شرب الماء عند سماع أذان الفجر ؟

1670
السائل: السلام عليكم ورحمة الله ،بركاته
في صيام النافلة..
تناولت السحور متاخر وحين اذن الموذن كانت اللقمة داخل فمي ،ثم شربت الماء بحكم حاجتي لها

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اعلم أخي أن صيامك صحيح إن شاء الله تعالى ولا شيء عليك والحال كما ذكرت ولا فرق بين صوم الفرض والنافلة وإلى هذا ذهب جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر : المحلى (4/366) ، والسلسلة الصحيحة (3/381) رقم الحديث (1394) ، وما صح من الآثار (2/618) ، وهذه رخصة من الشارع الرحيم مستثناة من النصوص المحرمة للأكل والشرب عند دخول وقت الفجر الصادق ، ولكنّها مقيدة بمن سمع النداء وهو يأكل أو يشرب .
وهذه المسألة من المسائل التي تندرج تحت قاعدة فقهية : يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، أو يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء ، بمعنى : أن الإنسان لا يجوز له أن يبدأ بالشرب والأكل بعد سماع الأذان الثاني ، ولكنه إذا كان قد بدأ فيجوز له أن يكمل على قدر حاجته فقط .
والدليل على هذه الرخصة :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ ))(رواه أبو داود في الصوم / باب فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ رقم الحديث (2350) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (10637) ، والطبري في تفسيره رقم الحديث (3015) . إسناده صحيح ) .
والمراد بالنداء : أذان الفجر الصادق الثاني ، وليس الأذان الأول كما تأوله بعضهم لأمرين :
الأول : أن الأذان الأول يكون بليل فلا يحرم الطعام والشراب فلا معنى لقوله صلى الله عليه وسلم : ((وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ)) . فتأمل هذا .
الثاني : لزيادة وردت في الحديث تدل على أنه الأذان الثاني وهي : ((وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ إِذَا بَزَغَ الْفَجْرُ))(رواه أحمد برقم (10638) . ينظر : السلسلة الصحيحة حديث رقم (1394) ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ : قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ الرَّجُلِ يُرِيدُ الصِّيَامَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَيَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ قَالَ جَابِرٌ : ((كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لِيَشْرَبْ))( رواه أحمد برقم (15135) . قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره . وينظر : السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم (1394) قال : وإسناده لا بأس به في الشواهد ).

صيام يوم السبت ؟

1632
السائل: االسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
في هذه السنة يأتي يوم عرفة سبتاً
و قد قال الرسول صلى الله عليه و سلم
{{لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم}}
فما الحل
و هل النهي هنا تحريمٌ أم أنه كره
أم أن هذا الحديث ضعيفٌ فأنا لم أجد مصدره
جزاك الله خيرا

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في صيام يوم السبت على مذاهب :
المذهب الأول : كراهة إفراد يوم السبت بالصوم ، وهو مذهب الحنفية ، والمالكية، والشافعية ، والحنابلة في المذهب .
وصرح الحنفية ، والحنابلة ، والشافعية بأن صوم يوم السبت لا يكره إن وافق يوماً كان يصومه قبل ذلك .
وزاد الحنفية أنه يكره تحريما إفراد يوم السبت بالصوم إذا قصد الصائم بصومه التشبه باليهود . ورجحه الطيبي .
المذهب الثاني : جواز صيام يوم السبت مفرداً من غير كراهة ، وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله عن أكثر أهل العلم .
المذهب الثالث : مذهب بعض العلماء المعاصرين أنه يحرم صوم يوم السبت مطلقاً إلا في الفرض ، ولم أرَ هذا المذهب لأحد من المتقدمين بعد بحث طويل . والله أعلم .
والراجح المذهب الأول أنه يكره صيام يوم السبت مفرداً إلا في الفرض ، وكذا يحرم إفراد يوم السبت بالصوم إذا قصد الصائم بصومه التشبه باليهود ، ويجوز صيام السبت إذا صام قبله أو بعده ، ويجوز إفراده في الفرض ، وفي صوم يوم فيه فضيلة كعرفة لأن إفراده هنا ليس لذات السبت بل لاستحباب هذا اليوم الذي وقع في يوم السبت ، وذلك لأمرين :
الأمر الأول : أن التخصيص عند علماء أصول الفقه على قسمين :
القسم الأول : تخصيص متصل : وهو ما لا يستقل بنفسه بل هو متصل بالعام مذكور معه .
القسم الثاني : تخصيص منفصل : وهو ما يستقل بنفسه بأن يكون العام في نص والمُخَصِّص في نص آخر .
الأمر الثاني : أن المقرر عند علماء أصول الفقه أنه لا يصار إلى الترجيح أو النسخ إلا إذا تعذر الجمع بين الأدلة ، فالجمع هو الأصل .
والجمع بين الأدلة : هو الائتلاف بين الأدلة الشرعية وتوافقها ، وبيان أن الاختلاف بينها غير موجود حقيقة .
وهناك شروط ذكرها العلماء للجمع بين الأدلة فليس كلّ جمع يكون صحيحا .
والترجيح : هو تقديم المجتهد لأحد الدليلين المتعارضين ، لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر .
إذا تصورنا هذا فلنشرع في صيام السبت وأدلته ، بعد أن ذكرت أن الراجح هو مذهب الجمهور ، وذلك للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ))رواه الترمذي رقم الحديث (675) ، وابن ماجه رقم الحديث (1716) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2163) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3615) ، وغيرهم .
اختلف العلماء في صحة هذا الحديث والراجح أنه ثابت صحيح .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام السبت ، واستثنى الفرض فقط ، وهذا الاستثناء تخصيص متصل ، فأفاد الحديث بمنطوقه المنع من صيام السبت إلا في الفرض كصوم رمضان والقضاء والكفارة ونحوها .
وقال البغوي( ) : (باب كراهية صوم يوم السبت وحده) .

