هل يجب قضاء رمضان على الفور ؟

1269
السائل:
هل يجب قضاء رمضان على الفور ؟

الشيخ:

السؤال


هل يجب قضاء رمضان على الفور ؟

الجواب

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : أنه يجب قضاء الصوم عند الاستطاعة على الفور ، وهو مذهب بعض الحنفية ، وقول للإمام مالك وبعض المالكية ، وهو مذهب ابن حزم ، وغيرهم ، وهو الراجح ، ودليله :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ سورة آل عمران : 133 .
وجه الاستدلال : أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى المغفرة ، والمأمور به شرعاً فيه المغفرة ، فالشارع أمر بالمسارعة إلى فعل المأمورات ، والمسارعة هي المبادرة إلى فعل المأمور ، فدل هذا على أن الأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور ، لأن الأمر بالمسارعة الأصل فيه أنه للوجوب ، وعليه فقضاء الصوم يجب على الفور .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ سورة البقرة:148.
وجه الاستدلال : أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى الخيرات ، والمأمور به شرعاً هو من الخيرات ، إذاً هو مأمور بالمسابقة إليه ، فالأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور ، ومنه قضاء رمضان .
الدليل الثالث : أن السلامة من الخطر والقطع ببراءة الذمة إنما يكون بالمبادرة والفور ، وعدم المبادرة قد يكون سبباً في الوقوع في الخطر وعدم براءة الذمة ، وما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب ، فصار الفور في الأمر واجباً ، وهو أحوط وأقرب لتحقيق مقتضى الأمر وهو الوجوب .
الدليل الرابع : أن المقرر في علم أصول الفقه على الراجح أن الأمر يجب على الفور ، وهو مذهب الجمهور .
المذهب الثاني : أن قضاء رمضان على التراخي فيجوز له أن يؤخره إلى شعبان لغير عذر ، وهو مذهب جمهور العلماء ، واستدلوا بما ثبت عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – تَقُولُ : ((كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ . قَالَ يَحْيَى : الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ))(رواه البخاري برقم (1849) ، ومسلم برقم (1146) واللفظ له ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة –رضي الله عنها- كانت تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذا وأقرها عليه ، فدل هذا على أنه يجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان فالقضاء ليس على الفور .
جوابه :
الجواب الأول : أن الاستدلال في غير محَلّه لأن عائشة -رضي الله عنها- لم تقل : إنها تستطيع أن تقضيه فوراً وأخرت القضاء ، وإنما قالت : ((فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ)) وعدم الاستطاعة مسقط للفورية ، فنحن لا ننازعكم في أنه يجوز تأخير القضاء عند عدم الاستطاعة ، لكن نزاعنا معكم فيمن أخر القضاء لغير عذر ويستطيع أن يقضيه فوراً ، وهذا غير موجود في الحديث ، بل الحديث على خلاف ذلك .
الجواب الثاني : أن الحديث حجة لنا لأنها قالت –رضي الله عنها- : ((فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ)) مفهومه أنها لو كانت تستطيع القضاء فوراً لما أخرته .
والله أعلم .
ينظر : بدائع الصنائع (2/104) .
( ) كفاية الطالب ص (302) ، و مواهب الجليل (3/334) والمحلى (6/260) ولتمهيد (23/148) ، وشرح مسلم للنووي (8/21) ، والموسوعة الفقهية (10/10) .