هل يسن لمن كان خلف الإمام أن يؤمن في دعاء القنوت ؟

1309
السائل: هل يسن لمن كان خلف الإمام أن يؤمن في دعاء القنوت ؟

الشيخ: يسن للمأموم أن يُؤَمِّن على دعاء الإمام في القنوت ، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية ، والإمام مالك (إلا أنه يقيده بالنصف الأخير من رمضان وهناك روايات أخرى عنه ) ، والأصح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة ، وهو قول الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ، وابن المنذر ، ومحمد بن نصر المروزي .
قال ابن قدامة في المغني (2/584) : (إذا أخذ الإمام في القنوت ، أَمَّن من خلفه . لا نعلم فيه خلافا) .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ إِذَا قَالَ : سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ ))رواه أبو داود في سننه في بَاب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الْوِتْرِ/ بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ رقم الحديث (1443) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (2746) ، والبيهقي في الكبرى رقم الحديث (3222) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم (618) . قال الإمام النووي في المجموع (3/482) : (رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح) ، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/188) : (إسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي ) . .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في القنوت وكان الصحابة يؤمنون ، وهو وإن كان في قنوت النازلة فإنه لا فرق بينه وبين قنوت الوتر لأن الكلّ دعاء قنوت من الإمام في الصلاة جهرا فيستحب التأمين عليه .
قال الإمام النووي في المجموع (3/482) : (واحتج المصنف والأصحاب في استحباب تأمين المأموم علي قنوت الإمام بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ) . انتهى
واحتج به أيضاً محمد بن نصر المروزي على تأمين المأمومين في صلاة الوتر( ينظر : صلاة الوتر له ص (109) ) .
الدليل الثاني : أن الإمام إنما يجهر بالدعاء ليسمع المأموم حتى يؤمن ، وإلا لم يكن ثم فائدة من جهره ، وهذا ظاهر بين .
قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد (4/921) : (سئل أحمد عن الرجل يقنت في بيته أيعجبك يجهر بالدعاء في القنوت أو يسره ؟ قال : يسره وذلك أن الإمام إنما يجهر ليؤمن المأموم ) .انتهى
الدليل الثالث : أن القنوت دعاء ، ويستحب في الدعاء التأمين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ : آمِينَ ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ : آمِينَ ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))( رواه أبو داود في الوتر/باب الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ رقم الحديث (1445) ، والبيهقي في الكبرى رقم الحديث (3222) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (2746) . قال الإمام النووي في المجموع (3/482) : (رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح) . وحسن إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/188)) .
فالإنصات إلى دعاء الإمام مع التأمين عليه من المأموم يجعل المأموم كأنه دعا ، كما يفعل في تأمينه بعد الفاتحة ، قال ابن رجب في فتح الباري (4/498) : (ولما كان المأموم مأموراً بالإنصات لقراءة الإمام ، مأموراً بالتأمين على دعائه عند فراغ الفاتحة ؛ لم يكن عليهِ قراءة ؛ لأنه قد أنصت للقراءة ، وأمن على الدعاء ، فكأنه دعا ؛ كما قال كثير من السلف في قول الله تعالى لموسى وهارون : ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ﴾ سورة يونس: ٨٩ . قالوا : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما داعيين) .
والله أعلم .
ينظر : الفتاوى الهندية (1/111) ، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص (209) شرح الزرقاني (1/343) ، الأوسط (8/247) ، وصلاة الوتر للمروزي ص (109) المجموع (3/481) ، والبجيرمي على الخطيب (2/58) ، والشرواني على التحفة (2/67) ، والجمل على المنهج (1/373) الإنصاف (2/168) ، والمغني (2/584) ، ومطالب أولي النهى (1/558) ، وكشاف القناع (1/338) ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية (2/760) والأوسط (8/247) صلاة الوتر للمروزي ص (108).

هل يشرع دعاء قنوت الوتر في جميع رمضان بل والسنة أو في نصف رمضان الأخير فقط ؟؟

1308
السائل: هل يشرع دعاء قنوت الوتر في جميع رمضان بل والسنة أو في نصف رمضان الأخير فقط ؟

الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على مذاهب والراجح أنه يشرع قنوت الوتر في جميع السنة ، وهو مذهب الحنفية ، ووجه عند الشافعية قال عنه النووي في المجموع (3/510) : (ووجه ثالث أنه يستحب في الوتر في جميع السنة ، وهو قول أربعة من كبار أصحابنا ، أي : عبد الله الزبيري ، وأبي الوليد النيسابوري ، وإبي الفضل بن عبدان ، وأبي منصور بن مهران ، وهذا الوجه قوى في الدليل) . وهو مذهب الحنابلة .
والسنة أن يترك القنوت أحياناً .
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- قَالَ : ((عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))(رواه أبو داود رقم (1427) ، والنسائي رقم الحديث (1756) ، والإمام أحمد في مسنده رقم الحديث (1727) . وصححه النووي في المجموع (3/496) ، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/168) وقال : (حديث صحيح ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، وحسنه الترمذي ) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن هذا الدعاء في قنوت الوتر ولم يخصه بوقت دون وقت ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة هنا قائمة لأنه موطن تعليم ، فدل هذا على مشروعية القنوت طوال السنة .
الدليل الثاني : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ))(رواه أبو داود رقم (1429) ، و ابن ماجه رقم الحديث (1235) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/169) ) .
الدليل الثالث : عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ –رضي الله عنه- : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (1172) ، والنسائي رقم الحديث (1710) . وصححه الشيخ الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (3/968) ) .
وجه الاستدلال من الحديثين : أنه ليس فيهما تقييد لدعاء القنوت بوقت دون وقت ، وعليه فإنه يشرع في جميع السنة .
وأما قولي بأن السنة أن يترك القنوت أحياناً لأنه قد وردت أحاديث كثيرة في إيتاره صلى الله عليه وسلم كأحاديث عائشة وابن عباس –رضي الله عنهم- وغيرها وقد مرت معنا وليس فيها ذكر القنوت مطلقاً ، فالجمع بينها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحياناً ويترك أحينا ، ولا يعارض هذا ما ذكرناه من مشروعية القنوت جميع السنة ، لأن القنوت من جملة الدعاء فإن فعله جميع السنة فمشروع ، وإن فعله أحيناً وتركه أحياناً فقد أصاب السنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى (22/271) : (وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة من شاء فعله ومن شاء تركه … وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن ، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن ، وإن لم يقنت فقد أحسن ) . انتهى .
فإن قيل : قد ثبت عن عبد الرحمن بن عبد القاري : (( ... فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان ، فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - ، فكان الناس يقومون أوله ، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف ))(رواه ابن خزيمة في صحيحه (2/155) رقم الأثر (1100) ، وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح ) .
وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- : ((أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْنُتُ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الثاني مِنْ رَمَضَانَ ))(أخرجه عبد الله في مسائله عن أبيه (96) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/305) بإسناد صحيح ) .
جوابه :
الجواب الأول : ليس في الأثر الأول أنهم لم يقنتوا إلا في النصف الأخير ، وليس فيه كذلك القنوت في النصف الأخير فقط ، بل فيه الدعاء على الكفرة في النصف الأخير ، فلا يوجد في الأثر نفي القنوت في النصف الأول ، فلا يصح الاستدلال به .
الجواب الثاني : لو سلمنا جدلا في الأثر الأول أنهم لم يقنتوا في النصف الأول فلا يلزم منه عدم مشروعيته ، وكذا يقال في الجواب على أثر ابن عمر –رضي الله عنهما- لأنه قد أثبتنا بالأحاديث المرفوعة ثبوت القنوت من غير تقييد بوقت دون وقت ، فعدم فعل الشيء من بعض الصحابة لا يستلزم عدم مشروعيته .
الجواب الثالث : أنه ثبت عن غيرهم من الصحابة خلاف ذلك ، فقد ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ترك القنوت في الوتر طوال السنة ، وثبت عن آخرين القنوت في الوتر طوال السنة(ينظر : مصنف ابن أبي شيبة (2/97-100) ، ومختصر قيام الليل للمروزي ص (135-136) ، ومجموع الفتاوى (22/271) ، وأصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (3/970) ) ، فيرجع في الخلاف إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما بينته لك من أنه كان يقنت أحياناً ويدع أحياناً أخرى . والله أعلم .
قال الترمذي في سننه (2/329) : (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَارَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَقُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ) .
تنبيه : آثار ضعيفة :
هناك بعض الآثار الضعيفة قد يستدل بها في هذه المسألة أحببت أن أنبه عليها فهي لا تصلح للاستدلال لكلّ من الفريقين ، وهي :
الأثر الأول : عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ : ((أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ - يَعْنِى فِي رَمَضَانَ - وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))( رواه أبو داود رقم الأثر (1430)).

وهذا الأثر إسناده ضعيف لجهالة من روى عنهم محمد بن سيرين ، وضعفه الزيلعي ونقله عن النووي(ينظر : نصب الراية (2/126) ) .

الأثر الثاني : عَنِ الْحَسَنِ : (( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، وَلاَ يَقْنُتُ بِهِمْ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، فَإِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ : أَبَقَ أُبَيٌّ ))(رواه أبو داود رقم الأثر (1431) . أبق : هرب ) .
وهو أثر إسناده ضعيف ، لأن الحسن البصري لم يدرك عمر –رضي الله عنه- ، وضعفه الزيلعي في نصب الراية (2/126) ، وقال الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود (2/82) : (إسناده ضعيف ؛ لانقطاعه بين الحسن- وهو: البصري- وعمر . وضعفه النووي والزيلعي) .
روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : ((كان أُبَيّ يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة ، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ ، وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول : اللهم قحط المطر ، فيقولون : آمين ، فيقول : ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو ))(رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (7724). ) .
إسناده ضعيف بسبب انقطاعه لأن ابن سيرين لم يدرك زمن عمر –رضي الله عنه- .
الأثر الثالث : قال ابن أبي شيبة حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرِِ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : (( كَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَقْنُتُ السَّنَةَ كُلَّهَا فِي الْفَجْرِ ، وَيَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ الرُّكُوعِ ))قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا .
(رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/100) رقم (6941) ) . وهذا الأثر ضعيف لأن في إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف( ينظر : تقريب التهذيب (1/113) رقم (524) ، وتهذيب الكمال (3/264) رقم (524) ) .
وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (2/166).
والله أعلم .
ينظر : البحر الرائق (3/43) ، وبدائع الصنائع (1/273) ، ومجمع الأنهر (1/128) وروضة الطالبين (1/253) ، والمجموع (3/510، 520).