وقال ابن خزيمة(صحيح ابن خزيمة (3/316) ) : (باب النهي عن صوم يوم السبت تطوعا إذا أفرد بالصوم ، بذكر خبر مجمل غير مفسر بلفظ عام مراده خاص ، وأحسب أن النهي عن صيامه إذ اليهود تعظمه وقد اتخذته عيدا بدل الجمعة) .
وقال( صحيح ابن خزيمة (3/317) ) : (باب ذكر الدليل على أن النهي عن صوم يوم السبت تطوعا إذا أفرد بصوم لا إذا صام صائم يوما قبله أو يوما بعده ) .
قال ابن حبان( صحيح ابن حبان (8/381)) : (ذكر العلة التي من أجلها نهى عن صيام يوم السبت مع البيان بأنه إذا قرن بيوم آخر جاز صومه) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله وسلم يَقُولُ : ((لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1884) ، ومسلم رقم (2739)) .
وجه الاستدلال : أن الحديث نهى عن صيام يوم الجمعة إلا أن يصوم الإنسان يوماً قبل أو يوماً بعده ، واليوم الذي بعد الجمعة هو يوم السبت قطعا ، وهذا منطوق الحديث ، فدل على جواز صيام يوم السبت إذا اقترن معه غيره ، وهذا تخصيص منفصل للحديث الأول ، فيكون معنى الحديث لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وهو تخصيص متصل ، أو يوماً قبله وهو تخصيص منفصل ، فدل هذا على أن النهي عن صيام السبت إنما هو لإفراده ، ولأن في إفراده تشبها باليهود الذين يعظمون هذا اليوم ، فلو صام المسلم في هذا اليوم لأجل السبت فإنه عظّمه فحصلت المشابهة باليهود ، فلهذا لا يصام يوم السبت إلا في الفرض ، أو بمخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعده .
وبهذا تجتمع الأدلة ، وأما من خصص جواز صيامه بالفرض فقط فإنه لم يجمع بين الأدلة بل صار إلى الترجيح ، وسبق أنه لا يصار إلى الترجيح إلا عند تعذر الجمع ، والجمع هنا ممكن كما بينت لك .
الدليل الثالث : عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها : ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْىَ صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ قَالَتْ : لاَ . قَالَ : تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ؟ قَالَتْ : لاَ . قَالَ : فَأَفْطِرِي ))(رواه البخاري رقم الحديث (1885) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية –رضي الله عنها- وهي صائمة يوم الجمعة : (( تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ؟)) وهو يوم السبت ، فدل هذا على جواز صيامه مع غيره ، والاستدلال به أيضاً كسابقه .
الدليل الرابع: عن خيثمة قال : (( كانت عائشة تصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ، ومن الشهر الآخر : الثلاثاء والأربعاء والخميس ))( رواه الطبري في تهذيب الآثار (3/245) رقم (984) . بسند صحيح ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة –رضي الله عنها- كانت تصوم السبت مع غيره ، كما بينت أم سلمة –رضي الله عنها- صيام النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق . وهذا الفعل من عائشة -رضي الله عنها- وهي الفقيهة المتابعة لحال النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات ، وما كانت لتصوم يوم السبت مع غيره إلا لعلمها بجواز ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يعرف لها مخالف من الصحابة ، فهو حجة مؤيد للمرفوع السابق عن أم سلمة –رضي الله عنها- ، وعليه لا بدّ من حمل النهي عن صيام السبت على الإفراد .
الدليل الخامس : عن أبي عامر قال: ((سمعت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُئِل عن صيام يوم السَّبْتِ؟ فقال : سلوا عبد الله بن بُسْر؟ فسُئِلَ عن ذلك؟ فقال : صيامُ يوم السَّبْتِ لا لكَ ولا عليك))(أَخْرَجَه النسائي في الكبرى (2/145) . بإسناد حسن ) .
وجه الاستدلال : أن عبد الله بن بسر –رضي الله عنه- وهو راوي حديث النهي عن صيام السبت لم يكن يرى تحريم صيام السبت في النفل لأنه قال للسائل : ((صيامُ يوم السَّبْتِ لا لكَ )) أي ليس لك فيه أجر ، ((ولا عليك)) أي ليس عليك وزر في صيامه . وهذا هو المكروه ، فأفاد هذا أن صيام يوم السبت مكروه إفراده ، فوافق قولُه روايةَ عائشة وأم سلمة –رضي الله عنهم- ولا يعرف لهم مخالف .
قال المناوي(فيض القدير (4/303) ) : ((صيام يوم السبت لا لك ولا عليك) أي لا لك فيه مزيد ثواب ولا عليك فيه ملام ولا عتاب ) .
الدليل الثامن : النصوص العامة الواردة في صيام النفل ، ويدخل فيها يوم السبت قطعا ، منها :
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنهما- قَالَ : قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : (( فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا ، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهْوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ . فَقُلْتُ : إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1875) ، ومسلم رقم الحديث (2786) ) .
فالسبت داخل في صيام داود قطعاً ولم ينبه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- بأن السبت منهي عنه ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . فدل هذا على أن النهي عن السبت بقصده لذاته أو إفراده .
وغيرها من الأدلة الكثية الدالة على جواز صيام السبت .
فإن قيل : إن صيام هذه الأيام كصيام داود وصيام ثلاثة أيام من كل شهر قد يقع في يوم العيد المحرم صيامه ، ولم ينبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنتم ترون عدم صيام العيد ونحن معكم في ذلك ، فكذلك نقول في السبت .
جوابه :
أن هذا الاعتراض على هذا الاستدلال مردود من وجوه :
الوجه الأول : أن صيام داود وغيره من الأيام المستحبة سيأتي فيها السبت غالباً ، أما العيد فهو نادر جداً جداً ، والنادر لا حكم له ، فلهذا لم ُينبه عليه في أحاديث صيام الأيام المستحبة بخلاف العيد .
الوجه الثاني : صيام العيد محرم بالاتفاق ، يعلمه الصحابة ، فلا يحتاج إلى التنبيه عليه ، فهم يعلمون أن صيام الأيام المستحبة لا تشمل صيام العيد ، بخلاف صيام يوم السبت فلم يقل أحد من المتقدمين بتحريم صيامه إلا في الفرض فقط ، ولهذا وجب أن ينبه عليه في أحاديث صيام الأيام المستحبة ، لأن المنع من صيامه غير معلوم عند من يستمع إلى أحاديث صيام الأيام المستحبة .
الوجه الثالث : أن هذا الاعتراض هو في الحقيقة قياس السبت على العيد ، وهذا قياس مع الفارق ، لأن العيد صيامه محرم بالاتفاق ، والسبت لم يقل أحد من المتقدمين بتحريمه . يؤيده :
الوجه الرابع : أن صيام العيد لا يجوز مطلقاً لا في فرض ولا نفل ، وليس السبت كذلك ، فلا يصح أن يلحق السبت بالعيد .
ومما يقوي القول بجواز صيام السبت وكرهة إفراده بالصيام أنه لم يثبت عن أحد من العلماء المتقدمين القول بتحريم صيام يوم السبت إلا في الفرض فقط ، وهذا مما يضعف هذا القول لأنه إذا اختلف أهل عصر في مسألة على قولين فقد ذهب جمهور الأصوليين على أنه لا يجوز إحداث قول ثالث لأن إحداث قول ثالث يلزم منه رفع القولين السابقين المجمع عليهما ، وأيضاً معناه أن أهل العصر السابق قد اجتمعوا على الخطأ وضاع عنهم الحق ، وذلك محال لأن الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه فلا يضيع حكمه في مسألة في عصر من العصور ، ولا يصح خلو عصر من قائل بالصواب في المسألة ، وعليه فإن العلماء اختلفوا في مسألتنا على الأقوال والمذاهب التي بينتها لك في بداية البحث فينبني على ذلك أن القائل بالتحريم من المتأخرين قد خالف إجماع من سبقوه ، وهذا لا يجوز كما هو مقرر في علم أصول الفقه .
وأيضاً السلف من الصحابة –رضي الله عنهم- ومن بعدهم لم ينقل عن أحد منهم –فيما أعلم- أنه يحرم صيام السبت إلا في الفرض فقط ، فهذا الفهم لم يقل به أحد من السلف وهم قدوتنا في فهم النصوص ، فيجب اتباعهم ، ولا يصح القول بأن الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/35) أشار إلى من قال بهذا القول! فهذا قول ضعيف مردود لمن تمعن في كلام الطحاوي ، وسبق لك بيان مذهب الحنفية بالتفصيل ، وأيضاً الطحاوي نقل الكراهة ولم ينقل التحريم ، قال –رحمه الله تعالى- : (فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ ، فَكَرِهُوا صَوْمَ يَوْمِ السَّبْتِ تَطَوُّعًا ) ، والطحاوي –رحمه الله تعالى- يتكلم عن العلماء الذين كرهوا صيام يوم السبت تطوعاً ، يعني لذات السبت كما سبق ، وأما إذا صام تطوعاً قبله أو بعده أو لم يصمه لذاته فإنه لا يكره ، فالطحاوي يتكلم عن هذا المذهب ، بدليل أن في تتمة كلامه وبحثه وترجيحه تعرض لهذين المذهبين ولم يتعرض مطلقاً إلى أنه لا يجوز صوم السبت إلا في الفرض ، فيبقى القول بتحريم صوم يوم السبت إلا في الفرض قولا لا سلف له .
هذا والله أعلم . وقد أطلت البحث في كتابي جامع الأحكام في مسائل الصيام والاعتكاف وعيد الفطر والقيام.
ينظر : المجموع (6/481) ، وشرح المحلي مع حاشية القليوبي (2/74) ، ومغني المحتاج (1/447) ، والإنصاف (3/313) ، والمغني (4/428) ، كشاف القناع (2/341) ، وحاشية ابن عابدين (2/84) ومغني المحتاج (1/447) والمغني (4/428) .
حاشية ابن عابدين (2/84)، وعون المعبود (7/48) واقتضاء الصراط ص (262) ، وتمام المنة ص (406) وشرح معاني الآثار (3/35).

