الشيخ: يستحب أن يكثر في ليلة القدر من الدعاء ويجتهد فيه ، ويسن أن يدعو بما ثبت عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ : (( يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو ؟ قَالَ : تَقُولِينَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (3982) ، والترمذي رقم الحديث (3513) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (25384) ، والحاكم في المستدرك رقم الحديث (1942) . ينظر : صحيح الترمذي رقم الحديث (2789) ، وصحيح ابن ماجه رقم الحديث (3850) ) . والله أعلم .
الشيخ: يندب إحياء ليلة القدر بالصلاة ، وقراءة القرآن ، والذكر ، والدعاء ، والأعمال الصالحة ، وأن يكثر فيها من الدعاء والاستغفار ، فقد اتفق الفقهاء على أنه يستحب إحياء ليلة القدر ، ودليله : الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1802) ، ومسلم رقم الحديث (1268)) . الدليل الثاني : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ، وَجَدَّ ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ ))(رواه البخاري في فضل ليلة القدر /باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ رقم الحديث (1920) ، ومسلم في الاعتكاف /باب الاِجْتِهَادِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ رقم الحديث (2844) واللفظ له ) . قال ابن بطال في شرح البخاري (4/159) : (إنما فعل ذلك عليه السلام ؛ لأنه أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر ، فَسَنَّ لأمته الأخذ بالأحوط في طلبها في العشر كله لئلا تفوت ، إذ يمكن أن يكون الشهر ناقصًا وأن يكون كاملا ، فمن أحيا ليال العشر كلّها لم يفته منها شفع ولا وتر ، ولو أعلم الله عباده أن في ليالي السنة كلّها مثل هذه الليلة لوجب عليهم أن يحيوا الليالي كلّها في طلبها ، فذلك يسير في جنب طلب غفرانه ، والنجاة من عذابه ، فرفق تعالى بعباده وجعل هذه الليلة الشريفة موجودة في عشر ليال ؛ ليدركها أهل الضعف وأهل الفتور في العمل ، مَنًّا من الله ورحمة) . والله أعلم . ينظر : مراقي الفلاح ص (218) ، وفتح الباري (4/255-270) ، ودليل الفالحين (3/646) ، والمجموع (6/446) ، والموسوعة الفقهية (35/362) .
السائل: هل وردت آثار صحيحة عن السلف أنهم كانوا يهنؤون بعضهم بقدوم شهر رمضان ؟
الشيخ: لا أعلم في ذلك أثارا لا نفيا ولا إيجابا لكن التهنئة من باب العادات ، والأصل في العادات الإباحة ، إلا إذا دلّ الدليل على الحث على عادة معينة فإنها تكون عبادة أو نهى عنها فإنها تكون ممنوعة شرعاً . والذي يظهر –والله أعلم أن الناس لم يقصدوا بالتهنئة برمضان التعبد بها ، وإنما هي عادة جرت بينهم ، وفيها مصلحة دعاء المؤمنين بالبركة بعضهم لبعض فلا مانع منها شرعاً . واستدل بعض أهل العلم على جواز التهنئة بشهر رمضان بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ))( رواه النسائي رقم الحديث (2118) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (7347) . والحديث رجاله رجال الشيخين إلا أن في الإسناد انقطاعاً والحديث أصله في الصحيحين . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (1868) ، وصحيح النسائي رقم الحديث (2106) ) . قال ابن رجب –رحمه الله تعالى- في لطائف المعارف ص (158) : (قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان ، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين ، من أين يشبه هذا الزمان زمان ) . وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح (4/451) : (شهر مبارك بدل أو بيان ، والتقدير هو شهر مبارك ، وظاهره الأخبار أي كثر خيره الحسي والمعنوي كما هو مشاهد فيه ، ويحتمل أن يكون دعاء أي جعله الله مباركا علينا وعليكم وهو أصل في التهنئة المتعارفة في أول الشهور بالمباركة ، ويؤيد الأول قوله : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان . إذ فيه إيماء إلى أن رمضان من أصله مبارك فلا يحتاج إلى الدعاء فإنه تحصيل الحاصل ، لكن قد يقال : لا مانع من قبول زيادة البركة) . قال أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ في أسنى المطالب (4/121) . وينظر : تحفة المحتاج (10/203): (قَالَ الْقَمُولِيُّ : لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ . انْتَهَى . وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا حَافِظُ عَصْرِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ ) . وقصة كعب بن مالك -رضي الله عنه- الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما وقيام طلحة -رضي الله تعالى عنه- إليه فهنأه فيها دليل ظاهر على تهنئة من تجددت له نعمة دينية كما سبق النقل عن ابن حجر ، ومن أعظم النعم أن يدرك المسلم شهر رمضان ، شهر المغفرة والعتق من النار . قال ابن القيم في زاد المعاد (3/585) : (وفيه دليل على استحباب تهنئة مَن تجدَّدت له نعمة دينية ) . وقال ابن مفلح في الفروع (6/182) : (وَفِي قِصَّةٍ تَخَلُّفَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ) . والله أعلم
السائل: هل الحجامة والفصد وتحليل الدم يفطر الصائم ؟
الشيخ: تباح الحجامة للصائم إذا لم تضعفه عند جمهور الفقهاء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية . وسحب الدم لتحليله والتبرع به والفصد كالحجامة في عدم الفطر لأن جميعها إخراج للدم وهو مذهب الجمهور . وترك جميع ما مضى للصائم إلى بعد الإفطار أولى وخاصة في حقّ من كان يضعف بها . كانت الحجامة من جملة المفطرات لحديث ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (2369) ، والدار قطني في سننه برقم (2264) . الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/132) : (إسناده صحيح على شرط مسلم ) . وينظر : إرواء الغليل رقم (931) ) . ثم نسخ هذا الحكم بالأدلة الآتية : الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ ، وَاحْتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ))(رواه البخاري رقم الحديث (1836) ) . الدليل الثاني : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : ((رَخَّصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلصَّائِمِ فِي الْحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ))( رواه ابن خزيمة رقم (1967) بسند صحيح . ينظر : إرواء الغليل (4/74)) . وجه الاستدلال : أنّ الرخصة لا تكون إلا بعد المنع ، فدل هذا على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً . الدليل الثالث : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : ((أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : «أَفْطَرَ هَذَانِ ». ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ . وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ))(رواه الدار قطني في سننه برقم (8086) ، وقال : كلهم ثقات ولا أعلم له علة . وينظر : إرواء الغليل (4/72) ). الدليل الرابع : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ))( رواه الإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18823) بإسناد صحيح .و قال الحافظ في الفتح (4/178) : (إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر) ) . الدليل الخامس : عن شُعْبَة قَالَ : سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ : ((سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ : لَا إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ )) . وَزَادَ شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ : ((عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم))( رواه البخاري رقم الحديث (1838)) . وقد تأول بعض أهل العلم حديث (( أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ )) ولم يقل بالنسخ ، قال البغوي في شرح السنة (6/304) : (وتأول بعض من رخص فيها هذا الحديث ، فقال : معنى قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم » أي : تعرضا للإفطار ، أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه منها ، وأما الحاجم ، فلما لا يؤمن أن يصل إلى جوفه شيء من الدم إذا ضم شفتيه على قصب الملازم ، كما يقال لمن يتعرض للمهالك : قد هلك فلان وإن لم يكن قد هلك وحمل بعض من كرهها ، ولم يحكم ببطلان الصوم هذا على التغليط لهما ، والدعاء عليهما ، كقوله عليه السلام فيمن صام الدهر : «لا صام ولا أفطر» فيكون على هذا التأويل معنى قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم» أي بطل أجر صيامهما . وقيل في تأويله : إنه مرّ بهما مساء ، فقال : «أفطر الحاجم والمحجوم» كأنه عذرهما بهذا القول إذ كانا قد أمسيا ودخلا في وقت الفطر ، كما يقال : أصبح الرجل وأمسى وأظهر ، إذا دخل في هذه الأوقات . وقيل : معناه حان لهما أن يفطرا ، كما يقال : أحصد الزرع : إذا حان أن يحصد ، وأركب المهر ، إذا حان أن يركب ، هذه التأويلات ذكرها أبو سليمان الخطابي في كتابه ) . قَال الشَّوْكَانِيُّ في نيل الأوطار (4/203) : (يُجْمَعُ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ ، بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا ، وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إِلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلإِْفْطَارِ ، وَلاَ تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لاَ يَضْعُفُ بِهَا ، وَعَلَى كُل حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى) . والله أعلم الفصد : هو شق العرق لإخراج الدم . فالفصد والحجامة يجتمعان في أن كلا منهما إخراج للدم ، ويفترقان في أن الفصد شق العرق ، والحجامة مص الدم بعد الشرط . ينظر : بدائع الصنائع (2/107) ، والفتاوى الهندية (1/199) والفواكه الدواني (1/472) والمجموع (6/389) ، مغني المحتاج (2/160) .مراقي الفلاح ص (372) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير (1/518) ، والإقناع (2/334) ، وشرح المحلي على المنهاج (2/62) ، وكشاف القناع (2/320) ، والروض المربع (1/140) ، والإنصاف (3/303) ، والموسوعة الفقهية (28/71) ، والموسوعة الطبية ص (625) .
السائل: هل يباح للصائم استعمال السواك ومعجون الأسنان ؟
الشيخ: يباح للصائم استعمال السواك من غير كراهة ، سواء كان رَطباً أو يابساً ، وسواء كان أول النهار أو آخره ، إلا أنه ينبغي أن لا يدخل شيء منه إلى جوفه ، والقول بالجواز مطلقاً هو مذهب الحنفية ، وهو قول المزني من الشافعية اختاره النووي ، والإمام أحمد في رواية ، والثوري ، والأوزاعي ، والنخعي وابن سيرين وعروة ، والإمام البخاري ، والمالكية بالسواك اليابس . قال الإمام البخاري في صحيحه ص (366) رقم الباب (27) : ( باب السواك الرطب واليابس للصائم ) ، قال الحافظ في فتح الباري (4/187) : ( أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب ، كالمالكية والشعبي) . ومثله استخدام معجون الأسنان إلا أنه يتجنب دخوله إلى الجوف ولا يضره طعمه بعد ذلك . ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية : الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ ))(رواه البخاري رقم الحديث (847) ، ومسلم رقم الحديث (252) ) . وجه الاستدلال : أن الحديث عام يشمل كلّ صلاة سواء كانت في رمضان أو في غيره ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/188) : ( لأمرتهم بالسواك عند كلّ وضوء ، فإنه يقتضي إباحته في كلّ وقت وعلى كلّ حال ) . الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- : (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسَوَّكَ وَهُوَ صَائِمٌ))(رواه ابن منيع في مسنده بإسناد حسن . ينظر : المطالب العالية رقم (1089) ، وأحكام الطهارة سنن الفطرة ص (676)) . الدليل الثالث : عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- : (( أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (9149) بإسناد صحيح ) . الدليل الرابع : الأصل الجواز ولا يصار إلى المنع إلا بدليل . والله أعلم ينظر : حاشية الطحطاوي ص (681) والمجموع (1/330) والمغني (1/139)و (4/359) وصحيح البخاري ص (366) رقم الباب (27) وحاشية الدسوقي (1/832) ، وشرح الزرقاني (2/377) فتاوى إسلامية (2/126) ، وفتاوى ابن عثيمين (1/512).
