هل يثبت دخول شهر رمضان بالحساب الفلكي ؟

1199
السائل: هل يثبت دخول شهر رمضان بالحساب الفلكي ؟

الشيخ: اعلم أن هناك فرقاً بين الحساب الفلكي والتنجيم ، والشهر القمري عند علماء الشريعة وأهل الحساب فيما يأتي :
جاء في أبحاث هيئة كبار العلماء(3/9) : (أولا : الفرق بين الحاسب والمنجم : أن الحاسب : هو الذي يدعي معرفة الأوقات بمنازل القمر وسيره , والمنجم : هو الذي يزعم معرفة الأوقات والأحداث بسير الكواكب .
والتنجيم نوعان :
حسابي : وهو الذي يعرف به الأوقات ؛ كطلوع الشمس , ودلوكها , وغروبها , ويعرف به كسوف الشمس , وخسوف القمر , وفصول السنة مثلا .
واستدلالي : وهو ما يزعمه المنجم من العلم بالحوادث التي ستقع في المستقبل عن طريق معرفته بسير الكواكب في مجاريها , واجتماعها وافتراقها , وقد يعتقد أن لها تأثيرا في الأحداث , وهذا مع ما فيه من فساد العقيدة ليس من محل البحث .
ثانيا : الفرق بين الشهر القمري عند علماء الشريعة وعلماء النجوم والحساب : أن الشهر يبدأ عند علماء الشريعة من غروب شمس اليوم التاسع والعشرين إذا رئي الهلال بعد غروبها , أو كماله ثلاثين من تاريخ الرؤية السابقة إلى بدء الشهر الذي بعده بمثل هذا . فالمدار فيه على الرؤية بالفعل مع الغروب عند الجمهور , أو إمكان الرؤية عند جماعة من الفقهاء , ويبدأ عند علماء النجوم والحساب من ولادة القمر بمفارقته للشمس وتأخره عنها في السير إلى اجتماعه بها ولو كانت ولادته نهارا , فالعبرة عندهم بالافتراق والاجتماع , ولا يكون ذلك إلا مرة واحدة في كل شهر قمري .
وبهذا يتبين : أن بدءه عند علماء الشريعة ونهايته لا يكون إلا بغروب الشمس , بخلاف بدئه ونهايته عند علماء النجوم والحساب , فإنه قد يكون نهارا أو ليلا )) انتهى كلامهم .
واعلم أنه لا يعتمد على الحساب الفلكي في دخول الشهر أو خروجه ، وإنما يثبت دخول الشهر بالرؤية أو بإكمال الشهر عند عدم الرؤية ، وهو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف .
وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والمعتمد في مذهب الحنفية ، وهو مذهب الإمام مالك ، والمعتمد عند المالكية ، وهو مذهب الإمام الشافعي ، وهو الأصح عند الشافعية ، وهو مذهب الحنابلة .
قال الباجي في المنتقى (2/38) : (وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ فِي الْإِمَامِ لَا يَصُومُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَا يُفْطِرُ لِرُؤْيَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَصُومُ وَيُفْطِرُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إِلَى الرُّؤْيَةِ وَاكَمَالِ الْعَدَدِ فَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ ، وَاَللهُ أَعْلَمُ).
قال العراقي في طرح التثريب (4/112) : (ثُمَّ حَكَى –يعني ابن عبد البر- عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ –يعني الأخذ بالحساب- ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَالصَّحِيحُ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهُ ( قُلْت) –العراقي- : لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَصْلًا وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا بَسَطَاهُ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالرُّؤْيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ) ، وكذا قال الحافظ في الفتح (6/148) .
والدليل على عدم الاعتماد على الحساب الفلكي في دخول الشهر أو خروجه ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، فقد أجمع العلماء المتقدمون على أن العبرة في إثبات الشهر إنما هي الرؤية فإن لم تستطع لغيم أو غيره فبإكمال الشهر ، ولا عبرة بالحساب الفلكي ، والخلاف إنما هو عند المتأخرين، والإجماع حجة عليهم .
قال في حاشية الجمل (8/122) : (وَلَوْ دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فَفِيهِ اضْطِرَابٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ )
قال ابن عابدين في حاشيته (2/387) : (قوله (ولا عبرة بقول المؤقتين) أي في وجوب الصوم على الناس بل في (المعراج) : لا يعتبر قولهم بالإجماع ) .
قال الباجي في المنتقى (2/38) : (وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : ((فَاقْدُرُوا لَهُ)) أَيْ قَدِّرُوا الْمَنَازِلَ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ إِلَّا بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ ، وَالْإِجْمَاعُ حَجَّةٌ عَلَيْهِ) .
قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف في التاج والإكليل (3/183) : (وَلَوْ كَانَ إمَامٌ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ بِهِ الْهِلَالَ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ )
قال ابن عبد البر في التمهيد (14/352) : (ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه والله أعلم . ولو صح ما وجب اتباعه عليه لشذوذه ولمخالفة الحجة له ) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/156) : (وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْل التَّسْيِير(أي أهل الحساب ) فِي ذَلِكَ وَهُمْ الرَّوَافِضُ ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ . قَالَ الْبَاجِي : وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح حُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ اِبْن بَزِيزَةَ : وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعَ وَلَا ظَنٌّ غَالِب ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الْأَمْر بِهَا لَضَاقَ إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيل ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/132) : (فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَمَلَ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعِدَّةِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْهِلَالِ بِخَبَرِ الْحَاسِبِ أَنَّهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى لَا يَجُوزُ . وَالنُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ . وَقَدّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ . وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَصْلًا وَلَا خِلَافٌ حَدِيثٌ ؛ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ الحادثين بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ جَازَ لِلْحَاسِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْحِسَابِ فَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ دَلَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ صَامَ وَإِلَّا فَلَا . وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْإِغْمَامِ وَمُخْتَصًّا بِالْحَاسِبِ فَهُوَ شَاذٌّ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ) .
الدليل الثاني : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : (( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ، ومسلم رقم الحديث (2550) ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً ، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1907) ) .
وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1909) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الصيام ودخول الشهر على رؤية الهلال ، وإذا لم يرُ فإنه يقدر له بإتمام شعبان ثلاثين يوما ، ولم يعلقه بشيء آخر ، فوجب الوقوف عند ما ورد به الشرع ولا يجوز الزيادة عليه ، بل الحديث فيه النهي الصريح عن صوم رمضان إلا بعد الرؤية ، فهو صريح في عدم اعتبار غير الرؤية كالحساب الفلكي ، وأمرهم إذا كان غيم أو نحوه ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة ثلاثين , ولم يأمرهم بالحساب , ولا بالرجوع إلى الحساب ، بل حصر بطريق النهي والأمر الشهر بالرؤية , فدل على أنه لا اعتبار شرعا لما سواها في إثبات الأهلة , ولو كان هناك أصل آخر للتوقيت لأوضحه لعباده ؛ رحمة بهم , وما كان ربك نسيا , ولو كان علم النجوم أو حساب سير القمر معتبرا شرعا لعرفهم به , وأرشدهم إليه , إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . والرؤية في الحديث بصرية ؛ لتعديها لمفعول واحد , فلا تتعدى إلى غيرها ولأن الصحابة فهموا ذلك , وجرى عليه العمل في عهدهم وعهد من بعدهم .
الدليل الثالث : عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا )) . يَعْنِى مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ(رواه البخاري رقم الحديث (1913) ، ومسلم رقم الحديث (2563) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين بأنه لا يعتمد في معرفة دخول الشهر على الحساب وإنما يعتمد على رؤية الهلال ، وأن الشهر يكون مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/156) : (والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النزر اليسير ، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير ، واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا ، ويوضحه قوله في الحديث الماضي : ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ولم يقل : فسلوا أهل الحساب ) .
وقال ابن بطال في شرح البخاري (4/31) : (فيه بيان ، لقوله عليه السلام : ( فاقدروا له ) ، أن معناه إكمال العدد ثلاثين يومًا ، كما تأول الفقهاء ، ولا اعتبار في ذلك بالنجوم والحساب ، وهذا الحديث ناسخ لراعاة النجوم بقوانين التعديل ، وإنما المعول على الرؤية في الأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس في الصيام والحج والعدد والديون ، وإنما لنا أن ننظر من علم الحساب ما يكون عيانا أو كالعيان ، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون وتكييف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه ، وعن تكلفه . وعلة ذلك أن رسول الله إنما بعث إلى الأميين الذين لا يقرءون الكتاب ، ولا يحسبون بالقوانين الغائبة ، وإنما يحسبون الموجودات عيانا ) .
وقال ابن رجب في فتح الباري لابن رجب (2/295) : (فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب ، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها ، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال ، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب .
وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه ، وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر أيضا ، فأوله طلوع الفجر الثاني ، وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض ، وآخره غروب الشمس .
كما علق بمسير الشمس أوقات الصلاة ، فصلاة الفجر أول وقتها طلوع هذا الفجر ، وآخره طلوع الشمس ، وأول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخره مصير ظل كل شيء مثله ، وهو أول وقت العصر ، وآخره اصفرار الشمس أو غروبها ، وهو أول وقت المغرب ، وآخره غروب الشفق ، وهو أول وقت العشاء ، وآخره نصف الليل أو ثلثه ، ويمتد وقت أهل الأعذار إلى طلوع الفجر ، فهذا كله غير محتاج إلى حساب ولا كتاب) .
والله أعلم .
ينظر : المبسوط (4/61) ، وحاشية الطحاوي (2/646) ، رسائل ابن عابدين (1/224) ، وعمدة القاري (10/271)والمنتقى (2/38)، والتاج والإكليل (3/183) ، والفواكه الدواني (1/466) ، وحاشية الصاوي (3/240) طرح التثريب (4/112) والمجموع (6/289) ، والبيان للعمراني (3/484) ، وطرح التثريب (4/112) ، وفتح الباري (6/148)، كشاف القناع (2/272) ، ومجموع الفتاوى (25/132) .

