هل يجوز إخراج زكاة الفطر قبل يوم العيد ؟

1379
السائل: هل يجوز إخراج زكاة الفطر قبل يوم العيد ؟

الشيخ: يجوز تعجيل زكاة الفطر قبل يوم عيد الفطر بيوم أو يومين فقط ، وهو مذهب المالكية ، والحنابلة . ينظر : بلغة السالك (1/201) والمغني (4/300).
وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ نَافِعٍ : (( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا ، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ))( رواه البخاري رقم الحديث (1440) ) .
دلّ فعل الصحابة –رضي الله عنهم- هذا على جواز إخراج زكاة الفطر قبل يوم عيد الفطر بيوم أو يومين ، ولا يجوز قبل ذلك لأن الأصل أنها وجبت بالفطر فلا يجوز أن تتقدم قبل يوم الفطر إلا بدليل ، ودلّ هذا الدليل على جواز تقديمها بيوم أو يومين فقط ، فلا يتعدى ذلك .
قال ابن قدامة في المغني (4/301) : (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ، وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا ، ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها ، فان الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه ) .
الدليل الثاني : عن نافع : (( أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة ))(أخرجه مالك في الموطأ (1/285) بسند صحيح ) .
أن ابن عمر –رضي الله عنه- كان يقدم زكاة الفطر بيوم أو يومين قبل الفطر ، فدلّ ذلك على جواز ذلك ، ولم يثبت عنه ولا عن غيره من الصحابة –رضي الله عنهم- أكثر من هذا الحد ، فلا يجوز ، ولو كان جائزا لفعلوه .
وذكر الثلاثة هنا –والله أعلم- باعتبار أن العيد قد يكون في اليوم الثلاثين أو التاسع والعشرين ، فإذا قدمها يومين قبل العيد الذي يتوقع أنه في اليوم التاسع والعشرين ثم كان العيد في اليوم الثلاثين فإنه يكون قدمها قبل الفطر بثلاثة أيام . والله أعلم .

هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر ؟

1375
السائل: هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر ؟

الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر بدل الطعام ، والراجح أنه لا يجوز إخراج القيمة ، وهو مذهب جمهور العلماء منهم المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .
وذلك للأدلة الآتية:
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – قَالَ (( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1432) ، ومسلم رقم الحديث (2326) ) .
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه – قال : ((كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ))(رواه البخاري رقم الحديث (1435) ، ومسلم في الزكاة / باب رقم الحديث (2330) ) .
وجه الاستدلال : أن زكاة الفطر التي أمر بها صلى الله عليه وسلم والتي كانت تخرج في عهده صلى الله عليه وسلم هي الطعام ، فهي مفروضة بالشرع من هذا الجنس ، فلا يجوز العدول عن هذا بغير دليل ، ولا دليل على جواز إخراج القيمة ، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم القيمة لبينها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
قال الماوردي في الحاوي (3/383) : (لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى قَدْرٍ مُتَّفَقٍ فِي أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَسَوَّى بَيْنَ قَدْرِهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَقِيمَهَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقَدْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ دُونَ قِيمَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَوَجَبَ إِذَا كَانَ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ ضُرُوعٍ ، وَهُوَ الزَّبِيبُ الْكِبَارُ أَضْعَافَ حِنْطَةٍ ، فَأَخْرَجَ مِنَ الزَّبِيبِ نِصْفَ صَاعٍ قِيمَتُهُ مِنَ الْحِنْطَةِ صَاعٌ أَنْ يُجْزِئَهُ ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، وَإِنْ كَانَ بِقِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ دُونَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ) .
يعني أن لا ضابط للقيمة ، فقيمة صاع الزبيب أكثر من صاع الحنطة ، فقيمة نصف صاع الزبيب يساوي صاعا من حنطة ، فأي القيمتين سيخرج ، قيمة الصاع من الزبيب أو الصاع من الحنطة لأنه لا يجوز أن يخرج قيمة نصف الصاع . وهذا من دقة فقهه .
الدليل الثاني : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ ))(رواه رقم الحديث (1371) ، وابن ماجه رقم الحديث (1817) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/317) : (إسناده حسن ، وحسنه ابن قد امة والنووي ) ) .
وجه الاستدلال : أن من أخرج زكاة الفطر قيمة لا يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ((وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ)) ، لأنه لم تخرج طعاماً ، ولهذا لا يجوز إخراج قيمتها .
الدليل الثالث : أن إخراج القيمة لو كان مشروعاً وأفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلما لم يفعلوا ذلك علمنا أن لا يجوز فعله ، لأنه إخراج القيمة حينئذ يكون من غير سبيل المؤمنين .
تنبيه :
يجوز لمخرج زكاة الفطر أن يوكل شخصاً لإخراج زكاة الفطر بحيث يدفع له مبلغاً من المال لإخراج زكاة الفطر طعاماً ، كما لو أعطاه طعاماً ووكله بتوزيعه على المساكين ، والأفضل أن يخرجها بنفسه إلا إذا كان الشخص المُوَكَّل أعلم بالمساكين منه ، والله أعلم .
ينظر : بلغة السالك (1/201) ، الكافي (1/323) والمجموع (6/112) والمغني (4/295) .