هل من السنة الاستراحة بين أربع ركعات في صلاة التراويح وماذا يقول فيها؟

1307
السائل: هل من السنة الاستراحة بين أربع ركعات في صلاة التراويح وماذا يقول فيها؟

الشيخ: قال في الموسوعة الفقهية (27/144) : (اتفق الفقهاء على مشروعية الاستراحة بعد كلّ أربع ركعات ؛ لأنه المتوارث عن السلف ، فقد كانوا يطيلون القيام في التراويح ويجلس الإمام والمأمومون بعد كلّ أربع ركعات للاستراحة) .
وأما شق السؤال الثاني ماذا يقول في هذه الاستراحة وماذا يفعل ؟
فإنه يذكر الله تعالى في هذه الاستراحة ويستغفره ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك من أنواع الذكر من غير جهر أو تخصيص لذكر معين أو إلتزام له .
ولا يشرع له أن يصلي بين الترويحتين لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة –رضي الله عنهم- ولو كان خيرا لفعلوه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ))(رواه البخاري رقم الحديث (2697) ، ومسلم رقم الحديث (4590) واللفظ له ) .
بل ورد عن الصحابة –رضي الله عنهم- المنع قال البهوتي في كشاف القناع (3/272) : (وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ(يعني الإمام أحمد ) ، وَقَالَ فِيهِ : عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، وَذُكِرَ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ رُخْصَةٌ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَالَ : هَذَا بَاطِلٌ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أَبْصَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ : مَا هَذِهِ التَّرَاوِيحُ ، أَتُصَلِّي وَإِمَامُك بَيْنَ يَدَيْك؟ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَغِبَ عَنَّا)( ينظر : الإنصاف (2/179) ) .
وكذلك لا يشرع الدعاء جماعة مع الإمام في هذه الاستراحة لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، والدعاء مع الإمام يكون في القنوت كما سيأتي ، وليست هناك أذكار جماعية في هذه الاستراحة ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، كلّ هذا أمر حادث غير مشروع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ))(رواه أبو داود رقم الحديث (4609) . وهو حديث صحيح . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (2735) ) .
قال في الموسوعة الفقهية (15/269) : (والمذهب عند الحنابلة وهو المتبادر من كلام المالكية والشافعية ، أنه يجوز أن يستريح بعد كلّ أربع ركعات في صلاة التراويح بجلسة يسيرة ، قال الحنابلة : وهو فعل السلف ، ولا بأس بتركه ، ولا يدعو الإمام في الجلوس على الصحيح من المذهب عند الحنابلة) .
والله أعلم
ينظر : الدر المختار ورد المحتار (1/474) ، والعدوي على كفاية الطالب (2/321) ، وأسنى المطالب (1/200) ، ومطالب أولي النهى (1/564)

ما هي السنة في عدد ركعات صلاة التراويح وهل يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ؟

1304
السائل: ما هي السنة في عدد ركعات صلاة التراويح وهل يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ؟

