ماذا على من أخر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان الآخر ؟

1272
السائل: ماذا على من أخر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان الآخر ؟

الشيخ: اعلم أن من أخر قضاء رمضان إلى رمضان الذي يليه له حالتان :
الحال الأولى : أخر القضاء لوجود العذر من مرض ونحوه ، فالراجح أن عليه القضاء فقط بعد صيام رمضان الذي أدركه .
الحال الثانية : أخر القضاء لغير عذر ، فالراجح أن عليه القضاء مع إطعام مسكين لك يوم ، بعد صيام رمضان الذي أدركه .
وهو مذهب جمهور العلماء ، منهم مجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق( ينظر : شرح السنة للبغوي (6/320) ، والمجموع (6/412) ، والمغني (4/400) ) .
ورجحت هذا المذهب لما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ صَحَّ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ ، قَالَ : (( يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ، وَيُطْعِمُ عَنِ الأَوَّلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا صَامَ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ ))(رواه الدارقطني (2/196) رقم (2368) ، وقال : (إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ). ) .
الدليل الثاني : عن ميمون بن مهران قال : سئل ابن عباس عن رجل دخل في رمضان وعليه رمضان آخر لم يصمه ؟ قال : (( يصوم هذا الذي أدركه ويصوم الذي عليه ويطعم لكل يوم مسكينا نصف صاع))( أخرجه البغوي في مسند ابن الجعد رقم (235) . وسنده صحيح ).
قال ابن قدامة في المغني (4/401) : (ولنا ما روي عن ابن عمر ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، أنهم قالوا : اطعم عن كل يوم مسكينا . ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم ) انتهى .
فإن قيل : ثبت عن يُونُس قَالَ : سَأَلَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ ، فَطَالَ بِهِ مَرَضُهُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ رَمَضَانَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ ؟ فَقَالَ نَافِعٌ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : (( مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَلَمْ يَكُنْ صَامَ رَمَضَانَ الْخَالِيَ فَلْيُطْعِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ))( رواه الدارقطني (2/196) برقم (236) ، وإسناده حسن ) .
فإن ابن عمر –رضي الله عنهما- بين أنه ليس عليه القضاء فهو مخالف للأثرين السابقين ، فالخلاف موجود لا كما قال ابن قدامة –رحمه الله تعالى- .
قلت : لم يخالف ابن عمر –رضي الله عنهما- الأثرين السابقين ، فابن عمر –رضي الله تعالى عنهما- يتكلم عن إنسان مريض لم يستطع الصيام حتى أدركه رمضان أو أكثر وهو عاجز عن الصيام بسبب مرضه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً ، وبحثنا فيمن فرط ولم يصم وهو يستطيع الصيام حتى دخل عليه رمضان التالي ، فالآثار متفقة ولله الحمد.

هل يجوز إدراج نافلة الصيام (كإدراج صيام ست من شوال) مع قضاء رمضان ؟

1271
السائل: هل يجوز إدراج نافلة الصيام (كإدراج صيام ست من شوال) مع قضاء رمضان ؟

الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في إدراج نافلة الصيام كشوال أو غيره مع القضاء ، فهل يجوز له أن يصوم القضاء وينوي معه صيام الست من شوال مثلا ، ولتحرير هذه المسألة ، أقول وبالله تعالى التوفيق :
النافلة المراد إدراجها تحت الفرض إما أن تكون مقصودة بذاتها أو غير مقصودة بذاتها.
فإن لم تكن العبادة مقصودة بذاتها جاز إدراجها تحت الفرض ، مثل : صلاة ركعتي تحية المسجد فإنها غير مقصودة بذاتها بل هي لمن أراد الجلوس في المسجد ، فلو صلى فرض الظهر أربعاً أجزأ عن تحية المسجد وجاز له الجلوس ، وكذلك لو صلى سنة الظهر الراتبة ، فنية سنة الظهر مع نية تحية المسجد جائزة ولا إشكال فيها .
وأما إن كانت العبادة مقصودة بذاتها لم يجز إدراجها تحت الفرض ، مثاله صيام ست من شوال مع القضاء .
وهذه المسألة من المسائل التي يطول فيها البحث والتفصيل ، أعني مسألة التشريك في النية ، ولكن سأتكلم هنا على إدراج صيام ست من شوال مع القضاء ، لكثرة السؤال عنه ، والراجح أنه لا يصح إدراجه لأنه عبادة مقصودة لذاتها ، والدليل على عدم صحة الإدراج ما يأتي :
الدليل الأول : الأصل في العبادات عدم التداخل وأن تفعل كلّ عبادة بنيتها لحديث عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1)) .
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم النية كما جمع العمل فيقتضي ذلك مقابلة كل عمل بنية .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ))( رواه مسلم برقم الحديث (1164) ) .
وجه الاستدلال : أن الذي يصوم ستاً من شوال مع القضاء لم يصدق عليه الحديث ، لأن لم يصم رمضان كاملا ثم يتبعه ستاً من شوال.
والله أعلم
ينظر : الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (40) ، والبحر الرائق (1/96) ، وفتح القدير (2/438) ، والذخيرة (1/251) ، ومواهب الجليل (1/235) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص (20) ، والمنثور في القواعد (3/302) ، ومغني المحتاج (1/49) ، وكشاف القناع (1/314) ، والموسوعة الفقهية (42/90) .