ماهي مبطلات الصوم في رمضان ماعدا الاكل والشرب ؟

1371
السائل: ماهي مبطلات الصوم في رمضان ماعدا الاكل والشرب ؟

الشيخ: أخي حفظك الله تعالى مبطلات الصوم هي :
أولاً : الأكل والشرب عمداً .
وحيث إنك استثنيتهما في سؤالك فلن اتكلم عليهما .
ثانياً مما يبطل الصوم : الحقن المغذية :
أنواع الحقن من حيث التغذية :
اعلم أن الحقن التي تعطى للإنسان نوعان :
النوع الأول : حقن لا يقصد بها التغذية وإنما هي للعلاج فقط ، فهذه لا تفطر ، سواء أعطيت في الوريد أو العضل أو الجلد لأنها لم يتحقق فيها ما يتحقق في الطعام والشراب من التغذية ، وهي كذلك لم تدخل من مجري الطعام والشراب وهو الجوف .
النوع الثاني : الحقن المغذية بجميع أنواعها تفطر ، سواء أعطيت في الوريد أو العضل أو الجلد ، فالحقن المغذية هي التي يقصد بها إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء بقصد التغذية لبعض المرضى ، وكذلك التي لا تصل إلى الأمعاء وإنما إلى الدّم بقصد التغذية كالجلكوز وغيره ، وكذلك الدم الذي يعطى للمرضى ، وكلّ ما كان مغذياً يستغني به البدن عن الطعام أو الشراب ، كلّ ذلك يعد من المفطرات ، لأنه في حكم الطعام ويغني عنه ، بل قد يعيش الإنسان مدة طويلة ببعض هذه المغذيات مستغنياً عن الطعام والشراب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/258) : ( والدّم من أعظم المفطرات ).
وقال في أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية ص (635-651) عند كلامه عن الإبر المغذية- : ( أن يكون على سبيل الغذاء ، كالمحاليل الغذائية ، والإبر المغذية ، والدّم فحكمها حكم الأكل والشرب يفسد بها الصوم ، ولا يجوز أن يختلف فيها أهل العلم ، والحجة في هذا أن هذه المحاليل ما هي إلا خلاصة الطعام ، فهي بمثابة الغذاء الذي تم هضمه وتفتيته ، وما كان كذلك لا يمكن أن يختلف حكمه عن حكم الأكل والشرب ، بل هو داخل في النصوص الدالة على فساد الصوم بالطعام دخولا أوليا ، لأن الغذاء يحصل به أكثر من حصوله بالطعام غير مهضوم ، فهو في معناه وأولى ) .
وقال في الموسوعة الطبية ص(367) : ( وبما أن المفطرات تنحصر في الطعام والشراب والجماع ودواعيه ، فإننا نرى أن الحقن بقصد التغذِّي مفسد للصوم من أي مدخل جرى الحقن وسواء وصل إلى الجوف أم لم يصل ، وأما إن كان الحقن بقصد التداوي فإنه لا يفسد الصوم حتى وإن وصل إلى الجوف وهذا ما يفهم من رأي المالكية وهو أيضاً رأي عند الشافعية والحنابلة )( ينظر: المجموع (6/345) ، وأحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية ص (635-651) ، ومجلة البحوث الإسلامية (34/320) فتوى للعلامة الشيخ ابن باز ، وفتاوى الصيام لابن عثيمين ص(42) ، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/174) ) .
ثالثاً مما يبطل الصوم : البخور والدخان ونحوهما .
ولن أفصل فيه حيث إنه قد أجبت على سؤال ورد في الموقع وهو هل البخور يفطر الصائم ؟ راجعه غير مأمور .
رابعاً مما يبطل الصوم : تعمد القيء :
تعمد القيء :
إذا تعمد الصائم القيء فاستخرج ما في جوفه ، فإنه يفطر بذلك الفعل ، وعليه القضاء ، ولا كفارة عليه . والقول بالقضاء دون الكفارة هو مذهب عامة أهل العلم(ينظر : المغني (4/368) ، والمجموع (6/344) ، والموسوعة الفقهية (28/66) ، ومجموع الفتاوى (25/221) ) .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/347) : (قال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وصاحباه والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق : من استقاء عامدا فعليه القضاء . قال أبو عمر : على هذا جمهور العلماء فيمن استقاء أنه ليس عليه إلا القضاء ، روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وجماعة من التابعين ، وهو قول ابن شهاب) .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، أجمع العلماء على أن من استقاء عمدا أفطر وعليه القضاء(ينظر : الإجماع لابن المنذر ص (59) ، والمجموع (6/344) ، وشرح السنة للبغوي (6/295) ، ومجموع الفتاوى (25/221) ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ ))( رواه الترمذي رقم الحديث (720) ، وابن ماجه رقم الحديث (1676) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3518) ، والدارقطني في سننه رقم الحديث (2296) وقال : (رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ) . ينظر : صحيح ابن ماجه رقم (1359) ، وإرواء الغليل رقم الحديث (923) ) .ذَرَعَهُ : أي غلبه .
وجه الاستدلال : أن الحديث نص فيمن تعمد القيء أن عليه القضاء ، وظاهر الحديث أنه لا كفارة عليه إذ لو كانت الكفارة واجبة عليه مع القضاء لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
تنبيه :
ينبغي أن يعلم أن لتعمد القيء صورتين :
الصورة الأولى : أن ينوي ويريد الإفطار ، ويتحايل بالقيء عمداً حتى يجب عليه القضاء فقط ، ولا شك أن من فعل هذا فقد فعل كبيرة من الكبائر لأنه يريد الإفطار في نهار رمضان عمداً ، وحكمه حكم من تعمد الفطر ، وهذا الفعل من الحيل المحرمة .