الشيخ: :
إن أبا جعفر الرازي الغالبية على تضعيف ما تفرد به أو خالف الثقات ، ولهذا قال الحافظ في تقريب التهذيب (1/629) في ترجمته : (صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة) ، فليس هو مضعفاً مطلقاً ، فهو مطعون فيه من قبل سوء حفظه لا من قبل عدالته ، ولذا يتوقف في روايته حتى يوجد لها شاهد يقويها ، والأثر الذي معنا ليس فيه مخالفة بل هو موافق لأثر ابن خصيفة السابق ، وكلاهما يقوي الآخر ، بل إن الشيخ نفسه –رحمه الله تعالى- قوى أثرا من طريق أبي جعفر هذا في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص (80) رقم (95) ، وقال : (إسناده موقوف حسن ، رجاله ثقات غير أبي جعفر وهو الرازي اختلف في اسمه ، وفيه ضعف لسوء حفظه ، فمثله إنما يتقى من حديثه ما كان مرفوعا ، وأما ما كان منه موقوفا كهذا فلا بأس به إن شاء الله تعالى ) .
فالأثر الذي معنا أقل أحواله الحسن كما قال الضياء .
ويقويه كذلك ما جاء عن يزيد بن رومان أنه قال : ((كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة))(رواه الإمام مالك في الموطأ رقم (252) ).
وهذا الأثر إسناده صحيح إلا أنه مرسل لأن يزيد بن رومان لم يدرك عمر –رضي الله عنه- .
وقال محمد بن نصر المروزي أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : ((كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل . قال الأعمش : كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث ))(رواه محمد بن نصر في قيام الليل ص (91) ، وذكر إسناده العيني في عمدة القاري (8/246) ) .
وهذا إسناد صحيح إلا أن العدد المذكور من قول الأعمش مرسل ، فيتقوى هذا المرسل بما قبله .
ويتقوى أثر العشرين ركعة أيضا بما سبق أولاً من أنهم كانوا يصلون إحدى وعشرين ركعة ، وبما سيأتي من الآثار ، فلا مجال لتضعيفها . ولا تعارض بين هذه الأعداد التي وردت في زمن عمر –رضي الله عنه-لأن من ذكر العشرين لم يذكر الوتر . والله أعلم .
الأثر الثاني : ثبتت الزيادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر –رضي الله عنه- .
فقد روى ابن أبي الدنيا قال : حدثنا شجاع ، ثنا هشيم ، أنبا يونس ، قال : ((شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان ، فكان يؤمهم عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسعيد بن أبي الحسن ، ومروان العبدي ، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ، ولا يقنتون إلا في النصف الثاني ، وكانوا يختمون القرآن مرتين))(رواه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان ص (53) ، وإسناده حسن . وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/13) ) .
الأثر الثالث : ثبتت الزيادة عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- .
قال ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، قَالَ : (( كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (7766) ، إسناده صحيح ، عبد العزيز بن رفيع ثقة روى عن جمع من الصحابة ، وحسن هو الحسن بن صالح ثقة ، وحميد بن عبد الرحمن من رجال مسلم ) .
الأثر الرابع : ثبتت الزيادة عن ابن عباس –رضي الله عنهما- .
عن عتبة بن محمد بن الحارث أن كريباً مولى ابن عباس أخبره : ((أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة ولم يزد عليها ، فأخبر ابن عباس فقال : أصاب ، أي بني ليس أحد منا أعلم من معاوية ، هي واحدة ، أو خمس ، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء))( رواه الشافعي فِي مسنده ص (86) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/26) ومعرفة السنن والآثار (2/315) ، وابن المنذر في الأوسط رقم ( 2655) ، إسناده حسن لأجل عتبة بن محمد وبقية رجاله ثقات ) .
الأثر الخامس : ثبتت الزيادة عن طلق بن علي –رضي الله عنه- فعن عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ : زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ ، ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَأَوْتَرَ بِنَا ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلاً فَقَالَ : أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ((لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1441) ، ومسند الإمام أحمد رقم الحديث (16296) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/184) : (إسناده صحيح ، وصححه ابن حبان ، وحسنه الترمذي) )
وهناك آثار أخرى أيضاً عن الصحابة –رضي الله عنهم- وعن التابعين منها ما هو صحيح ومنها ما هو منقطع ، ولكن ما ذكرته فيه كفاية إن شاء الله تعالى على إثبات أن الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة التراويح والقيام ثابتة عن السلف وليست بدعة ، وقد أطلت في هذه المسألة لكثرة الخلاف بين طلبة العلم فأسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب ، ولهذا لا يجوز أن يبدع أو يضلل من زاد على هذا العدد ، لكن لا ينبغي هجر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن صلاة القيام إحدى عشرة ركعة مع طول القيام كما سبق ، وهذه هي السنة الغالبة فلا تهجر إلى غيرها إلا إذا احتاج إلى الزيادة ، ولا تعارض بين قولنا إن السنة إحدى عشرة ركعة وبين جواز الزيادة ، فيحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -إحدى عشرة ركعة- على الأفضل ، والزيادة على الجواز إذا دعت الحاجة ، ويعجبني في هذا المقام ما ذكره الكمال بن الهمام الحنفي –رحمه الله تعالى- قال في فتح القدير (1/333) : (قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة ، فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر ، أفاد أنه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم ، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة ، وكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)) ندب إلى سنتهم ، ولا يستلزم كون ذلك سنته ؛ إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر ، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه ، فتكون العشرون مستحبا ، وذلك القدر منها هو السنة ، كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة ، وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون ، ومقتضى الدليل ما قلنا فيكون هو المسنون ، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحبا ))
والله أعلم
ينظر : بدائع الصنائع (1/288) ، ورد المحتار (1/474) ، وفتح القدير (1/334) ، وشرح فتح القدير (1/486) ، والمنتقى (2/208) ، وحاشية العدوي على كفاية الطالب (1/353) ، وكفاية الطالب (1/353) ، وشرح الزرقاني (1/284) ، وحاشية الدسوقي (1/315) ، ونهاية المحتاج (2/123) ، ومطالب أولي النهى (1/563) ، وكشاف القناع (1/425) ، والمغني (2/604) ، والموسوعة الفقهية (27/141) .

