هل صلاة التروايح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت؟

1301
السائل: هل صلاة التروايح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت؟

الشيخ: أجمع العلماء على مشروعية الجماعة في صلاة التراويح ، فلا خلاف بين العلماء على مشروعية صلاة التراويح جماعة في المسجد . ينظر : الكافي لابن عبد البر (1/255) ، و بدائع الصنائع (2/748) ، إجماعات ابن عبد البر (1/566) .
وأما الأفضل فإن صلاة التراويح في المسجد جماعة سنة مستحبة وأفضل من صلاتها في البيت وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وأفضل ، وهو مذهب الحنفية ، والشافعية على الأصح ، والحنابلة ، دليله :
الدليل الأول : حث النبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضلها ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ).
وهذا الحديث يخصص الأحاديث الواردة في فضل النافلة في البيت ، لأن هذا الحديث خاص في قيام رمضان في المسجد مع الإمام ، فيكون المعنى صلاة النافلة في البيت أفضل إلا صلاة التراويح فإنها أفضل في المسجد مع الإمام حتى ينصرف .
قال أبو داود في مسائل الأمام أحمد ص (90) مسألة رقم (437) : (سمعت أحمد قيل له : يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده ؟ قال : يصلي مع الناس ، وسمعته أيضا يقول : يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته) .
الدليل الثاني : فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله في صلاة التراويح كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) )
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))( رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) )
و حديث أبي ذر -رضي الله عنه- المتقدم .
قال الحاكم في المستدرك (1/440) على حديث النعمان ابن بشير -رضي الله عنه- : (وفيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة ، و قد كان علي بن أبي طالب يحث عمر -رضي الله عنهما- على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها ) .
والذي منعه من الاستمرار هو خشيت أن تفرض عليهم كما روت عَائِشَةُ رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ((وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) .
وقد زالت هذه العلة بوفاته صلى الله عليه وسلم فصارت صلاة التراويح جماعة سنة مستحبة .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (4/145) : (وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته ) .
قال ابن همام في فتح القدير (2/448) : (أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ سُنَّةً ) .
الدليل الثالث : إقرار النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة في المسجد ، فعن ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيَّ قَالَ : ((خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ ، فَرَأَى نَاسًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ فَقَالَ : « مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ؟». قَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلاَءِ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَأُ وَهُمْ مَعَهُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ . قَالَ : « قَدْ أَحْسَنُوا ، أَوْ قَدْ أَصَابُوا » . وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُمْ ))(رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/495) ، وقال : (هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ) . قال الشيخ الألباني في صلاة التراويح ص (9) : (وقد روي موصولا من طريق آخر عن أبي هريرة بسند لا بأس به في المتابعات والشواهد أخرجه ابن نصر في قيام الليل ( ص 20 ) وأبو داود ( 1 / 217 ) والبيهقي) ) .
الدليل الرابع : فعل عمر -رضي الله عنه- ذلك مع إقرار الصحابة له ، فكان إجماعاً منهم على استحباب صلاة التراويح في المسجد .
قال ابن قدامة في المغني (2/605) : (ولنا إجماع الصحابة على ذلك ، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله) .
قال أبو داود في مسائل الأمام أحمد ص (90) مسألة رقم (438) : ( قيل لأحمد وأنا أسمع : يؤخر القيام يعني التراويح إلى آخر الليل ؟ قال : لا ، سنة المسلمين أحب إلي . وكان أحمد يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام ، شهدته شهر رمضان كلّه يوتر مع الإمام إلا أُرى ليلة لم أحضر) .
ينظر : الموسوعة الفقهية (27/146) .
شرح الزرقاني (1/283) ، وحاشية الدسوقي (1/315) وشرح ابن عابدين (1/473) والمجموع (3/528) ، وشرح المحلي (1/217) والمغني (2/605) .