الصورة الثانية : أن يتعمد القيء لأجل الحاجة إلى ذلك ، كالمحتاج إلى القيء بسبب التداوي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى (25/225) : (فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ فِطْرُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَوَّتَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ تَفْوِيتُهُ لَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَنَّهَا مَا بَقِيَتْ تُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَنْ فَوَّتَ الْجُمْعَةَ وَرَمَى الْجِمَارَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ ، وَهَذَا قَدْ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ ؟ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَقَيَّأُ لِعُذْرٍ كَالْمَرِيضِ يَتَدَاوَى بِالْقَيْءِ أَوْ يَتَقَيَّأُ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ كَمَا تَقَيَّأَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ كَسْبِ الْمُتَكَهِّنِ . وَإِذَا كَانَ الْمُتَقَيِّئُ مَعْذُورًا كَانَ مَا فَعَلَهُ جَائِزًا وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْضَى الَّذِينَ يَقْضُونَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ أَفْطَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ ).
تنبيه آخر :
أما ما يروى عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((ثَلاَثٌ لاَ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ ، وَالْقَيْءُ ، وَالاِحْتِلاَمُ ))(رواه الترمذي رقم الحديث (723) ) .
فإنه حديث ضعيف ، ضعفه غير واحد من أهل العلم ، منهم الترمذي فإنه قال في في سننه في الصوم /باب مَا جَاءَ فِي الصَّائِمِ يَذْرَعُهُ الْقَيْءُ : (حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) ، وابن قدامة في المغني (4/369) ، والألباني في ضعيف سنن الترمذي رقم (719) ، وحقيقة الصيام ص(20) ، وضعيف سنن أبي داود (10/268) .
ولو سلم جدلا بصحته فإنه لا يعارض الحديث الصحيح الذي يأمر من استقاء بالقضاء لأنه يحمل هذا الحديث على من ذرعه القيء .
خامساً مما يبطل الصوم : الحيض والنفاس :
إذا خرج من المرأة دم الحيض أو النفاس في أي جزء من النهار سواء كان في أول النهار أو وسطه أو آخره حتى لو لم يبق إلا دقائق يسيرة ، ما دام الشمس لم تغب ولم يدخل وقت المغرب فإن صومها يبطل وعليها القضاء بالإجماع كما سبق في مبحث ممن يباح لهم الفطر ، وسبقت هناك المسائل المتعلقة بالحيض والنفاس .
سادساً مما يبطل الصوم : الجماع عمداً :
الجماع عمدا مبطل للصوم :
إذا جامع الرجل في نهار رمضان في الفرج وغيب الحشفة عامدا مختارا أنزل أو لم ينزل فإنه قد ارتكب معصية ويفطر بذلك ، والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، أجمع العلماء على أن الصائم في نهار رمضان إذا جامع في الفرج وغيب الحشفة عامدا مختارا أنزل أو لم ينزل أنه أفطر بفعله ذلك .
ينظر : مراتب الإجماع ص (71) ، والمغني (4/372) ، والمجموع (6/348)
الدليل الثاني : عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : (( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ . قَالَ : « مَا لَكَ » . قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا ؟ » . قَالَ : لاَ . قَالَ : « فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ » . قَالَ : لاَ . فَقَالَ : « فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» . قَالَ : لاَ . قَالَ : فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ : « أَيْنَ السَّائِلُ؟» . فَقَالَ : أَنَا . قَالَ : « خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ » . فَقَالَ : الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ : « أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ » ))(رواه البخاري الحديث (1936) ، ومسلم رقم الحديث (2651) . )
وعن عَائِشَةَ –رضي الله عنها قالت : (( أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ . فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا شَأْنُهُ» . فَقَالَ : أَصَبْتُ أَهْلِي . قَالَ : «تَصَدَّقْ». فَقَالَ : وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا لِي شَيْءٌ ، وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ . قَالَ : «اجْلِسْ» . فَجَلَسَ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا عَلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا ؟». فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «تَصَدَّقْ بِهَذَا ». فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَغَيْرَنَا فَوَاللهِ إِنَّا لَجِيَاعٌ مَا لَنَا شَيْءٌ . قَالَ : « فَكُلُوهُ »))(رواه البخاري رقم الحديث (1935) ، ومسلم رقم الحديث (2659) واللفظ له ).
هذا حاصل ما يذكر في مبطلات الصيام وهناك بعض المسائل الطبية المعاصرة تعرضت للمفطرات ذكرتها في كتابي ( جامع الأحكام في مسائل الصيام والاعتكاف وعيد الفطر والقيام) .
يسر الله تعالى طبعه وإخراجه للناس .
والله أعلم .