هل يصوم النافلة – كسبع من شوال – من عليه قضاء رمضان ؟

1270
السائل: هل يصوم النافلة كسبع من شوال من عليه قضاء رمضان ؟

الشيخ: قال الإمام ابن رجب في فتح الباري لابن رجب (3/366) : (وقد اختلف العلماء فيمن عليه قضاء رمضان : هل يجوز له أن يتنفل بالصيام قبل القضاء ، أم لا ؟ فيه قولان معروفان ، هما روايتان عن أحمد .
وأكثر العلماء على جوازه ، وروي عن طائفة من السلف المنع منه .
وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : مثل الذي يتطوع بالصوم وعليه قضاء رمضان ، كمثل الذي يُسَبّح وهو يخاف أن تفوته المكتوبة ) انتهى .
والراجح أن من كان عليه قضاء رمضان لا يصوم النافلة كشوال ونحوه ويترك القضاء ، بل يقدم القضاء ثم يصوم النافلة ، وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول : أن قضاء رمضان فرض عين متعلق بذمة المكلف ، بخلاف النافلة فإنه لو لم يفعلها لن يسأل عنها يوم القيامة ، فالواجب أن يبرأ ذمته لأن الموت يأتي بغتة ، والفرض مقدم على النافلة .
الدليل الثاني : فرض العين مقدم على فرض الكفاية ، وهو مذهب كثير من العلماء ، لأن فرض العين إذا لم يأت به المكلف فيحاسب عليه هو لا غير ، أما فرض الكفاية إذا لم يأت به الجميع فيحاسب عليه الجميع ، والأمر إذا عم خف وإذا خص ثقل ، فالنافلة من باب أولى. ينظر : تشنيف المسامع للزركشي (1/252) ، ورفع الحاجب للسُبكي (1/505) مع هامشه ، والتحبير شرح التحرير (2/882) ، والبحر المحيط (1/332)
الدليل الثالث : عن عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : (( إِنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَطَوَّعَ فِي الْعَشْرِ ؟ قَالَ : لاَ بَلِ ابْدَأْ بِحَقِّ اللهِ فَاقْضِهِ ، ثُمَّ تَطَوَّعْ بَعْدُ مَا شِئْتَ ))( رواه عبد الرزاق رقم (7715) ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (8656) . وسنده صحيح) .
والله أعلم .

هل يجب قضاء رمضان على الفور ؟

1269
السائل:
هل يجب قضاء رمضان على الفور ؟

الشيخ:

