ما حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم ؟

1242
السائل: ما حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم ؟

الشيخ: إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا شيء عليه ، وهو مذهب جماهير أهل العلم .ينظر : المغني (4/364و367) ، والمجموع (6/352) ، والموسوعة الفقهية (28/57و62)
قال ابن بطال في شرح البخاري (4/60) : (قال ابن المنذر : اختلف العلماء في الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا ، فقالت طائفة : فلا شيء عليه ، روينا هذا القول عن علي ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وعطاء ، وطاوس ، والنخعي ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ) .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ سورة البقرة : 286 .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ))(رواه مسلم رقم الحديث (345) ) .
وجه الاستدلال : أن الله تعالى بين أن الناسي غير مكلف ، وأنه غير مؤاخذ على فعله ، فعليه إذا أكل الصائم أو شرب وهو ناسي فهو غير مكلف وغير مؤاخذ فلا قضاء عليه ، لأن من أوجب عليه القضاء جعله مؤاخذ ، وهذا يخالف صريح هذه الآية .
الدليل الثاني : عَنْ ابن عباس – رضي الله عنهما – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))(رواه ابن ماجه رقم الحديث (2045) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (7219) واللفظ له . وإسناد صحيح . ينظر : إرواء الغليل رقم (82) ).
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله تعالى تجاوز عن النسيان ، والمجاوزة عدم المؤاخذ وعدم التكليف ، وعدم التكليف دليل على من أكل أو شرب وهو ناسي أنه غير مطالب بالقضاء فيما فعله وهو ناسي .
الدليل الثالث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((إِذَا نَسِىَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1831) ، ومسلم رقم الحديث (1155) ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ))( رواه الدارقطني في سننه رقم الحديث (2265) ، وقال : إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ . وينظر : إرواء الغليل (4/86) ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلاَ كَفَّارَةَ ))(رواه الدارقطني في سننه رقم الحديث (2266) ، وقال : (تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنِ الأَنْصَارِيِّ) ، والبيهقي في سننه الكبرى رقم الحديث (8330) ، وقال : (تَفَرَّدَ بِهِ الأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ) . وحسن إسناده الشيخ الألباني في إرواء الغليل (4/87) ) .
وهذه الأحاديث نص في محل الخلاف .
الدليل الرابع : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ ؟ فَقَالَ : أَطْعَمَكَ اللهُ وَسَقَاكَ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (2400) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3522) . إسناده صحيح . وينظر : إرواء الغليل (4/86) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بالقضاء ومعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة هنا قائمة ، فلو كان القضاء واجباً لأمره به النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .

ماذا ورد فيمن أفطر متعمدا في رمضان ؟

1241
السائل: ماذا ورد فيمن أفطر متعمدافي رمضان؟

الشيخ: قد ورد فيه حديث أَبُي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ – رضي الله عنه- قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلاَنِ ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ ، فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا فَقَالاَ ليَ : اصْعَدْ ، فَقُلْتُ : إِنِّي لاَ أُطِيقُهُ ، فَقَالاَ : إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بَأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ ؟ قَالُوا : هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ قُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ))( رواه ابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (1986) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (7491) ، والحاكم في المستدرك رقم الحديث (1568) . وينظر : صحيح الترغيب رقم (1005) ، والسلسلة الصحيحة رقم الحديث (3951) ) .
غريب الحديث :
بِضَبْعَيَّ أي عضدي .
بِعَرَاقِيبِهِمْ العرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان .
َشْدَاقُهُمْ هو جانب الفم .
وقوله : ((قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ)) أي : يفطرون قبل وقت الإفطار
فهذه عقوبة من يفطر متعمدا قبل دخول وقت الإفطار أنه يعلق بعرقوبه ، منكس الرأس ، أشداقه مشققة تسيل دما ، فكيف بمن لا يصوم أصلا ، نسأل السلامة والعفو والعافية .
قال الإمام الذهبي في الكبائر ص (64) : (وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك ) أنه شرّ من الزاني ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ، ويظنون به الزندقة والانحلال) .