استخدام المكبرات الحديثة للرؤية هلال رمضان ؟

1197
السائل: هل يجوزاستخدام المكبرات الحديثة للرؤية هلال رمضان ؟

الشيخ: اعلم أن استخدام المكبرات الحديثة لرؤية الهلال لا بأس به شرعاً لأنه لم يخرج عن الرؤية بالعين المنصوص عليها في في قوله صلى الله عليه وسلم : (( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَانْسُكُوا لَهَا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلاَثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا ))( رواه النسائي رقم (2128) ، وأحمد في المسند رقم (19408) . حديث صحيح ، ينظر : إرواء الغليل (14/16) )
وهذه الوسيلة يتوصل بها إلى مقصود شرعي وهو رؤية الهلال كوسيلة مكبر الصوت للأذان فهو وسيلة يتوصل بها إلى مقصود شرعي وهو رفع صوت الأذان ، فإن حصلت الرؤية بهذه المكبرات عمل بها وإن لم ير بالعين المجردة ، كذلك إن حصلت الرؤية بالعين المجردة فيعمل بها وإن لم ير بالمرصاد .
وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم في هذا العصر . والله أعلم .
ينظر : مجلة البحوث الإسلامية (25/373) ، فتاوى اللجنة الدائمة (12/120) وسلسلة كتاب الدعوة فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/150)

من رأى هلال رمضان وحده فهل له أن يصوم ؟

1196
السائل: من رأى هلال رمضان وحده فهل له أن يصوم ؟

الشيخ: من رأى هلال رمضان وحده فليس له الصوم إلا مع الجماعة ، وهو مذهب الإمام أحمد في رواية حنبل عنه ، وهو قول عطاء ، وإسحاق ، والحسن ، وابن سيرين .
وكذلك من رأى هلال شوال وحده ليس له الفطر إلا مع الجماعة ، وهو مذهب الأئمة أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد. ينظر :والبناية (4/25) وبداية المجتهد (3/154) ولمغني (4/416)و(4/419)و(4/420).
والدليل على على هذا :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ))( رواه الترمذي رقم الحديث (701) . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (224) ) .
قَالَ الترمذي : ( وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ ) .
الدليل الثاني : أنه يوم محكوم به من شعبان فليس له أن يصوم وحده حتى يقر على الرؤية ، وكذا الفطر فإنه يوم محكوم به من رمضان .
الدليل الثالث : أن هذا المذهب فيه اجتماع كلمة المسلمين ، وعدم الفرقة ، وإلا لكان في البلد الواحد فضلا عن البلدان الأخرى صائم ومفطر وكلّ يعيب على الآخر ، بل قد يحصل ذلك في البيت الواحد ، والخلاف شر كما قال ابن مسعود –رضي الله عنه- .

فضل الصيام وفوائده

1195
السائل: ماهي فضائل الصوم وفوائده ؟

الشيخ: قد ورد في فضل الصوم وشهر رمضان آيات وأحاديث كثيرة ، منها :
قوله تعالى : ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ سورة البقرة : 184 .

