37) ، وتحفة المحتاج (3/42) ، ومغني المحتاج (1/289) ، نهاية المحتاج (2/112) ، وحواشي الشرواني (1/240) ، والموسوعة الفقهية (32/160)