الشيخ: أولا : الصوم الواجب شرعاً على أنواع منه ما له زمن محدد كصوم رمضان ، ومنه ما يجب على اعتبارات أخرى كصوم كفارة اليمين والظهار وجزاء الصيد ونحوها ، ومنه ما يكون ألزم به نفسه كصوم النذر ، ومنه يكون على سبيل البدل كالقضاء ، وغير ذلك . ثانياً : من مات وعليه صوم بأحد الأسباب المشار إليها آنفاً لا يخلو من حالين : الحال الأولى : المعذور الذي لم يتمكن من قضاء الصوم بسبب ضيق الوقت أو لعذر المرض أو السفر ونحوهما ودام عذره إلى أن مات فإنه لا يجب عليه ولا على ورثه شيء ، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، والأدلة على ترجيح هذا المذهب ما يأتي : الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ))(رواه مسلم رقم الحديث (1337) ) . وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأمر يفعل عند الاستطاعة فإذا عجز عن الفعل الواجب ثم مات فلا شيء عليه لأنه غير مفرط ، فلا يصح أن يكلف به أو ورثته بعد موته لأنه لم يكن مستطيعاً ، فهو غير مطالب به حال حياته لعجزه فكيف يطالب به بعد موته ؟! الدليل الثاني : القياس ، قال ابن قدامة في المغني (4/398) : (إنه حق لله تعالى وجب بالشرع ، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل ، كالحج ) . الحال الثانية : المتمكن من قضاء الصيام لكنه لم يقضه حتى مات ، فقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في سقوط الصيام عنه ، وفي الواجب على ورثته ، والراجح في هذه الحالة التفصيل الآتي : أولا : إذا كان عليه قضاء صيام فرض وكان متمكناً من أدائه ولكن لم يقضه حتى مات فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولا يصام عنه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، منهم الشافعية في القديم ، والحنابلة ، وبه قال الليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن عليه ، وأبو عبيد وغيرهم . ثانياً : إذا كان عليه صوم نذر ، فإنه يستحب صومه من ورثته أو غيرهم ، وهو مذهب الحنابلة ، والليث وأبي عبيد ، وأبي ثور ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم . ورجحت هذا التفصيل للأدلة الآتية : الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1952) ، ومسلم رقم الحديث (2748) ) . الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- : (( أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ البَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنِ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْجَاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْراً ، فَأَنْجَاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ ، فَجَاءَتْ قَرَابَةٌ لَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : صوُمِي ))( رواه أبو داود رقم الحديث (3310) ، والنسائي رقم الحديث (3832) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (1889) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين ) . وجه الاستدلال من الحديثين : أنها صريحة في مشروعية صيام النذر عن الميت ، إلا أن الحديث الأول يفيد الإطلاق في كلّ صوم ، ولكن هذا الإطلاق غير مراد لتتمة الأدلة . الدليل الثالث : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ))( رواه أبو داود رقم (2403) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2078) ، وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) . وجه الاستدلال : أنه صريح في أن من كان عليه صوم من رمضان ولم يصم لمرض حتى مات فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، لأنه كان الواجب عليه أن يفعل ذلك في حياته كما سبق في مبحث المرض الذي لا يرجى برؤه ، وأيضاً فيه أنه يصام عن الميت صوم النذر . الدليل الرابع : عن عَمْرَةَ (( أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَقْضِيه عَنْهَا ؟ قَالَتْ : لاَ , بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ))(أخرجه الطحاوي (3/142) ، وابن حزم في المحلى (7/4) واللفظ له . وصححه الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص (215) ) . وجه الاستدلال : أن عائشة -رضي الله عنها- ترى أنه إذا مات الميت وعليه من رمضان أنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولم تفهم عائشة من الحديث الأول الذي روته عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق الصيام ، وراوي الحديث أدرى بمعنى مرويه من غيره . قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (4/390) : (سألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : إن أمي توفيت وعليها نذر صيام ، فتوفيت قبل أن تقضيه ؟ فقال : ليصم عنها الولي . ذكره ابن ماجه وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه . فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه وقالت : يصام عنه النذر والفرض ، وأبت طائفة ذلك وقالت : لا يصام عنه نذر ولا فرض ، وفصلت طائفة فقالت : يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي ، وهذا قول ابن عباس وأصحابه ، والإمام أحمد وأصحابه ، وهو الصحيح لأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة ، فكما لا يصلي أحد عن أحد ولا يسلم أحد عن أحد فكذلك الصيام ، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدين ، فيقبل قضاء الولي له كما يقضى دينه ، وهذا محض الفقه ، وطرد هذا أنه لا يحج عنه ولا يزكى عنه إلا إذا كان معذورا بالتأخير ، كما يطعم الولي عمن أفطر في رمضان لعذر ، فأما المفطر من غير عذر أصلا فلا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض الله تعالى التي فرط فيها ، وكان هو المأمور بها ابتلاء وامتحانا دون الولي ، فلا تنفع توبة أحد عن أحد ، ولا إسلامه عنه ، ولا أداء الصلاة عنه ، ولا غيرها من فرائض الله تعالى التي فرط فيها حتى مات . والله أعلم) . قال الإمام ابن قدامة في المغني (4/401) : (إن الصوم ليس بواجب على الولي لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ، ولا يجب على الولي قضاء دين الميت ، وإنما يتعلق بتركته إن كانت له تركة ، فإن لم يكن له تركه فلا شيء على وارثه لكن يستحب أن يقضي عنه لتفريغ ذمته وفك رهانه ، كذلك ههنا ولا يختص ذلك بالولي بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه ) . والله أعلم ينظر : المبسوط (3/89) ، والمجموع (6/413 و421) ، والمغني (4/398) فتح القدير مع العناية (2/352) ، وبداية المجتهد (1/299) ، والمنتقى (2/63) ، والموافقات (2/174) ، والمجموع (6/415) ، والمغني (4/398) ، والإنصاف (3/334) ، وكشاف القناع (2/334) ومجموع الفتاوى (24/309) وإعلام الموقعين (4/390) .
السائل: ماذا على من أخر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان الآخر ؟
الشيخ: اعلم أن من أخر قضاء رمضان إلى رمضان الذي يليه له حالتان : الحال الأولى : أخر القضاء لوجود العذر من مرض ونحوه ، فالراجح أن عليه القضاء فقط بعد صيام رمضان الذي أدركه . الحال الثانية : أخر القضاء لغير عذر ، فالراجح أن عليه القضاء مع إطعام مسكين لك يوم ، بعد صيام رمضان الذي أدركه . وهو مذهب جمهور العلماء ، منهم مجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق( ينظر : شرح السنة للبغوي (6/320) ، والمجموع (6/412) ، والمغني (4/400) ) . ورجحت هذا المذهب لما يأتي : الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ صَحَّ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ ، قَالَ : (( يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ، وَيُطْعِمُ عَنِ الأَوَّلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا صَامَ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ ))(رواه الدارقطني (2/196) رقم (2368) ، وقال : (إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ). ) . الدليل الثاني : عن ميمون بن مهران قال : سئل ابن عباس عن رجل دخل في رمضان وعليه رمضان آخر لم يصمه ؟ قال : (( يصوم هذا الذي أدركه ويصوم الذي عليه ويطعم لكل يوم مسكينا نصف صاع))( أخرجه البغوي في مسند ابن الجعد رقم (235) . وسنده صحيح ). قال ابن قدامة في المغني (4/401) : (ولنا ما روي عن ابن عمر ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، أنهم قالوا : اطعم عن كل يوم مسكينا . ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم ) انتهى . فإن قيل : ثبت عن يُونُس قَالَ : سَأَلَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ ، فَطَالَ بِهِ مَرَضُهُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ رَمَضَانَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ ؟ فَقَالَ نَافِعٌ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : (( مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَلَمْ يَكُنْ صَامَ رَمَضَانَ الْخَالِيَ فَلْيُطْعِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ))( رواه الدارقطني (2/196) برقم (236) ، وإسناده حسن ) . فإن ابن عمر –رضي الله عنهما- بين أنه ليس عليه القضاء فهو مخالف للأثرين السابقين ، فالخلاف موجود لا كما قال ابن قدامة –رحمه الله تعالى- . قلت : لم يخالف ابن عمر –رضي الله عنهما- الأثرين السابقين ، فابن عمر –رضي الله تعالى عنهما- يتكلم عن إنسان مريض لم يستطع الصيام حتى أدركه رمضان أو أكثر وهو عاجز عن الصيام بسبب مرضه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً ، وبحثنا فيمن فرط ولم يصم وهو يستطيع الصيام حتى دخل عليه رمضان التالي ، فالآثار متفقة ولله الحمد.