وقوله تعالى : ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ سورة الأحزاب :35 .
وقوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ سورة البقرة : 185 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (2014) ، ومسلم رقم الحديث (1817) ) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))(أخرجه البخاري رقم الحديث (2840) ، ومسلم رقم الحديث (2767) .
سبعين خريفا : أي مسيرة سبعين عاما
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ . مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ، الصِّيَامُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ))(أخرجه البخاري رقم الحديث (1894) ، ومسلم رقم الحديث (2761) ) .
الجنة : الوقاية .
الخلوف : تغير رائحة الفم
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ –رضي الله عنه- : (( أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ عِدْلَ لَهُ ))(أخرجه النسائي في الصيام رقم الحديث (2243) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3425) . ينظر : صحيح الترغيب (973) ) .
وعَنْ سَهْل بنِ سعد رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1896) ، ومسلم رقم الحديث (2766) ، والنسائي رقم الحديث (2237) ، والترمذي رقم الحديث (765) ، وزاد ((ومن دخله لم يظمأ أبدا)) ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ))(رواه الإمام أحمد في السند رقم الحديث (6785) ، والحاكم في المستدرك رقم الحديث (2036) ، وقال : صحيح على شرط مسلم . وينظر : صحيح الترغيب رقم (984) ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ))(رواه مسلم رقم الحديث (547) ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1898) ، ومسلم رقم الحديث (2547) ، واللفظ له ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ ))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (1713) . وينظر: صحيح الترغيب رقم (1000) )
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ لِلهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ))( رواه أحمد في المسند رقم الحديث (7443) . وينظر : صحيح الترغيب رقم (1002) ).
و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (( فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1863) ، ومسلم رقم الحديث (3098) )
أما فوائده:
فوائد الصوم كثيرة ، وحكمه جليلة ، أكثر من أن تحصى منها:
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (2/28) : (لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ ، وفِطامَها عن المألوفات ، وتعديلَ قوتها الشهوانية ، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها ، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية ، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتِها ، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين ، وتَضيق مجارى الشيطانِ من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب ، وتُحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها ، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّ قوةٍ عن جماحه ، وتُلجَمُ بلجامه ، فهو لجامُ المتقين ، وجُنَّةُ المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقرَّبين ، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال ، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً ، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده ، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته ، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه ، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة ، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده ، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ ، وذلك حقيقةُ الصوم .
وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة ، وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصومُ يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات ، فهو من أكبر العونِ على التقوى كما قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] .
وقال النبى صلى الله عليه وسلم : ((الصَّوْمُ جُنَّة)) . وأمَرَ مَنِ اشتدَّتْ عليه شَهوةُ النكاح ، ولا قُدرة لَه عليه بالصِّيام ، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة .
والمقصود : أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ ، والفِطَرِ المستقيمة ، شرعه اللهُ لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحِميةً لهم وجُنَّةً) .
قال ابن الهمام في فتح القدير (4/66) : (كِتَابُ الصَّوْمِ شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا كَوْنُهُ مُوجِبًا شَيْئَيْنِ : أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُكُونَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ ، وَكَسْرَ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ ، فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا ، وَلِذَا قِيلَ : إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ وَإِذَا شَبِعَتْ جَاعَتْ كُلُّهَا ، وَمَا عَنْ هَذَا صَفَاءُ الْقَلْبِ مِنْ الْكَدَرِ ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِكُدُورَاتِهِ فُضُولُ اللِّسَانِ وَالْعَيْنِ وَبَاقِيهَا ، وَبِصَفَائِهِ تُنَاطُ الْمَصَالِحُ وَالدَّرَجَاتُ ، وَمِنْهَا : كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ذَكَرَ مَنْ هَذَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ ، وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيُسَارِعُ لِدَفْعِهِ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ . وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ) .

تيمم للصلاة ثم وجد الماء قبل أن يصلي ؟

1192
السائل: فضيلة الشيخ ماحكم من تيمم لعدم وجود ماء كافي في الصحراء لدية وقبل ان يصلي وجد ماء لدى سيارة صديقه فهل يتوضأ ام يصلي ؟ وكذلك عند خروجه من الصحراء أذن للصلاة فهل يصلي على التيمم ام يتوضأ .؟ جزاك الله خيرا ..

