هل يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت ؟

1310
السائل:
هل يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت ؟

الشيخ:

السؤال


هل يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت ؟

الجواب

يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت ، وهو مذهب الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح عند الشافعية(ينظر : المجموع (3/479) ، والمغني (2/584) ).
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : قد ثبت رفع اليدين في قنوت الوتر عن جمع من السلف ، وهم أعلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم منّا ، وأولى بالإتباع والإقتداء ، وقول الصحابي وفعله حجة على الراجح من أقوال علماء أصول الفقه ، ومن تلك الآثار :
الأثر الأول : عن أبي عثمان ، قال : (( كان عمر يقنت بنا بعد الركوع ، ويرفع يديه حتى يبدو ضبعاه ، ويسمع صوته من وراء المسجد))( رواه البخاري في جزء رفع اليدين رقم (89) و(90) ، وابن أبي شيبة (2/316) ، وابن المنذر في الأوسط (5/213) ، والبيهقي السنن الكبرى رقم (3272) و(3273) و(3274) و(3275) . وقال : (وَهَذَا عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صَحِيحٌ ) . ينظر : إرواء الغليل (2/181) ، وما صح من آثار الصحابة (1/412)) .
قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل (2/181) : (ورفع اليدين في قنوت النازلة ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم … وثبت مثله عن عمر , وغيره في قنوت الوتر) .
الأثر الثاني : عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود –رضي الله عنه- : (( أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ ))(رواه ابن أبي شيبة (2/307) ، والبخاري في جزء رفع اليدين (91) ، وابن المنذر في الأوسط رقم (2671) ، والبيهقي في سننه رقم (5062) . وفي سنده ليث ، وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف لاختلاطه . لكن رواه عبد الرزاق عن الزهري عن حماد عن إبراهيم : (( أن ابن مسعود كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد )) . إسناده حسن . مصنف عبد الرزاق (4/325) . فثبت الرفع عن ابن مسعود –رضي الله عنه في قنوت الوتر . ينظر : ما صح من الآثار (1/413) ) .
قال محمد بن نصر المروزي في صلاة الوتر ص (103) : (باب رفع الأيدي عند القنوت : عن الأسود أن عبد الله بن مسعود : « كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره » ، وعن أبي عثمان النهدي : « كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة ، ويرفع يديه حتى يخرج ضبعيه » ، وعن خلاس : « رأيت ابن عباس يمد بضبعيه في قنوت صلاة الغداة » . وكان أبو هريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان . وعن أبي قلابة ، ومكحول أنهما كانا يرفعان أيديهما في قنوت رمضان ، وعن إبراهيم في القنوت في الوتر : « إذا فرغ من القراءة كبر ورفع يديه ، ثم قنت ثم كبر وركع » ، وعن وكيع عن محل عن إبراهيم قال : « قل في الوتر هكذا ، ورفع يديه قريبا من أذنيه ، ثم ترسل يديه ») .
الدليل الثاني : قياس قنوت الوتر على قنوت النازلة في رفع اليدين والجامع بينهما أنه دعاء قنوت في كلّ ، فكما أنه يسن رفع اليدين في قنوت النازلة فكذلك في قنوت الوتر ولا فرق ، ووجه القياس : الأصل : دعاء قنوت النازلة في صلاة الفرض ، الحكم : يسن فيها رفع الأيدي ، الفرع : دعاء قنوت الوتر ، العلة : الجامعة بينهما أنهما دعاء قنوت في كل ، الحكم : رفع الأيدي في قنوت الوتر كما ترفع في قنوت النازلة ، بل هي في النافلة أولى لأنه إذا جاز الرفع في قنوت النازلة في الفرض فالأولى أن يجوز في قنوت النفل . والله أعلم .
ويسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة لحديث أنس – رضي الله عنه- قال : (( … فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ ، وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ ))(رواه الإمام أحمد في مسنده (19/349) رقم الحديث (12402) ، والطبراني في الصغير ص (111) . إسناده صحيح . قال في إرواء الغليل (2/181) : سنده صحيح )
الدليل الثالث : أن الدعاء إما أن يكون بألفاظ مخصوصة محددة من الشارع لا يزاد عليها أو لا يكون كذلك ، فإن كان بألفاظ مخصوصة – كالاستخارة – فلا يسن رفع اليدين حتى يرد الدليل بالرفع ، فإن لم يكن مخصوصا بألفاظ معينة فرفع اليدين فيه سنة ، لأنّ الأصل في الدعاء رفع اليدين ، ولأنه أدعى للتضرع فيه ولقبوله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))( رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه . صحيح الترمذي رقم (2819) ، صحيح الجامع رقم (1757) ) .
