هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف ؟

1352
السائل: هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف ؟

الشيخ: اختلف العلماء في هذه المسألة والراجح أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم ، وهو قول ابن عباس(ينظر : ما صح من الآثار (2/696) ) ، وابن عمر(ينظر : ما صح من الآثار (2/697) ) ، وعائشة(ينظر : ما صح من الآثار (2/696) ) ، وعلي( ينظر : ما صح من الآثار (2/697) ) -رضي الله عنهم أجمعين- ، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة في رواية الحسن عنه ومن مشايخ الحنفية من اعتمد هذه الرواية ، وهو مذهب المالكية ، وبه قال بعض الشافعية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الزهري والليث والثوري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم . دليله :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتِ : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لاَ يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلاَ يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلاَ يَمَسَّ امْرَأَةً ، وَلاَ يُبَاشِرَهَا ، وَلاَ يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ))(رواه أبو داود في الصوم /باب الْمُعْتَكِفِ يَعُودُ الْمَرِيضَ رقم الحديث (2475) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8377) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/235) : (إسناده حسن صحيح ) ) .
ففي قولها -رضي الله عنها- : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ)) دلالة على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الراجح المقرر في علم مصطلح الحديث وأصول الفقه ، وعليه يكون قولها -رضي الله عنها- : ((وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ)) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والأصل في النفي أنه نفي لصحة الاعتكاف بغير صوم .
أما من طعن في الحديث بأنه موقوف عليها- رضي الله عنها أو مدرج من قول الزهري فهو طعن مردود ، فإن الحديث ثابت رفعه . ينظر : تهذيب السنن لابن القيم (7/105) ، وصحيح أبي داود (7/235) ، وإرواء الغليل (4/139) .
الدليل الثاني : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم للصيام في كلّ اعتكاف مع الحديث السابق دليل على أن الصيام جزء من الاعتكاف ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى- في زاد المعاد (2/87) : ( ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اعتكف مفطراً ، بل قالت عائشة : (ولاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ) ، ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع صوم ، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أنّ الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية).
وقال –رحمه الله تعالى- في تهذيب السنن (2/17) : (الِاسْتِدْلَال عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم فَأُمُور : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَمْ يُعْرَف مَشْرُوعِيَّة الِاعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم , وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه , أَنَّهُمْ اِعْتَكَفُوا بِغَيْرِ صَوْم الثَّانِي : حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب , وَقَوْلهَا : السُّنَّة كَذَا وَكَذَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ )
فإن قيل :
فقد روي عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ ))( رواه الحاكم رقم الحديث (1603) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8849)) .
جوابه :
أنه حديث ضعيف لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ينظر : تهذيب السنن (2/16) ، والسلسلة الضعيفة رقم (4378) ، وضعيف الجامع (4896) ) .
فائدة : يترتب على القول باشتراط الصوم لصحة الاعتكاف ما يأتي :
أولا : عدم صحة اعتكاف الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق .
ثانياً : عدم صحة اعتكاف الليل بمفرده .
ثالثاً : أن الاعتكاف لا يكون أقل من يوم .
والله أعلم .
ينظر : الموسوعة الفقهية (5/213) ، والمبسوط (3/115) ، وبدائع الصنائع (2/109) ، وأحكام القرآن للجصاص (1/305) ، وبداية المجتهد (3/241) ، و الفواكه الدواني (1/491) ، والموطأ (1/315) ، والتمهيد (11/197) ، والاستذكار (3/392) ، والمجموع (6/508-511) ، والإنصاف (3/324) ، والمغني (4/459) ، وزاد المعاد (2/87) ، وما صح من الآثار (2/697) ، والسيل الجرار (2/135) ، ونيل الأوطار (3/316) .