الشيخ: اعلم أخي حفظك الله تعالى أن جواب سؤالك على النحو الآتي :
أولا : أنه إذا تيمم ولم يصل بعد ثم وجد الماء فإن وضوءه ينتقض وعليه أن يتوضأ لأن من نواقض التيمم وجود الماء وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ )) . رواه أبوداود بإسناده صحيح، وصححه ابن حبان والدارقطني . ينظر : صحيح أبي داود (2/152) .
وجه الاستدلال : أن مفهوم الحديث دل على أنه لا يكون طهورا عند وجود الماء ، ودل بمنطوقه على وجوب إمساسه جلده عند وجوده.
قال ابن قدامة في المغني (1/270) : ( المشهور في المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء بطل تيممه ، سواء كان في الصلاة أو خارجا منها ؛ فإن كان في الصلاة بطلت ، لبطلان طهارته ، ويلزمه استعمال الماء ، فيتوضأ إن كان محدثا ، ويغتسل إن كان جنبا .
وبهذا قال الثوري ، وأبو حنيفة ) .
ثانيا : قولك : (وكذلك عند خروجه من الصحراء أذن للصلاة فهل يصلي على التيمم ام يتوضأ )
جوابه : أنه إذا علم أنه سيصل إلى المكان الذي فيه الماء قبل خروج الوقت فليس له أن يصلي بالتيمم بل يجب عليه أن يبحث عن الماء أو يذهب إليه إذا كان يعلم أنه ببحثه عنه أو الذهاب إليه لن يخرج وقت الصلاة .
والله أعلم

نجاسة الكلب ؟

1190
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل انا حاليا اقيم في دولة اجنبية وفي اثناء اصطحابي أطفالي الى الحديقة العامة الاحظ أن بعض اطفال المسلمين في الحديقة يقومون بلمس الكلاب .. ما اريد معرفته حكم السماح للاطفال بلمس الكلاب ، وهل الكلب نجس ؟ وكيفية ازالة نجاسته عن الثوب والبدن والمكان ؟ بارك الله فيكم وجزاكم خيرا

الشيخ: على سؤالك على النحو الآتي :
أولا :حكم سؤر الكلب ولعابه :
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في نجاسة سؤر الكلب على مذهبين ، والراجح أنه نجس سواء كان كلب صيد أو غيره ، وهو مذهب الجمهور من الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ ))رواه مسلم.
وجه الاستدلال : أن كلمة ((طُهُورُ)) في عرف الشارع لا تكون إلا من حدث أو نجاسة ، ولا يتصور وجود الحدث على الإناء فدل ذلك على أن سؤره نجس .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ ))رواه البخاري ومسلم واللفظ له .
وجه الاستدلال :
أولا : أن الأمر بغسل الإناء دليل على نجاسته كما هو ظاهر والأمر بالسبع غسلات يؤكد النجاسة .
ثانياً : أن الأمر بإراقة ما في الإناء دليل ظاهر على نجاسته أيضاً ، لأن إراقة ما في الإناء من ماء أو طعام مائع إضاعة للمال المنهي عنه ، لكن لما كان نجساً لا يجوز استعماله أمرنا بإراقته.
الدليل الثالث : إجماع الصحابة –رضي الله عنهم- ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/332) : (وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس ، رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ، ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه ) .
وتطهير اليد والثوب من لعاب الكلب يكون بغسله بالماء فقط والتراب خاص بالإناء ومكان في حكمه.
أما بدنه فقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في نجاسة بدن الكلب غير لعابه ، على مذاهب ، والراجح أنه غير نجس ، وهو قول الإمام أبي حنيفة ، ومذهب المالكية في المشهور ، وقول الزهري ، وداود الظاهري .
ورجحت هذا المذهب لأن الأصل في الأشياء الطهارة ، ولا يصار إلى النجاسة إلا بدليل ، ولا يصح الاستدلال بالحديثين السابقين على نجاسة بدنه لأن الدليل أخص من الاستدلال ، فالحديث وارد في نجاسة سؤره فلا يصح أن يعمم الحكم على جميع بدنه ، ولا يلزم من نجاسة سؤره نجاسة بدنه ، فإن الإنسان بوله وغائطه نجس ومع ذلك بدنه طاهر .
ولا يصح أيضا الاستدلال بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَالُ لَهُ : (( إِنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلاَبِ وَالْمَحَايِضُ وَعَذِرُ النَّاسِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ »)) ،رواه أبوداود والترمذي ينظر : صحيح سنن أبي داود (1/110) .
فإن فيه ذكر لحوم الكلاب مع المحايض وعذرة الناس فهي نجسة وتلقى في بئر بضاعة ، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نجاستها إلا أنها لم تؤثر في الماء لأنه ماء جار ، وجوابه أن لحوم الكلاب نجسة لأنها ميتة ، ولا تحل فيها الذكاة ، فهو ميتة حتى لو ذبح ، لأنه مما يحرم أكله ، والميتة نجسة بالإجماع .
إلا أنه ينبغي أن يعلم أنه إذا كان شعر الكلب رطباً أو مبتلاً ولا مس الثوب أو البدن فإن يجب غسل ما أصاب الثوب والبدن من شعره ، وكذلك لو كانت اليد أو الثوب بهما بلل ولا مسا شعر الكلب فإنه يجب غسلهما ، لأن الكلب غالباً ما يلعق شعره وجسده بلسانه ، وسبق أن لعاب الكلب وسؤره نجس ، لكن لو كانت اليد جافة وكذلك شعر الكلب فلا يجب غسل اليد بعد ملامسته.
ثانياً : لا ينبغي للوالدين أن يتركا أولادهما مع هذه الحيوانات النجسة الضارة لأنهم بذلك يتشبهون بالكفار الذين يربون الكلاب ويلعبون معها أكثر من أبنائهم ويجعلون أبنائهم يحبونها ويربونها في بيوتهم والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذا الفعل ينقص من الأجر عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ » رواه البخاري ومسلم . فالأطفال إذا تعودوا على ذلك أحبوا تربيتها في البيت ، فينبغي أن يجنب الأطفال اللعب مع هذه الحيوانات بالرفق واللين والحكمة .
والله أعلم .