ولغيرها من الأحاديث التي ورد فيها بيان فضل رفع اليدين في الدعاء . ودعاء قنوت الوتر من الأدعية التي يجوز أن يزاد فيها لما ورد عن السلف كما سبق ، فليست ألفاظه مخصوصة لا تجوز الزيادة عليها ، وعليه فهو دعاء يسن رفع اليدين فيه .
فإن قيل : كذلك الدعاء في السجود غير مخصوص بألفاظ معينة بعد التسبيح فهلا قلتم بالرفع ؟
جوابه :
أن السجود ورد على صفة معينة وهي السجود على الأعضاء المعروفة ، فلا يجوز أن يغير من هيئة الصلاة التي وردت ، بخلاف دعاء القنوت فإن الهيئة الواردة عن النبي صلى اللله عليه وسلم في النازلة الرفع ، وكذلك في صلاة الاستسقاء ، فعلم بذلك أن رفع اليدين مشروع في هذه الهيئة وهي القنوت سواء نازلة أو غيرها لأنه أدعى للاستجابة ، فهو داخل في النصوص التي ورد فيها الحث على رفع اليدين ، بخلاف بقية الصلاة فلا يشرع فيها الرفع لأنه لم يرد به الدليل ، ولأنه موطن قد وردت صفته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلا يشرع فيه الرفع ، بمعنى أن المشروع في الدعاء رفع اليدين إلا ما جاء في السنة بعدم رفعه ، مثل الدعاء في الصلاة بين السجدتين ليس فيه رفع ، وبعد التشهد ليس فيه رفع ، وفي أثناء الركوع ليس فيه رفع ، وفي الاستفتاح اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، كل هذه المواضع وردت صفتها ليس فيها رفع . والله أعلم .
اعتراض :
قد يعترض المخالف بما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : (( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ))(رواه البخاري رقم الحديث (984) ، ومسلم رقم الحديث (2113) ).
وجه الاستدلال : أن أنساً –رضي الله عنه- نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلا في الاستسقاء ، فدل هذا على أنه لا ترفع الأيدي في دعاء القنوت .
جوابه :
الجواب الأول : أن المُثْبِت مقدم على النافي لأن المثبت معه زيادة علم ، فأنس –رضي الله عنه- نفى الرفع إلا في الاستسقاء ، وغيره أثبت الرفع في غير الاستسقاء فيؤخذ بالمثبت .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/517) : ( قوله : إلا في الاستسقاء . ظاهره نفي الرفع في كلّ دعاء غير الاستسقاء ، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة ، وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث ، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس على نفي رؤيته ، وذلك لا يستلزم نفى رؤية غيره ) .
الجواب الثاني : أن أنساً –رضي الله عنه- نفى الرفع إلا في الاستسقاء ، ثم هو نفسه أثبت الرفع في دعاء قنوت النازلة كما سبق ، فيحتمل أن يكون النفي منه نفياً لرفع خاص وهو المبالغة في الرفع بحيث ترفع الأيدي باطنها إلى الأرض وظاهرها إلى السماء ، ولم يرد بنفيه نفي رفع الأيدي في الصلاة مطلقاً ، وبهذا تجتمع جميع الأدلة ولا تتعارض ، فلا يصلح الاستدلال به على نفي رفع الأيدي في دعاء القنوت .
ثم وجدت الإمام النووي –رحمه الله تعالى- ذكر ذلك فقال في شرح مسلم (6/190) : (هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء وليس الأمر كذلك ، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء ، وهي أكثر من أن تحصر ، وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما ، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب ، ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء) .
قال ابن رجب –رحمه الله تعالى- في فتح الباري (6/300) : (إن أنساً أراد أنه لم يرفع يديه هذا الرفع الشديد حتى يرى بياض إبطيه ، إلا في الاستسقاء . وقد خرّج الحديث مسلم ، ولفظه : كان النبي ( لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه) . ومع هذا ؛ فقد رآه غيره رفع يديه هذا الرفع في غير الاستسقاء – أيضاً ) .
الجواب الثالث : أن أنساً –رضي الله تعالى عنه- أراد بالنفي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه بالدعاء يوم الجمعة إلا في الاستسقاء ، فنفي أنس –رضي الله عنه- لرفع الأيدي بالدعاء في يوم الجمعة وليس للتعميم وبهذا تجتمع جميع الأدلة ولا تتعارض .
قال ابن خزيمة في صحيحه (3/147) مترجماً على حديث أنس –رضي الله عنه- : (باب صفة رفع اليدين في الاستسقاء في خطبة الجمعة . ثم قال بعد ذكر الحديث : في خبر شريك بن عبد الله عن أنس قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه قد أمليته قبل في خبر قتادة عن أنس لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء يريد إلا عند مسألة الله عز و جل أن يسقيهم و عند مسألته بحبس المطر عنهم ، و قد أوقع الثاني أن يحبس المطر عنهم ، والدليل على صحة ما تأولت أن أنس بن مالك قد خبر شريك بن عبد الله عنه أنه رفع يديه في الخطبة على المنبر يوم الجمعة حين سأل الله أن يغيثهم ، و كذلك رفع يديه حين قال : اللهم حوالينا ولا علينا فهذه اللفظة أيضا استسقاء إلا أنه سأل الله أن يحبس المطر عن المنازل و البيوت و تكون السقيا على الجبال و الآكام و الأودية ) .
والله أعلم .