السؤال


هل يجب قضاء رمضان على الفور ؟

الجواب

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : أنه يجب قضاء الصوم عند الاستطاعة على الفور ، وهو مذهب بعض الحنفية ، وقول للإمام مالك وبعض المالكية ، وهو مذهب ابن حزم ، وغيرهم ، وهو الراجح ، ودليله :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ سورة آل عمران : 133 .
وجه الاستدلال : أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى المغفرة ، والمأمور به شرعاً فيه المغفرة ، فالشارع أمر بالمسارعة إلى فعل المأمورات ، والمسارعة هي المبادرة إلى فعل المأمور ، فدل هذا على أن الأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور ، لأن الأمر بالمسارعة الأصل فيه أنه للوجوب ، وعليه فقضاء الصوم يجب على الفور .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ سورة البقرة:148.
وجه الاستدلال : أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى الخيرات ، والمأمور به شرعاً هو من الخيرات ، إذاً هو مأمور بالمسابقة إليه ، فالأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور ، ومنه قضاء رمضان .
الدليل الثالث : أن السلامة من الخطر والقطع ببراءة الذمة إنما يكون بالمبادرة والفور ، وعدم المبادرة قد يكون سبباً في الوقوع في الخطر وعدم براءة الذمة ، وما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب ، فصار الفور في الأمر واجباً ، وهو أحوط وأقرب لتحقيق مقتضى الأمر وهو الوجوب .
الدليل الرابع : أن المقرر في علم أصول الفقه على الراجح أن الأمر يجب على الفور ، وهو مذهب الجمهور .
المذهب الثاني : أن قضاء رمضان على التراخي فيجوز له أن يؤخره إلى شعبان لغير عذر ، وهو مذهب جمهور العلماء ، واستدلوا بما ثبت عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – تَقُولُ : ((كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ . قَالَ يَحْيَى : الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ))(رواه البخاري برقم (1849) ، ومسلم برقم (1146) واللفظ له ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة –رضي الله عنها- كانت تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذا وأقرها عليه ، فدل هذا على أنه يجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان فالقضاء ليس على الفور .
جوابه :
الجواب الأول : أن الاستدلال في غير محَلّه لأن عائشة -رضي الله عنها- لم تقل : إنها تستطيع أن تقضيه فوراً وأخرت القضاء ، وإنما قالت : ((فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ)) وعدم الاستطاعة مسقط للفورية ، فنحن لا ننازعكم في أنه يجوز تأخير القضاء عند عدم الاستطاعة ، لكن نزاعنا معكم فيمن أخر القضاء لغير عذر ويستطيع أن يقضيه فوراً ، وهذا غير موجود في الحديث ، بل الحديث على خلاف ذلك .
الجواب الثاني : أن الحديث حجة لنا لأنها قالت –رضي الله عنها- : ((فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ)) مفهومه أنها لو كانت تستطيع القضاء فوراً لما أخرته .
والله أعلم .
ينظر : بدائع الصنائع (2/104) .
( ) كفاية الطالب ص (302) ، و مواهب الجليل (3/334) والمحلى (6/260) ولتمهيد (23/148) ، وشرح مسلم للنووي (8/21) ، والموسوعة الفقهية (10/10) .

هل قطرة العين تفطر الصائم ؟

1263
السائل: هل قطرة العين تفطر الصائم ؟

الشيخ: قطرة العين تبحث من جهتين :
الجهة الأولى : يقول الأطباء إن العين قناة إلى الحلق فإن العين لها قناة متصلة بالأنف ثم بالحلق ، ويقولون إن تجويف العين لا يمكن أن يتسع إلا لقطرة واحدة وهذه القطرة حجمها لا يعدوا ستة بالمائة من السنتيمتر المكعب الواحد ، ثم إن هذه القطرة سوف يمتص أكثرها فيما يسمى بالقناة الدمعية ، وما يصل إلى الحلق إن وصل فهو كمية ضئيلة جداً لا تزيد عما تسامح الشرع به في المضمضة. ينظر : مجلة الفقه الإسلامي (المفطرات في ضوء الطب الحديث) الجزء (10).
الجهة الثانية : اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في تقطير الصائم في عينه هل ذلك يفسد الصوم ؟
والراجح أنه لا يفسد الصوم حتى لو وصل طعمه إلى الحلق ، وهو مذهب الحنفية ، والشافعية ، والظاهرية ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم .
والدليل على ترجيح هذا المذهب ما يأتي :
الدليل الأول : الأصل الجواز وعدم الفطر ، والصيام ثبت بيقين فلا يرفع إلا بيقين .
الدليل الثاني : القياس على الكحل ، فعَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : ((اكْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ ))(رواه ابن ماجه رقم الحديث (1678) ، والطبراني في الصغير (1/246) رقم الحديث (401) ، وأبو يعلى في مسنده رقم الحديث (4792) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (1360) . وصحح سنده العيني في عمدة القاري (8/94). وينظر : التلخيص الحبير (2/782) ) .
وصح عن أنس رضي الله عنه : (( أنه كان يكتحل وهو صائم))(رواه أبو داود رقم الأثر (2380) ، ابن أبي شيبة برقم (9272) . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم الحديث (2057) غراس . والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/782) ) .
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/782) : (وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في الطبراني الأوسط ، وعن ابن عباس في شعيب الإيمان للبيهقي بإسناد جيد) .
الدليل الثالث : أن الغالب في قطرة العين عدم وصولها إلى الحلق ، وأن ما يصل إلى الحلق إن وصل قليل جداً لا يزيد على ما يعفى عنه مما يتبقى بعد المضمضة كما سبق في كلام الأطباء .
الدليل الرابع : أن المغتسل وكذا المتوضيء يدخل إلى عينيه شيء من الماء ولا شك ، وهذا لا يعد مفطرا بالإجماع ، فكذلك قطرة العين ولا فرق .
والله أعلم .
ينظر : المبسوط (3/67) ، بدائع الصنائع (2/93) ، والفتاوى الهندية (1/203) ، وفتح القدير (2/345) ، والعناية شرح الهداية (2/330) ، وتبيين الحقائق (1/331) ، وحاشية ابن عابدين (2/395) ، والبحر الرائق (2/302) ولأم (7/153) ، والمجموع (6/387) ، وأسنى المطالب (1/416) ، ومغني المحتاج (2/156) ، ونهاية المحتاج (3/186) ، وحاشية الجمل (2/319) والمحلى (4/335) ومجموع الفتاوى (25/233) ، والفتاوى الكبرى (5/376) ، وحقيقة الصيام ص (37) وزاد المعاد (2/63).