ما هو المقدار الواجب إخراجه في زكاة الفطر ؟

1360
السائل: ما هو المقدار الواجب إخراجه في زكاة الفطر ؟

الشيخ: هذا السؤال يبحث من جهتين :
الجهة الأولى : الواجب عن كلّ شخص صاع( الصاع يعادل كيلوين وربع تقريباً ) من تمر ، أو زبيب ، أو شعير ، أو أقط ، أو صاع من قوت أهل البلد ، وهو مذهب عامة الفقهاء .
ودليل هذا :
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – قَالَ (( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1432) ، ومسلم رقم الحديث (2326) ) .
الدليل الثاني : عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه – قال : ((كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ))( رواه البخاري رقم الحديث (1435) ، ومسلم الشَّعِيرِ رقم الحديث (2330) ) .
وعنه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : ((كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ قَالَ : أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ ))( رواه البخاري بٍ رقم الحديث (1437) ، ومسلم رقم الحديث (2331) ) .
وجه الاستدلال : أن أبا سعيد –رضي الله عنه- قال : ((كُنَّا)) وفي اللفظ الآخر رفعه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم : ((كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)) وهذا اللفظ له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : ((صَاعًا مِنْ طَعَامٍ)) فيه دليل على أنه يجوز إخراج زكاة الفطر صاعا من قوت أهل البلد .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/373) : (قوله : ((كنا نعطيها)) أي زكاة الفطر قوله : ((في زمان النبي صلى الله عليه وسلم)) هذا حكمه الرفع لإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم ، ففيه إشعار بإطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره له ، ولا سيما في هذه الصورة التي كانت توضع عنده ، وتجمع بأمره ، وهو الآمر بقبضها وتفرقتها ، قوله : ((صاعا من طعام أو صاعا من تمر)) هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده ) .
المسألة الثانية : اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في المقدار الواجب في القمح ، فذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة إلى أنه صاع كبقية الأطعمة ، وذهب آخرون إلى أنه يجزيء نصف صاع( كيلو ونصف الربع تقريبا ، وهذا في القمح خاصة ، وما عداه الواجب فيه ما يعادل كيلوين وربع تقريباً) ، وهو مذهب الحنفية ، (وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وعمر بن عبد العزيز ، وعروة بن الزبير ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وسعيد بن جبير) ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومال إليه تلميذه ابن القيم .
وهو الراجح للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنُ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ قال : ((خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَقَالَ : أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ))( رواه الدرقطني (2/150) رقم الحديث (52) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (23663) ، وغيرهما. ينظر : السلسلة الصحيحة رقم (1177) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ)) يعني نصف صاع من القمح لكل واحد منهما ، ثم أمر بالصاع من باقي الأصناف .
الدليل الثاني : عن هِشَام بْنِ عُرْوَةَ , عَنْ أَبِيهِ عروة بن الزبير أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَتْهُ : (( أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِهَا , الْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْمَمْلُوكِ , مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْمُدِّ , أَوْ بِالصَّاعِ الَّذِي يَتَبَايَعُونَ بِهِ ))(رواه الطبراني في الكبير (24/82) رقم الحديث (218) ، وشرح معاني الآثار للطحاوي (2/34) رقم الحديث (3113) . وقال الشيخ الألباني في تمام المنة ص (387) : (وسنده صحيح على شرط الشيخين ) ) .
وجه الاستدلال : أن أسماء –رضي الله عنها- بينت أنها كانت تخرج نصف صاع من القمح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ففيه إشعار بإطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره له .
والله أعلم.
ينظر : الموسوعة الفقهية (23/342) ، والمغني (4/285) ، والمجموع (6/89و110)(6/90) ، والاختيارات الفقهية ص (60) بداية المجتهد (1/64) ، والتمهيد (4/435) كشاف القناع (1/471) ، والمغني (4/285) المبسوط (3/204) ، وبدائع الصنائع (4/126) والاختيارات الفقهية ص (60) وزاد المعاد (2/19) .

