السائل: هل يجوز اخذ قرض من النصارى والمشركين ثم بعد ذلك يرفض سداد ذلك القرض؟
الشيخ: الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعداعلم رحمني الله تعالى وإياك أن هذا السؤال غالبا يسأل عنه من يعيش في بلاد الكفر ، وهذا الفعل وهو أخذ مال الكافر واستباحة بالقرض أو غيره من المحرمات سواء أكان في بلاد الكفر أو الإسلام ولا يشك عالم مسلم في تحريمه لما يأتي :أولا : قال تعالى: (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: من الآية4]. وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ) المائدة1 وقال سبحانه : (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )هود85 وقال تعالى : (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ )النحل91.وغيرها من الآيات الكثيرة الآمرة بالوفاء بالعقود والعهود ولم تفرق بين المسلم والكافر . ولا خلاف بين علماء المسلمين في أن سرقة أموال الكفار المعاهدين أو المستأمنين حرام .ثانيا : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ » رواه البخاري . وهذا نص يحرم أخذ أموال الناس الكافر والمسلم بغير وجه حق . وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ ) . رواه البخاري (6783) ومسلم (1687) . والسرقة حرام سواء كان المسروق منه مسلماً أم كافراً معصوم الدم والمال . ولا يشك مسلم أن السرقة من كبائر الذنوب ، وقد جعل الله تعالى حدَّها قطع اليد ، ولم تفرق الشريعة بين مال الذكر ومال الأنثى ، ولا بين مال الصغير ومال الكبير ، ولا بين مال المسلم ومال الكافر ، ولم تستثن الشريعة إلا أموال الكفار المحاربين للمسلمين .وروى البخاري برقم (2583) عن المغيرة بن شعبة أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية ، فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما الإسلام أقبلُ ، وأما المال فلستُ منه في شيء ) ، ورواية أبي داود (2765) : ( أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدرٍ لا حاجة لنا فيه ) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 5 / 341 ) : ( قوله : ( وأما المال فلستُ منه في شيءٍ ) أي : لا أتعرض له لكونه أخذه غدراً ، ويستفاد منه : أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً ؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة ، والأمانة تؤدَّى إلى أهلها مسلِماً كان أو كافراً ) .قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم ( 4 / 284 ) : (فيمن دخل بلاد الكفار واستطاع أن يأخذ شيئا من أموالهم : : وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان .. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ولأن المال ممنوع بوجوه : أولها : إسلام صاحبه . والثاني : مال من له ذمة . والثالث : مال من له أمان إلى مدة أمانه ..) .ولا شك أن أكل أموال الكفار عن طريق السرقة والغش يعد نوعاً من أنواع الظلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ؛ فإنه ليس دونها حجاب ) . السلسلة الصحيحة رقم (767) .ثالثاً : أن هذا الفعل فيه تنفير من الإسلام لأن الكافر الذي سيؤخذ ماله ظلماً وسرقة سيبغض الإسلام والمسلمين لأنه سيقع في اعتقاده أن هذا الفعل يحث عليه الإسلام ويدعو إليه والإسلام منه براء ، فيكون هذا الفعل سببا في صد غير المسلمين عن الإسلام . فليحذر المسلمون من هذه المعاملات التي تعود على الإسلام والمسلمين بالصورة السيئة . وليتق الله تعالى المسلم وليكن ذا خلق وأمانة مع المسلمين وغيرهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته مملوءة بذلك .والله تعالى أعلى وأعلم .