الكلام على الآخرين أثناء العمل ؟

1174
السائل: السلام عليكم ورحمة لله وبركاته
فضيلة الشيخ نتكلم اثناء العمل عن الاسباب التي تعيق العمل فنقول إن فلان هو السبب وننسب الاخطاء الى أصحابها وهم غير موجودين وفي بعض الأوقات نخبرهم بذلك فيغضبون وسؤوالي هو إذا تكلمنا عن شخص انه هو السبب في تاخر المعاملات فهل تعتبر هذه غيبة ؟ وجزاك الله خيرا

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الغيبة مأخوذ من اغتابه اغتيابا : إذا ذكره بما يكره من العيوب التي فيه ، فإن كان ذلك باطلا بحيث يذكره بما ليس فيه فهو الغيبة في بهت .
والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12
وقال تعالى : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا : اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ». رواه مسلم .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت)) متفق عليه.
وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم
وعن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة )) . متفق عليه .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب )) . متفق عليه .
والنصوص في ذلك كثيرة إلا أنه استثنى العلماء من الغيبة ستة أشياء بنصوص أخرى نظمها بعضهم فقال :
القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقاً ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
قال النووي في شرح مسلم : (لكن تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك لستة أسباب :
أحدها : التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلي السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة علي إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا .
الثاني : الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك .
الثالث : الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها : إن أبا سفيان رجل شحيح .
الرابع : تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة ، ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته ، ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد ، ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة ، ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة .
الخامس : أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .
السادس : التعريف فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى والله اعلم ) .
فجواب سؤالك أخي هو أن الأصل أنه يحرم الكلام على هذا الشخص الذي يؤخر العمل إلا بعد نصيحته ومعرفة سبب تأخيره للعمل ، فإن لم يقبل النصيحة يجوز بعد ذلك أن تتكلم عليه عند مسؤوله لا لقصد الغيبة ولكن بقصد الإصلاح وللمصلحة العامة فإنه مؤتمن على هذا العمل ولم يؤده على وجهه ولكن من غير زيادة عليه قال النووي : (ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته .. فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة) .
ولا يجوز أن تجلس مع إخوانك تتكلم عن فلان وفلان لمجرد الكلام لا للإصلاح ونحوه فإن هذا من الغيبة . وتكلموا أخي في مجلسكم فيما ينفعكم وفيه مصلحة للعمل .
والله تعالى أعلى وأعلم .

فتح موقع للرد على أهل البدع ؟

1172
السائل: السلام عليكم ورحمة الله.
بارك الله لك في هذا الموقع ونسأل الله ان لايحرمك أجرة. أو السؤال عن فتح موقع إسلامي خاص للرد على الصوفية وبعض الفرق الضالة حيث اني سأحاول بقدر لامكان الرد عليها من خلال الفتاوى الموجودة والمتوفرة مثل الشيخ الالباني وغيره من العلماء الاجلاء فماذا تنصح للبدء في مثل هذا المشاريع الدعوية؟

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبعد
فتح موقع للرد على أهل البدع وبيان حالهم أمر لا بد منه لكن لا أنصحك بذلك لأن المواقع في الرد على هذه الفرق كثيرة وجيدة ومتخصصة فأنت لن تضيف شيئا جديدا فيما أظن وإذا أردت فتح موقع فافتح موقعا علميا فيه الدروس العلمية كالعقيد وبه يعرف حال أهل البدع فمن عرف السنة فإنه سيعرف البدعة لكن من عرف البدعة ليس بالضرورة أن يعرف السنة ، وأيضا دروس العقيدة السلفية تتعرض لهذه الفرق وتبين حالها .
وكذلك ضع فيه دروس الفقه والتفسير والحديث ونحوها فالأمة بحاجة إلى التفقه في دينها حتى تعبد الله تعالى على بصيرة.
وفقنا الله تعالى إياك إلى ما يحبه ويرضاه والله تعالى أعلى وأعلم .