هل يجب في زكاة الفطر أن يملك نصاب المال المعروف في زكاة المال أو يملك ما كان فاضلا عن قوت يومه ؟

1359
السائل: هل يجب في زكاة الفطر أن يملك نصاب المال المعروف في زكاة المال أو يملك ما كان فاضلا عن قوت يومه ؟

الشيخ: تجب زكاة الفطر على من كان قادرا على إخراج زكاة الفطر، وذلك إذا كان عنده فضلٌ عن قوت يومه ، ولا يشترط ملك النصاب المعروف في زكاة المال ، وهو مذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة . ينظر : بلغة السالك (1/201) والمجموع (6/65) المغني (4/307).
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1371) ، وابن ماجه رقم الحديث (1817) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/317) : (إسناده حسن ، وحسنه ابن قد امة والنووي ) ) .
وجه الاستدلال : قوله صلى الله عليه وسلم : ((زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ )) فلم يفرق بين صائم غني يملك نصاب الزكاة أو غيره .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/369) : (واستدل بقوله في حديث بن عباس : ((طهرة للصائم)) على أنها تجب على الفقير كما تجب على الغني ) .
الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – قَالَ ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1432) ، ومسلم رقم الحديث (2326) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها على الحر والعبد والصغير والكبير ولم يفرق بين غني وفقير .
الدليل الثالث : قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/369) : (قال ابن بزيزة : لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية ) .
ولذلك كانت واجبة على جميع المسلمين من غير فرق إلا غير المستطيع الذي لا يملك فاضلا عن قوت يومه .
والله أعلم .