هل صلاة التروايح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت؟

1301
السائل: هل صلاة التروايح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت؟

الشيخ: أجمع العلماء على مشروعية الجماعة في صلاة التراويح ، فلا خلاف بين العلماء على مشروعية صلاة التراويح جماعة في المسجد . ينظر : الكافي لابن عبد البر (1/255) ، و بدائع الصنائع (2/748) ، إجماعات ابن عبد البر (1/566) .
وأما الأفضل فإن صلاة التراويح في المسجد جماعة سنة مستحبة وأفضل من صلاتها في البيت وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وأفضل ، وهو مذهب الحنفية ، والشافعية على الأصح ، والحنابلة ، دليله :
الدليل الأول : حث النبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضلها ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ).
وهذا الحديث يخصص الأحاديث الواردة في فضل النافلة في البيت ، لأن هذا الحديث خاص في قيام رمضان في المسجد مع الإمام ، فيكون المعنى صلاة النافلة في البيت أفضل إلا صلاة التراويح فإنها أفضل في المسجد مع الإمام حتى ينصرف .
قال أبو داود في مسائل الأمام أحمد ص (90) مسألة رقم (437) : (سمعت أحمد قيل له : يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده ؟ قال : يصلي مع الناس ، وسمعته أيضا يقول : يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته) .
الدليل الثاني : فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله في صلاة التراويح كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) )
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))( رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) )
و حديث أبي ذر -رضي الله عنه- المتقدم .
قال الحاكم في المستدرك (1/440) على حديث النعمان ابن بشير -رضي الله عنه- : (وفيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة ، و قد كان علي بن أبي طالب يحث عمر -رضي الله عنهما- على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها ) .
والذي منعه من الاستمرار هو خشيت أن تفرض عليهم كما روت عَائِشَةُ رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ((وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) .
وقد زالت هذه العلة بوفاته صلى الله عليه وسلم فصارت صلاة التراويح جماعة سنة مستحبة .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (4/145) : (وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته ) .
قال ابن همام في فتح القدير (2/448) : (أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ سُنَّةً ) .
الدليل الثالث : إقرار النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة في المسجد ، فعن ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيَّ قَالَ : ((خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ ، فَرَأَى نَاسًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ فَقَالَ : « مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ؟». قَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلاَءِ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَأُ وَهُمْ مَعَهُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ . قَالَ : « قَدْ أَحْسَنُوا ، أَوْ قَدْ أَصَابُوا » . وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُمْ ))(رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/495) ، وقال : (هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ) . قال الشيخ الألباني في صلاة التراويح ص (9) : (وقد روي موصولا من طريق آخر عن أبي هريرة بسند لا بأس به في المتابعات والشواهد أخرجه ابن نصر في قيام الليل ( ص 20 ) وأبو داود ( 1 / 217 ) والبيهقي) ) .
الدليل الرابع : فعل عمر -رضي الله عنه- ذلك مع إقرار الصحابة له ، فكان إجماعاً منهم على استحباب صلاة التراويح في المسجد .
قال ابن قدامة في المغني (2/605) : (ولنا إجماع الصحابة على ذلك ، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله) .
قال أبو داود في مسائل الأمام أحمد ص (90) مسألة رقم (438) : ( قيل لأحمد وأنا أسمع : يؤخر القيام يعني التراويح إلى آخر الليل ؟ قال : لا ، سنة المسلمين أحب إلي . وكان أحمد يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام ، شهدته شهر رمضان كلّه يوتر مع الإمام إلا أُرى ليلة لم أحضر) .
ينظر : الموسوعة الفقهية (27/146) .
شرح الزرقاني (1/283) ، وحاشية الدسوقي (1/315) وشرح ابن عابدين (1/473) والمجموع (3/528) ، وشرح المحلي (1/217) والمغني (2/605) .

ما هو أفضل وقت لصلاة التراويح ؟

1298
السائل: ما هو أفضل وقت لصلاة التراويح ؟

الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في أفضل وقتٍ لصلاة التراويح ، قال في الموسوعة الفقهية (27/146) : (ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يستحب تأخير التراويح إلى ثلث الليل أو نصفه ، واختلف الحنفية في أدائها بعد نصف الليل ، فقيل يكره ؛ لأنها تبع للعشاء كسنتها ، والصحيح لا يكره لأنها من صلاة الليل والأفضل فيها آخره . وذهب الحنابلة إلى أن صلاتها أول الليل أفضل ؛ لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله تعالى عنه أوله ، وقد قيل لأحمد : يؤخر القيام أي في التراويح إلى آخر الليل ؟ قال : سنة المسلمين أحب إلي) .
يشير –رحمه الله تعالى- إلى ما ثبت عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ : (( خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) )
والراجح أن الأمر فيه سعة ، وإن كان ثلث الليل الآخر أفضل وقت لصلاة الليل ، لما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1094) ، ومسلم رقم الحديث (1808)) .
ولقول عمر –رضي الله عنه- : ((وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ) .
قال الباجي في المنتقى (1/264) : (وَقَوْلُهُ : وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا . يُرِيدُ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ ، أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخَرَهُ) .
لكن لو صلى بعد العشاء إلى ثلث الليل الأول فحسن ، أو إلى نصفه فحسن ، أو إلى السحور فحسن ، وينبغي أن يراعي حال المصلين الذين معه ، كلّ ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : (( صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ . قَالَ : فَقَالَ : « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ » . قَالَ : فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ . قَالَ : قُلْتُ : مَا الْفَلاَحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ) .
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))(رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) )
والله أعلم