مبطلات المسح على الخفين ؟

1167
السائل: هل نزع الخف يبطل المسح عليه لو اعاده الي رجله؟ بمعنى رجل مسح علي خفيه ثم نزعهما بعد المسح فهل يبطل المسح عليهما بعد ما نزعه؟

الشيخ: اعلم رحمني الله تعالى وإياك أن مبطلات المسح على الخفين هي :
أولا : انقضاء مدة المسح ،لحديث شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ : عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِى طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ : ((جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ)) رواه مسلم .
لكن لا يعني ذلك أنه إذا انقضت مدة المسح بطل الوضوء بل الوضوء صحيح حتى يأتي بنواقضه فانتهاء مدة المسح مبطلة للمسح بمعنى أنه لا يستطيع المسح مره أخرى حتى يخلع الخفين ويتوضأ وضوءا كاملا .وهو مذهب جمهور العلماء .
ثانياً : الجنابة ، لحديث صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ)). رواه ابن ماجه وغيره وهو حديث حسن . ينظر الإرواء (104) .
ثالثا: نزع الممسوح عليه من الرجلين ، لحديث عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ « دَعْهُمَا ، فَإِنِّى أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ » . فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا . رواه البخاري ومسلم . ولحديث صفوان -رضي الله عنه-المتقدم .
وهذا هو محل سؤالك وإليك التفصيل :
نزع الخفين له صورتان :
الصورة الأولى : توضأ وضوءا كاملا ثم لبس الخفين ثم أحدث وتوضأ لصلاة الظهر ومسح عليهما ثم قبل العصر نزع خفيه ثم لبسهما مرة أخرى في هذه الصور لا يجوز له أن يمسح عليهما بل يجب عليه أن يخلعهما ثم يتوضأ وضوءا كاملا مع غسل الرجلين لأنه لو مسح عليهما لم يصدق عليه حديث : (( فَإِنِّى أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ )) يعني مغسولتين ، فهو يمسح على قدمين ممسوح عليهماغير مغسولتين لأنه قد أحدث فأبطل وضوءه ثم توضأ ومسح عليهما ثم خلعهما فبمجرد الخلع بطل المسح لا الوضوء ثم لبسهما فلا يصح له أن يمسح عليهما مرة أخرى إلا بعد الوضوء الكامل مع غسل القدمين للحديث.
الصورة الثانية : توضأ وضوءا كاملا ثم لبس الخفين وصلى الفجر ولم يحدث ثم جدد وضوءه فتوضأ لصلاة الظهر ومسح عليهما ثم قبل العصر نزع خفيه ولم يحدث ثم لبسهما مرة أخرى في هذه الصورة يجوز له المسح عليهما لأنه يصدق عليه حديث : (( فَإِنِّى أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ )) يعني مغسولتين فإنه لبس الخفين على قدمين مغسولتين لأن الوضوء لم ينتقض .
والله أعلم .

