الشيخ: صفة رفع اليدين في الدعاء (وهو ما يعرف بدعاء المسألة) ومنه القنوت هي أن يرفع الداعي يديه حذو منكبيه أو نحوهما ، ضاماً لهما غير مفرقتين باسطاً بطونهما نحو السماء ، وظهورهما نحو الأرض ، وإن شاء قنَّع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : ((الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا ، وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ، وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا ))(رواه أبو داود في الوتر /باب الدُّعَاءِ رقم الأثر (1491) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/227) : (إسناده صحيح . وأخرجه الضياء في المختارة من طريق المصنف) ). و عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى بَنِي آبِي اللَّحْمِ : (( أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِى عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لاَ يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1170) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (4/331) : (إسناده صحيح على شرط مسلم ، وصححه ابن حبان والحاكم ، ووافقه الذهبي) ) . فالحديث وإن كان في الاستسقاء إلا أنه بين صفة رفع النبي صلى الله عليه وسلم لليدين في دعاء المسألة ومثله القنوت ، قال العيني في شرح أبي داود له (5/13) : (قوله: قِبَل وجهه بكسر القاف وفتح الباء . فيه من السُنَة رفع اليدين إلى وجهه ، ولا يجاوز بهما رأسه كما فعله رسول الله) . وقد جاءت أحاديث أخرى في الاستسقاء بينت صفة دعاء الابتهال ، وهو رفع اليدين مداً نحو السماء حتى يبدو عضداه ، وليس هذا مَحَل بحثانا لأن القنوت يندرج تحت دعاء المسألة كما سبق . وأما ما ذكره بعض الفقهاء من أن صفة رفع اليدين في دعاء القنوت كرفعهما في تكبيرة الإحرام فغير صحيح ، قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح (4/299) : (وأما رفع اليدين في قنوت الوتر أي كرفعهما عند التحريمة ، فلم أقف على حديث مرفوع فيه أيضاً ، نعم جاء فيه عن ابن مسعود من فعله ، فذكره نقلاً عن جزء رفع اليدين للبخاري ، وعن كتاب الوتر للمروزي ، وذكر أيضاً في ذلك آثاراً عن عمر وأبي هريرة وأبي قلابة ومكحول عن كتابة المروزي ، ثم قال: وفي الاستدلال بها على رفع اليدين في قنوت الوتر كرفعهما عند التحريمة نظر ، إذ ليس فيها ما يدل على هذا ، بل الظاهر منها ثبوت رفع اليدين كرفعهما في الدعاء ، فإن القنوت دعاء-انتهى . قلت : الأمر كما قال الشيخ فليس في هذه الآثار دلالة على مطلوبهم ، بل هي ظاهرة في رفع اليدين في القنوت حال الدعاء ، كما يرفع الداعي فيجوز أن ترفع اليدان حال الدعاء في قنوت الوتر عملاً بتلك الآثار كما ترفعان في قنوت النازلة في غير الوتر لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي . قال شيخ مشائخنا الشيخ حسين بن محسن الأنصاري في مجموعة فتاواه (ص160) : قد ثبت الرفع من فعله صلى الله عليه وسلم في قنوت غير الوتر ، فالوتر مثله لعدم الفارق بين القنوتين إذ هما دعاءان ، ولهذا قال أبو يوسف : إنه يرفعهما في قنوت الوتر إلى صدره ويجعل بطونهما إلى السماء ، واختاره الطحاوي والكرخي . قال الشامي : والظاهر أنه يبقيهما كذلك إلى تمام الدعاء على هذه الرواية- انتهى . قال : والحاصل أن رفع اليدين في قنوت الوتر . (كرفع الداعي) ثبت من فعل ابن مسعود وعمر وأنس وأبي هريرة ، كما ذكره الحافظ في التلخيص ، وكفى بهم أسوة وثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غير الوتر- انتهى) . والله أعلم ينظر : تصحيح الدعاء ص (115) ، والموسوعة الفقهية (45/266) ، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (10/102) ، وفتح الباري لابن رجب (6/302) ، وتفسير القرطبي (11/337) .