يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت ، وهو مذهب الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح عند الشافعية(ينظر : المجموع (3/479) ، والمغني (2/584) ).
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : قد ثبت رفع اليدين في قنوت الوتر عن جمع من السلف ، وهم أعلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم منّا ، وأولى بالإتباع والإقتداء ، وقول الصحابي وفعله حجة على الراجح من أقوال علماء أصول الفقه ، ومن تلك الآثار :
الأثر الأول : عن أبي عثمان ، قال : (( كان عمر يقنت بنا بعد الركوع ، ويرفع يديه حتى يبدو ضبعاه ، ويسمع صوته من وراء المسجد))( رواه البخاري في جزء رفع اليدين رقم (89) و(90) ، وابن أبي شيبة (2/316) ، وابن المنذر في الأوسط (5/213) ، والبيهقي السنن الكبرى رقم (3272) و(3273) و(3274) و(3275) . وقال : (وَهَذَا عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صَحِيحٌ ) . ينظر : إرواء الغليل (2/181) ، وما صح من آثار الصحابة (1/412)) .
قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل (2/181) : (ورفع اليدين في قنوت النازلة ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم … وثبت مثله عن عمر , وغيره في قنوت الوتر) .
الأثر الثاني : عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود –رضي الله عنه- : (( أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ ))(رواه ابن أبي شيبة (2/307) ، والبخاري في جزء رفع اليدين (91) ، وابن المنذر في الأوسط رقم (2671) ، والبيهقي في سننه رقم (5062) . وفي سنده ليث ، وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف لاختلاطه . لكن رواه عبد الرزاق عن الزهري عن حماد عن إبراهيم : (( أن ابن مسعود كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد )) . إسناده حسن . مصنف عبد الرزاق (4/325) . فثبت الرفع عن ابن مسعود –رضي الله عنه في قنوت الوتر . ينظر : ما صح من الآثار (1/413) ) .
قال محمد بن نصر المروزي في صلاة الوتر ص (103) : (باب رفع الأيدي عند القنوت : عن الأسود أن عبد الله بن مسعود : « كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره » ، وعن أبي عثمان النهدي : « كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة ، ويرفع يديه حتى يخرج ضبعيه » ، وعن خلاس : « رأيت ابن عباس يمد بضبعيه في قنوت صلاة الغداة » . وكان أبو هريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان . وعن أبي قلابة ، ومكحول أنهما كانا يرفعان أيديهما في قنوت رمضان ، وعن إبراهيم في القنوت في الوتر : « إذا فرغ من القراءة كبر ورفع يديه ، ثم قنت ثم كبر وركع » ، وعن وكيع عن محل عن إبراهيم قال : « قل في الوتر هكذا ، ورفع يديه قريبا من أذنيه ، ثم ترسل يديه ») .
الدليل الثاني : قياس قنوت الوتر على قنوت النازلة في رفع اليدين والجامع بينهما أنه دعاء قنوت في كلّ ، فكما أنه يسن رفع اليدين في قنوت النازلة فكذلك في قنوت الوتر ولا فرق ، ووجه القياس : الأصل : دعاء قنوت النازلة في صلاة الفرض ، الحكم : يسن فيها رفع الأيدي ، الفرع : دعاء قنوت الوتر ، العلة : الجامعة بينهما أنهما دعاء قنوت في كل ، الحكم : رفع الأيدي في قنوت الوتر كما ترفع في قنوت النازلة ، بل هي في النافلة أولى لأنه إذا جاز الرفع في قنوت النازلة في الفرض فالأولى أن يجوز في قنوت النفل . والله أعلم .
ويسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة لحديث أنس – رضي الله عنه- قال : (( … فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ ، وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ ))(رواه الإمام أحمد في مسنده (19/349) رقم الحديث (12402) ، والطبراني في الصغير ص (111) . إسناده صحيح . قال في إرواء الغليل (2/181) : سنده صحيح )
الدليل الثالث : أن الدعاء إما أن يكون بألفاظ مخصوصة محددة من الشارع لا يزاد عليها أو لا يكون كذلك ، فإن كان بألفاظ مخصوصة – كالاستخارة – فلا يسن رفع اليدين حتى يرد الدليل بالرفع ، فإن لم يكن مخصوصا بألفاظ معينة فرفع اليدين فيه سنة ، لأنّ الأصل في الدعاء رفع اليدين ، ولأنه أدعى للتضرع فيه ولقبوله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))( رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه . صحيح الترمذي رقم (2819) ، صحيح الجامع رقم (1757) ) .