هل قطرة الأذن تفطر الصائم ؟

1262
السائل: هل قطرة الأذن تفطر الصائم ؟

الشيخ: اعلم –رحمني الله تعالى وإياك- أن هذه المسألة تبحث من جهتين:
الجهة الأولى : اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- قديماً في تقطير الدواء أو الماء أو الدهن في أذن الصائم على مذهبين :
المذهب الأول : أن التقطير في الأذن يفطر الصائم ، وهو مذهب الحنفية في تقطير الدهن والدواء في الأذن ، واختلفوا في تقطير الماء في الأذن ، فالاتفاق عند الحنفية على الفطر بصب الدهن ، وعلى عدمه بدخول الماء ، والاختلاف في التصحيح في إدخاله ، والمالكية إذا وصل إلى الحلق ، والشافعية في الأصح عندهم ، والحنابلة إذا وصل إلى الدماغ .
تعليلهم أن الأذن منفذ من المنافذ التي يصل عن طريقها إلى المعدة ، وأنه يصل إلى الدماغ فيحصل به التغذية .
المذهب الثاني : أن التقطير في الأذن لا يفطر الصائم ، وهو مذهب الحنفية في الماء على التفصيل السابق في المذهب الأول ، والشافعية في الوجه الآخر قاله أبو علي السنجي والقاضي حسين والفوراني وصححه الغزالي .
وتعليلهم أنه لا منفذ بين الأذن والجوف ، والأصل عدم الفطر .
الجهة الثانية : أثبت علماء التشريح بالاعتماد على المشاهدة والتجربة أن الأذن ليس بينها وبين الجوف ولا الدماغ قناة ينفذ منها المائعات إلا إذا كانت طبلة الأذن منخرمة ، فإنه من الممكن أن يضع الإنسان في أذنه شيئاً فيصل إلى حلقة لأنه توجد قناة تصل من الأذن إلى الحلق.
وعليه فالراجح أن قطرة الأذن غير مفطرة إذا كانت طبلة الأذن غير منخرقة لأنه قد ثبت أنه لا يوجد منفذ من الأذن إلى الحلق ، وهو ما رجحه أصحاب المذهب الثاني ، وكذلك ينبغي أن يكون هذا القول للمذهب الأول لأن تعليله أن الأذن منفذ إلى الجوف والطب الحديث ينفي ذلك .
أما إذا كانت طبلة الأذن منخرقة ووجد طعم الدواء في حلقه فإن الأطباء يقولون : إنه يوجد منفذ من الأذن إلى الحلق ، والبحث حينئذ كالبحث في قطرة الأنف وغيرها هل هذا الذي يصل إلى الحلق كثير يحصل به الفطر أو هو قليل معفو عنه ؟
والذي يظهر –والله أعلم- أن عليه أن يمج ما في فمه وحلقه ، ولا يعود إلى استخدام قطرة الأذن في نهار رمضان ، إلا في حالة الاضطرار إليها ، وعليه أن يتأكد من سلامة طبلة الأذن لديه . والله أعلم.
وقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته العاشرة عام 1418هـ إلى أن قطرة الأذن لا تفطر إذا كانت الأذن سليمة بعكس منزوعة الطبلة .
ينظر : مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص (368) ، والدر المختار ورد المحتار عليه (2/98) ، وتبيين الحقائق (1/329) ، والهداية وشروحها (2/266 و 267) ، وبدائع الصنائع (2/93) ، والبحر الرائق (2/299) ، والفتاوى الهندية (1/204) وجواهر الإكليل (1/149) ، والقوانين الفقهية ص (80) ، والشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي عليه (1/524) ، والمدونة (1/269) ، ومواهب الجليل (2/425) والمجموع (6/320) ، وشرح المحلي على المنهاج (2/56) ، ومغني المحتاج (2/156) ، ونهاية المحتاج (3/167) ،وحاشيتا قليوبي وعميرة (2/71) ، والوجيز (1/101) وكشاف القناع (2/318) ، والفروع (3/46) ، وشرح المنتهى (1/481) والمجموع (6/315) ، وشرح الرافعي (6/367 – 369) والمفطرات في مجال التداوي ، للدكتور البار ، ص (14) ، (36) ، (43) ، ومجلة المجمع عدد (10) ، وقرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (1/152) .

