هل الحجامة والفصد وتحليل الدم يفطر الصائم ؟

1293
السائل: هل الحجامة والفصد وتحليل الدم يفطر الصائم ؟

الشيخ: تباح الحجامة للصائم إذا لم تضعفه عند جمهور الفقهاء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية . وسحب الدم لتحليله والتبرع به والفصد كالحجامة في عدم الفطر لأن جميعها إخراج للدم وهو مذهب الجمهور . وترك جميع ما مضى للصائم إلى بعد الإفطار أولى وخاصة في حقّ من كان يضعف بها .
كانت الحجامة من جملة المفطرات لحديث ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (2369) ، والدار قطني في سننه برقم (2264) . الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/132) : (إسناده صحيح على شرط مسلم ) . وينظر : إرواء الغليل رقم (931) ) .
ثم نسخ هذا الحكم بالأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ ، وَاحْتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ))(رواه البخاري رقم الحديث (1836) ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : ((رَخَّصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلصَّائِمِ فِي الْحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ))( رواه ابن خزيمة رقم (1967) بسند صحيح . ينظر : إرواء الغليل (4/74)) .
وجه الاستدلال : أنّ الرخصة لا تكون إلا بعد المنع ، فدل هذا على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً .
الدليل الثالث : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : ((أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : «أَفْطَرَ هَذَانِ ». ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ . وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ))(رواه الدار قطني في سننه برقم (8086) ، وقال : كلهم ثقات ولا أعلم له علة . وينظر : إرواء الغليل (4/72) ).
الدليل الرابع : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ))( رواه الإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18823) بإسناد صحيح .و قال الحافظ في الفتح (4/178) : (إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر) ) .
الدليل الخامس : عن شُعْبَة قَالَ : سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ : ((سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ : لَا إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ )) . وَزَادَ شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ : ((عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم))( رواه البخاري رقم الحديث (1838)) .
وقد تأول بعض أهل العلم حديث (( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ )) ولم يقل بالنسخ ، قال البغوي في شرح السنة (6/304) : (وتأول بعض من رخص فيها هذا الحديث ، فقال : معنى قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم » أي : تعرضا للإفطار ، أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه منها ، وأما الحاجم ، فلما لا يؤمن أن يصل إلى جوفه شيء من الدم إذا ضم شفتيه على قصب الملازم ، كما يقال لمن يتعرض للمهالك : قد هلك فلان وإن لم يكن قد هلك وحمل بعض من كرهها ، ولم يحكم ببطلان الصوم هذا على التغليط لهما ، والدعاء عليهما ، كقوله عليه السلام فيمن صام الدهر : «لا صام ولا أفطر» فيكون على هذا التأويل معنى قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم» أي بطل أجر صيامهما .
وقيل في تأويله : إنه مرّ بهما مساء ، فقال : «أفطر الحاجم والمحجوم» كأنه عذرهما بهذا القول إذ كانا قد أمسيا ودخلا في وقت الفطر ، كما يقال : أصبح الرجل وأمسى وأظهر ، إذا دخل في هذه الأوقات .
وقيل : معناه حان لهما أن يفطرا ، كما يقال : أحصد الزرع : إذا حان أن يحصد ، وأركب المهر ، إذا حان أن يركب ، هذه التأويلات ذكرها أبو سليمان الخطابي في كتابه ) .
قَال الشَّوْكَانِيُّ في نيل الأوطار (4/203) : (يُجْمَعُ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ ، بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا ، وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إِلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلإِْفْطَارِ ، وَلاَ تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لاَ يَضْعُفُ بِهَا ، وَعَلَى كُل حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى) .
والله أعلم
الفصد : هو شق العرق لإخراج الدم . فالفصد والحجامة يجتمعان في أن كلا منهما إخراج للدم ، ويفترقان في أن الفصد شق العرق ، والحجامة مص الدم بعد الشرط .
ينظر : بدائع الصنائع (2/107) ، والفتاوى الهندية (1/199) والفواكه الدواني (1/472) والمجموع (6/389) ، مغني المحتاج (2/160) .مراقي الفلاح ص (372) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير (1/518) ، والإقناع (2/334) ، وشرح المحلي على المنهاج (2/62) ، وكشاف القناع (2/320) ، والروض المربع (1/140) ، والإنصاف (3/303) ، والموسوعة الفقهية (28/71) ، والموسوعة الطبية ص (625) .