ولغيرها من الأحاديث التي ورد فيها بيان فضل رفع اليدين في الدعاء . ودعاء قنوت الوتر من الأدعية التي يجوز أن يزاد فيها لما ورد عن السلف كما سبق ، فليست ألفاظه مخصوصة لا تجوز الزيادة عليها ، وعليه فهو دعاء يسن رفع اليدين فيه .
فإن قيل : كذلك الدعاء في السجود غير مخصوص بألفاظ معينة بعد التسبيح فهلا قلتم بالرفع ؟
جوابه :
أن السجود ورد على صفة معينة وهي السجود على الأعضاء المعروفة ، فلا يجوز أن يغير من هيئة الصلاة التي وردت ، بخلاف دعاء القنوت فإن الهيئة الواردة عن النبي صلى اللله عليه وسلم في النازلة الرفع ، وكذلك في صلاة الاستسقاء ، فعلم بذلك أن رفع اليدين مشروع في هذه الهيئة وهي القنوت سواء نازلة أو غيرها لأنه أدعى للاستجابة ، فهو داخل في النصوص التي ورد فيها الحث على رفع اليدين ، بخلاف بقية الصلاة فلا يشرع فيها الرفع لأنه لم يرد به الدليل ، ولأنه موطن قد وردت صفته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلا يشرع فيه الرفع ، بمعنى أن المشروع في الدعاء رفع اليدين إلا ما جاء في السنة بعدم رفعه ، مثل الدعاء في الصلاة بين السجدتين ليس فيه رفع ، وبعد التشهد ليس فيه رفع ، وفي أثناء الركوع ليس فيه رفع ، وفي الاستفتاح اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، كل هذه المواضع وردت صفتها ليس فيها رفع . والله أعلم .
اعتراض :
قد يعترض المخالف بما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ : (( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ))(رواه البخاري رقم الحديث (984) ، ومسلم رقم الحديث (2113) ).
وجه الاستدلال : أن أنساً –رضي الله عنه- نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلا في الاستسقاء ، فدل هذا على أنه لا ترفع الأيدي في دعاء القنوت .
جوابه :
الجواب الأول : أن المُثْبِت مقدم على النافي لأن المثبت معه زيادة علم ، فأنس –رضي الله عنه- نفى الرفع إلا في الاستسقاء ، وغيره أثبت الرفع في غير الاستسقاء فيؤخذ بالمثبت .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/517) : ( قوله : إلا في الاستسقاء . ظاهره نفي الرفع في كلّ دعاء غير الاستسقاء ، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة ، وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث ، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى وحمل حديث أنس على نفي رؤيته ، وذلك لا يستلزم نفى رؤية غيره ) .
الجواب الثاني : أن أنساً –رضي الله عنه- نفى الرفع إلا في الاستسقاء ، ثم هو نفسه أثبت الرفع في دعاء قنوت النازلة كما سبق ، فيحتمل أن يكون النفي منه نفياً لرفع خاص وهو المبالغة في الرفع بحيث ترفع الأيدي باطنها إلى الأرض وظاهرها إلى السماء ، ولم يرد بنفيه نفي رفع الأيدي في الصلاة مطلقاً ، وبهذا تجتمع جميع الأدلة ولا تتعارض ، فلا يصلح الاستدلال به على نفي رفع الأيدي في دعاء القنوت .
ثم وجدت الإمام النووي –رحمه الله تعالى- ذكر ذلك فقال في شرح مسلم (6/190) : (هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء وليس الأمر كذلك ، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء ، وهي أكثر من أن تحصر ، وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما ، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب ، ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء) .
قال ابن رجب –رحمه الله تعالى- في فتح الباري (6/300) : (إن أنساً أراد أنه لم يرفع يديه هذا الرفع الشديد حتى يرى بياض إبطيه ، إلا في الاستسقاء . وقد خرّج الحديث مسلم ، ولفظه : كان النبي ( لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه) . ومع هذا ؛ فقد رآه غيره رفع يديه هذا الرفع في غير الاستسقاء – أيضاً ) .
الجواب الثالث : أن أنساً –رضي الله تعالى عنه- أراد بالنفي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه بالدعاء يوم الجمعة إلا في الاستسقاء ، فنفي أنس –رضي الله عنه- لرفع الأيدي بالدعاء في يوم الجمعة وليس للتعميم وبهذا تجتمع جميع الأدلة ولا تتعارض .