النية تعريفها وحكمها ؟

1166
السائل: جزاكم الله خير يا شيخ.. سؤالي يا شيخ ما هي النية ؟وكيفيتـــها..
وهل النية تنقض ..؟وهل تجدد أو يجب تجديدها .. مثلا إذا ذهبت للصلاة وأقيمت الصلاة هل أجدد النية في داخلي؟ وجهونــا جزاكم الله خير ..للعمل الصيحي علِى الكتاب وسنة نبيننــا محمد صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: اعلم رحمني الله تعالى وأياك أن جواب سؤالك كما يأتي :
أولا : النِّيَّةُ في الاصطلاح : هي قصد القلب واعتقاده على فعل الشيء ، وعزمه عليه ، من غير تردد .
ثانياً : النية شرط في صحة الأعمال لا يقبل العمل إلا بها لحديث عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))رواه البخاري .
ثالثاً : محل النية القلب ولا يشرع التلفظ بالنِّيَّة لأن النِّيَّة محلّها القلب ، ولم يرد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه – رضي الله عنهم التلفظ بها ، ولو كان خيراً لفعلوه ، ولو فعلوه لنقل إلينا لأنه مما تدعو الدواعي لنقله .
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح (3/86) : (قال السندي : عند كثير من العلماء النية باللسان بدعة ، لكن غالبهم على أنها مستحبة ليتوافق اللسان والقلب انتهى . قلت : استحب مشائخ الحنفية النطق بالنية والتلفظ بها للاستعانة على استحضار النية لمن احتاج إليه . وقالت الشافعية : باستحباب التلفظ بها مطلقاً . واتفق الفريقان على أن الجهر بالنية غير مشروع وقالت المالكية بكراهة التلفظ بالنية . والحنابلة نصوا على أنه بدعة . وهذا هو الحق والصواب عندنا . فلا شك في كونه بدعة ؛ إذ لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ، ولا ضعيف ، ولا مسند ، ولا مرسل أنه كان يتلفظ بالنية)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/263) : (وَالنِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ : هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : يُسْتَحَبُّ لِيَكُونَ أَبْلَغَ ؛ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَد : لَا يُسْتَحَبُّ لِيَكُونَ بَلْ التَّلَفُّظُ بِهَا بِدْعَةٌ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ النِّيَّةِ لَا فِي صَلَاةٍ وَلَا طَهَارَةٍ وَلَا صِيَامٍ ، قَالُوا : لِأَنَّهَا تَحْصُلُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْفِعْلِ ضَرُورَةً فَالتَّكَلُّمُ بِهَا نَوْعُ هَوَسٍ وَعَبَثٍ وَهَذَيَانٍ ، وَالنِّيَّةُ تَكُونُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي قَلْبِهِ فَيُرِيدُ تَحْصِيلَهَا بِلِسَانِهِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، فَلِذَلِكَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْوَسْوَاسِ . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ لَا لِإِمَامِ وَلَا لِمَأْمُومِ وَلَا لِمُنْفَرِدِ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ فِي التَّكَلُّمِ بِهَا سِرًّا : هَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ ؟ )
قال في الموسوعة الفقهية(2/287) : (لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّ إِخْفَاؤُهَا ، لأَِنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَلأَِنَّ حَقِيقَتَهَا الْقَصْدُ مُطْلَقًا ، وَخُصَّتْ فِي الشَّرْعِ بِالإِْرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْل مُقْتَرِنَةً بِهِ ابْتِغَاءَ رِضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَامْتِثَال حُكْمِهِ ) .
رابعا : حكمة مشروعية النية : بين الفقهاء أن النية شرعت لتمييز العبادات عن العادات حتى يتميز ما هو لله تعالى عما ليس له .
كذلك لتمييز العبادة عن العبادة الأخرى .
وكذلك لتتميز مراتب العبادات في أنفسها حتى تتميز مكافأة العبد على فعله ويظهر قدر تعظيمه لربه.
خامساً : تجديد النية للصلاة، أخي بمجرد خروجك إلى المسجد وأن تريد أداء صلاة الظهر مثلا هذه نية قد يسهو عنها الإنسان أحيانالكن بمجرد وصوله إلى المسجد وقبل دخوله مع الإمام لصلاة الظهر فإن النية ترجع له مباشرة فهو لم يبطل نيته حتى يحتاج إلى تجديد وهذا الباب لو فتح سيؤدي إلى الوسوسة المنهي عنها نسأل الله تعالى السلامة .
سادساً : أما مبطلات النية فهي كثير وقد بينت بعضها في سؤال أجبت عليه على هذا الرابط http://www.ebrahimalzaabi.co/?page_id=698
وإن قصدت بمطلات ونواقض نية الصلاة خاصة فنية الصلاة لا تنتقض إلا بالعزم والقصد الأكيد على إلغائها بسبب من الأسباب ، منها أن يبطل نيته لهذه الصلاة لأنه تذكر أنه على غير طهارة فإبطال النية هنا في الحقيقة قطع للصلاة حتى يتوضأ ثم يرجع وينوي الصلاة نفسها ، ومنها أنه يبطل النية بسبب أنه تذكر وهو يريد صلاة العصر أنه لم يصل الظهر مثلا فيبطل نية صلاة العصر ثم ينوي صلاة الظهر قضاءا وهذا في الحقيقة تغير للنية . ونحو ذلك .
هذا باختصار ومباحث النية عند العلماء فيها تفصيلات كثير بحسب العبادة.
والله أعلم .