هل قطرة الأنف تفطر الصائم ؟

1260
السائل: هل قطرة الأنف تفطر الصائم ؟

الشيخ: اعلم :
أولا : لا شك أن الأنف منفذ إلى الحلق ثم إلى المعدة ، وقد دل على ذلك السنة ، والواقع ، والطب .
أما السنة فعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عله وسلم : (( بَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ))(رواه أبو داود رقم الحديث (2368) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2048) غراس ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمبالغة في الاستنشاق لغير الصائم لأن المبالغة تؤدى إلى دخول الماء إلى الحلق ثم إلى الجوف ، والصائم ممنوع من ذلك .
وأما الواقع فإن الإنسان إذا أدخل شيئاً في أنفه يجده في حلقه ، كذلك إذا شَرِق بالماء فإنه يخرج بعض الأحيان من أنفه .
الطب الحديث أثبت أن الأنف متصل بالحلق ، من خلال التشريح وغيره ، وفي الطب يكون غسيل المعدة وأحيانا التغذية لبعض المرضى وأمور كثيرة عن طريق الأنف فهو منفذ إلى المعدة .
ثانياً : ألحق بعض العلماء قطرة الأنف لعلاج الجيوب الأنفية مثلا بمسألة السَّعُوط للصائم ، (وهو ما يجعل في الأنف مما يتداوى به ، وطريقة استخدامه هو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس) . ينظر : فتح الباري (10/147) .
وقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في الفطر بالسَّعوط ، ذهب جمهور العلماء إلى أنه مفطر إذا وصل إلى الدماغ( ينظر : المجموع (6/346) ، والموسوعة الفقهية (28/35) ) أما إذا لم يصل إلى الدماغ لم يضر ، بأن لم يجاوز الخيشوم( وهذا لأنهم كانوا –رحمهم الله تعالى- يظنُّون أن السَّعوط يصل إلى الدماغ فقالوا : إن ما يصل إلى الدماغ يفطِّر لأجل ذلك ، وأنه وصل بذلك إلى الجوف ، والواقع أن الأمر ليس كذلك ، فإن الطب قد أثبت كما سبق أن الأنف مجراه إلى الرئتين أو المعدة مرورا بالحلق وليس إلى الدماغ ) ، وذهب آخرون إلى أنه يفطر إذا وصل إلى الحلق( ينظر : المجموع (6/346) ، وصحيح البخاري (7/236) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/160) : ( وقال الحسن : لا بأس بالسعوط للصائم أن لم يصل الماء إلى حلقه . وصله بن أبي شيبة نحوه ، وقال الكوفيون والأوزاعي وإسحاق : يجب القضاء على من استعط . وقال مالك والشافعي : لا يجب إلا أن وصل الماء إلى حلقه ) ) ، وبحثهم هذا مبني على حديث لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ –رضي الله عنه- المتقدم .
والراجح –والله أعلم- في مسألة قطرة الأنف أن فيها تفصيلا وهو :
إن كان الدواء موضعياً لا يتجاوز الأنف ولا يصل إلى الحلق فإنه لا يفسد الصوم لأنه لا موجب للقول ببطلان الصوم .
أما إذا وصل إلى الحلق فله حالتان :
الحال الأولى : إذا وصل إلى الحلق ثم إلى المعدة كمية كثيرة بحيث تزيد على ما يعفى عنه في المضمضة فإنه يحصل به الفطر الحال الثانية : إذا وصل إلى الحلق ثم إلى المعدة قدر يسير جداً مثل ما يتسامح فيه مما يبقى بعد المضمضة فإنه حينئذ لا يحصل الفطرُ .
ولهذا لا شك أن ترك قطرة الأنف إلى الليل هو الأحوط والأولى لأنه لا يستطيع أن يضبط كمية هذا الدواء ، وكذلك لا يستطيع أن يتحكم بوصوله إلى حلقه من عدمه ، فلا ينبغي استخدام قطرة الأنف إلا بالليل حتى لا يعرض المسلم صيامه للبطلان ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ))( رواه الترمذي رقم الحديث (2708) ، والنسائي رقم (5729) . ينظر : إرواء الغليل رقم الحديث (21) وقال : صحيح ) ،
إلا إذا اضطر إلى استخدامها فقد عرفت التفصيل فيها . والله أعلم .
وقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته العاشرة عام 1418هـ إلى أن قطرة الأنف لا تفطر إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق كما في مجلة المجمع عدد (10) ، وقرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (1/152) .