التصرف في مال إفطار الصائم؟

1590
السائل: فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ونسال الله أن ينفعنا وجميع المسلمين بعلمكم وأن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح .
السؤال : في رمضان الماضي بدأنا بعمل مائدة إفطار صائم وطلبنا من الذي يرغب بالتبرع من الأخوة ولله الحمد وجدنا اقبالاً كبيراً ، وفي هذه السنة كذلك عاودنا الكره لعلها أن تكون سنة حسنة يكتب الله لنا بها الأجر ورضوانه .. لكن وقعنا في أمر اشغلنا وهو أن المبالغ التي وصلتنا كبيرة جداً وفاضت عن المطلوب وحاولنا إنفاقها قدر الإمكان في إفطارالصائمين في الخيمة التي عملناها وفي بعض المساجد التي استعطعنا أن نصل إليها لكن المبالغ زادت ايضاً وحاولنا الوصول لأحد المشايخ أو طلبة العلم لكننا لم نستطع ، فتصرفنا في المبلغ واشترينا به طعاما ووزعناه على الفقراء والمحتاجين قبل نهاية شهر رمضان كي يقوموا بالإطعام منه في وأكله في رمضان وكذلك ساعدنا الفقراء بمبالغ مالية منه فهل ما عملناه بالتصرف بهذه المبالغ جائز أم هناك طرق أخرى يجب التصرف بالمال فيها ؟ أفيدونا بارك الله فيكم حيث أن هذا العمل مستمر كل سنة بغذن الله تعالى .

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخى جزاك الله خيرا أنت وإخوانك على الحرص على الأعمال الصالحة وأسأل الله تعالى في في علاه أن يوفقنا وإياكم إلى فعل الخيرات وترك المنكرات.
أخي حفظك الله تعالى إن كانت الأموال أنفقت للإنفاق على الفقراء دون تخصيص لها بأن تكون إفطارا للصائم فلا شيء في توجهكم لها فيما ذكرتم أما إن كانت خصصت لإنفاقها في إفطار صائم فكان الواجب عليكم أن تخصصوها لذلك فإذا فاضت بعد ذلك فتبحثوا عن الأماكن التي يكثر فيها الصائمون بعد رمضان وتعدوا لهم طعام إفطار صائم أو تستأذنوا أهلها في إنفاقها في أوجه الخير الأخرى . وعليكم في السنة القادمة أن لا تقعوا في نفس ما وقعتم فيه هذه السنة وأن تخبروا من سينفق أنه في حالة عدم استطاعتكم في إنفاقها على إفطار صائم سيتم إنفاقها في أوجه الخير الأخرى وجزاكم الله خيرا على إجتهادكم وحرصكم وكان عليكم أن تسألوا قبل أن تفعلوا على كل أسأل الله تعالى أن يتقبل منكم عملكم هذا .
والله أعلم .