هل تجب زكاة الفطر على الجنين ؟

1358
السائل: هل تجب زكاة الفطر على الجنين ؟

الشيخ: لا تجب زكاة الفطر على الجنين( ينظر : المغني (4/316) ) ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/369) : (نقل بن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين ، قال : وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه . ونقل بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب وبه قال ابن حزم لكن قيده بمائة وعشرين يوما من يوم حمل أمه به ، وتعقب بأن الحمل غير محقق وبأنه لا يسمى صغيرا لغة ولا عرفا) .
قال العراقي في طرح التثريب (4/457) : (اسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الصَّغِيرِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، فَقَالَ : وَالْجَنِينُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَغِيرٍ ، فَإِذَا أَكْمَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ انْصِدَاعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ : (( يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيّ وَقَتَادَةَ أَنَّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ . قَالَ : وَأَبُو قِلَابَةَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَصَحِبَهُمْ وَرَوَى عَنْهُمْ ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْحَمْلِ أَيُزَكَّى عَنْهُ ؟ قَالَ نَعَمْ .
قَالَ : وَلَا يُعْرَفُ لِعُثْمَانَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ .
قَالَ وَالِدِي -رَحِمَهُ اللهُ- فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : وَاسْتِدْلَالُهُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي غَايَةِ الْعَجَبِ ، أَمَّا قَوْلُهُ : ((عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ)) فَلَا يَفْهَمُ عَاقِلٌ مِنْهُ إلَّا الْمَوْجُودَيْنِ فِي الدُّنْيَا ، أَمَّا الْمَعْدُومُ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي الرَّحِمِ إلَّا اللهُ كَمَا قَالَ : ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ وَرُبَّمَا يُظَنُّ حَمْلُهَا وَلَيْسَ بِحَمْلٍ ، وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمَعْلُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤَخَّرُ لَهُ مِيرَاثٌ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَعْدُومِ حَتَّى يَظْهَرَ وُجُودُهُ ، قَالَ : وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ عُثْمَانَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ بَكْرًا وَقَتَادَةَ رِوَايَتُهُمَا عَنْ عُثْمَانَ مُرْسَلَةٌ ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِالْمَوْقُوفَاتِ ، وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً مُتَّصِلَةً ، وَأَمَّا أَثَرُ أَبِي قِلَابَةَ فَمِنْ الَّذِينَ كَانَ يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ ؟! وَهُوَ لَوْ سَمَّى جَمْعًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمِّ عَنْهُ ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ : كَانَ يُعْجِبُهُمْ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ ، وَمَنْ تَبَرَّعَ بِصَدَقَةٍ عَنْ حَمْلٍ رَجَاءَ حِفْظِهِ وَسَلَامَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَأْسٌ ، وَقَدْ نُقِلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ مُخَالَفَةِ ابْنِ حَزْمٍ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ذَكَرَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَمِمَّنْ حُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَمَالِكٌ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ وَلَا يُوجِبُهُ ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُ مَا قُلْنَاهُ ) .
وضعف أثر عثمان –رضي الله عنه- الشيخ الألباني في إرواء الغليل رقم (841) .
والله أعلم

ما حكم زكاة الفطر ؟

1357
السائل: ما حكم زكاة الفطر ؟

الشيخ: زكاة الفطر فرض ، وهو قول عامة أهل العلم ، والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، قال ابن المنذر في الإجماع ص (46) رقم (106) : (وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض) .
وقال ابن قدامة في المغني (4/281) : (قال ابن المنذر : أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم ، على أن صدقة الفطر فرض . وقال إسحاق : هو كالإجماع من أهل العلم . وزعم ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداود ، يقولون : هي سنة مؤكدة . وسائر العلماء على أنها واجبة).
وقد عد ابن عبد البر القول بعدم وجوبها قولا شاذا فقال في التمهيد (14/324) : (والقول بوجوبها من جهة اتباع سبيل المؤمنين واجب أيضا لأن القول بأنها غير واجبة شذوذ أو ضرب من الشذوذ) .
الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – قَالَ (( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1432) ، ومسلم رقم الحديث (2326) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها على المسلمين ، وأمر بها في نفس الحديث ، والأصل فيه أنه للوجوب .

هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف ؟

1352
السائل: هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف ؟

الشيخ: اختلف العلماء في هذه المسألة والراجح أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم ، وهو قول ابن عباس(ينظر : ما صح من الآثار (2/696) ) ، وابن عمر(ينظر : ما صح من الآثار (2/697) ) ، وعائشة(ينظر : ما صح من الآثار (2/696) ) ، وعلي( ينظر : ما صح من الآثار (2/697) ) -رضي الله عنهم أجمعين- ، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة في رواية الحسن عنه ومن مشايخ الحنفية من اعتمد هذه الرواية ، وهو مذهب المالكية ، وبه قال بعض الشافعية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الزهري والليث والثوري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم . دليله :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتِ : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لاَ يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلاَ يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلاَ يَمَسَّ امْرَأَةً ، وَلاَ يُبَاشِرَهَا ، وَلاَ يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ))(رواه أبو داود في الصوم /باب الْمُعْتَكِفِ يَعُودُ الْمَرِيضَ رقم الحديث (2475) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8377) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/235) : (إسناده حسن صحيح ) ) .
ففي قولها -رضي الله عنها- : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ)) دلالة على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الراجح المقرر في علم مصطلح الحديث وأصول الفقه ، وعليه يكون قولها -رضي الله عنها- : ((وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ)) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والأصل في النفي أنه نفي لصحة الاعتكاف بغير صوم .
أما من طعن في الحديث بأنه موقوف عليها- رضي الله عنها أو مدرج من قول الزهري فهو طعن مردود ، فإن الحديث ثابت رفعه . ينظر : تهذيب السنن لابن القيم (7/105) ، وصحيح أبي داود (7/235) ، وإرواء الغليل (4/139) .
الدليل الثاني : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم للصيام في كلّ اعتكاف مع الحديث السابق دليل على أن الصيام جزء من الاعتكاف ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى- في زاد المعاد (2/87) : ( ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اعتكف مفطراً ، بل قالت عائشة : (ولاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ) ، ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع صوم ، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أنّ الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية).
وقال –رحمه الله تعالى- في تهذيب السنن (2/17) : (الِاسْتِدْلَال عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم فَأُمُور : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَمْ يُعْرَف مَشْرُوعِيَّة الِاعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم , وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه , أَنَّهُمْ اِعْتَكَفُوا بِغَيْرِ صَوْم الثَّانِي : حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب , وَقَوْلهَا : السُّنَّة كَذَا وَكَذَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ )
فإن قيل :
فقد روي عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ ))( رواه الحاكم رقم الحديث (1603) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8849)) .
جوابه :
أنه حديث ضعيف لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ينظر : تهذيب السنن (2/16) ، والسلسلة الضعيفة رقم (4378) ، وضعيف الجامع (4896) ) .
فائدة : يترتب على القول باشتراط الصوم لصحة الاعتكاف ما يأتي :
أولا : عدم صحة اعتكاف الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق .
ثانياً : عدم صحة اعتكاف الليل بمفرده .
ثالثاً : أن الاعتكاف لا يكون أقل من يوم .
والله أعلم .
ينظر : الموسوعة الفقهية (5/213) ، والمبسوط (3/115) ، وبدائع الصنائع (2/109) ، وأحكام القرآن للجصاص (1/305) ، وبداية المجتهد (3/241) ، و الفواكه الدواني (1/491) ، والموطأ (1/315) ، والتمهيد (11/197) ، والاستذكار (3/392) ، والمجموع (6/508-511) ، والإنصاف (3/324) ، والمغني (4/459) ، وزاد المعاد (2/87) ، وما صح من الآثار (2/697) ، والسيل الجرار (2/135) ، ونيل الأوطار (3/316) .

هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟

1351
السائل:
هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟

الشيخ:

السؤال


هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟

الجواب

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه على مذاهب :
المذهب الأول : قالوا : إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد جامع وهو مذهب الحنفية ، والحنابلة ، قال ابن بطال في شرح البخاري (4/161) : (وذهبت طائفة إلى أنه لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة ، روي هذا القول عن علي ، وابن مسعود ، وعروة ، وعطاء ، والحسن ، وابن شهاب ، وهو قول مالك في ( المدونة ) ، قال : أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع) .
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (2/734) : (وهو قول عامة التابعين ، ولم ينقل عن صحابي خلافه ، إلا من قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ، أو مسجد نبي ) .
وهو الراجح أعني أن الاعتكاف لا يجوز إلا في مسجد تقام فيه الصلوات ، ومنها الجمعة إذا كان اعتكافه سيكون أو يمتد إلى يوم الجمعة .
ورجحت هذا المذهب لما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتِ : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ … وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ))(رواه أبو داود رقم الحديث (2475) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8377) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/235) : (إسناده حسن صحيح ) ) .
وجه الاستدلال : أن الحديث مرفوع لقولها-رضي الله عنها- : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ)) فيكون قولها : ((وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ)) مرفوعاً ، وفيه أن الاعتكاف يجوز في المسجد الجامع دون غيره .
الدليل الثاني : عن ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَال : (( لاَ اعْتِكافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تجمع فِيهِ الصَّلوات ))( أخرجه عبد الله في مسائله عن أبيه برقم (196) ، بإسناد صحيح . ينظر : ما صح من الآثار (2/694)) .
الدليل الثالث : أن الاعتكاف في غير مسجد جامع سيؤدي إلى تضيع الجمعة والجماعات وهذا لا يجوز ، أو يكثر خروجه من المسجد المعتكف فيه وهذا لا يجوز كذلك .
قال ابن قدامة في المغني (4/461) : (ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه ، يعني تقام الجماعة فيه . وإنما اشترط ذلك ؛ لأن الجماعة واجبة ، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين : إما ترك الجماعة الواجبة ، وإما خروجه إليها ، فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه ، وذلك مناف للاعتكاف ، إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه ) .

