أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر ؟

1230
السائل: أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر ؟

الشيخ: المسافر إن وجد من نفسه القوة فالصوم في حقه أفضل ، وإن وجد الضعف فالإفطار في حقه أفضل , وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ، ينظر : الموسوعة الفقهية (28/51) ، وشرح البخاري لابن بطال (4/84) .
وإن وجد المشقة التي تبلغ به إلى الضرر أو الهلاك فالصوم في حقه محرم ، ودليل ما ذكرت الأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ . فَقَالَ : (( إِنْ شِئْتَ فَصُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ))( رواه البخاري رقم الحديث (1943) ، ومسلم رقم الحديث (2681) ) .
قال ابن بطال في شرح البخاري (4/84) : (قال ابن المنذر : في هذا الحديث من الفقه تخيير الصائم في الصيام في السفر أو الفطر ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : ((غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ))( رواه مسلم رقم الحديث (2671) ) .
وفي رواية : ((فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ ))( رواه الترمذي رقم (717) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) .
الدليل الثالث : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : ((كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ))( رواه البخاري رقم الحديث (1947) ) .
وأما من وجد في الصوم في السفر مشقة تبلغ به إلى الضرر أو الهلاك فالصوم في حقه محرم ، وكذا في الحضر ينظر : جواهر الإكليل (1/153) ، والقوانين الفقهية ص (82) ، للأدلة الآتية :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ سورة البقرة: ١٩٥ . وقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ سورة النساء: ٢٩ .
وجه الاستدلال من الآيتين : أن الله تعالى حرم إهلاك النفس ، وكذلك كلّ ما يؤدي إلى ذلك ، ومنه الصوم إذا كان يشق بحيث يؤدي إلى الضرر أو الهلاك .
الدليل الثاني : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهم قَالَ : ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا ، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا . فَقَالُوا : صَائِمٌ . فَقَالَ : لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ))(رواه البخاري رقم الحديث (1946) ، ومسلم رقم الحديث (2668) ) .
قال الصنعاني في سبل السلام (2/161) : (فإنما قاله صلى الله عليه وسلم فيمن شق عليه الصيام ، نعم يتم الاستدلال بتحريم الصوم في السفر على من شق عليه ) .
قال المناوي في فيض القدير (5/485) : (( ليس من البر ) بالكسر أي : ليس من العبادة (الصيام في السفر) أي : الصيام الذي يؤدي إلى إجهاد النفس وإضاراها بقرينة الحال ودلالة السياق فإنه رأى رجلا ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم . فذكره).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/217) : (فقال بعضهم : قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله ، وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته( باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ » .) ولذا قال الطبري : ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال . وقال ابن دقيق العيد : أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه ، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل قوله : ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة قال : وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم ، وبين مجرد ورود العام على سبب ، فإن بين العامين فرقا واضحا ، ومن أجراهما مجرى واحدا لم يصب ، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضى التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان ، وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات ، وتعيين المحتملات كما في حديث الباب . وقال ابن المنير في الحاشية : هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم ، وأما من سَلِم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله . والله أعلم ) .
قال النووي والكمال بن الهمام : (إن الأحاديث التي تدل على أفضلية الفطر محمولة على من يتضرر بالصوم ، وفي بعضها التصريح بذلك ، ولا بد من هذا التأويل ، ليجمع بين الأحاديث ، وذلك أولى من إهمال بعضها ، أو ادعاء النسخ ، من غير دليل قاطع )( ينظر : المجموع (6/266) ، وفتح القدير (2/273 ، 274) ، والموسوعة الفقهية (28/52) ) .
الدليل الثالث : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (2867) ، ومالك في الموطأ رقم الحديث (1249) . ينظر : إرواء الغليل رقم الحديث (888) ، والسلسلة الصحيحة رقم الحديث (250) ) .
والله أعلم .