متى شرعت صلاة التراويح ؟

1295
السائل: متى شرعت صلاة التراويح ؟

الشيخ: صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة بأصحابه ثلاث ليال ، ثم تركها مخافة أن تفرض ، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم وَهُوَ التَّرَاوِيحُ رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) .
قال القيلوبي( حاشيتا القيلوبي وعميرة (1/320) ) : ( هذا يشعر أن صلاة التراويح لم تُشرع إلا في آخر سنيّ الهجرة لأنه لم يرد أنه صلاها مرة ثانية ولا وقع عنها سؤال ) .
وأما تعين الليالي التي قامها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقد روى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : (( صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ . قَالَ : فَقَالَ : « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ » . قَالَ : فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ . قَالَ : قُلْتُ : مَا الْفَلاَحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ) .
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))( رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) ) .
ثم أحيى هذه السنة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجمع الناس على قاريء واحد يصلي بهم لأن العلة – وهي الفرض – التي من أجلها ترك النبي صلى الله عليه وسلم الجماعة في التراويح قد زالت بوفاة صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : (( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما -))(رواه البخاري رقم الحديث (1905) ، ومسلم رقم (1816) )
قال الإمام النووي في شرح مسلم (6/40) : (قوله : (( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما )) معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كلّ واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضى صدرا من خلافة عمر ، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة ، واستمر العمل على فعلها جماعة) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ : (( خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ) .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (4/145) : (وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته ) .
وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر ؟ فقال : ( التراويح سنة مؤكدة ، ولم يتخرص (أي لم يفعله بظن غير صحيح أو كذب بل فعله عن علم ) عمر من تلقاء نفسه ، ولم يكن فيه مبتدعاً ، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد سن عمر هذا ، وجمع الناس على أبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما رد عليه واحد منهم ، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك )(ينظر : فتح القدير (1/333) ، والاختيار (1/68) ، والموسوعة الفقهية (27/138) )
والله أعلم

هل الحجامة والفصد وتحليل الدم يفطر الصائم ؟

1293
السائل: هل الحجامة والفصد وتحليل الدم يفطر الصائم ؟

الشيخ: تباح الحجامة للصائم إذا لم تضعفه عند جمهور الفقهاء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية . وسحب الدم لتحليله والتبرع به والفصد كالحجامة في عدم الفطر لأن جميعها إخراج للدم وهو مذهب الجمهور . وترك جميع ما مضى للصائم إلى بعد الإفطار أولى وخاصة في حقّ من كان يضعف بها .
كانت الحجامة من جملة المفطرات لحديث ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (2369) ، والدار قطني في سننه برقم (2264) . الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/132) : (إسناده صحيح على شرط مسلم ) . وينظر : إرواء الغليل رقم (931) ) .
ثم نسخ هذا الحكم بالأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ ، وَاحْتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ))(رواه البخاري رقم الحديث (1836) ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : ((رَخَّصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلصَّائِمِ فِي الْحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ))( رواه ابن خزيمة رقم (1967) بسند صحيح . ينظر : إرواء الغليل (4/74)) .
وجه الاستدلال : أنّ الرخصة لا تكون إلا بعد المنع ، فدل هذا على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً .
الدليل الثالث : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : ((أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : «أَفْطَرَ هَذَانِ ». ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ . وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ))(رواه الدار قطني في سننه برقم (8086) ، وقال : كلهم ثقات ولا أعلم له علة . وينظر : إرواء الغليل (4/72) ).
الدليل الرابع : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ))( رواه الإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18823) بإسناد صحيح .و قال الحافظ في الفتح (4/178) : (إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر) ) .
الدليل الخامس : عن شُعْبَة قَالَ : سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ : ((سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ : لَا إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ )) . وَزَادَ شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ : ((عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم))( رواه البخاري رقم الحديث (1838)) .
وقد تأول بعض أهل العلم حديث (( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ )) ولم يقل بالنسخ ، قال البغوي في شرح السنة (6/304) : (وتأول بعض من رخص فيها هذا الحديث ، فقال : معنى قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم » أي : تعرضا للإفطار ، أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه منها ، وأما الحاجم ، فلما لا يؤمن أن يصل إلى جوفه شيء من الدم إذا ضم شفتيه على قصب الملازم ، كما يقال لمن يتعرض للمهالك : قد هلك فلان وإن لم يكن قد هلك وحمل بعض من كرهها ، ولم يحكم ببطلان الصوم هذا على التغليط لهما ، والدعاء عليهما ، كقوله عليه السلام فيمن صام الدهر : «لا صام ولا أفطر» فيكون على هذا التأويل معنى قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم» أي بطل أجر صيامهما .
وقيل في تأويله : إنه مرّ بهما مساء ، فقال : «أفطر الحاجم والمحجوم» كأنه عذرهما بهذا القول إذ كانا قد أمسيا ودخلا في وقت الفطر ، كما يقال : أصبح الرجل وأمسى وأظهر ، إذا دخل في هذه الأوقات .
وقيل : معناه حان لهما أن يفطرا ، كما يقال : أحصد الزرع : إذا حان أن يحصد ، وأركب المهر ، إذا حان أن يركب ، هذه التأويلات ذكرها أبو سليمان الخطابي في كتابه ) .
قَال الشَّوْكَانِيُّ في نيل الأوطار (4/203) : (يُجْمَعُ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ ، بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا ، وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إِلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلإِْفْطَارِ ، وَلاَ تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لاَ يَضْعُفُ بِهَا ، وَعَلَى كُل حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى) .
والله أعلم
الفصد : هو شق العرق لإخراج الدم . فالفصد والحجامة يجتمعان في أن كلا منهما إخراج للدم ، ويفترقان في أن الفصد شق العرق ، والحجامة مص الدم بعد الشرط .
ينظر : بدائع الصنائع (2/107) ، والفتاوى الهندية (1/199) والفواكه الدواني (1/472) والمجموع (6/389) ، مغني المحتاج (2/160) .مراقي الفلاح ص (372) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير (1/518) ، والإقناع (2/334) ، وشرح المحلي على المنهاج (2/62) ، وكشاف القناع (2/320) ، والروض المربع (1/140) ، والإنصاف (3/303) ، والموسوعة الفقهية (28/71) ، والموسوعة الطبية ص (625) .

