متى شرعت صلاة التراويح ؟

1295
السائل: متى شرعت صلاة التراويح ؟

الشيخ: صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة بأصحابه ثلاث ليال ، ثم تركها مخافة أن تفرض ، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم وَهُوَ التَّرَاوِيحُ رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) .
قال القيلوبي( حاشيتا القيلوبي وعميرة (1/320) ) : ( هذا يشعر أن صلاة التراويح لم تُشرع إلا في آخر سنيّ الهجرة لأنه لم يرد أنه صلاها مرة ثانية ولا وقع عنها سؤال ) .
وأما تعين الليالي التي قامها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقد روى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : (( صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ . قَالَ : فَقَالَ : « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ » . قَالَ : فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ . قَالَ : قُلْتُ : مَا الْفَلاَحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ) .
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))( رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) ) .
ثم أحيى هذه السنة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجمع الناس على قاريء واحد يصلي بهم لأن العلة – وهي الفرض – التي من أجلها ترك النبي صلى الله عليه وسلم الجماعة في التراويح قد زالت بوفاة صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : (( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما -))(رواه البخاري رقم الحديث (1905) ، ومسلم رقم (1816) )
قال الإمام النووي في شرح مسلم (6/40) : (قوله : (( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما )) معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كلّ واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضى صدرا من خلافة عمر ، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة ، واستمر العمل على فعلها جماعة) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ : (( خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ) .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (4/145) : (وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته ) .
وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر ؟ فقال : ( التراويح سنة مؤكدة ، ولم يتخرص (أي لم يفعله بظن غير صحيح أو كذب بل فعله عن علم ) عمر من تلقاء نفسه ، ولم يكن فيه مبتدعاً ، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد سن عمر هذا ، وجمع الناس على أبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما رد عليه واحد منهم ، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك )(ينظر : فتح القدير (1/333) ، والاختيار (1/68) ، والموسوعة الفقهية (27/138) )
والله أعلم