ما هي السنة في عدد ركعات صلاة التراويح وهل يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ؟

1304
السائل: ما هي السنة في عدد ركعات صلاة التراويح وهل يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ؟

الشيخ: :
إن أبا جعفر الرازي الغالبية على تضعيف ما تفرد به أو خالف الثقات ، ولهذا قال الحافظ في تقريب التهذيب (1/629) في ترجمته : (صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة) ، فليس هو مضعفاً مطلقاً ، فهو مطعون فيه من قبل سوء حفظه لا من قبل عدالته ، ولذا يتوقف في روايته حتى يوجد لها شاهد يقويها ، والأثر الذي معنا ليس فيه مخالفة بل هو موافق لأثر ابن خصيفة السابق ، وكلاهما يقوي الآخر ، بل إن الشيخ نفسه –رحمه الله تعالى- قوى أثرا من طريق أبي جعفر هذا في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص (80) رقم (95) ، وقال : (إسناده موقوف حسن ، رجاله ثقات غير أبي جعفر وهو الرازي اختلف في اسمه ، وفيه ضعف لسوء حفظه ، فمثله إنما يتقى من حديثه ما كان مرفوعا ، وأما ما كان منه موقوفا كهذا فلا بأس به إن شاء الله تعالى ) .
فالأثر الذي معنا أقل أحواله الحسن كما قال الضياء .
ويقويه كذلك ما جاء عن يزيد بن رومان أنه قال : ((كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة))(رواه الإمام مالك في الموطأ رقم (252) ).
وهذا الأثر إسناده صحيح إلا أنه مرسل لأن يزيد بن رومان لم يدرك عمر –رضي الله عنه- .
وقال محمد بن نصر المروزي أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : ((كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل . قال الأعمش : كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث ))(رواه محمد بن نصر في قيام الليل ص (91) ، وذكر إسناده العيني في عمدة القاري (8/246) ) .
وهذا إسناد صحيح إلا أن العدد المذكور من قول الأعمش مرسل ، فيتقوى هذا المرسل بما قبله .
ويتقوى أثر العشرين ركعة أيضا بما سبق أولاً من أنهم كانوا يصلون إحدى وعشرين ركعة ، وبما سيأتي من الآثار ، فلا مجال لتضعيفها . ولا تعارض بين هذه الأعداد التي وردت في زمن عمر –رضي الله عنه-لأن من ذكر العشرين لم يذكر الوتر . والله أعلم .
الأثر الثاني : ثبتت الزيادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر –رضي الله عنه- .
فقد روى ابن أبي الدنيا قال : حدثنا شجاع ، ثنا هشيم ، أنبا يونس ، قال : ((شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان ، فكان يؤمهم عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسعيد بن أبي الحسن ، ومروان العبدي ، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ، ولا يقنتون إلا في النصف الثاني ، وكانوا يختمون القرآن مرتين))(رواه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان ص (53) ، وإسناده حسن . وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/13) ) .
الأثر الثالث : ثبتت الزيادة عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- .
قال ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، قَالَ : (( كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (7766) ، إسناده صحيح ، عبد العزيز بن رفيع ثقة روى عن جمع من الصحابة ، وحسن هو الحسن بن صالح ثقة ، وحميد بن عبد الرحمن من رجال مسلم ) .
الأثر الرابع : ثبتت الزيادة عن ابن عباس –رضي الله عنهما- .
عن عتبة بن محمد بن الحارث أن كريباً مولى ابن عباس أخبره : ((أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة ولم يزد عليها ، فأخبر ابن عباس فقال : أصاب ، أي بني ليس أحد منا أعلم من معاوية ، هي واحدة ، أو خمس ، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء))( رواه الشافعي فِي مسنده ص (86) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/26) ومعرفة السنن والآثار (2/315) ، وابن المنذر في الأوسط رقم ( 2655) ، إسناده حسن لأجل عتبة بن محمد وبقية رجاله ثقات ) .
الأثر الخامس : ثبتت الزيادة عن طلق بن علي –رضي الله عنه- فعن عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ : زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ ، ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَأَوْتَرَ بِنَا ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلاً فَقَالَ : أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ((لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1441) ، ومسند الإمام أحمد رقم الحديث (16296) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/184) : (إسناده صحيح ، وصححه ابن حبان ، وحسنه الترمذي) )
وهناك آثار أخرى أيضاً عن الصحابة –رضي الله عنهم- وعن التابعين منها ما هو صحيح ومنها ما هو منقطع ، ولكن ما ذكرته فيه كفاية إن شاء الله تعالى على إثبات أن الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة التراويح والقيام ثابتة عن السلف وليست بدعة ، وقد أطلت في هذه المسألة لكثرة الخلاف بين طلبة العلم فأسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب ، ولهذا لا يجوز أن يبدع أو يضلل من زاد على هذا العدد ، لكن لا ينبغي هجر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن صلاة القيام إحدى عشرة ركعة مع طول القيام كما سبق ، وهذه هي السنة الغالبة فلا تهجر إلى غيرها إلا إذا احتاج إلى الزيادة ، ولا تعارض بين قولنا إن السنة إحدى عشرة ركعة وبين جواز الزيادة ، فيحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -إحدى عشرة ركعة- على الأفضل ، والزيادة على الجواز إذا دعت الحاجة ، ويعجبني في هذا المقام ما ذكره الكمال بن الهمام الحنفي –رحمه الله تعالى- قال في فتح القدير (1/333) : (قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة ، فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر ، أفاد أنه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم ، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة ، وكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)) ندب إلى سنتهم ، ولا يستلزم كون ذلك سنته ؛ إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر ، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه ، فتكون العشرون مستحبا ، وذلك القدر منها هو السنة ، كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة ، وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون ، ومقتضى الدليل ما قلنا فيكون هو المسنون ، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحبا ))
والله أعلم
ينظر : بدائع الصنائع (1/288) ، ورد المحتار (1/474) ، وفتح القدير (1/334) ، وشرح فتح القدير (1/486) ، والمنتقى (2/208) ، وحاشية العدوي على كفاية الطالب (1/353) ، وكفاية الطالب (1/353) ، وشرح الزرقاني (1/284) ، وحاشية الدسوقي (1/315) ، ونهاية المحتاج (2/123) ، ومطالب أولي النهى (1/563) ، وكشاف القناع (1/425) ، والمغني (2/604) ، والموسوعة الفقهية (27/141) .