فإن قيل : إن خروجه من المسجد ليشهد الجمعة والجماعات أمر مشروع غير مناف للاعتكاف ، كما يخرج للأمور المباحة التي لا بد منها .
جوابه :
أن هذا الأمر المشروع بل الواجب -أعني خروج المعتكف ليشهد صلاة الجمعة والجماعات- يستطيع أن يأتي به لو اعتكف في مسجد جامع ، فخروجه للجماعات من معتكفه الذي لا بد أن يلزمه ولا يخرج منه كان بسبب عدم اعتكافه في مسجد جامع ، فهو مناف لمعنى الاعتكاف ، ولهذا قلنا : لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد جامع .
المذهب الثاني : إنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهو قول حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – ، وهو مروي عن علي – رضي الله عنه – دون ذكر المسجد الأقصى ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء دون ذكر المسجد الأقصى ، دليلهم ما ثبت عَنْ جامع بن أبي شداد عن أبي وائل قال : (( قال حذيفة لعبد الله – يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- : قوم عكوف بين دارك و دار أبي موسى لا تغير ( و في رواية : لا تنهاهم )؟! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فقال عبد الله : لعلك نسيت و حفظوا ، أو أخطأت و أصابوا))( ينظر : السلسلة الصحيحة رقم (2786) ، وصحح الحديث كذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/80)) .
جوابه :
الجواب الأول : أن معنى النفي هنا نفي الكمال ، وهو وإن كان خروجاً عن الأصل إلا أنه يصار إليه لوجود الدليل في جواز الاعتكاف في المسجد الجامع كما سبق في المذهب الأول ، ونفي الكمال قد ورد في الشرع منه ما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: ((مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ : لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))(رواه الإمام أحمد في مسنده رقم الحديث (12383) . ينظر : صحيح الجامع رقم (13135) ، وصحيح الترغيب رقم (3004) ).
الجواب الثاني : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- رد على حذيفة –رضي الله عنه- بقوله : ((لعلك نسيت و حفظوا ، أو أخطأت وأصابوا)) وهذا يفيد أحد أمرين :
الأول : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- يخطيء حذيفة –رضي الله عنه- في روايته للفظ الحديث ، وبهذا يسقط الاستدلال به .
الثاني : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- يخطيء حذيفة –رضي الله عنه- في استدلاله به على عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فيريد ابن مسعود –رضي الله عنه- أن النفي في الحديث نفي للكمال وليس للصحة ، وعليه لا يصح الاستدلال به على عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة .
المذهب الثالث : أنه يصح في أي مسجد ، وهو مذهب المالكية والشافعية ، واستدلوا بقوله تعالى : ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ سورة البقرة :187. فالمساجد جمع تشمل جميع المساجد .
جوابه :
أن المراد بالمساجد هنا المساجد التي تقام فيها الجماعات ، وهذا هو المعهود من أطلاقها ، وأيضاً لما ذكرناه من أدلة المذهب الأول ، فهي ظاهر في ذلك ، وأن المراد منها المساجد الجامعة .
والله أعلم .

ينظر : عمدة القاري (11/141) ، والمبسوط (3/114) ، والتمهيد (8/325) ، والاستذكار (3/385) ، وبداية المجتهد (3/234) ، والمجموع (6/507) ، والمغني (4/461) ، والموسوعة الفقهية (5/211) ، والسلسلة الصحيحة (6/1/667) ، وقيام رمضان ص (37) وحاشية ابن عابدين (2/129) ، وعمدة القاري (11/141) ، والمبسوط (3/114) والمغني (4/461) ، وكشاف القناع (2/351).

ما هو الدعاء المستحب في ليلة القدر ؟

1346
السائل: ما هو الدعاء المستحب في ليلة القدر ؟

الشيخ: يستحب أن يكثر في ليلة القدر من الدعاء ويجتهد فيه ، ويسن أن يدعو بما ثبت عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ : (( يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو ؟ قَالَ : تَقُولِينَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (3982) ، والترمذي رقم الحديث (3513) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (25384) ، والحاكم في المستدرك رقم الحديث (1942) . ينظر : صحيح الترمذي رقم الحديث (2789) ، وصحيح ابن ماجه رقم الحديث (3850) ) .
والله أعلم .