هل يجوزالفطر للحامل والمرضع ، وهل عليهما القضاء أو الاطعام؟

1235
السائل: هل يجوزالفطر للحامل والمرضع ، وهل عليهما القضاء أو الاطعام؟

الشيخ: الحامل و المرضع إذا خافتا على نفسيهما ، أو ولديهما( ويعرف ذلك بإخبار الطبيب المسلم الثقة ، أو هي شعرت بعد أن شرعت في الصوم بالمشقة الشديدة والإعياء ، أو أنّه يغلب على ظنها أنّ الرضيع يتضرر بصيامها ، ونحو ذلك ، وليس مجرد شكوك ، ولتتق الله في ذلك ) فلهما الفطر ، ودليل ذلك ما يأتي:
الدليل الأول : الإجماع ، فقد أجمع العلماء على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان ، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته ، أو الضرر أو الهلاك ، فالولد من الحامل بمنزلة عضو منها ، فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق منه على بعض أعضائها.
ينظر الاجماع في المغني (4/393) ، والمجموع (6/272) ، والموسوعة الفقهية (28/54) ، وموسوعة الإجماع (2/745)
الدليل الثاني : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ إِخْوَةِ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ : (( أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَيْتُ أَوْ قَالَ : فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ : اجْلِسْ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا . فَقُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ . قَالَ : اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّلاَةِ وَعَنِ الصِّيَامِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاَةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ أَوِ الْحُبْلَى))(رواه أبو داود رقم الحديث (2410) . ينظر : صحيح أبي داود رقم الحديث (2107) وهو حسن صحيح ، وصحيح النسائي رقم الحديث (2181) ).
وأما شق السؤال الثاني هل عليهما الإطعام أو القضاء ؟
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة إلى ستة مذاهب ، والراجح منها أن عليهما أن يطعمان عن كلّ يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليهما ، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- وسعيد بن جبير ، والقاسم بن محمد .
وذهب إسحاق ابن راهويه إلى التخيير ، فإن شاءت الحامل والمرضع أن تطعما ، ولا قضاء عليهما ، وإن شاءتا قضتا ، ولا إطعام عليهما ، وهو قول حسن تدل عليه الأدلة الآتية أيضاً ، لأن نفي القضاء في الآثار الآتية هو نفي لوجوبه . والله أعلم .
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : (( إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كلّ يوم مسكيناً ، ولا يقضيان صوماً))(ينظر: إرواء الغليل (4/19) وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم ) .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه رأى أمَّ ولد له حبلى أو ترضع فقال : (( أنت من الذين لا يطيقون ، عليك الجزاء وليس عليك القضاء))(رواه الدارقطني (2/207) وقال : إسناده صحيح . ينظر: إرواء الغليل (4/19) ) .
الدليل الثاني : وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : (( الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي))( رواه الدارقطني (2/207) وصححه . ينظر : الإرواء (4/20)) .
وعن مالك عن نافع : (( أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها ؟ فقال : تفطر وتطعم مكان كلّ يوم مسكيناً مُدّاً من حنطة ))(رواه مالك في الموطأ برقم (678) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (7868) . ينظر: إرواء الغليل (4/22) ) .
وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- : (( أنّ امرأته سألته وهي حبلى ، فقال : أفطري وأطعمي عن كلّ يوم مسكيناً ، ولا تقضي))( رواه الدارقطني (2/207) . ينظر: إرواء الغليل (4/20) وقال : إسناده جيد ) .
عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- : (( كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش ، وكانت حاملاً فأصابها عطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر ، وتطعم عن كلّ يوم مسكيناً ))( رواه الدارقطني (2/207) . ينظر: إرواء الغليل (4/20) وقال : إسناده صحيح) .
فابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم من فقهاء الصحابة ، كانا يفتيان بذلك ، ولا أعلم أنه صح عن الصحابة –رضي الله عنهما- ما يخالف قوليهما ، فكان حجة . والله أعلم.
أما من قال بوجوب القضاء والفدية معا، فقوله مردود من وجوه :
الوجه الأول : أن وجوب الأمرين معا يحتاج إلى دليل من الشرع ، ولا دليل على ذلك فكان مردوداً .
قال أبو عبد الله المروزي : ( لا نعلم أحدا صح عنه أنه جمع عليهما الأمرين القضاء والإطعام إلا مجاهدا ، قال : وروي ذلك عن عطاء وعن ابن عمر أيضا ، ولا يصح عنهما ، والصحيح عن ابن عمر فيها الإطعام ولا قضاء )( ينظر : الاستذكار (10/223) ، والمبسوط (3/99)) .
الوجه الثاني : أنه غير جائز إيجاب الأمرين القضاء والفدية معاً عليهما ، لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك –وهو الصوم- فلا يكون الإطعام فدية ، وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء ، لأن الفدية أجزأت عنه وقامت مقامه .
الوجه الثالث : أن الفدية مشروعة بدلا من الصوم ، والجمع بين البدل والأصل لا يجوز ، وهو بدل غير معقول المعنى .
وأما من قال بوجوب القضاءفقط ، استدلوا بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدم
قَالَ : (( أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَيْتُ أَوْ قَالَ : فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ : اجْلِسْ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا . فَقُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ . قَالَ : اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّلاَةِ وَعَنِ الصِّيَامِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاَةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ أَوِ الْحُبْلَى)قالوا : قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحامل والمرضع بالمسافر ، وجعلهما معًا في معنى واحد ، فصار حكمهما كحكمه ، وليس على المسافر إلا القضاء لا يعدوه إلى غيره .
أقول وهذا الاستدلال مردود من وجوه :
الوجه الأول : أن الحديث لم يتعرض للفدية ولا للقضاء ، فكان القضاء والفدية موقوفين على دليل خارجي ، فلا حجة فيه على وجوب القضاء .
فإن قيل : إن الحديث لم يتعرض للفدية والقضاء ، ولكنه ذكر الصوم وإسقاطه عن المسافر والحامل والمريض ، وساوى بينهما ، ومعلوم أن المسافر يقضي الصوم فلزم الحامل والمرضع قضاؤه .
قلت : استدلالكم على القضاء إنما هو من باب قرن الحامل والمرضع مع المسافر ودلالة الاقتران فيها خلاف بل هي من أضعف الدلالات عند أكثر الأصوليين ، والصحيح أن فيها تفصيل ، والاستدلال بها هنا ضعيف جداً .
وأيضاً يلزم من قولكم بأن الحامل والمرضع يجب عليهما القضاء لأجل اقترانهما بالمسافر الذي يجب عليه القضاء ، فكذلك يجب على المسافر الذي سقطت عنه شطر الصلاة أن يقضي الشطر الآخر لاقتران الصلاة بالصوم الذي يجب قضاؤه ، وهذا ظاهر البطلان .
الوجه الثاني : أن كلمة وضع يعني اسقط نصف الصلاة عن المسافر ولم يذكر القضاء ، واسقط الصوم عن المسافر والحامل والمرضع ولم يذكر القضاء ، فلا يجب القضاء إلا بدليل ، وجاءت الأدلة بوجوب القضاء على المسافر ، والإطعام للحامل والمرض فوجب أن نصير إليها .
قال السندي في حاشيته (3/438) : ( وَالْحَامِل وَالْمُرْضِع : أَيْ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْحَمْل وَالرَّضِيع أَوْ عَلَى أَنْفُسهمَا ، ثُمَّ هَلْ هُوَ وَضْع إِلَى قَضَاء أَوْ لَا ، وَهَذَا الْحَدِيث سَاكِت عَنْهُ فَكُلّ مَنْ يَقُول بِقَضَائِهِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ دَلِيل ) .
الوجه الثالث : أن فهمكم هذا مخالف لما كان عليه الصحابة كابن عباس وابن عمر –رضي الله عنهم- فلا عبرة به .
والله أعلم
تنظر المذاهب : فتح القدير مع الهداية (2/355) ، وبدائع الصنائع (2/97) ، بداية المجتهد (3/191) ، والاستذكار (10/221) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/288) ، والمجموع (6/274) ، ومغني المحتاج (2/174) ، والحاوي (3/436) ، والمغني (4/393) ، وكشاف القناع (2/313) ، والمحلى لابن حزم (4/410) ، وشرح السنة للبغوي (6/316)

