هل وردت آثار صحيحة عن السلف أنهم كانوا يهنؤون بعضهم بقدوم شهر رمضان ؟

1325
السائل: هل وردت آثار صحيحة عن السلف أنهم كانوا يهنؤون بعضهم بقدوم شهر رمضان ؟

الشيخ: لا أعلم في ذلك أثارا لا نفيا ولا إيجابا لكن التهنئة من باب العادات ، والأصل في العادات الإباحة ، إلا إذا دلّ الدليل على الحث على عادة معينة فإنها تكون عبادة أو نهى عنها فإنها تكون ممنوعة شرعاً .
والذي يظهر –والله أعلم أن الناس لم يقصدوا بالتهنئة برمضان التعبد بها ، وإنما هي عادة جرت بينهم ، وفيها مصلحة دعاء المؤمنين بالبركة بعضهم لبعض فلا مانع منها شرعاً .
واستدل بعض أهل العلم على جواز التهنئة بشهر رمضان بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ))( رواه النسائي رقم الحديث (2118) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (7347) . والحديث رجاله رجال الشيخين إلا أن في الإسناد انقطاعاً والحديث أصله في الصحيحين . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (1868) ، وصحيح النسائي رقم الحديث (2106) ) .
قال ابن رجب –رحمه الله تعالى- في لطائف المعارف ص (158) : (قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان ، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين ، من أين يشبه هذا الزمان زمان ) .
وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح (4/451) : (شهر مبارك بدل أو بيان ، والتقدير هو شهر مبارك ، وظاهره الأخبار أي كثر خيره الحسي والمعنوي كما هو مشاهد فيه ، ويحتمل أن يكون دعاء أي جعله الله مباركا علينا وعليكم وهو أصل في التهنئة المتعارفة في أول الشهور بالمباركة ، ويؤيد الأول قوله : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان . إذ فيه إيماء إلى أن رمضان من أصله مبارك فلا يحتاج إلى الدعاء فإنه تحصيل الحاصل ، لكن قد يقال : لا مانع من قبول زيادة البركة) .
قال أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ في أسنى المطالب (4/121) . وينظر : تحفة المحتاج (10/203): (قَالَ الْقَمُولِيُّ : لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ . انْتَهَى . وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا حَافِظُ عَصْرِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ ) .
وقصة كعب بن مالك -رضي الله عنه- الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما وقيام طلحة -رضي الله تعالى عنه- إليه فهنأه فيها دليل ظاهر على تهنئة من تجددت له نعمة دينية كما سبق النقل عن ابن حجر ، ومن أعظم النعم أن يدرك المسلم شهر رمضان ، شهر المغفرة والعتق من النار .
قال ابن القيم في زاد المعاد (3/585) : (وفيه دليل على استحباب تهنئة مَن تجدَّدت له نعمة دينية ) .
وقال ابن مفلح في الفروع (6/182) : (وَفِي قِصَّةٍ تَخَلُّفَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ) .
والله أعلم