الشيخ: قد ورد في فضل الصوم وشهر رمضان آيات وأحاديث كثيرة ، منها : قوله تعالى : ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ سورة البقرة : 184 .
وقوله تعالى : ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ سورة الأحزاب :35 . وقوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ سورة البقرة : 185 . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (2014) ، ومسلم رقم الحديث (1817) ) . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))(أخرجه البخاري رقم الحديث (2840) ، ومسلم رقم الحديث (2767) . سبعين خريفا : أي مسيرة سبعين عاما وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ . مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ، الصِّيَامُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ))(أخرجه البخاري رقم الحديث (1894) ، ومسلم رقم الحديث (2761) ) . الجنة : الوقاية . الخلوف : تغير رائحة الفم وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ –رضي الله عنه- : (( أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ عِدْلَ لَهُ ))(أخرجه النسائي في الصيام رقم الحديث (2243) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3425) . ينظر : صحيح الترغيب (973) ) . وعَنْ سَهْل بنِ سعد رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1896) ، ومسلم رقم الحديث (2766) ، والنسائي رقم الحديث (2237) ، والترمذي رقم الحديث (765) ، وزاد ((ومن دخله لم يظمأ أبدا)) ) . وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ))(رواه الإمام أحمد في السند رقم الحديث (6785) ، والحاكم في المستدرك رقم الحديث (2036) ، وقال : صحيح على شرط مسلم . وينظر : صحيح الترغيب رقم (984) ) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ))(رواه مسلم رقم الحديث (547) ) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1898) ، ومسلم رقم الحديث (2547) ، واللفظ له ). وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ ))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (1713) . وينظر: صحيح الترغيب رقم (1000) ) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ لِلهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ))( رواه أحمد في المسند رقم الحديث (7443) . وينظر : صحيح الترغيب رقم (1002) ). و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (( فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1863) ، ومسلم رقم الحديث (3098) ) أما فوائده: فوائد الصوم كثيرة ، وحكمه جليلة ، أكثر من أن تحصى منها: قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (2/28) : (لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ ، وفِطامَها عن المألوفات ، وتعديلَ قوتها الشهوانية ، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها ، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية ، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتِها ، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين ، وتَضيق مجارى الشيطانِ من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب ، وتُحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها ، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّ قوةٍ عن جماحه ، وتُلجَمُ بلجامه ، فهو لجامُ المتقين ، وجُنَّةُ المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقرَّبين ، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال ، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً ، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده ، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته ، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه ، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة ، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده ، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ ، وذلك حقيقةُ الصوم . وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة ، وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصومُ يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات ، فهو من أكبر العونِ على التقوى كما قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] . وقال النبى صلى الله عليه وسلم : ((الصَّوْمُ جُنَّة)) . وأمَرَ مَنِ اشتدَّتْ عليه شَهوةُ النكاح ، ولا قُدرة لَه عليه بالصِّيام ، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة . والمقصود : أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ ، والفِطَرِ المستقيمة ، شرعه اللهُ لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحِميةً لهم وجُنَّةً) . قال ابن الهمام في فتح القدير (4/66) : (كِتَابُ الصَّوْمِ شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا كَوْنُهُ مُوجِبًا شَيْئَيْنِ : أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُكُونَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ ، وَكَسْرَ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ ، فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا ، وَلِذَا قِيلَ : إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ وَإِذَا شَبِعَتْ جَاعَتْ كُلُّهَا ، وَمَا عَنْ هَذَا صَفَاءُ الْقَلْبِ مِنْ الْكَدَرِ ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِكُدُورَاتِهِ فُضُولُ اللِّسَانِ وَالْعَيْنِ وَبَاقِيهَا ، وَبِصَفَائِهِ تُنَاطُ الْمَصَالِحُ وَالدَّرَجَاتُ ، وَمِنْهَا : كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ذَكَرَ مَنْ هَذَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ ، وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيُسَارِعُ لِدَفْعِهِ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ . وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ) .