هل يجب على الحائض والنفساء إذا طهرت في نهار رمضان الإمساك بقية النهار ؟

1234
السائل: هل يجب على الحائض والنفساء إذا طهرت في نهار رمضان الإمساك بقية النهار ؟

الشيخ: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين ، والراجح أنه لا يجب عليها الإمساك بقية يومها . وهو مذهب المالكية ، والشافعية ، ورواية في مذهب الحنابلة .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : ((من أكل أول النهار فليأكل آخره ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف رقم الأثر (9343) بإسناد صحيح . ينظر : ما صح من آثار الصحابة (2/640) ) .
وجه الدلالة : أن ابن مسعود – رضي الله عنه – لا يرى فرقاً بين من جاز له أن يأكل في أول النهار في وقت الصيام أن يأكل في آخره أو وسطه ولا يوجد ما يمنع من ذلك ، وهذا قول صحابي وهو حجة على الراجح من أقوال أهل العلم .
الدليل الثاني : الأصل الجواز ولا يصار إلى المنع إلا بدليل ، فإذا طهرت الحائض في نصف النهار لا يجوز لها صيام بقية اليوم شرعاً ، فكيف نوجب عليها الإمساك بقيته ، ونحرم عليها ما أحل الله تعالى لها بغير دليل؟! .
الدليل الثالث : إن صوم اليوم الواحد عبادة واحدة ، بدليل أن أوله يفسد بفساد آخره ، فلا يجوز أن يكون آخر العبادة واجبا ً ، وأولها غير واجب ، وعليه فلا يصح أن نوجب عليها الصيام إذا طهرت في النهار .
الدليل الرابع : أن الحائض التي طهرت في نصف النهار مثلا فإنه يجب عليها قضاء هذا اليوم لأنها لم تصمه ، ولا معنى لإمساكها بقية اليوم لأنه غير مجزئ عنها ، ولا هي عاصية بتركة ، فلا يصح القول بوجوب الإمساك بقية اليوم .
والله أعلم
ينظر : حاشية الدسوقي (1/514) ، والشرح الصغير (1/689) والمجموع (6/256) والمغني (4/388) ، والمبدع (3/13) .