قضاء صوم رمضان عن الميت ؟

1566
السائل: السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
توفي أبي بمرض في بطنه وهو على صراع طول سنتين،فلم يصم رمضان بسبب العلاج،واتت فترة تحسن فيها قليلا لكنه لم يستطع الصوم حتى أتاه الأجل.فهل يجب على أولياءه الصيام أو كفاره من ماله؟
وجزاكم الله خيرا

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
من مات وعليه صوم رمضان لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : المعذور الذي لم يتمكن من قضاء الصوم بسبب ضيق الوقت أو لعذر المرض أو السفر ونحوهما ودام عذره إلى أن مات فإنه لا يجب عليه ولا على ورثته شيء ، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .ينظر : المبسوط (3/89) ، والمجموع (6/413 و421) ، والمغني (4/398)
والأدلة على ترجيح هذا المذهب ما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ))( رواه مسلم رقم الحديث (1337)) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأمر يفعل عند الاستطاعة فإذا عجز عن الفعل الواجب ثم مات فلا شيء عليه لأنه غير مفرط ، فلا يصح أن يكلف به أو ورثته بعد موته لأنه لم يكن مستطيعاً ، فهو غير مطالب به حال حياته لعجزه فكيف يطالب به بعد موته ؟!
الدليل الثاني : القياس ، قال ابن قدامة في المغني (4/398) : (إنه حق لله تعالى وجب بالشرع ، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل ، كالحج ) .
الحال الثانية : المتمكن من قضاء الصيام لكنه لم يقضه حتى مات ، فقد اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في سقوط الصيام عنه ، وفي الواجب على ورثته ، والراجح أنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، ولا يصام عنه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، منهم الشافعية في القديم ، والحنابلة ، وبه قال الليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن عليه ، وأبو عبيد وغيرهم .
ورجحت هذا المذهب لما يأتي :
الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ))(رواه أبو داود في الصوم /باب فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ رقم (2403) . ينظر : صحيح أبي داود رقم (2078) ، وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) .
وجه الاستدلال : أنه صريح في أن من كان عليه صوم من رمضان ولم يصم لمرض حتى مات فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً ، لأنه كان الواجب عليه أن يفعل ذلك في حياته كما سبق في مبحث المرض الذي لا يرجى برؤه ، وأيضاً فيه أنه يصام عن الميت صوم النذر .
الدليل الثاني : عن عَمْرَةَ (( أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ : أَقْضِيه عَنْهَا ؟ قَالَتْ : لاَ , بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ))(أخرجه الطحاوي (3/142) ، وابن حزم في المحلى (7/4) واللفظ له . وصححه الشيخ الألباني في أحكام الجنائز ص (215) ) .
وجه الاستدلال : أن عائشة -رضي الله عنها- ترى أنه إذا مات الميت وعليه من رمضان أنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً .
ينظر : فتح القدير مع العناية (2/352) ، وبداية المجتهد (1/299) ، والمنتقى (2/63) ، والموافقات (2/174) ، والمجموع (6/415) ، والمغني (4/398) ، والإنصاف (3/334) ، وكشاف القناع (2/334) .

والظاهر من سؤالك أن أباك -رحمه الله تعالى- من الحال الأولى حيث إنه لم يستطع القضاء بسبب العذر ، لكن إذا كنت غير متأكد من أنه كان يستطيع القضاء ولكن لم يقض فالأحوط إن تطعموا عنه عن كل يوم مسكينا.
والله أعلم .

رجل يصوم رمضان ولا يصلي ؟

1456
السائل: فضيلة الشيخ
هناك رجل مسلم لا يصلي في شهر رمضان بدون سبب مقنع مثلا السهر والنوم طيلة اليوم او التكاسل عن الصلاة هل يجوز له صوم بدون صلاة
ولو سمحت فضيلة الشيخ اذا بتقدر تعطيني دليل بس لسبب لاقنع بعض الشباب
وشكرا لك

الشيخ: الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:
قبل الإجابة على سؤالك أخي حفظك الله تعالى وجدت في رسالتك أن اسمك المستعار أو الحقيقي التعبيد لغير الله تعالى ولا يجوز أن يعبد الإنسان لغير الله تعالى فعليك أخي أن تغير هذا الإسم فإن المسلم لا يكون إلا عبدا لله تعالى .
أما جواب سؤالك :
اعلم أخي أن ترك الصلاة عند العلماء على صورتين :
الصورة الأولى : ترك الصلاة جحودا بمعنى أنه غير مؤمن بها أو مستهزء بها فهذا كافر بالإجماع سواء صلى أو لم يصل .
الصورة الثانية : تارك الصلاة كسلا وتهاون مع إقراره بوجوبها فهذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من كفره ومنهم لم يكفره واتفق الجميع أنه مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب .
والراجح -والله أعلم- أنه غير كافر لكنه على خطر عظيم . وليس هذا محل بسط هذه المسألة .
فهذا الرجل الذي سألت عنه لا نقول له لا تصم بل نقول له صم وصلِ فلو صام ولم يصل تكاسلا فإنه سيحاسب على الصلاة دون الصيام والعكس كذلك ، فلا نقول إن صيامه باطل إلا عند من يكفر بترك الصلاة كسلا .
نعم هذا الرجل الذي صام ولم يصل قد لا يؤجر على صيامه مطلقاً وليس له حظ من الصيام إلا الجوع والعطش وذلك أنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والدليل على أنه ليس له من صيامه إلا ذلك ما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ))( صحيح الترغيب رقم الحديث (1083) ، وصحيح ابن ماجه رقم الحديث (1371) )
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))(أخرجه البخاري رقم الحديث (1903) )
فهذان الحديثان يدلان دلالة واضحة على أن من يرتكب الكبائر ليس له حظ من الصيام . والله أعلم .
فيجب نصح هذا الأخ ويبين له أن الأمر عظيم وجلل فقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)) رواه مسلم .
والله أعلم

هل يستحب صيام ستة أيام من شوال وهل استحباب صيامها مشروط بمن صام رمضان كاملا أو لا ؟

1415
السائل: هل يستحب صيام ستة أيام من شوال وهل استحباب صيامها مشروط بمن صام رمضان كاملا أو لا ؟

