ما هو المرض المبيح للفطر للصائم ؟

1231
السائل: ما هو المرض المبيح للفطر للصائم ؟

الشيخ: المرض مبيح للفطر في رمضان ، والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، أجمع العلماء على إباحة الفطر للمريض في الجملة(ينظر : مراتب الإجماع لابن حزم ص (71) ، والمغني (4/403) ، وروضة الطالبين (2/234) ) .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ سورة البقرة: ١٨٤.
أما السؤال عن المرض المبيح للفطر فهذه المسألة فيها تفصيل يتضح منها معرفة أحوال الإنسان مع المرض إذا صام ، وهي على النحو الآتي :
الحال الأولى : مرض لا يقدر معه على الصوم .
وهذا المرض يحرم الصوم معه ، والشرع لا يكلف بمثل هذا ، لأنه من باب التكليف بما لا يطاق ، والتكليف بما لا يطاق لا يجوز بالاتفاق .
قال القرطبي المالكي في تفسيره (2/276) : (للمريض حالتان : إحداهما : ألا يطيق الصوم بحال ، فعليه الفطر واجبا . الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة ، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل ) .
الحال الثانية : مرض يقدر المكلف أن يصوم معه لكن بمشقة وجهد وتكلف .
وهذا المرض يجب معه الفطر على الراجح ويحرم الصوم ، لأن فيه ضرراً للنفس وإهلاكاً لها ، وهو محرم بنصوص الشريعة ، كقوله تعالى : ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ سورة البقرة: ١٩٥ . وقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ سورة النساء: ٢٩، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (2867) ، ومالك في الموطأ رقم الحديث (1249) . ينظر : إرواء الغليل رقم الحديث (888) ، والسلسلة الصحيحة رقم الحديث (250) .
قال ابن نجيم في البحر الرائق (2/303) : (الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فَكَانَ أَفْضَلَ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَالْإِفْطَارُ وَاجِبٌ كَذَا في الْبَدَائِعِ ) .
وقال خليل في مختصر خليل (1/63) : (وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا ، أَوْ شَدِيدَ أَذًى) .
وقال الخرشي في شرح الخرشي على مختصر خليل (7/99) : (وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا خَافَ بِصَوْمِهِ الْهَلَاكَ ، أَوْ شِدَّةَ الْأَذَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ) .
وقال النووي في روضة الطالبين (2/234) : (ثم شرط كون المرض مبيحا أن يجهده الصوم معه فيلحقه ضرر يشق احتماله) .
الحال الثالثة : مرض يقدر أن يصوم معه من غير كلفة ومشقة لكن يغلب على ظنه أو أخبره الطبيب الثقة أنه سيزيد الصوم من مرضه .
وهذا يستحب معه الفطر على الراجح .
قال الكاساني في بدائع الصنائع (2/94) : (أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَخِّصُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يُخَافُ أَنْ يَزْدَادَ بِالصَّوْمِ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ . فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ خَافَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ أَنْ تَزْدَادَ عَيْنَاهُ وَجَعًا ، أَوْ حُمَّاهُ شِدَّةً أَفْطَرَ) .
وقال القرطبي المالكي في تفسيره (2/276) : (قال جمهور من العلماء : إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر . قال ابن عطية : وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون . وأما لفظ مالك فهو : المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به ) .
الحال الرابعة : المرض اليسير الذي لا يشق معه الصيام ، ولا يزيده ، ولا يؤخر شفاءه .
والراجح أن هذا المرض لا يبيح الفطر ، وهو مذهب الجمهور( ينظر : القوانين الفقهية ص (82) ، والموسوعة الفقهية (28/45) ).
فالراجح من الأحوال التي مضت في المرض أن المرض المبيح للفطر هو الذي يجد معه مشقة إذا صام ويعلم ذلك بنفسه ، أو يغلب على ظنه أنه إذا صام تضرر وذلك يعرف غالبا بخبر الطبيب الثقة أو أمارة أو تجربة عند الصائم المريض ، فكلّ مرض يجد الصائم معه مشقة شديدة أو يزيده أو يخشى تأخر الشفاء معه يبيح الفطر ، وهو مذهب جمهور العلماء كما مر معنا .
وأما القول بأن كلّ مرض يبيح الفطر ففيه نظر لأن الأمراض كثيرة جدا بعضها يؤثر على الصائم ، وبعضها لا يؤثر كالصداع الخفيف والألم اليسير في اليد أو الرجل ونحو ذلك ، فهذه لا تبيح الفطر ، وغالب الناس لا يسلم منها ، ولأنه لا فرق بينه وبين السليم في الغالب .
قال ابن قدامة في المغني (4/403) : (وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ هُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَزِيدُ بِالصَّوْمِ أَوْ يُخْشَى تَبَاطُؤُ بُرْئِهِ . قِيلَ لِأَحْمَدَ : مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ ؟ قَالَ : إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ . قِيلَ : مِثْلُ الْحُمَّى ؟ قَالَ : وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى وَالْمَرَضُ لَا ضَابِطَ لَهُ ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَاضَ تَخْتَلِفُ ، مِنْهَا مَا يَضُرُّ صَاحِبَهُ الصَّوْمُ وَمِنْهَا مَا لَا أَثَرَ لِلصَّوْمِ فِيهِ ، كَوَجَعِ الضِّرْسِ ، وَجُرْحٍ فِي الْإِصْبَعِ ، وَالدُّمَّلِ ، وَالْقَرْحَةِ الْيَسِيرَةِ ، وَالْجَرَبِ ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَصْلُحْ الْمَرَضُ ضَابِطًا ، وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْحِكْمَةِ ، وَهُوَ مَا يُخَافُ مِنْهُ الضَّرَرُ ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ).
قال ابن نجيم في البحر الرائق (2/303) : (أَبَاحَ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ ، لَكِنْ الْقَطْعُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْفِطْرِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ ، وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ إفْسَادِ عُضْوٍ ، ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ ، وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ : عَدَالَتُهُ شَرْطٌ ) .
والله أعلم

أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر ؟

1230
السائل: أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر ؟

الشيخ: المسافر إن وجد من نفسه القوة فالصوم في حقه أفضل ، وإن وجد الضعف فالإفطار في حقه أفضل , وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ، ينظر : الموسوعة الفقهية (28/51) ، وشرح البخاري لابن بطال (4/84) .
وإن وجد المشقة التي تبلغ به إلى الضرر أو الهلاك فالصوم في حقه محرم ، ودليل ما ذكرت الأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ . فَقَالَ : (( إِنْ شِئْتَ فَصُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ))( رواه البخاري رقم الحديث (1943) ، ومسلم رقم الحديث (2681) ) .
قال ابن بطال في شرح البخاري (4/84) : (قال ابن المنذر : في هذا الحديث من الفقه تخيير الصائم في الصيام في السفر أو الفطر ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : ((غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ))( رواه مسلم رقم الحديث (2671) ) .
وفي رواية : ((فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ ))( رواه الترمذي رقم (717) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) .
الدليل الثالث : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : ((كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ))( رواه البخاري رقم الحديث (1947) ) .
وأما من وجد في الصوم في السفر مشقة تبلغ به إلى الضرر أو الهلاك فالصوم في حقه محرم ، وكذا في الحضر ينظر : جواهر الإكليل (1/153) ، والقوانين الفقهية ص (82) ، للأدلة الآتية :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ سورة البقرة: ١٩٥ . وقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ سورة النساء: ٢٩ .
وجه الاستدلال من الآيتين : أن الله تعالى حرم إهلاك النفس ، وكذلك كلّ ما يؤدي إلى ذلك ، ومنه الصوم إذا كان يشق بحيث يؤدي إلى الضرر أو الهلاك .
الدليل الثاني : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهم قَالَ : ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا ، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا . فَقَالُوا : صَائِمٌ . فَقَالَ : لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ))(رواه البخاري رقم الحديث (1946) ، ومسلم رقم الحديث (2668) ) .
قال الصنعاني في سبل السلام (2/161) : (فإنما قاله صلى الله عليه وسلم فيمن شق عليه الصيام ، نعم يتم الاستدلال بتحريم الصوم في السفر على من شق عليه ) .
قال المناوي في فيض القدير (5/485) : (( ليس من البر ) بالكسر أي : ليس من العبادة (الصيام في السفر) أي : الصيام الذي يؤدي إلى إجهاد النفس وإضاراها بقرينة الحال ودلالة السياق فإنه رأى رجلا ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم . فذكره).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/217) : (فقال بعضهم : قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله ، وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته( باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ » .) ولذا قال الطبري : ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال . وقال ابن دقيق العيد : أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه ، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل قوله : ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة قال : وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم ، وبين مجرد ورود العام على سبب ، فإن بين العامين فرقا واضحا ، ومن أجراهما مجرى واحدا لم يصب ، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضى التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان ، وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات ، وتعيين المحتملات كما في حديث الباب . وقال ابن المنير في الحاشية : هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم ، وأما من سَلِم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله . والله أعلم ) .
قال النووي والكمال بن الهمام : (إن الأحاديث التي تدل على أفضلية الفطر محمولة على من يتضرر بالصوم ، وفي بعضها التصريح بذلك ، ولا بد من هذا التأويل ، ليجمع بين الأحاديث ، وذلك أولى من إهمال بعضها ، أو ادعاء النسخ ، من غير دليل قاطع )( ينظر : المجموع (6/266) ، وفتح القدير (2/273 ، 274) ، والموسوعة الفقهية (28/52) ) .
الدليل الثالث : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (2867) ، ومالك في الموطأ رقم الحديث (1249) . ينظر : إرواء الغليل رقم الحديث (888) ، والسلسلة الصحيحة رقم الحديث (250) ) .
والله أعلم .