ما هو المرض المبيح للفطر للصائم ؟

1231
السائل: ما هو المرض المبيح للفطر للصائم ؟

الشيخ: المرض مبيح للفطر في رمضان ، والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، أجمع العلماء على إباحة الفطر للمريض في الجملة(ينظر : مراتب الإجماع لابن حزم ص (71) ، والمغني (4/403) ، وروضة الطالبين (2/234) ) .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ سورة البقرة: ١٨٤.
أما السؤال عن المرض المبيح للفطر فهذه المسألة فيها تفصيل يتضح منها معرفة أحوال الإنسان مع المرض إذا صام ، وهي على النحو الآتي :
الحال الأولى : مرض لا يقدر معه على الصوم .
وهذا المرض يحرم الصوم معه ، والشرع لا يكلف بمثل هذا ، لأنه من باب التكليف بما لا يطاق ، والتكليف بما لا يطاق لا يجوز بالاتفاق .
قال القرطبي المالكي في تفسيره (2/276) : (للمريض حالتان : إحداهما : ألا يطيق الصوم بحال ، فعليه الفطر واجبا . الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة ، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل ) .
الحال الثانية : مرض يقدر المكلف أن يصوم معه لكن بمشقة وجهد وتكلف .
وهذا المرض يجب معه الفطر على الراجح ويحرم الصوم ، لأن فيه ضرراً للنفس وإهلاكاً لها ، وهو محرم بنصوص الشريعة ، كقوله تعالى : ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ سورة البقرة: ١٩٥ . وقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ سورة النساء: ٢٩، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (2867) ، ومالك في الموطأ رقم الحديث (1249) . ينظر : إرواء الغليل رقم الحديث (888) ، والسلسلة الصحيحة رقم الحديث (250) .
قال ابن نجيم في البحر الرائق (2/303) : (الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فَكَانَ أَفْضَلَ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَالْإِفْطَارُ وَاجِبٌ كَذَا في الْبَدَائِعِ ) .
وقال خليل في مختصر خليل (1/63) : (وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا ، أَوْ شَدِيدَ أَذًى) .
وقال الخرشي في شرح الخرشي على مختصر خليل (7/99) : (وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا خَافَ بِصَوْمِهِ الْهَلَاكَ ، أَوْ شِدَّةَ الْأَذَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ) .
وقال النووي في روضة الطالبين (2/234) : (ثم شرط كون المرض مبيحا أن يجهده الصوم معه فيلحقه ضرر يشق احتماله) .
الحال الثالثة : مرض يقدر أن يصوم معه من غير كلفة ومشقة لكن يغلب على ظنه أو أخبره الطبيب الثقة أنه سيزيد الصوم من مرضه .
وهذا يستحب معه الفطر على الراجح .
قال الكاساني في بدائع الصنائع (2/94) : (أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَخِّصُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يُخَافُ أَنْ يَزْدَادَ بِالصَّوْمِ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ . فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ خَافَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ أَنْ تَزْدَادَ عَيْنَاهُ وَجَعًا ، أَوْ حُمَّاهُ شِدَّةً أَفْطَرَ) .
وقال القرطبي المالكي في تفسيره (2/276) : (قال جمهور من العلماء : إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر . قال ابن عطية : وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون . وأما لفظ مالك فهو : المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به ) .
الحال الرابعة : المرض اليسير الذي لا يشق معه الصيام ، ولا يزيده ، ولا يؤخر شفاءه .
والراجح أن هذا المرض لا يبيح الفطر ، وهو مذهب الجمهور( ينظر : القوانين الفقهية ص (82) ، والموسوعة الفقهية (28/45) ).
فالراجح من الأحوال التي مضت في المرض أن المرض المبيح للفطر هو الذي يجد معه مشقة إذا صام ويعلم ذلك بنفسه ، أو يغلب على ظنه أنه إذا صام تضرر وذلك يعرف غالبا بخبر الطبيب الثقة أو أمارة أو تجربة عند الصائم المريض ، فكلّ مرض يجد الصائم معه مشقة شديدة أو يزيده أو يخشى تأخر الشفاء معه يبيح الفطر ، وهو مذهب جمهور العلماء كما مر معنا .
وأما القول بأن كلّ مرض يبيح الفطر ففيه نظر لأن الأمراض كثيرة جدا بعضها يؤثر على الصائم ، وبعضها لا يؤثر كالصداع الخفيف والألم اليسير في اليد أو الرجل ونحو ذلك ، فهذه لا تبيح الفطر ، وغالب الناس لا يسلم منها ، ولأنه لا فرق بينه وبين السليم في الغالب .
قال ابن قدامة في المغني (4/403) : (وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ هُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَزِيدُ بِالصَّوْمِ أَوْ يُخْشَى تَبَاطُؤُ بُرْئِهِ . قِيلَ لِأَحْمَدَ : مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ ؟ قَالَ : إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ . قِيلَ : مِثْلُ الْحُمَّى ؟ قَالَ : وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى وَالْمَرَضُ لَا ضَابِطَ لَهُ ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَاضَ تَخْتَلِفُ ، مِنْهَا مَا يَضُرُّ صَاحِبَهُ الصَّوْمُ وَمِنْهَا مَا لَا أَثَرَ لِلصَّوْمِ فِيهِ ، كَوَجَعِ الضِّرْسِ ، وَجُرْحٍ فِي الْإِصْبَعِ ، وَالدُّمَّلِ ، وَالْقَرْحَةِ الْيَسِيرَةِ ، وَالْجَرَبِ ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَصْلُحْ الْمَرَضُ ضَابِطًا ، وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْحِكْمَةِ ، وَهُوَ مَا يُخَافُ مِنْهُ الضَّرَرُ ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ).
قال ابن نجيم في البحر الرائق (2/303) : (أَبَاحَ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ ، لَكِنْ الْقَطْعُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْفِطْرِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ ، وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ إفْسَادِ عُضْوٍ ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ ، وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ : عَدَالَتُهُ شَرْطٌ ) .
والله أعلم

أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر ؟

1230
السائل: أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر ؟

الشيخ: المسافر إن وجد من نفسه القوة فالصوم في حقه أفضل ، وإن وجد الضعف فالإفطار في حقه أفضل , وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ، ينظر : الموسوعة الفقهية (28/51) ، وشرح البخاري لابن بطال (4/84) .
وإن وجد المشقة التي تبلغ به إلى الضرر أو الهلاك فالصوم في حقه محرم ، ودليل ما ذكرت الأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ . فَقَالَ : (( إِنْ شِئْتَ فَصُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ))( رواه البخاري رقم الحديث (1943) ، ومسلم رقم الحديث (2681) ) .
قال ابن بطال في شرح البخاري (4/84) : (قال ابن المنذر : في هذا الحديث من الفقه تخيير الصائم في الصيام في السفر أو الفطر ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : ((غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ))( رواه مسلم رقم الحديث (2671) ) .
وفي رواية : ((فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ ))( رواه الترمذي رقم (717) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) .
الدليل الثالث : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : ((كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ))( رواه البخاري رقم الحديث (1947) ) .
وأما من وجد في الصوم في السفر مشقة تبلغ به إلى الضرر أو الهلاك فالصوم في حقه محرم ، وكذا في الحضر ينظر : جواهر الإكليل (1/153) ، والقوانين الفقهية ص (82) ، للأدلة الآتية :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ سورة البقرة: ١٩٥ . وقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ سورة النساء: ٢٩ .
وجه الاستدلال من الآيتين : أن الله تعالى حرم إهلاك النفس ، وكذلك كلّ ما يؤدي إلى ذلك ، ومنه الصوم إذا كان يشق بحيث يؤدي إلى الضرر أو الهلاك .
الدليل الثاني : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهم قَالَ : ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا ، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا . فَقَالُوا : صَائِمٌ . فَقَالَ : لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ))(رواه البخاري رقم الحديث (1946) ، ومسلم رقم الحديث (2668) ) .
قال الصنعاني في سبل السلام (2/161) : (فإنما قاله صلى الله عليه وسلم فيمن شق عليه الصيام ، نعم يتم الاستدلال بتحريم الصوم في السفر على من شق عليه ) .
قال المناوي في فيض القدير (5/485) : (( ليس من البر ) بالكسر أي : ليس من العبادة (الصيام في السفر) أي : الصيام الذي يؤدي إلى إجهاد النفس وإضاراها بقرينة الحال ودلالة السياق فإنه رأى رجلا ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم . فذكره).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/217) : (فقال بعضهم : قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله ، وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته( باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ » .) ولذا قال الطبري : ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال . وقال ابن دقيق العيد : أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه ، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل قوله : ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة قال : وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم ، وبين مجرد ورود العام على سبب ، فإن بين العامين فرقا واضحا ، ومن أجراهما مجرى واحدا لم يصب ، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضى التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان ، وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات ، وتعيين المحتملات كما في حديث الباب . وقال ابن المنير في الحاشية : هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم ، وأما من سَلِم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله . والله أعلم ) .
قال النووي والكمال بن الهمام : (إن الأحاديث التي تدل على أفضلية الفطر محمولة على من يتضرر بالصوم ، وفي بعضها التصريح بذلك ، ولا بد من هذا التأويل ، ليجمع بين الأحاديث ، وذلك أولى من إهمال بعضها ، أو ادعاء النسخ ، من غير دليل قاطع )( ينظر : المجموع (6/266) ، وفتح القدير (2/273 ، 274) ، والموسوعة الفقهية (28/52) ) .
الدليل الثالث : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (2867) ، ومالك في الموطأ رقم الحديث (1249) . ينظر : إرواء الغليل رقم الحديث (888) ، والسلسلة الصحيحة رقم الحديث (250) ) .
والله أعلم .

ما هو الدعاء المستحب عند الفطر ؟

1229
السائل: ما هو الدعاء المستحب عند الفطر ؟

الشيخ: يستحب أن يقول بعد فطره مباشرة ما ثبت عن ابْنَ عُمَرَ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ))( رواه أبو داود برقم (2357) ، والحاكم في المستدرك برقم (1536) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2066) ).
وأما حديث : ((كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ)) . فإنه ضعيف . ينظر : إرواء الغليل رقم (9190) ، وضعيف أبي داود (2/264) ، وزاد المعاد (2/51).