هل يباح للصائم استعمال السواك ومعجون الأسنان ؟

1286
السائل: هل يباح للصائم استعمال السواك ومعجون الأسنان ؟

الشيخ: يباح للصائم استعمال السواك من غير كراهة ، سواء كان رَطباً أو يابساً ، وسواء كان أول النهار أو آخره ، إلا أنه ينبغي أن لا يدخل شيء منه إلى جوفه ، والقول بالجواز مطلقاً هو مذهب الحنفية ، وهو قول المزني من الشافعية اختاره النووي ، والإمام أحمد في رواية ، والثوري ، والأوزاعي ، والنخعي وابن سيرين وعروة ، والإمام البخاري ، والمالكية بالسواك اليابس .
قال الإمام البخاري في صحيحه ص (366) رقم الباب (27) : ( باب السواك الرطب واليابس للصائم ) ، قال الحافظ في فتح الباري (4/187) : ( أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب ، كالمالكية والشعبي) .
ومثله استخدام معجون الأسنان إلا أنه يتجنب دخوله إلى الجوف ولا يضره طعمه بعد ذلك .
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ ))(رواه البخاري رقم الحديث (847) ، ومسلم رقم الحديث (252) ) .
وجه الاستدلال : أن الحديث عام يشمل كلّ صلاة سواء كانت في رمضان أو في غيره ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/188) : ( لأمرتهم بالسواك عند كلّ وضوء ، فإنه يقتضي إباحته في كلّ وقت وعلى كلّ حال ) .
الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- : (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسَوَّكَ وَهُوَ صَائِمٌ))(رواه ابن منيع في مسنده بإسناد حسن . ينظر : المطالب العالية رقم (1089) ، وأحكام الطهارة سنن الفطرة ص (676)) .
الدليل الثالث : عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- : (( أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (9149) بإسناد صحيح ) .
الدليل الرابع : الأصل الجواز ولا يصار إلى المنع إلا بدليل .
والله أعلم
ينظر : حاشية الطحطاوي ص (681) والمجموع (1/330) والمغني (1/139)و (4/359) وصحيح البخاري ص (366) رقم الباب (27) وحاشية الدسوقي (1/832) ، وشرح الزرقاني (2/377) فتاوى إسلامية (2/126) ، وفتاوى ابن عثيمين (1/512).