ما هو الدعاء المستحب عند الفطر ؟

1229
السائل: ما هو الدعاء المستحب عند الفطر ؟

الشيخ: يستحب أن يقول بعد فطره مباشرة ما ثبت عن ابْنَ عُمَرَ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ))( رواه أبو داود برقم (2357) ، والحاكم في المستدرك برقم (1536) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2066) ).
وأما حديث : ((كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ)) . فإنه ضعيف . ينظر : إرواء الغليل رقم (9190) ، وضعيف أبي داود (2/264) ، وزاد المعاد (2/51).

هل يجب تبييت نية صوم رمضان قبل الفجر من كلّ ليلة ؟

1205
السائل: هل يجب تبييت نية صوم رمضان قبل الفجر من كلّ ليلة ؟

الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة ، والراجح أنه يجب تبييت نيّة الصوم قبل الفجر من كلّ ليلة ، وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية ، ورواية عن الإمام مالك ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ، وابن حزم .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (2454) ، والترمذي رقم الحديث (730) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (1933) . ينظر : صحيح الترمذي رقم (583) ، وإرواء الغليل (4/26) ) .
وفي رواية :(( مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ))(رواه النسائي رقم الحديث (2343) . حديث صحيح . ينظر : الإرواء رقم (914) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له ، وظاهر الحديث يتكلم عن كل ليلة لا أول ليلة من رمضان فقط ، إذ لو كان الحديث يعني أول ليلة فقط لبينه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والحاجة هنا قائمة .
الدليل الثاني : أن صوم اليوم من رمضان عبادة مستقلة بذاته لا يرتبط بالليل ، ولا باليوم الذي قبله ، ولا باليوم الذي بعده ، بدليل أنه لا يبطل بعضه ببطلان بعض ، فوجبت له النية ، وهكذا كلّ يوم من رمضان .
الدليل الثالث : أن صيام اليوم ينتهي بغروب الشمس فالصائم ينوي بعد غروب الشمس مباشرة الإفطار ، ثم يبادر بفعل الإفطار مباشرة ، فوجب بعد ذلك أن ينوي صيام اليوم التالي لأن نية الصوم زالت بالإفطار ونيته .
الدليل الرابع : كما أن الصائم ينوي الإفطار بعد غروب الشمس في آخر اليوم ، ويفطر مباشرة , وجب كذلك أن ينوي الصوم لليوم الذي بعده ولا فرق .
الدليل الخامس : أن صوم اليوم من رمضان عبادة مستقلة يبدأ بطلوع الفجر الصادق وينتهي بغروب الشمس ولهذا يحتاج إلى نية ، حتى وإن كانت هذه الأيام في الشهر الواحد ، كالصلوات الخمس فإن كلّ صلاة تحتاج إلى نية وجميعها في اليوم الواحد ، فكما أنه لا يصح أن ينوي نية واحدة للصلوات الخمس لليوم الواحد ، ولا بد أن ينوي لك صلاة نية ، فكذلك أيام رمضان ولا فرق .
والله أعلم
ينظر : المبسوط (3/60) ، وبدائع الصنائع (2/85) والفتاوى الهندية (1/195) والفواكه الدواني (1/467) والمجموع (6/302) ، و روضة الطالبين (2/214) ، والحاوي الكبير (3/400) ومنتهى الإرادات (2/17) ، والمغني (4/337) والمحلى (4/285) .