السائل: هل يجوز إدراج نافلة الصيام (كإدراج صيام ست من شوال) مع قضاء رمضان ؟
الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في إدراج نافلة الصيام كشوال أو غيره مع القضاء ، فهل يجوز له أن يصوم القضاء وينوي معه صيام الست من شوال مثلا ، ولتحرير هذه المسألة ، أقول وبالله تعالى التوفيق : النافلة المراد إدراجها تحت الفرض إما أن تكون مقصودة بذاتها أو غير مقصودة بذاتها. فإن لم تكن العبادة مقصودة بذاتها جاز إدراجها تحت الفرض ، مثل : صلاة ركعتي تحية المسجد فإنها غير مقصودة بذاتها بل هي لمن أراد الجلوس في المسجد ، فلو صلى فرض الظهر أربعاً أجزأ عن تحية المسجد وجاز له الجلوس ، وكذلك لو صلى سنة الظهر الراتبة ، فنية سنة الظهر مع نية تحية المسجد جائزة ولا إشكال فيها . وأما إن كانت العبادة مقصودة بذاتها لم يجز إدراجها تحت الفرض ، مثاله صيام ست من شوال مع القضاء . وهذه المسألة من المسائل التي يطول فيها البحث والتفصيل ، أعني مسألة التشريك في النية ، ولكن سأتكلم هنا على إدراج صيام ست من شوال مع القضاء ، لكثرة السؤال عنه ، والراجح أنه لا يصح إدراجه لأنه عبادة مقصودة لذاتها ، والدليل على عدم صحة الإدراج ما يأتي : الدليل الأول : الأصل في العبادات عدم التداخل وأن تفعل كلّ عبادة بنيتها لحديث عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))( أخرجه البخاري رقم الحديث (1)) . فجمع النبي صلى الله عليه وسلم النية كما جمع العمل فيقتضي ذلك مقابلة كل عمل بنية . الدليل الثاني : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ))( رواه مسلم برقم الحديث (1164) ) . وجه الاستدلال : أن الذي يصوم ستاً من شوال مع القضاء لم يصدق عليه الحديث ، لأن لم يصم رمضان كاملا ثم يتبعه ستاً من شوال. والله أعلم ينظر : الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (40) ، والبحر الرائق (1/96) ، وفتح القدير (2/438) ، والذخيرة (1/251) ، ومواهب الجليل (1/235) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص (20) ، والمنثور في القواعد (3/302) ، ومغني المحتاج (1/49) ، وكشاف القناع (1/314) ، والموسوعة الفقهية (42/90) .
السائل: هل يصوم النافلة كسبع من شوال من عليه قضاء رمضان ؟
الشيخ: قال الإمام ابن رجب في فتح الباري لابن رجب (3/366) : (وقد اختلف العلماء فيمن عليه قضاء رمضان : هل يجوز له أن يتنفل بالصيام قبل القضاء ، أم لا ؟ فيه قولان معروفان ، هما روايتان عن أحمد . وأكثر العلماء على جوازه ، وروي عن طائفة من السلف المنع منه . وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : مثل الذي يتطوع بالصوم وعليه قضاء رمضان ، كمثل الذي يُسَبّح وهو يخاف أن تفوته المكتوبة ) انتهى . والراجح أن من كان عليه قضاء رمضان لا يصوم النافلة كشوال ونحوه ويترك القضاء ، بل يقدم القضاء ثم يصوم النافلة ، وذلك للأدلة الآتية : الدليل الأول : أن قضاء رمضان فرض عين متعلق بذمة المكلف ، بخلاف النافلة فإنه لو لم يفعلها لن يسأل عنها يوم القيامة ، فالواجب أن يبرأ ذمته لأن الموت يأتي بغتة ، والفرض مقدم على النافلة . الدليل الثاني : فرض العين مقدم على فرض الكفاية ، وهو مذهب كثير من العلماء ، لأن فرض العين إذا لم يأت به المكلف فيحاسب عليه هو لا غير ، أما فرض الكفاية إذا لم يأت به الجميع فيحاسب عليه الجميع ، والأمر إذا عم خف وإذا خص ثقل ، فالنافلة من باب أولى. ينظر : تشنيف المسامع للزركشي (1/252) ، ورفع الحاجب للسُبكي (1/505) مع هامشه ، والتحبير شرح التحرير (2/882) ، والبحر المحيط (1/332) الدليل الثالث : عن عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : (( إِنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَطَوَّعَ فِي الْعَشْرِ ؟ قَالَ : لاَ بَلِ ابْدَأْ بِحَقِّ اللهِ فَاقْضِهِ ، ثُمَّ تَطَوَّعْ بَعْدُ مَا شِئْتَ ))( رواه عبد الرزاق رقم (7715) ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (8656) . وسنده صحيح) . والله أعلم .