الشيخ: يستحب صيام ستة أيام من شوال ، وهو مذهب متأخري الحنفية ، وهو مذهب المالكية (إلا أنهم كرهوا صومها لمقتدَى به ، ولمن خيف عليه اعتقاد وجوبها ، إن صامها متصلة برمضان متتابعة وأظهرها ، أو كان يعتقد سنية اتصالها ، فإن انتفت هذه القيود استحب صيامها ) ، والشافعية ، والحنابلة.
ودليل هذا :
الدليل الأول : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ))( رواه مسلم رقم الحديث (1984)) .
قال الإمام النووي في شرح مسلم (5/56) : (فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة ، وقال مالك وأبو حنيفة : يكره ذلك . قال مالك في الموطأ : ما رأيت أحدا من أهل العلم يصومها . قالوا : فيكره لئلا يظن وجوبه . ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح ، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلّهم لها ، وقولهم : قد يظن وجوبها ، ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب) .
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف المواق في التاج والإكليل مع مواهب الجليل (3/329) : (إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِذِي الْجَهْلِ لَا مَنْ رَغِبَ فِي صِيَامِهَا لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ .
قال الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ : لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَمَالَ اللَّخْمِيِّ لِاسْتِحْبَابِ صَوْمِهَا ) .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/380) : (لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه ، والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة ، وكان رحمه الله متحفظا كثير الاحتياط للدين ، وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله ) .
الدليل الثاني : عَنْ ثَوْبَانَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ ))( رواه الإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22412) ، الدارمي (1755) ، وابن ماجه (1715) ، والنسائي في الكبرى (2860) و (2861) ، وابن خزيمة (2115) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2348) و (2349) ، وابن حبان (3635) ، والطبراني في الكبير (1451) ، والبيهقي (4/293) . وهو حديث صحيح . ينظر : إرواء الغليل (4/107) )
أما شق السؤال الثاني فإن جوابه هو أنه لا يستحب صيامها إلا لمن صام رمضان كاملا ، وهو مذهب الحنابلة ، وذلك لحديث أبي أيوب –رضي الله عنه- فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ)) يعني كاملا –والله أعلم- ، لأنه لا يقال لمن صام بعضه أنه صام رمضان بل يقيد بأنه صام بعض رمضان أو أغلبه ، ثم قال : ((ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ)) فالحديث دلّ بظاهره على أن صيام ستّ من شوال يكون بعد صيام رمضان كاملا ، فمن صام بعض رمضان وصام ستا من شوال لم يصدق عليه الحديث ، ومن صام رمضان كاملا وصام شيئا من الستة من شوال لم يصدق عليه الحديث ، ومن صام بعض رمضان وشيئا من الستة من شوال لم يصدق عليه الحديث ، فلا بد أن يصوم رمضان كاملا وكذلك ستاً من شوال ، يؤيده حديث ثَوْبَانَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ)) ، فإنه صريح في أن فضل صيام ستة من شوال لا يتحقق إلا بصيام رمضان كلّه لأن الشهر بعشرة أشهر ، فلو أنقص شيئا من رمضان لم يتحقق فيه أنه حصل على فضل عشرة أشهر ، وعليه لم يحصل على فضل صيام الدهر حتى لو صام ستا من شوال .
والله أعلم .
ينظر : حاشية ابن عابدين (2/125) ، وبدائع الصنائع (2/78) ، والفتاوى الهندية (1/201) وحاشية الدسوقي (1/517) ، والخرشي على خليل (2/243) ، ومواهب الجليل (3/329) ، والموسوعة الفقهية (28/92) والبيان (3/548) ، والمجموع (6/426) ، ومغني المحتاج (1/447) وكشاف القناع (2/337) ، والإنصاف (3/309) ، والمغني (4/438).

تقبيل الزوجة في رمضان ؟

1410
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يا شيخ
ما حكم خروج المذي في رمضان بسبب تقبيل الزوجه هل يعتبر الشخص فاطرا
وشكرا وجزاكم الله خيرا

الشيخ: يباح للصائم تقبيل زوجته إذا كان يملك نفسه أن لا يقع في الجماع ، وهو مذهب جمهور الفقهاء ، وتركها أولى ، ودليل الجواز :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ))(رواه البخاري رقم الحديث (1826) ، ومسلم رقم الحديث (2632) واللفظ له ) .
الدليل الثاني : عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ –رضي الله عنه- قَالَ : ((هَشَشْتُ يَوْما فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ : صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْراً عَظِيماً ، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ . قُلْتُ : لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَفِيمَ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (2387) ، وأحمد في المسند رقم الحديث (140) واللفظ له . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/147) : (إسناده جيد على شرط مسلم ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وعبد الحق والذهبي) ).
فتقبيل الصائم لزوجته جائز وتركه أولى حتى لا يجره إلى ما هو أعظم ثم بعد ذلك يندم .
وخروج المذي مع هذه القبلة لا يبطل الصيام لكن عليه أن يغسل ذكره وخصيتيه والمواطن التي أصابها المذي ويتوضأ إذا أراد الصلاة .
والله أعلم
ينظر : الموسوعة الفقهية (13/131و135) ، والمغني (4/360)