هل يجوز صيام يوم الشك ، وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ؟

1204
السائل: هل يجوز صيام يوم الشك ، وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ؟

الشيخ: اليوم الذي يشك فيه هل هو من شعبان أو رمضان ، وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو نحوه فإنه لا يجوز صومه على أنه من رمضان احتياطاً ، أما إذا لم يكن هناك ما يحول الرؤية ولم يروا هلال رمضان فهو يوم لا شك فيه لأنه علم أنه من شعبان لكن لا يجوز صيامه كذلك إلا إذا كان صيام ذلك اليوم يوافق صوما له كان يصومه كما سيأتي في تحريم تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين ، وعليه لا يجوز صيام يوم الشك والذي قبله إلا إذا كان يوافق صياماً له أو فرضاً كالقضاء ونحوه .
وإلى تحريم صوم يوم الشك وكذلك اليوم الذي قبله ذهب جمهور العلماء ( إلا أن كثيراً منهم قيد التحريم بأن ينوي صيام هذين اليومين للاحتياط لرمضان ، والصحيح ما ذكرته لك بأن النهي عام يشمل ما ذكروه وغيره ، ويستثنى منه الفرض ومن كانت له عادة صيام هذا اليوم كيوم الاثنين مثلا فوافق يوم الشك أو قبله لظاهر الحديث كما سيأتي )، وهو مذهب الحنفية في قول إلى أنه مكروه كراهة تحريم ، والمالكية في قول ، والمعتمد عند الشافعية ، وقول للحنابلة، وابن حزم .
قال ابن بطال في شرح البخاري (4/32) : ( ذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز أن يصام آخر يوم من شعبان تطوعًا إلا أن يوافق صومًا كان يصومه ، وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وعمار ، وحذيفة ، وابن مسعود ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والنخعي ، والحسن ، وابن سيرين ، وهو قول الشافعي ، وكان ابن عباس ، وأبو هريرة يأمران أن يفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو يومين ، كما استحبوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام و تقدم أو تأخر ، وقال عكرمة : من صام يوم الشك فقد عصى الله ورسوله ) .
قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (3/169) : (ذكر فيه مالك أنه سمع أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به صيام رمضان ويرون أن على من صامه على غير رؤية ثم جاء الثبت أنه من رمضان أن عليه قضاءه ولا يرون بصيامه تطوعا بأسا . قال مالك : وهذا الأمر عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا . قال أبو عمر : هذا أعدل المذاهب في هذه المسألة إن شاء الله وعليه جمهور العلماء )
والدليل على تحريم صيام يوم الشك ، وتحريم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ، ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ))( رواه البخاري رقم الحديث (1914) ، ومسلم رقم الحديث (1082) ) .
قال الصنعاني في سبل السلام (2/306) : (الحديث دليل على تحريم صوم يوم أو يومين قبل رمضان . قال الترمذي بعد رواية الحديث : والعمل على هذا ، ثم أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل الصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان . انتهى . وقوله : لمعنى رمضان تقييد للنهي بأنه مشروط بكون الصوم احتياطاً لا لو كان الصوم صوماً مطلقاً كالنّفل المطلق والنذر ونحوه . قلت : ولا يخفى أنه بعد هذا التقييد يلزم منه جواز تقدم رمضان بأي صوم كان ، وهو خلاف ظاهر النهي فإنه عام لم يستثن منه إلا صوم من اعتاد صوم أيام معلومة ووافق ذلك آخر يوم من شعبان ، ولو أراد صلى الله عليه وسلم الصوم المقيد بما ذكر لقال : إلا متنفلا أو نحو هذا اللفظ ، وإنما نهى عن تقديم رمضان لأن الشارع قد علق الدخول في صوم رمضان برؤية هلاله فالمتقدم عليه مخالف للنص أمراً ونهياً )
الدليل الثاني : وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال : ((مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ))(رواه الترمذي رقم الحديث (689) ، والنسائي رقم الحديث (2188) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3585) . وهو حديث صحيح ، ينظر : إرواء الغليل رقم (961) ) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/120) : (استدل به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع ) .
الدليل الثالث : عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ))( رواه البخاري رقم الحديث (1909) ، ومسلم رقم الحديث (2567) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصيام لرؤية الهلال ، وأمر بالإفطار عند عدم رؤيته وإكمال شعبان مفطراً والأمر للوجوب ، ومخالفته معصية ، فدل هذا على تحريم صيام يوم الشك .
الدليل الرابع : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : (( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1906) ، ومسلم رقم الحديث (2550) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام في آخر يوم من شعبان حتى يرى الهلال والنهي للتحريم .
والله أعلم .
ينظر : مرعاة المفاتيح (6/443) ، والبحر الرائق (6/155) ، وحاشية ابن عابدين (2/381) وفقه العبادات (1/132) وكفاية الطالب (1/558) ، ومنح الجليل (2/117) ، وشرح الزرقاني (2/207) ، والاستذكار (3/169)وإعانة الطالبين (2/273) ، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/220) ، والسرج الوهاج (1/142) ، والبيان (3/557) ، والمجموع (6/452) والفروع (5/108) ، وشرح الزركشي (1/411) ، والإنصاف (3/246) والمحلى مسألة (798)