هل حبة علاج الأزمات القلبية التي توضع تحت اللسان تفطر الصائم ؟

1259
السائل: هل حبة علاج الأزمات القلبية التي توضع تحت اللسان تفطر الصائم ؟

الشيخ: يستخدم بعض مرضى القلب علاج يسمى (النيتروغلسيرين) وهو عبارة عن حبة توضع تحت اللسان فيمتصها بطريقة مباشر ، ويحملها الدّم إلى القلب فتوقف أزماته المفاجئة ، وسألت بعض الأطباء عنها فأفادني أن هذا النوع من الدواء لا يدخل إلى المعدة ، لسرعة امتصاصه ، وعليه فإن الصائم لو احتاج إلى استخدامها فلا شيء عليه ، ولكن عليه أن يمج ما يجده من الطعم في فمه ولا يجعله يدخل إلى جوفه ، وإلى هذا ذهب المجمع الفقهي . والله أعلم .
ينظر : مجلة المجمع عدد (10) ، وقرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (1/152) .

هل استخدام بخاخ الربو يفطر الصائم ؟

1258
السائل: هل استخدام بخاخ الربو يفطر الصائم ؟

الشيخ: قبل بيان حكم بخاخ الربو هل هو مفطر أو غير مفطر ؟ لا بدّ من معرفة ما يتركب منه هذا البخاخ ، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فأقول وبالله التوفيق :
ذكر الأطباء(كما في مجلة المجمع ع 10 ج2 ص 287 ، وأثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي ص (269) ) : أن بخاخ الربو يحتوي على (مستحضرات طبية وماء وأكسجين) ، ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق ، ويضغط عليه في الوقت ذاته ، وعندئذ يتطاير الرذاذ ويدخل عن طريق الفم إلى البلعوم الفمي ، ومنه إلى الرغامي فالقصبات الهوائية ، ولكن يبقى جزء منه في البلعوم الفمي ، وقد تدخل كمية ضئيلة جدًّا إلى المريء ، وتحتوي عبوة بخاخ الربو على حوالي (10) ميلي ليتر من السائل بما فيه من المادة الدوائية ، وهذه الكمية مصممة على أن تنطلق على (200) بخة (أي أن الـ10 ميلي ليتر تنتج 200 بخة) ، وهذا معناه أنه في كلّ بخة يخرج جزء من 25 جزء من الميلي ليتر الواحد ، وبمعنى آخر فإن البخة الواحدة تشكل أقل من قطرة واحدة ، وهذه القطرة الواحدة ستقسم إلى أجزاء يدخل الجزء الأكبر منه إلى جهاز التنفس ، وجزء آخر يترسب على جدار البلعوم الفمي ، والمتبقي من تلك القطرة قد يصل إلى الجوف (الجهاز الهضمي) وهي قليلة جداً جداً ، وقد يكون ما يدخل من قطرات عقب الاستنشاق أو المضمضة أكثر من ذلك بكثير ، فلو تمضمض المرء بماء موسوم بمادة مشعة ، لاكتشفنا المادة المشعة في المعدة بعد قليل ، مما يؤكد وجود قدر يسير معفو عنه ، وهو يسير يزيد -يقيناً- عما يمكن أن يتسرب إلى المريء من بخاخ الربو إن تسرب .
اختلف العلماء المعاصرون في حكم بخاخ الربو وأثر تفطيره على الصائم ، على قولين ، والراجح –والله أعلم- أن بخاخ الربو غير مفطر ، وهو مذهب جماعة من أهل العلم .
ينظر : فتاوى الشيخ ابن باز (15/265) ، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين (19/209) ، فتاوى الصيام للشيخ ابن جبرين ص (49) ، والشيخ الدكتور الصديق الضرير ، ود. محمد الخياط كما في مجلة المجمع ع 10 ج2 ص(287) ، واللجنة الدائمة فتاوى إسلامية (2/131) ، وأثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي ص (269).
والدليل على أنه غير مفطر ما يأتي :
الدليل الأول : القياس ، قياس الداخل اليسير جدا منه إلى المعدة على المضمضة والاستنشاق في عدم الفطر ، توضيحه أن الداخل من بخاخ الربو إلى الجوف (المعدة) قليل جداً ، بل في بعض الأحيان لا يدخل منه شيء ، وإنما يذهب إلى الرئتين ، كما سبق في كلام الأطباء ، وعليه فإن القياس الصحيح يقتضي أن هذا الشيء اليسير الذي لا يرى بالعين فهو معفو عنه كالماء المتبقي من المضمضة .
اعترض على هذا الاستدلال بما يأتي :
الاعتراض الأول : هذا قياس مع الفارق ؛ لأن المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق ، وهو ليس مقصود المضمضة ، بل مقصودها هو الفم ، بخلافه في بخاخ الربو فإن الجوف مقصود له .
