هل يصح قضاء الصوم عن الميت؟

1285
السائل: هل يصح قضاء الصوم عن الميت؟

الشيخ: أولا : الصوم الواجب شرعاً على أنواع منه ما له زمن محدد كصوم رمضان ، ومنه ما يجب على اعتبارات أخرى كصوم كفارة اليمين والظهار وجزاء الصيد ونحوها ، ومنه ما يكون ألزم به نفسه كصوم النذر ، ومنه يكون على سبيل البدل كالقضاء ، وغير ذلك .
ثانياً : من مات وعليه صوم بأحد الأسباب المشار إليها آنفاً لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : المعذور الذي لم يتمكن من قضاء الصوم بسبب ضيق الوقت أو لعذر المرض أو السفر ونحوهما ودام عذره إلى أن مات فإنه لا يجب عليه ولا على ورثه شيء ، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، والأدلة على ترجيح هذا المذهب ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ))(رواه مسلم رقم الحديث (1337) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأمر يفعل عند الاستطاعة فإذا عجز عن الفعل الواجب ثم مات فلا شيء عليه لأنه غير مفرط ، فلا يصح أن يكلف به أو ورثته بعد موته لأنه لم يكن مستطيعاً ، فهو غير مطالب به حال حياته لعجزه فكيف يطالب به بعد موته ؟!
الدليل الثاني : القياس ، قال ابن قدامة في المغني (4/398) : (إنه حق لله تعالى وجب بالشرع ، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل ، كالحج ) .
الحال الثانية : المتمكن من قضاء الصيام لكنه لم يقضه حتى مات ، فقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في سقوط الصيام عنه ، وفي الواجب على ورثته ، والراجح في هذه الحالة التفصيل الآتي :
أولا : إذا كان عليه قضاء صيام فرض وكان متمكناً من أدائه ولكن لم يقضه حتى مات فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولا يصام عنه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، منهم الشافعية في القديم ، والحنابلة ، وبه قال الليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن عليه ، وأبو عبيد وغيرهم .
ثانياً : إذا كان عليه صوم نذر ، فإنه يستحب صومه من ورثته أو غيرهم ، وهو مذهب الحنابلة ، والليث وأبي عبيد ، وأبي ثور ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم .
ورجحت هذا التفصيل للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1952) ، ومسلم رقم الحديث (2748) ) .
الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- : (( أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ البَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنِ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْجَاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْراً ، فَأَنْجَاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ ، فَجَاءَتْ قَرَابَةٌ لَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : صوُمِي ))( رواه أبو داود رقم الحديث (3310) ، والنسائي رقم الحديث (3832) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (1889) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين ) .
وجه الاستدلال من الحديثين : أنها صريحة في مشروعية صيام النذر عن الميت ، إلا أن الحديث الأول يفيد الإطلاق في كلّ صوم ، ولكن هذا الإطلاق غير مراد لتتمة الأدلة .
الدليل الثالث : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ))( رواه أبو داود رقم (2403) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2078) ، وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) .
وجه الاستدلال : أنه صريح في أن من كان عليه صوم من رمضان ولم يصم لمرض حتى مات فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، لأنه كان الواجب عليه أن يفعل ذلك في حياته كما سبق في مبحث المرض الذي لا يرجى برؤه ، وأيضاً فيه أنه يصام عن الميت صوم النذر .
الدليل الرابع : عن عَمْرَةَ (( أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَقْضِيه عَنْهَا ؟ قَالَتْ : لاَ , بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ))(أخرجه الطحاوي (3/142) ، وابن حزم في المحلى (7/4) واللفظ له . وصححه الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص (215) ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة -رضي الله عنها- ترى أنه إذا مات الميت وعليه من رمضان أنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولم تفهم عائشة من الحديث الأول الذي روته عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق الصيام ، وراوي الحديث أدرى بمعنى مرويه من غيره .
قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (4/390) : (سألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : إن أمي توفيت وعليها نذر صيام ، فتوفيت قبل أن تقضيه ؟ فقال : ليصم عنها الولي . ذكره ابن ماجه وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه .
فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه وقالت : يصام عنه النذر والفرض ، وأبت طائفة ذلك وقالت : لا يصام عنه نذر ولا فرض ، وفصلت طائفة فقالت : يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي ، وهذا قول ابن عباس وأصحابه ، والإمام أحمد وأصحابه ، وهو الصحيح لأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة ، فكما لا يصلي أحد عن أحد ولا يسلم أحد عن أحد فكذلك الصيام ، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدين ، فيقبل قضاء الولي له كما يقضى دينه ، وهذا محض الفقه ، وطرد هذا أنه لا يحج عنه ولا يزكى عنه إلا إذا كان معذورا بالتأخير ، كما يطعم الولي عمن أفطر في رمضان لعذر ، فأما المفطر من غير عذر أصلا فلا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض الله تعالى التي فرط فيها ، وكان هو المأمور بها ابتلاء وامتحانا دون الولي ، فلا تنفع توبة أحد عن أحد ، ولا إسلامه عنه ، ولا أداء الصلاة عنه ، ولا غيرها من فرائض الله تعالى التي فرط فيها حتى مات . والله أعلم) .
قال الإمام ابن قدامة في المغني (4/401) : (إن الصوم ليس بواجب على الولي لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ، ولا يجب على الولي قضاء دين الميت ، وإنما يتعلق بتركته إن كانت له تركة ، فإن لم يكن له تركه فلا شيء على وارثه لكن يستحب أن يقضي عنه لتفريغ ذمته وفك رهانه ، كذلك ههنا ولا يختص ذلك بالولي بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه ) .
والله أعلم
ينظر : المبسوط (3/89) ، والمجموع (6/413 و421) ، والمغني (4/398) فتح القدير مع العناية (2/352) ، وبداية المجتهد (1/299) ، والمنتقى (2/63) ، والموافقات (2/174) ، والمجموع (6/415) ، والمغني (4/398) ، والإنصاف (3/334) ، وكشاف القناع (2/334) ومجموع الفتاوى (24/309) وإعلام الموقعين (4/390) .