ما هو الدعاء المستحب عند رؤية الهلال ؟

1202
السائل: ما هو الدعاء المستحب عند رؤية الهلال ؟

الشيخ: يستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما ثبت عن النَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم فأنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ : ((اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ )).
رواه الترمذي رقم الحديث (3373) ، والدارمي في سننه رقم الحديث (1741) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (1413) . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (1816) ، وصحيح الترمذي رقم الحديث (2745) .
اليُمْن : البركة والسعادة.
والله أعلم .

هل يثبت دخول شهر رمضان بالحساب الفلكي ؟

1199
السائل: هل يثبت دخول شهر رمضان بالحساب الفلكي ؟

الشيخ: اعلم أن هناك فرقاً بين الحساب الفلكي والتنجيم ، والشهر القمري عند علماء الشريعة وأهل الحساب فيما يأتي :
جاء في أبحاث هيئة كبار العلماء(3/9) : (أولا : الفرق بين الحاسب والمنجم : أن الحاسب : هو الذي يدعي معرفة الأوقات بمنازل القمر وسيره , والمنجم : هو الذي يزعم معرفة الأوقات والأحداث بسير الكواكب .
والتنجيم نوعان :
حسابي : وهو الذي يعرف به الأوقات ؛ كطلوع الشمس , ودلوكها , وغروبها , ويعرف به كسوف الشمس , وخسوف القمر , وفصول السنة مثلا .
واستدلالي : وهو ما يزعمه المنجم من العلم بالحوادث التي ستقع في المستقبل عن طريق معرفته بسير الكواكب في مجاريها , واجتماعها وافتراقها , وقد يعتقد أن لها تأثيرا في الأحداث , وهذا مع ما فيه من فساد العقيدة ليس من محل البحث .
ثانيا : الفرق بين الشهر القمري عند علماء الشريعة وعلماء النجوم والحساب : أن الشهر يبدأ عند علماء الشريعة من غروب شمس اليوم التاسع والعشرين إذا رئي الهلال بعد غروبها , أو كماله ثلاثين من تاريخ الرؤية السابقة إلى بدء الشهر الذي بعده بمثل هذا . فالمدار فيه على الرؤية بالفعل مع الغروب عند الجمهور , أو إمكان الرؤية عند جماعة من الفقهاء , ويبدأ عند علماء النجوم والحساب من ولادة القمر بمفارقته للشمس وتأخره عنها في السير إلى اجتماعه بها ولو كانت ولادته نهارا , فالعبرة عندهم بالافتراق والاجتماع , ولا يكون ذلك إلا مرة واحدة في كل شهر قمري .
وبهذا يتبين : أن بدءه عند علماء الشريعة ونهايته لا يكون إلا بغروب الشمس , بخلاف بدئه ونهايته عند علماء النجوم والحساب , فإنه قد يكون نهارا أو ليلا )) انتهى كلامهم .
واعلم أنه لا يعتمد على الحساب الفلكي في دخول الشهر أو خروجه ، وإنما يثبت دخول الشهر بالرؤية أو بإكمال الشهر عند عدم الرؤية ، وهو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف .
وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والمعتمد في مذهب الحنفية ، وهو مذهب الإمام مالك ، والمعتمد عند المالكية ، وهو مذهب الإمام الشافعي ، وهو الأصح عند الشافعية ، وهو مذهب الحنابلة .
قال الباجي في المنتقى (2/38) : (وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ فِي الْإِمَامِ لَا يَصُومُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَا يُفْطِرُ لِرُؤْيَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَصُومُ وَيُفْطِرُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إِلَى الرُّؤْيَةِ وَاكَمَالِ الْعَدَدِ فَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ ، وَاَللهُ أَعْلَمُ).
قال العراقي في طرح التثريب (4/112) : (ثُمَّ حَكَى –يعني ابن عبد البر- عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ –يعني الأخذ بالحساب- ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَالصَّحِيحُ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهُ ( قُلْت) –العراقي- : لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَصْلًا وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا بَسَطَاهُ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالرُّؤْيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ) ، وكذا قال الحافظ في الفتح (6/148) .
والدليل على عدم الاعتماد على الحساب الفلكي في دخول الشهر أو خروجه ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، فقد أجمع العلماء المتقدمون على أن العبرة في إثبات الشهر إنما هي الرؤية فإن لم تستطع لغيم أو غيره فبإكمال الشهر ، ولا عبرة بالحساب الفلكي ، والخلاف إنما هو عند المتأخرين، والإجماع حجة عليهم .
قال في حاشية الجمل (8/122) : (وَلَوْ دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فَفِيهِ اضْطِرَابٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ )
قال ابن عابدين في حاشيته (2/387) : (قوله (ولا عبرة بقول المؤقتين) أي في وجوب الصوم على الناس بل في (المعراج) : لا يعتبر قولهم بالإجماع ) .
قال الباجي في المنتقى (2/38) : (وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : ((فَاقْدُرُوا لَهُ)) أَيْ قَدِّرُوا الْمَنَازِلَ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ إِلَّا بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ ، وَالْإِجْمَاعُ حَجَّةٌ عَلَيْهِ) .
قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف في التاج والإكليل (3/183) : (وَلَوْ كَانَ إمَامٌ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ بِهِ الْهِلَالَ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ )
قال ابن عبد البر في التمهيد (14/352) : (ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه والله أعلم . ولو صح ما وجب اتباعه عليه لشذوذه ولمخالفة الحجة له ) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/156) : (وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْل التَّسْيِير(أي أهل الحساب ) فِي ذَلِكَ وَهُمْ الرَّوَافِضُ ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ . قَالَ الْبَاجِي : وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح حُجَّة عَلَيْهِمْ . وَقَالَ اِبْن بَزِيزَةَ : وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعَ وَلَا ظَنٌّ غَالِب ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الْأَمْر بِهَا لَضَاقَ إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيل ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/132) : (فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَمَلَ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعِدَّةِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْهِلَالِ بِخَبَرِ الْحَاسِبِ أَنَّهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى لَا يَجُوزُ . وَالنُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ . وَقَدّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ . وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَصْلًا وَلَا خِلَافٌ حَدِيثٌ ؛ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ الحادثين بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ جَازَ لِلْحَاسِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْحِسَابِ فَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ دَلَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ صَامَ وَإِلَّا فَلَا . وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْإِغْمَامِ وَمُخْتَصًّا بِالْحَاسِبِ فَهُوَ شَاذٌّ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ) .
الدليل الثاني : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : (( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ، ومسلم رقم الحديث (2550) ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً ، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1907) ) .
وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1909) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الصيام ودخول الشهر على رؤية الهلال ، وإذا لم يرُ فإنه يقدر له بإتمام شعبان ثلاثين يوما ، ولم يعلقه بشيء آخر ، فوجب الوقوف عند ما ورد به الشرع ولا يجوز الزيادة عليه ، بل الحديث فيه النهي الصريح عن صوم رمضان إلا بعد الرؤية ، فهو صريح في عدم اعتبار غير الرؤية كالحساب الفلكي ، وأمرهم إذا كان غيم أو نحوه ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة ثلاثين , ولم يأمرهم بالحساب , ولا بالرجوع إلى الحساب ، بل حصر بطريق النهي والأمر الشهر بالرؤية , فدل على أنه لا اعتبار شرعا لما سواها في إثبات الأهلة , ولو كان هناك أصل آخر للتوقيت لأوضحه لعباده ؛ رحمة بهم , وما كان ربك نسيا , ولو كان علم النجوم أو حساب سير القمر معتبرا شرعا لعرفهم به , وأرشدهم إليه , إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . والرؤية في الحديث بصرية ؛ لتعديها لمفعول واحد , فلا تتعدى إلى غيرها ولأن الصحابة فهموا ذلك , وجرى عليه العمل في عهدهم وعهد من بعدهم .
الدليل الثالث : عن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا )) . يَعْنِى مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ(رواه البخاري رقم الحديث (1913) ، ومسلم رقم الحديث (2563) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين بأنه لا يعتمد في معرفة دخول الشهر على الحساب وإنما يعتمد على رؤية الهلال ، وأن الشهر يكون مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/156) : (والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النزر اليسير ، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير ، واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا ، ويوضحه قوله في الحديث الماضي : ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ولم يقل : فسلوا أهل الحساب ) .
وقال ابن بطال في شرح البخاري (4/31) : (فيه بيان ، لقوله عليه السلام : ( فاقدروا له ) ، أن معناه إكمال العدد ثلاثين يومًا ، كما تأول الفقهاء ، ولا اعتبار في ذلك بالنجوم والحساب ، وهذا الحديث ناسخ لراعاة النجوم بقوانين التعديل ، وإنما المعول على الرؤية في الأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس في الصيام والحج والعدد والديون ، وإنما لنا أن ننظر من علم الحساب ما يكون عيانا أو كالعيان ، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون وتكييف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه ، وعن تكلفه . وعلة ذلك أن رسول الله إنما بعث إلى الأميين الذين لا يقرءون الكتاب ، ولا يحسبون بالقوانين الغائبة ، وإنما يحسبون الموجودات عيانا ) .
وقال ابن رجب في فتح الباري لابن رجب (2/295) : (فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب ، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها ، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال ، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب .
وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه ، وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر أيضا ، فأوله طلوع الفجر الثاني ، وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض ، وآخره غروب الشمس .
كما علق بمسير الشمس أوقات الصلاة ، فصلاة الفجر أول وقتها طلوع هذا الفجر ، وآخره طلوع الشمس ، وأول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخره مصير ظل كل شيء مثله ، وهو أول وقت العصر ، وآخره اصفرار الشمس أو غروبها ، وهو أول وقت المغرب ، وآخره غروب الشفق ، وهو أول وقت العشاء ، وآخره نصف الليل أو ثلثه ، ويمتد وقت أهل الأعذار إلى طلوع الفجر ، فهذا كله غير محتاج إلى حساب ولا كتاب) .
والله أعلم .
ينظر : المبسوط (4/61) ، وحاشية الطحاوي (2/646) ، رسائل ابن عابدين (1/224) ، وعمدة القاري (10/271)والمنتقى (2/38)، والتاج والإكليل (3/183) ، والفواكه الدواني (1/466) ، وحاشية الصاوي (3/240) طرح التثريب (4/112) والمجموع (6/289) ، والبيان للعمراني (3/484) ، وطرح التثريب (4/112) ، وفتح الباري (6/148)، كشاف القناع (2/272) ، ومجموع الفتاوى (25/132) .