ماهي مبطلات الصوم في رمضان ماعدا الاكل والشرب ؟

1371
السائل: ماهي مبطلات الصوم في رمضان ماعدا الاكل والشرب ؟

الشيخ: أخي حفظك الله تعالى مبطلات الصوم هي :
أولاً : الأكل والشرب عمداً .
وحيث إنك استثنيتهما في سؤالك فلن اتكلم عليهما .
ثانياً مما يبطل الصوم : الحقن المغذية :
أنواع الحقن من حيث التغذية :
اعلم أن الحقن التي تعطى للإنسان نوعان :
النوع الأول : حقن لا يقصد بها التغذية وإنما هي للعلاج فقط ، فهذه لا تفطر ، سواء أعطيت في الوريد أو العضل أو الجلد لأنها لم يتحقق فيها ما يتحقق في الطعام والشراب من التغذية ، وهي كذلك لم تدخل من مجري الطعام والشراب وهو الجوف .
النوع الثاني : الحقن المغذية بجميع أنواعها تفطر ، سواء أعطيت في الوريد أو العضل أو الجلد ، فالحقن المغذية هي التي يقصد بها إيصال بعض المواد الغذائية إلى الأمعاء بقصد التغذية لبعض المرضى ، وكذلك التي لا تصل إلى الأمعاء وإنما إلى الدّم بقصد التغذية كالجلكوز وغيره ، وكذلك الدم الذي يعطى للمرضى ، وكلّ ما كان مغذياً يستغني به البدن عن الطعام أو الشراب ، كلّ ذلك يعد من المفطرات ، لأنه في حكم الطعام ويغني عنه ، بل قد يعيش الإنسان مدة طويلة ببعض هذه المغذيات مستغنياً عن الطعام والشراب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/258) : ( والدّم من أعظم المفطرات ).
وقال في أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية ص (635-651) عند كلامه عن الإبر المغذية- : ( أن يكون على سبيل الغذاء ، كالمحاليل الغذائية ، والإبر المغذية ، والدّم فحكمها حكم الأكل والشرب يفسد بها الصوم ، ولا يجوز أن يختلف فيها أهل العلم ، والحجة في هذا أن هذه المحاليل ما هي إلا خلاصة الطعام ، فهي بمثابة الغذاء الذي تم هضمه وتفتيته ، وما كان كذلك لا يمكن أن يختلف حكمه عن حكم الأكل والشرب ، بل هو داخل في النصوص الدالة على فساد الصوم بالطعام دخولا أوليا ، لأن الغذاء يحصل به أكثر من حصوله بالطعام غير مهضوم ، فهو في معناه وأولى ) .
وقال في الموسوعة الطبية ص(367) : ( وبما أن المفطرات تنحصر في الطعام والشراب والجماع ودواعيه ، فإننا نرى أن الحقن بقصد التغذِّي مفسد للصوم من أي مدخل جرى الحقن وسواء وصل إلى الجوف أم لم يصل ، وأما إن كان الحقن بقصد التداوي فإنه لا يفسد الصوم حتى وإن وصل إلى الجوف وهذا ما يفهم من رأي المالكية وهو أيضاً رأي عند الشافعية والحنابلة )( ينظر: المجموع (6/345) ، وأحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية ص (635-651) ، ومجلة البحوث الإسلامية (34/320) فتوى للعلامة الشيخ ابن باز ، وفتاوى الصيام لابن عثيمين ص(42) ، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/174) ) .
ثالثاً مما يبطل الصوم : البخور والدخان ونحوهما .
ولن أفصل فيه حيث إنه قد أجبت على سؤال ورد في الموقع وهو هل البخور يفطر الصائم ؟ راجعه غير مأمور .
رابعاً مما يبطل الصوم : تعمد القيء :
تعمد القيء :
إذا تعمد الصائم القيء فاستخرج ما في جوفه ، فإنه يفطر بذلك الفعل ، وعليه القضاء ، ولا كفارة عليه . والقول بالقضاء دون الكفارة هو مذهب عامة أهل العلم(ينظر : المغني (4/368) ، والمجموع (6/344) ، والموسوعة الفقهية (28/66) ، ومجموع الفتاوى (25/221) ) .
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/347) : (قال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وصاحباه والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق : من استقاء عامدا فعليه القضاء . قال أبو عمر : على هذا جمهور العلماء فيمن استقاء أنه ليس عليه إلا القضاء ، روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وجماعة من التابعين ، وهو قول ابن شهاب) .
والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، أجمع العلماء على أن من استقاء عمدا أفطر وعليه القضاء(ينظر : الإجماع لابن المنذر ص (59) ، والمجموع (6/344) ، وشرح السنة للبغوي (6/295) ، ومجموع الفتاوى (25/221) ) .
الدليل الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ ))( رواه الترمذي رقم الحديث (720) ، وابن ماجه رقم الحديث (1676) ، وابن حبان في صحيحه رقم الحديث (3518) ، والدارقطني في سننه رقم الحديث (2296) وقال : (رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ) . ينظر : صحيح ابن ماجه رقم (1359) ، وإرواء الغليل رقم الحديث (923) ) .ذَرَعَهُ : أي غلبه .
وجه الاستدلال : أن الحديث نص فيمن تعمد القيء أن عليه القضاء ، وظاهر الحديث أنه لا كفارة عليه إذ لو كانت الكفارة واجبة عليه مع القضاء لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
تنبيه :
ينبغي أن يعلم أن لتعمد القيء صورتين :
الصورة الأولى : أن ينوي ويريد الإفطار ، ويتحايل بالقيء عمداً حتى يجب عليه القضاء فقط ، ولا شك أن من فعل هذا فقد فعل كبيرة من الكبائر لأنه يريد الإفطار في نهار رمضان عمداً ، وحكمه حكم من تعمد الفطر ، وهذا الفعل من الحيل المحرمة .
الصورة الثانية : أن يتعمد القيء لأجل الحاجة إلى ذلك ، كالمحتاج إلى القيء بسبب التداوي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى (25/225) : (فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ فِطْرُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَوَّتَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ تَفْوِيتُهُ لَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَنَّهَا مَا بَقِيَتْ تُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَنْ فَوَّتَ الْجُمْعَةَ وَرَمَى الْجِمَارَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ ، وَهَذَا قَدْ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ ؟ قِيلَ : هَذَا إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَقَيَّأُ لِعُذْرٍ كَالْمَرِيضِ يَتَدَاوَى بِالْقَيْءِ أَوْ يَتَقَيَّأُ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ كَمَا تَقَيَّأَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ كَسْبِ الْمُتَكَهِّنِ . وَإِذَا كَانَ الْمُتَقَيِّئُ مَعْذُورًا كَانَ مَا فَعَلَهُ جَائِزًا وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْضَى الَّذِينَ يَقْضُونَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ أَفْطَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ ).
تنبيه آخر :
أما ما يروى عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((ثَلاَثٌ لاَ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ ، وَالْقَيْءُ ، وَالاِحْتِلاَمُ ))(رواه الترمذي رقم الحديث (723) ) .
فإنه حديث ضعيف ، ضعفه غير واحد من أهل العلم ، منهم الترمذي فإنه قال في في سننه في الصوم /باب مَا جَاءَ فِي الصَّائِمِ يَذْرَعُهُ الْقَيْءُ : (حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) ، وابن قدامة في المغني (4/369) ، والألباني في ضعيف سنن الترمذي رقم (719) ، وحقيقة الصيام ص(20) ، وضعيف سنن أبي داود (10/268) .
ولو سلم جدلا بصحته فإنه لا يعارض الحديث الصحيح الذي يأمر من استقاء بالقضاء لأنه يحمل هذا الحديث على من ذرعه القيء .
خامساً مما يبطل الصوم : الحيض والنفاس :
إذا خرج من المرأة دم الحيض أو النفاس في أي جزء من النهار سواء كان في أول النهار أو وسطه أو آخره حتى لو لم يبق إلا دقائق يسيرة ، ما دام الشمس لم تغب ولم يدخل وقت المغرب فإن صومها يبطل وعليها القضاء بالإجماع كما سبق في مبحث ممن يباح لهم الفطر ، وسبقت هناك المسائل المتعلقة بالحيض والنفاس .
سادساً مما يبطل الصوم : الجماع عمداً :
الجماع عمدا مبطل للصوم :
إذا جامع الرجل في نهار رمضان في الفرج وغيب الحشفة عامدا مختارا أنزل أو لم ينزل فإنه قد ارتكب معصية ويفطر بذلك ، والدليل على ذلك ما يأتي :
الدليل الأول : الإجماع ، أجمع العلماء على أن الصائم في نهار رمضان إذا جامع في الفرج وغيب الحشفة عامدا مختارا أنزل أو لم ينزل أنه أفطر بفعله ذلك .
ينظر : مراتب الإجماع ص (71) ، والمغني (4/372) ، والمجموع (6/348)
الدليل الثاني : عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : (( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ . قَالَ : « مَا لَكَ » . قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا ؟ » . قَالَ : لاَ . قَالَ : « فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ » . قَالَ : لاَ . فَقَالَ : « فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» . قَالَ : لاَ . قَالَ : فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ : « أَيْنَ السَّائِلُ؟» . فَقَالَ : أَنَا . قَالَ : « خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ » . فَقَالَ : الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ : « أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ » ))(رواه البخاري الحديث (1936) ، ومسلم رقم الحديث (2651) . )
وعن عَائِشَةَ –رضي الله عنها قالت : (( أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ . فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا شَأْنُهُ» . فَقَالَ : أَصَبْتُ أَهْلِي . قَالَ : «تَصَدَّقْ». فَقَالَ : وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا لِي شَيْءٌ ، وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ . قَالَ : «اجْلِسْ» . فَجَلَسَ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا عَلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا ؟». فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «تَصَدَّقْ بِهَذَا ». فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَغَيْرَنَا فَوَاللهِ إِنَّا لَجِيَاعٌ مَا لَنَا شَيْءٌ . قَالَ : « فَكُلُوهُ »))(رواه البخاري رقم الحديث (1935) ، ومسلم رقم الحديث (2659) واللفظ له ).
هذا حاصل ما يذكر في مبطلات الصيام وهناك بعض المسائل الطبية المعاصرة تعرضت للمفطرات ذكرتها في كتابي ( جامع الأحكام في مسائل الصيام والاعتكاف وعيد الفطر والقيام) .
يسر الله تعالى طبعه وإخراجه للناس .
والله أعلم .

هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف ؟

1352
السائل: هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف ؟

الشيخ: اختلف العلماء في هذه المسألة والراجح أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم ، وهو قول ابن عباس(ينظر : ما صح من الآثار (2/696) ) ، وابن عمر(ينظر : ما صح من الآثار (2/697) ) ، وعائشة(ينظر : ما صح من الآثار (2/696) ) ، وعلي( ينظر : ما صح من الآثار (2/697) ) -رضي الله عنهم أجمعين- ، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة في رواية الحسن عنه ومن مشايخ الحنفية من اعتمد هذه الرواية ، وهو مذهب المالكية ، وبه قال بعض الشافعية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الزهري والليث والثوري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم . دليله :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتِ : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لاَ يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلاَ يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلاَ يَمَسَّ امْرَأَةً ، وَلاَ يُبَاشِرَهَا ، وَلاَ يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ ، وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ))(رواه أبو داود في الصوم /باب الْمُعْتَكِفِ يَعُودُ الْمَرِيضَ رقم الحديث (2475) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8377) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/235) : (إسناده حسن صحيح ) ) .
ففي قولها -رضي الله عنها- : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ)) دلالة على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الراجح المقرر في علم مصطلح الحديث وأصول الفقه ، وعليه يكون قولها -رضي الله عنها- : ((وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ)) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والأصل في النفي أنه نفي لصحة الاعتكاف بغير صوم .
أما من طعن في الحديث بأنه موقوف عليها- رضي الله عنها أو مدرج من قول الزهري فهو طعن مردود ، فإن الحديث ثابت رفعه . ينظر : تهذيب السنن لابن القيم (7/105) ، وصحيح أبي داود (7/235) ، وإرواء الغليل (4/139) .
الدليل الثاني : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم للصيام في كلّ اعتكاف مع الحديث السابق دليل على أن الصيام جزء من الاعتكاف ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى- في زاد المعاد (2/87) : ( ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اعتكف مفطراً ، بل قالت عائشة : (ولاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ) ، ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم ، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع صوم ، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أنّ الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية).
وقال –رحمه الله تعالى- في تهذيب السنن (2/17) : (الِاسْتِدْلَال عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم فَأُمُور : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَمْ يُعْرَف مَشْرُوعِيَّة الِاعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم , وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه , أَنَّهُمْ اِعْتَكَفُوا بِغَيْرِ صَوْم الثَّانِي : حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب , وَقَوْلهَا : السُّنَّة كَذَا وَكَذَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ )
فإن قيل :
فقد روي عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ ))( رواه الحاكم رقم الحديث (1603) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8849)) .
جوابه :
أنه حديث ضعيف لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ينظر : تهذيب السنن (2/16) ، والسلسلة الضعيفة رقم (4378) ، وضعيف الجامع (4896) ) .
فائدة : يترتب على القول باشتراط الصوم لصحة الاعتكاف ما يأتي :
أولا : عدم صحة اعتكاف الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق .
ثانياً : عدم صحة اعتكاف الليل بمفرده .
ثالثاً : أن الاعتكاف لا يكون أقل من يوم .
والله أعلم .
ينظر : الموسوعة الفقهية (5/213) ، والمبسوط (3/115) ، وبدائع الصنائع (2/109) ، وأحكام القرآن للجصاص (1/305) ، وبداية المجتهد (3/241) ، و الفواكه الدواني (1/491) ، والموطأ (1/315) ، والتمهيد (11/197) ، والاستذكار (3/392) ، والمجموع (6/508-511) ، والإنصاف (3/324) ، والمغني (4/459) ، وزاد المعاد (2/87) ، وما صح من الآثار (2/697) ، والسيل الجرار (2/135) ، ونيل الأوطار (3/316) .

هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟

1351
السائل:
هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟

الشيخ:

السؤال


هل يصح الاعتكاف في جميع المساجد أو المساجد الثلاثة فقط؟

الجواب

اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه على مذاهب :
المذهب الأول : قالوا : إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد جامع وهو مذهب الحنفية ، والحنابلة ، قال ابن بطال في شرح البخاري (4/161) : (وذهبت طائفة إلى أنه لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة ، روي هذا القول عن علي ، وابن مسعود ، وعروة ، وعطاء ، والحسن ، وابن شهاب ، وهو قول مالك في ( المدونة ) ، قال : أما من تلزمه الجمعة فلا يعتكف إلا في الجامع) .
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (2/734) : (وهو قول عامة التابعين ، ولم ينقل عن صحابي خلافه ، إلا من قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ، أو مسجد نبي ) .
وهو الراجح أعني أن الاعتكاف لا يجوز إلا في مسجد تقام فيه الصلوات ، ومنها الجمعة إذا كان اعتكافه سيكون أو يمتد إلى يوم الجمعة .
ورجحت هذا المذهب لما يأتي :
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتِ : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ … وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ))(رواه أبو داود رقم الحديث (2475) ، والبيهقي في السنن رقم الحديث (8377) . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/235) : (إسناده حسن صحيح ) ) .
وجه الاستدلال : أن الحديث مرفوع لقولها-رضي الله عنها- : ((السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ)) فيكون قولها : ((وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ)) مرفوعاً ، وفيه أن الاعتكاف يجوز في المسجد الجامع دون غيره .
الدليل الثاني : عن ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَال : (( لاَ اعْتِكافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تجمع فِيهِ الصَّلوات ))( أخرجه عبد الله في مسائله عن أبيه برقم (196) ، بإسناد صحيح . ينظر : ما صح من الآثار (2/694)) .
الدليل الثالث : أن الاعتكاف في غير مسجد جامع سيؤدي إلى تضيع الجمعة والجماعات وهذا لا يجوز ، أو يكثر خروجه من المسجد المعتكف فيه وهذا لا يجوز كذلك .
قال ابن قدامة في المغني (4/461) : (ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه ، يعني تقام الجماعة فيه . وإنما اشترط ذلك ؛ لأن الجماعة واجبة ، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين : إما ترك الجماعة الواجبة ، وإما خروجه إليها ، فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه ، وذلك مناف للاعتكاف ، إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه ) .

فإن قيل : إن خروجه من المسجد ليشهد الجمعة والجماعات أمر مشروع غير مناف للاعتكاف ، كما يخرج للأمور المباحة التي لا بد منها .
جوابه :
أن هذا الأمر المشروع بل الواجب -أعني خروج المعتكف ليشهد صلاة الجمعة والجماعات- يستطيع أن يأتي به لو اعتكف في مسجد جامع ، فخروجه للجماعات من معتكفه الذي لا بد أن يلزمه ولا يخرج منه كان بسبب عدم اعتكافه في مسجد جامع ، فهو مناف لمعنى الاعتكاف ، ولهذا قلنا : لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد جامع .
المذهب الثاني : إنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهو قول حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – ، وهو مروي عن علي – رضي الله عنه – دون ذكر المسجد الأقصى ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء دون ذكر المسجد الأقصى ، دليلهم ما ثبت عَنْ جامع بن أبي شداد عن أبي وائل قال : (( قال حذيفة لعبد الله – يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- : قوم عكوف بين دارك و دار أبي موسى لا تغير ( و في رواية : لا تنهاهم )؟! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فقال عبد الله : لعلك نسيت و حفظوا ، أو أخطأت و أصابوا))( ينظر : السلسلة الصحيحة رقم (2786) ، وصحح الحديث كذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/80)) .
جوابه :
الجواب الأول : أن معنى النفي هنا نفي الكمال ، وهو وإن كان خروجاً عن الأصل إلا أنه يصار إليه لوجود الدليل في جواز الاعتكاف في المسجد الجامع كما سبق في المذهب الأول ، ونفي الكمال قد ورد في الشرع منه ما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: ((مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ : لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))(رواه الإمام أحمد في مسنده رقم الحديث (12383) . ينظر : صحيح الجامع رقم (13135) ، وصحيح الترغيب رقم (3004) ).
الجواب الثاني : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- رد على حذيفة –رضي الله عنه- بقوله : ((لعلك نسيت و حفظوا ، أو أخطأت وأصابوا)) وهذا يفيد أحد أمرين :
الأول : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- يخطيء حذيفة –رضي الله عنه- في روايته للفظ الحديث ، وبهذا يسقط الاستدلال به .
الثاني : أن ابن مسعود –رضي الله عنه- يخطيء حذيفة –رضي الله عنه- في استدلاله به على عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فيريد ابن مسعود –رضي الله عنه- أن النفي في الحديث نفي للكمال وليس للصحة ، وعليه لا يصح الاستدلال به على عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة .
المذهب الثالث : أنه يصح في أي مسجد ، وهو مذهب المالكية والشافعية ، واستدلوا بقوله تعالى : ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ سورة البقرة :187. فالمساجد جمع تشمل جميع المساجد .
جوابه :
أن المراد بالمساجد هنا المساجد التي تقام فيها الجماعات ، وهذا هو المعهود من أطلاقها ، وأيضاً لما ذكرناه من أدلة المذهب الأول ، فهي ظاهر في ذلك ، وأن المراد منها المساجد الجامعة .
والله أعلم .

ينظر : عمدة القاري (11/141) ، والمبسوط (3/114) ، والتمهيد (8/325) ، والاستذكار (3/385) ، وبداية المجتهد (3/234) ، والمجموع (6/507) ، والمغني (4/461) ، والموسوعة الفقهية (5/211) ، والسلسلة الصحيحة (6/1/667) ، وقيام رمضان ص (37) وحاشية ابن عابدين (2/129) ، وعمدة القاري (11/141) ، والمبسوط (3/114) والمغني (4/461) ، وكشاف القناع (2/351).