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : أنه يجب قضاء الصوم عند الاستطاعة على الفور ، وهو مذهب بعض الحنفية ، وقول للإمام مالك وبعض المالكية ، وهو مذهب ابن حزم ، وغيرهم ، وهو الراجح ، ودليله :
الدليل الأول : قوله تعالى : ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ سورة آل عمران : 133 .
وجه الاستدلال : أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى المغفرة ، والمأمور به شرعاً فيه المغفرة ، فالشارع أمر بالمسارعة إلى فعل المأمورات ، والمسارعة هي المبادرة إلى فعل المأمور ، فدل هذا على أن الأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور ، لأن الأمر بالمسارعة الأصل فيه أنه للوجوب ، وعليه فقضاء الصوم يجب على الفور .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾ سورة البقرة:148.
وجه الاستدلال : أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى الخيرات ، والمأمور به شرعاً هو من الخيرات ، إذاً هو مأمور بالمسابقة إليه ، فالأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور ، ومنه قضاء رمضان .
الدليل الثالث : أن السلامة من الخطر والقطع ببراءة الذمة إنما يكون بالمبادرة والفور ، وعدم المبادرة قد يكون سبباً في الوقوع في الخطر وعدم براءة الذمة ، وما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب ، فصار الفور في الأمر واجباً ، وهو أحوط وأقرب لتحقيق مقتضى الأمر وهو الوجوب .
الدليل الرابع : أن المقرر في علم أصول الفقه على الراجح أن الأمر يجب على الفور ، وهو مذهب الجمهور .
المذهب الثاني : أن قضاء رمضان على التراخي فيجوز له أن يؤخره إلى شعبان لغير عذر ، وهو مذهب جمهور العلماء ، واستدلوا بما ثبت عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – تَقُولُ : ((كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ . قَالَ يَحْيَى : الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ))(رواه البخاري برقم (1849) ، ومسلم برقم (1146) واللفظ له ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة –رضي الله عنها- كانت تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذا وأقرها عليه ، فدل هذا على أنه يجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان فالقضاء ليس على الفور .
جوابه :
الجواب الأول : أن الاستدلال في غير محَلّه لأن عائشة -رضي الله عنها- لم تقل : إنها تستطيع أن تقضيه فوراً وأخرت القضاء ، وإنما قالت : ((فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ)) وعدم الاستطاعة مسقط للفورية ، فنحن لا ننازعكم في أنه يجوز تأخير القضاء عند عدم الاستطاعة ، لكن نزاعنا معكم فيمن أخر القضاء لغير عذر ويستطيع أن يقضيه فوراً ، وهذا غير موجود في الحديث ، بل الحديث على خلاف ذلك .
الجواب الثاني : أن الحديث حجة لنا لأنها قالت –رضي الله عنها- : ((فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ)) مفهومه أنها لو كانت تستطيع القضاء فوراً لما أخرته .
والله أعلم .
ينظر : بدائع الصنائع (2/104) .
( ) كفاية الطالب ص (302) ، و مواهب الجليل (3/334) والمحلى (6/260) ولتمهيد (23/148) ، وشرح مسلم للنووي (8/21) ، والموسوعة الفقهية (10/10) .