استخدام المكبرات الحديثة للرؤية هلال رمضان ؟

1197
السائل: هل يجوزاستخدام المكبرات الحديثة للرؤية هلال رمضان ؟

الشيخ: اعلم أن استخدام المكبرات الحديثة لرؤية الهلال لا بأس به شرعاً لأنه لم يخرج عن الرؤية بالعين المنصوص عليها في في قوله صلى الله عليه وسلم : (( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَانْسُكُوا لَهَا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلاَثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا ))( رواه النسائي رقم (2128) ، وأحمد في المسند رقم (19408) . حديث صحيح ، ينظر : إرواء الغليل (14/16) )
وهذه الوسيلة يتوصل بها إلى مقصود شرعي وهو رؤية الهلال كوسيلة مكبر الصوت للأذان فهو وسيلة يتوصل بها إلى مقصود شرعي وهو رفع صوت الأذان ، فإن حصلت الرؤية بهذه المكبرات عمل بها وإن لم ير بالعين المجردة ، كذلك إن حصلت الرؤية بالعين المجردة فيعمل بها وإن لم ير بالمرصاد .
وقد ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم في هذا العصر . والله أعلم .
ينظر : مجلة البحوث الإسلامية (25/373) ، فتاوى اللجنة الدائمة (12/120) وسلسلة كتاب الدعوة فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/150)

من رأى هلال رمضان وحده فهل له أن يصوم ؟

1196
السائل: من رأى هلال رمضان وحده فهل له أن يصوم ؟

الشيخ: من رأى هلال رمضان وحده فليس له الصوم إلا مع الجماعة ، وهو مذهب الإمام أحمد في رواية حنبل عنه ، وهو قول عطاء ، وإسحاق ، والحسن ، وابن سيرين .
وكذلك من رأى هلال شوال وحده ليس له الفطر إلا مع الجماعة ، وهو مذهب الأئمة أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد. ينظر :والبناية (4/25) وبداية المجتهد (3/154) ولمغني (4/416)و(4/419)و(4/420).
والدليل على على هذا :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ))( رواه الترمذي رقم الحديث (701) . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (224) ) .
قَالَ الترمذي : ( وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ ) .
الدليل الثاني : أنه يوم محكوم به من شعبان فليس له أن يصوم وحده حتى يقر على الرؤية ، وكذا الفطر فإنه يوم محكوم به من رمضان .
الدليل الثالث : أن هذا المذهب فيه اجتماع كلمة المسلمين ، وعدم الفرقة ، وإلا لكان في البلد الواحد فضلا عن البلدان الأخرى صائم ومفطر وكلّ يعيب على الآخر ، بل قد يحصل ذلك في البيت الواحد ، والخلاف شر كما قال ابن مسعود –رضي الله عنه- .