هل يصح قضاء الصوم عن الميت؟

1285
السائل: هل يصح قضاء الصوم عن الميت؟

الشيخ: أولا : الصوم الواجب شرعاً على أنواع منه ما له زمن محدد كصوم رمضان ، ومنه ما يجب على اعتبارات أخرى كصوم كفارة اليمين والظهار وجزاء الصيد ونحوها ، ومنه ما يكون ألزم به نفسه كصوم النذر ، ومنه يكون على سبيل البدل كالقضاء ، وغير ذلك .
ثانياً : من مات وعليه صوم بأحد الأسباب المشار إليها آنفاً لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : المعذور الذي لم يتمكن من قضاء الصوم بسبب ضيق الوقت أو لعذر المرض أو السفر ونحوهما ودام عذره إلى أن مات فإنه لا يجب عليه ولا على ورثه شيء ، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، والأدلة على ترجيح هذا المذهب ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ))(رواه مسلم رقم الحديث (1337) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأمر يفعل عند الاستطاعة فإذا عجز عن الفعل الواجب ثم مات فلا شيء عليه لأنه غير مفرط ، فلا يصح أن يكلف به أو ورثته بعد موته لأنه لم يكن مستطيعاً ، فهو غير مطالب به حال حياته لعجزه فكيف يطالب به بعد موته ؟!
الدليل الثاني : القياس ، قال ابن قدامة في المغني (4/398) : (إنه حق لله تعالى وجب بالشرع ، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل ، كالحج ) .
الحال الثانية : المتمكن من قضاء الصيام لكنه لم يقضه حتى مات ، فقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في سقوط الصيام عنه ، وفي الواجب على ورثته ، والراجح في هذه الحالة التفصيل الآتي :
أولا : إذا كان عليه قضاء صيام فرض وكان متمكناً من أدائه ولكن لم يقضه حتى مات فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولا يصام عنه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، منهم الشافعية في القديم ، والحنابلة ، وبه قال الليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن عليه ، وأبو عبيد وغيرهم .
ثانياً : إذا كان عليه صوم نذر ، فإنه يستحب صومه من ورثته أو غيرهم ، وهو مذهب الحنابلة ، والليث وأبي عبيد ، وأبي ثور ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم .
ورجحت هذا التفصيل للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1952) ، ومسلم رقم الحديث (2748) ) .
الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- : (( أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ البَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنِ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْجَاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْراً ، فَأَنْجَاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ ، فَجَاءَتْ قَرَابَةٌ لَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : صوُمِي ))( رواه أبو داود رقم الحديث (3310) ، والنسائي رقم الحديث (3832) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (1889) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين ) .
وجه الاستدلال من الحديثين : أنها صريحة في مشروعية صيام النذر عن الميت ، إلا أن الحديث الأول يفيد الإطلاق في كلّ صوم ، ولكن هذا الإطلاق غير مراد لتتمة الأدلة .
الدليل الثالث : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ))( رواه أبو داود رقم (2403) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2078) ، وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) .
وجه الاستدلال : أنه صريح في أن من كان عليه صوم من رمضان ولم يصم لمرض حتى مات فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، لأنه كان الواجب عليه أن يفعل ذلك في حياته كما سبق في مبحث المرض الذي لا يرجى برؤه ، وأيضاً فيه أنه يصام عن الميت صوم النذر .
الدليل الرابع : عن عَمْرَةَ (( أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَقْضِيه عَنْهَا ؟ قَالَتْ : لاَ , بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ))(أخرجه الطحاوي (3/142) ، وابن حزم في المحلى (7/4) واللفظ له . وصححه الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص (215) ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة -رضي الله عنها- ترى أنه إذا مات الميت وعليه من رمضان أنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولم تفهم عائشة من الحديث الأول الذي روته عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق الصيام ، وراوي الحديث أدرى بمعنى مرويه من غيره .
قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (4/390) : (سألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : إن أمي توفيت وعليها نذر صيام ، فتوفيت قبل أن تقضيه ؟ فقال : ليصم عنها الولي . ذكره ابن ماجه وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه .
فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه وقالت : يصام عنه النذر والفرض ، وأبت طائفة ذلك وقالت : لا يصام عنه نذر ولا فرض ، وفصلت طائفة فقالت : يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي ، وهذا قول ابن عباس وأصحابه ، والإمام أحمد وأصحابه ، وهو الصحيح لأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة ، فكما لا يصلي أحد عن أحد ولا يسلم أحد عن أحد فكذلك الصيام ، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدين ، فيقبل قضاء الولي له كما يقضى دينه ، وهذا محض الفقه ، وطرد هذا أنه لا يحج عنه ولا يزكى عنه إلا إذا كان معذورا بالتأخير ، كما يطعم الولي عمن أفطر في رمضان لعذر ، فأما المفطر من غير عذر أصلا فلا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض الله تعالى التي فرط فيها ، وكان هو المأمور بها ابتلاء وامتحانا دون الولي ، فلا تنفع توبة أحد عن أحد ، ولا إسلامه عنه ، ولا أداء الصلاة عنه ، ولا غيرها من فرائض الله تعالى التي فرط فيها حتى مات . والله أعلم) .
قال الإمام ابن قدامة في المغني (4/401) : (إن الصوم ليس بواجب على الولي لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ، ولا يجب على الولي قضاء دين الميت ، وإنما يتعلق بتركته إن كانت له تركة ، فإن لم يكن له تركه فلا شيء على وارثه لكن يستحب أن يقضي عنه لتفريغ ذمته وفك رهانه ، كذلك ههنا ولا يختص ذلك بالولي بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه ) .
والله أعلم
ينظر : المبسوط (3/89) ، والمجموع (6/413 و421) ، والمغني (4/398) فتح القدير مع العناية (2/352) ، وبداية المجتهد (1/299) ، والمنتقى (2/63) ، والموافقات (2/174) ، والمجموع (6/415) ، والمغني (4/398) ، والإنصاف (3/334) ، وكشاف القناع (2/334) ومجموع الفتاوى (24/309) وإعلام الموقعين (4/390) .