جوابه :
أن القياس صحيح ، لأن أركانه صحيحة تامة ، فالأصل عندنا المضمضة للصائم ، والفرع بخاخ الربو للصائم ، العلة الجامعة بينهما أن كلا منهما يدخل منه اليسير جداً غير المقصود إلى الجوف (المعدة) ، فالحكم كما أنه عفي عن يسير المضمضة الداخلة إلى الجوف للصائم فكذلك بخاخ الربو ولا فرق .
وقولكم : لأن المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق . غير صحيح لأن الجناية هي أن يقصد المعدة بما هو مفطر ، بدليل أنه لو أدخل الطبيب أصبعه أو المنظار الذي يمر بالحلق فإنه لا يفطر على الراجح كما مر معنا .
وقولكم : وهو ليس مقصود المضمضة ، بل مقصودها هو الفم ، بخلافه في بخاخ الربو فإن الجوف مقصود له . غير صحيح لأن البخاخ ليس مقصوده الجوف (المعدة) وإنما مقصوده الرئتين كما هو معلوم ، وهذا ظاهر بيّن .
الاعتراض الثاني : وكذلك فإن في الاحتراز عن أثر المضمضة نوع تعذر ومشقة مع كونها مطلوبًا للشارع في الطهارة ، والمشقة تجلب التيسير .
جوابه :
نقول : وكذلك الاحتراز عن أثر البخاخ اليسير جدا غير المقصود فيه مشقة ، والمشقة تجلب التيسير .
فإن قيل : المضمضة مطلوبة شرعاً لا يتم الوضوء إلا بها بخلاف البخاخ .
قلنا : يلزم من قولكم هذا تحريم المضمضة على الصائم إذا لم تكن للوضوء ، وهذا لا تقولون به ، بل يلزمكم أن تحرموا الوضوء المستحب وتجيزوا الوضوء الواجب فقط ، وهذا لا يقول به أحد ، وهو مخالف للنصوص ، فجواز المضمضة من غير وضوء ، وكذلك الوضوء المستحب فيه دلالة ظاهرة على أن اليسير الذي يدخل إلى الجوف من غير قصد معفو عنه .
الدليل الثاني : القياس ، قياس البخاخ على السواك في أنه يعفى عن اليسير الذي يدخل إلى الجوف (المعدة) ، فالمواد التي تدخل إلى المعدة من استعمال السواك أكثر من البخاخ ، فقد ذكر الأطباء(ينظر : مجلة المجمع ع 10 ج2 ص(259) ) أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية ، تقي الأسنان ، واللثة من الأمراض ، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم ، وكلّها تدخل إلى الجوف ، والسواك كما سيأتي يجوز استخدامه لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثالث : اليقين لا يزول بالشك ، فدخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعياً ، بل مشكوك فيه ، أي قد يدخل وقد لا يدخل ، والأصل صحة الصيام وعدم فساده .
الدليل الرابع : أن بخاخ الربو يدخل مع مدخل النفس ، لا مدخل الطعام والشراب ، والمفطر هو ما دخل إلى مدخل الطعام والشراب .
اعترض على هذا الاستدلال :
أن هذا الفرق بين المدخلين غير مؤثر ؛ فالعبرة بالوصول إلى ما يسمى جوفًا دون التفات إلى المدخل .
جوابه :
أن هذا الفرق بين المدخلين مؤثر ، فالشارع علق حكم الفطر بالأكل والشرب وهذا لا يكون إلا من مدخله ، أو المدخل الموصل إليه ، فلا يجوز أن نلحق به كلّ مخرج ومدخل ، بل يلحق به ما كان في حكمه ، ومخرج التنفس (الرئتين) ليس مدخلا للأكل والشرب فلا يأخذ حكمه ، وسبق وبينا أن الجوف هو (المعدة) وليس كلّ جوف يكون مفطراً ، ولهذا بينا أن الجائفة والمهبل وغيرهما لو دخل فيهما الدواء فإنه لا يكون مفطرا .
تنبيه :
بخاخ الربو غير جهاز الرذاذ البخاري فإن مما شك فيه أن أجهزة الرذاذ البخارية التي توضع فيها بعض الأدوية لتوسيع الشعب الهوائية من جملة المفطرات لأن المريض المستخدم لهذا الجهاز يستنشق كمية كبيرة من بخار الماء مع المحلول المائي الذي يصل منه كمية كبير إلى المعدة ، وهو أيضاً ليس مما تعم به البلوى فهو يعطى عادة للصغار ، والكبار لا يستخدمونه عادة إلا في الحالات النادرة الحادة التي لا تنفع معها البخاخات المضغوطة ، وعليه لو اضطر لاستعمالها فإن عليه أن يقضي هذا اليوم . والله أعلم