هل يجب تبييت نية صوم رمضان قبل الفجر من كلّ ليلة ؟

1205
السائل: هل يجب تبييت نية صوم رمضان قبل الفجر من كلّ ليلة ؟

الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة ، والراجح أنه يجب تبييت نيّة الصوم قبل الفجر من كلّ ليلة ، وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية ، ورواية عن الإمام مالك ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ، وابن حزم .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (2454) ، والترمذي رقم الحديث (730) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (1933) . ينظر : صحيح الترمذي رقم (583) ، وإرواء الغليل (4/26) ) .
وفي رواية :(( مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ))(رواه النسائي رقم الحديث (2343) . حديث صحيح . ينظر : الإرواء رقم (914) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له ، وظاهر الحديث يتكلم عن كل ليلة لا أول ليلة من رمضان فقط ، إذ لو كان الحديث يعني أول ليلة فقط لبينه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والحاجة هنا قائمة .
الدليل الثاني : أن صوم اليوم من رمضان عبادة مستقلة بذاته لا يرتبط بالليل ، ولا باليوم الذي قبله ، ولا باليوم الذي بعده ، بدليل أنه لا يبطل بعضه ببطلان بعض ، فوجبت له النية ، وهكذا كلّ يوم من رمضان .
الدليل الثالث : أن صيام اليوم ينتهي بغروب الشمس فالصائم ينوي بعد غروب الشمس مباشرة الإفطار ، ثم يبادر بفعل الإفطار مباشرة ، فوجب بعد ذلك أن ينوي صيام اليوم التالي لأن نية الصوم زالت بالإفطار ونيته .
الدليل الرابع : كما أن الصائم ينوي الإفطار بعد غروب الشمس في آخر اليوم ، ويفطر مباشرة , وجب كذلك أن ينوي الصوم لليوم الذي بعده ولا فرق .
الدليل الخامس : أن صوم اليوم من رمضان عبادة مستقلة يبدأ بطلوع الفجر الصادق وينتهي بغروب الشمس ولهذا يحتاج إلى نية ، حتى وإن كانت هذه الأيام في الشهر الواحد ، كالصلوات الخمس فإن كلّ صلاة تحتاج إلى نية وجميعها في اليوم الواحد ، فكما أنه لا يصح أن ينوي نية واحدة للصلوات الخمس لليوم الواحد ، ولا بد أن ينوي لك صلاة نية ، فكذلك أيام رمضان ولا فرق .
والله أعلم
ينظر : المبسوط (3/60) ، وبدائع الصنائع (2/85) والفتاوى الهندية (1/195) والفواكه الدواني (1/467) والمجموع (6/302) ، و روضة الطالبين (2/214) ، والحاوي الكبير (3/400) ومنتهى الإرادات (2/17) ، والمغني (4/337) والمحلى (4/285) .

هل يجوز صيام يوم الشك ، وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ؟

1204
السائل: هل يجوز صيام يوم الشك ، وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ؟