فضل الصيام وفوائده

1195
السائل: ماهي فضائل الصوم وفوائده ؟

الشيخ: قد ورد في فضل الصوم وشهر رمضان آيات وأحاديث كثيرة ، منها :
قوله تعالى : ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ سورة البقرة : 184 .

وقوله تعالى : ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ سورة الأحزاب :35 .
وقوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ سورة البقرة : 185 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (2014) ، ومسلم رقم الحديث (1817) ) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))(أخرجه البخاري رقم الحديث (2840) ، ومسلم رقم الحديث (2767) .
سبعين خريفا : أي مسيرة سبعين عاما
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ . مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ، الصِّيَامُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ))(أخرجه البخاري رقم الحديث (1894) ، ومسلم رقم الحديث (2761) ) .
الجنة : الوقاية .
الخلوف : تغير رائحة الفم
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ –رضي الله عنه- : (( أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ عِدْلَ لَهُ ))(أخرجه النسائي في الصيام رقم الحديث (2243) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3425) . ينظر : صحيح الترغيب (973) ) .
وعَنْ سَهْل بنِ سعد رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1896) ، ومسلم رقم الحديث (2766) ، والنسائي رقم الحديث (2237) ، والترمذي رقم الحديث (765) ، وزاد ((ومن دخله لم يظمأ أبدا)) ) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ))(رواه الإمام أحمد في السند رقم الحديث (6785) ، والحاكم في المستدرك رقم الحديث (2036) ، وقال : صحيح على شرط مسلم . وينظر : صحيح الترغيب رقم (984) ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ))(رواه مسلم رقم الحديث (547) ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1898) ، ومسلم رقم الحديث (2547) ، واللفظ له ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ ))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (1713) . وينظر: صحيح الترغيب رقم (1000) )
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ لِلهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ))( رواه أحمد في المسند رقم الحديث (7443) . وينظر : صحيح الترغيب رقم (1002) ).
و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (( فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1863) ، ومسلم رقم الحديث (3098) )
أما فوائده:
فوائد الصوم كثيرة ، وحكمه جليلة ، أكثر من أن تحصى منها:
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (2/28) : (لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ ، وفِطامَها عن المألوفات ، وتعديلَ قوتها الشهوانية ، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها ، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية ، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتِها ، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين ، وتَضيق مجارى الشيطانِ من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب ، وتُحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها ، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّ قوةٍ عن جماحه ، وتُلجَمُ بلجامه ، فهو لجامُ المتقين ، وجُنَّةُ المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقرَّبين ، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال ، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً ، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده ، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته ، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه ، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة ، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده ، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ ، وذلك حقيقةُ الصوم .
وللصوم تأثيرٌ عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة ، وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصومُ يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات ، فهو من أكبر العونِ على التقوى كما قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] .
وقال النبى صلى الله عليه وسلم : ((الصَّوْمُ جُنَّة)) . وأمَرَ مَنِ اشتدَّتْ عليه شَهوةُ النكاح ، ولا قُدرة لَه عليه بالصِّيام ، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة .
والمقصود : أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ ، والفِطَرِ المستقيمة ، شرعه اللهُ لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحِميةً لهم وجُنَّةً) .
قال ابن الهمام في فتح القدير (4/66) : (كِتَابُ الصَّوْمِ شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا كَوْنُهُ مُوجِبًا شَيْئَيْنِ : أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُكُونَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ ، وَكَسْرَ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ ، فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا ، وَلِذَا قِيلَ : إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ وَإِذَا شَبِعَتْ جَاعَتْ كُلُّهَا ، وَمَا عَنْ هَذَا صَفَاءُ الْقَلْبِ مِنْ الْكَدَرِ ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِكُدُورَاتِهِ فُضُولُ اللِّسَانِ وَالْعَيْنِ وَبَاقِيهَا ، وَبِصَفَائِهِ تُنَاطُ الْمَصَالِحُ وَالدَّرَجَاتُ ، وَمِنْهَا : كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ذَكَرَ مَنْ هَذَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ ، وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيُسَارِعُ لِدَفْعِهِ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ . وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الْفُقَرَاءِ بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانًا وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ) .