هل البخور يفطر الصائم ؟

1245
السائل: هل البخور يفطر الصائم ؟

الشيخ: البخور من جملة المفطرات إذا استنشقه الصائم ووصل الدخان إلى حلقه وجوفه لأنّ له جرماً ، أما إذا شم رائحة البخور ونحوه من غير أن يصل دخانه إلى الحلق فلا يفطر ، وهو مذهب أكثر الفقهاء .
قال الشرنبلالي كما في حاشية ابن عابدين (3/327) ، والموسوعة الفقهية (28/36) : ( وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس ، ولا يتوهم أنه كشم الورد وماء المسك ، لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله ) .
وأعظم منه الدخان المحرم فلا شك في أنه من المفطرات باتفاق الفقهاء .
قال في الموسوعة الفقهية(10/111) ) : اتفق الفقهاء على أن شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام لأنه من المفطرات ) .
وجاء في كتب الشافعية : (وفي البيجرمي : وأما الدُّخَانُ الْحَادِثُ الْآنَ الْمُسَمَّى بِالنَّتِنِ لَعَنَ اللهُ مِنْ أَحْدَثَهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ ، فَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ ، فَلَمَّا رَأَى أَثَرَهُ بِالْبُوصَةِ الَّتِي يَشْرَبُ بِهَا رَجَعَ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ يُفْطِرُ ) . ينظر : إعانة الطالبين (2/230) ، وحاشية البجيرمي على الخطيب (6/440) ، وتحفة الحبيب على شرح الخطيب (3/110) .
وجاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (10/614) : (الدخان :الدخان هو تحول كيميائي يحصل في المادة عند الاحتراق ، يدخل الدخان من الفم وينفذ إلى ما وراء الحلقوم ، وكما يقول الدكتور محمد علي البار ، وهو يتحدث عن دخان السجائر أو الشيشة : (إنه يمر من الفم والبلعوم الفمي ، ثم ينزل جزء منه إلى البلعوم الحنجري ، ومنه إلى الرغامي فالرئتين وينزل الجزء الآخر إلى المريء فالمعدة ) . ولا شك أن الدخان يحتوي على مواد عالقة تختزن في الممرات التي تعبرها وتحدث تأثيرها )
والله أعلم .
ينظر : الموسوعة الفقهية (28/35) ، وحاشية ابن عابدين (3/327) ، والتاج والإكليل (2/425) ، ومواهب الجليل (3/348) ، والذخيرة (2/506) ، والشرح الكبير للدردير (1/385) ، وبلغة السالك (1/452) ، وحاشية الدسوقي (1/818) ، وحواشي الشرواني والعبادي (3/440) ، وحاشية إعانة الطالبين (2/260) ، وكشاف القناع (2/320)