الشيخ: اليوم الذي يشك فيه هل هو من شعبان أو رمضان ، وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو نحوه فإنه لا يجوز صومه على أنه من رمضان احتياطاً ، أما إذا لم يكن هناك ما يحول الرؤية ولم يروا هلال رمضان فهو يوم لا شك فيه لأنه علم أنه من شعبان لكن لا يجوز صيامه كذلك إلا إذا كان صيام ذلك اليوم يوافق صوما له كان يصومه كما سيأتي في تحريم تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين ، وعليه لا يجوز صيام يوم الشك والذي قبله إلا إذا كان يوافق صياماً له أو فرضاً كالقضاء ونحوه .
وإلى تحريم صوم يوم الشك وكذلك اليوم الذي قبله ذهب جمهور العلماء ( إلا أن كثيراً منهم قيد التحريم بأن ينوي صيام هذين اليومين للاحتياط لرمضان ، والصحيح ما ذكرته لك بأن النهي عام يشمل ما ذكروه وغيره ، ويستثنى منه الفرض ومن كانت له عادة صيام هذا اليوم كيوم الاثنين مثلا فوافق يوم الشك أو قبله لظاهر الحديث كما سيأتي )، وهو مذهب الحنفية في قول إلى أنه مكروه كراهة تحريم ، والمالكية في قول ، والمعتمد عند الشافعية ، وقول للحنابلة، وابن حزم .
قال ابن بطال في شرح البخاري (4/32) : ( ذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز أن يصام آخر يوم من شعبان تطوعًا إلا أن يوافق صومًا كان يصومه ، وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وعمار ، وحذيفة ، وابن مسعود ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والنخعي ، والحسن ، وابن سيرين ، وهو قول الشافعي ، وكان ابن عباس ، وأبو هريرة يأمران أن يفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين ، كما استحبوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام و تقدم أو تأخر ، وقال عكرمة : من صام يوم الشك فقد عصى الله ورسوله ) .
قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (3/169) : (ذكر فيه مالك أنه سمع أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به صيام رمضان ويرون أن على من صامه على غير رؤية ثم جاء الثبت أنه من رمضان أن عليه قضاءه ولا يرون بصيامه تطوعا بأسا . قال مالك : وهذا الأمر عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا . قال أبو عمر : هذا أعدل المذاهب في هذه المسألة إن شاء الله وعليه جمهور العلماء )
والدليل على تحريم صيام يوم الشك ، وتحريم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ، ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ))( رواه البخاري رقم الحديث (1914) ، ومسلم رقم الحديث (1082) ) .
قال الصنعاني في سبل السلام (2/306) : (الحديث دليل على تحريم صوم يوم أو يومين قبل رمضان . قال الترمذي بعد رواية الحديث : والعمل على هذا ، ثم أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل الصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان . انتهى . وقوله : لمعنى رمضان تقييد للنهي بأنه مشروط بكون الصوم احتياطاً لا لو كان الصوم صوماً مطلقاً كالنّفل المطلق والنذر ونحوه . قلت : ولا يخفى أنه بعد هذا التقييد يلزم منه جواز تقدم رمضان بأي صوم كان ، وهو خلاف ظاهر النهي فإنه عام لم يستثن منه إلا صوم من اعتاد صوم أيام معلومة ووافق ذلك آخر يوم من شعبان ، ولو أراد صلى الله عليه وسلم الصوم المقيد بما ذكر لقال : إلا متنفلا أو نحو هذا اللفظ ، وإنما نهى عن تقديم رمضان لأن الشارع قد علق الدخول في صوم رمضان برؤية هلاله فالمتقدم عليه مخالف للنص أمراً ونهياً )
الدليل الثاني : وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال : ((مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ))(رواه الترمذي رقم الحديث (689) ، والنسائي رقم الحديث (2188) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3585) . وهو حديث صحيح ، ينظر : إرواء الغليل رقم (961) ) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/120) : (استدل به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع ) .
الدليل الثالث : عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ))( رواه البخاري رقم الحديث (1909) ، ومسلم رقم الحديث (2567) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصيام لرؤية الهلال ، وأمر بالإفطار عند عدم رؤيته وإكمال شعبان مفطراً والأمر للوجوب ، ومخالفته معصية ، فدل هذا على تحريم صيام يوم الشك .
الدليل الرابع : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : (( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1906) ، ومسلم رقم الحديث (2550) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام في آخر يوم من شعبان حتى يرى الهلال والنهي للتحريم .
والله أعلم .
ينظر : مرعاة المفاتيح (6/443) ، والبحر الرائق (6/155) ، وحاشية ابن عابدين (2/381) وفقه العبادات (1/132) وكفاية الطالب (1/558) ، ومنح الجليل (2/117) ، وشرح الزرقاني (2/207) ، والاستذكار (3/169)وإعانة الطالبين (2/273) ، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/220) ، والسرج الوهاج (1/142) ، والبيان (3/557) ، والمجموع (6/452) والفروع (5/108) ، وشرح الزركشي (1/411) ، والإنصاف (3/246) والمحلى مسألة (798)

ما هو الدعاء المستحب عند رؤية الهلال ؟

1202
السائل: ما هو الدعاء المستحب عند رؤية الهلال ؟

الشيخ: يستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما ثبت عن النَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم فأنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ : ((اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ )).
رواه الترمذي رقم الحديث (3373) ، والدارمي في سننه رقم الحديث (1741) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (1413) . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (1816) ، وصحيح الترمذي رقم الحديث (2745) .
اليُمْن : البركة والسعادة.
والله أعلم .