قال ابن خزيمة في صحيحه (3/147) مترجماً على حديث أنس –رضي الله عنه- : (باب صفة رفع اليدين في الاستسقاء في خطبة الجمعة . ثم قال بعد ذكر الحديث : في خبر شريك بن عبد الله عن أنس قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه قد أمليته قبل في خبر قتادة عن أنس لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء يريد إلا عند مسألة الله عز و جل أن يسقيهم و عند مسألته بحبس المطر عنهم ، و قد أوقع الثاني أن يحبس المطر عنهم ، والدليل على صحة ما تأولت أن أنس بن مالك قد خبر شريك بن عبد الله عنه أنه رفع يديه في الخطبة على المنبر يوم الجمعة حين سأل الله أن يغيثهم ، و كذلك رفع يديه حين قال : اللهم حوالينا ولا علينا فهذه اللفظة أيضا استسقاء إلا أنه سأل الله أن يحبس المطر عن المنازل و البيوت و تكون السقيا على الجبال و الآكام و الأودية ) .
والله أعلم .
السائل: هل يسن لمن كان خلف الإمام أن يؤمن في دعاء القنوت ؟
الشيخ: يسن للمأموم أن يُؤَمِّن على دعاء الإمام في القنوت ، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية ، والإمام مالك (إلا أنه يقيده بالنصف الأخير من رمضان وهناك روايات أخرى عنه ) ، والأصح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة ، وهو قول الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ، وابن المنذر ، ومحمد بن نصر المروزي . قال ابن قدامة في المغني (2/584) : (إذا أخذ الإمام في القنوت ، أَمَّن من خلفه . لا نعلم فيه خلافا) . والدليل على ذلك ما يأتي : الدليل الأول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ : (( قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ إِذَا قَالَ : سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ ))رواه أبو داود في سننه في بَاب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الْوِتْرِ/ بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ رقم الحديث (1443) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (2746) ، والبيهقي في الكبرى رقم الحديث (3222) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم (618) . قال الإمام النووي في المجموع (3/482) : (رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح) ، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/188) : (إسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي ) . . وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في القنوت وكان الصحابة يؤمنون ، وهو وإن كان في قنوت النازلة فإنه لا فرق بينه وبين قنوت الوتر لأن الكلّ دعاء قنوت من الإمام في الصلاة جهرا فيستحب التأمين عليه . قال الإمام النووي في المجموع (3/482) : (واحتج المصنف والأصحاب في استحباب تأمين المأموم علي قنوت الإمام بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ) . انتهى واحتج به أيضاً محمد بن نصر المروزي على تأمين المأمومين في صلاة الوتر( ينظر : صلاة الوتر له ص (109) ) . الدليل الثاني : أن الإمام إنما يجهر بالدعاء ليسمع المأموم حتى يؤمن ، وإلا لم يكن ثم فائدة من جهره ، وهذا ظاهر بين . قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد (4/921) : (سئل أحمد عن الرجل يقنت في بيته أيعجبك يجهر بالدعاء في القنوت أو يسره ؟ قال : يسره وذلك أن الإمام إنما يجهر ليؤمن المأموم ) .انتهى الدليل الثالث : أن القنوت دعاء ، ويستحب في الدعاء التأمين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ : آمِينَ ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ : آمِينَ ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))( رواه أبو داود في الوتر/باب الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ رقم الحديث (1445) ، والبيهقي في الكبرى رقم الحديث (3222) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (2746) . قال الإمام النووي في المجموع (3/482) : (رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح) . وحسن إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/188)) . فالإنصات إلى دعاء الإمام مع التأمين عليه من المأموم يجعل المأموم كأنه دعا ، كما يفعل في تأمينه بعد الفاتحة ، قال ابن رجب في فتح الباري (4/498) : (ولما كان المأموم مأموراً بالإنصات لقراءة الإمام ، مأموراً بالتأمين على دعائه عند فراغ الفاتحة ؛ لم يكن عليهِ قراءة ؛ لأنه قد أنصت للقراءة ، وأمن على الدعاء ، فكأنه دعا ؛ كما قال كثير من السلف في قول الله تعالى لموسى وهارون : ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ﴾ سورة يونس: ٨٩ . قالوا : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما داعيين) . والله أعلم . ينظر : الفتاوى الهندية (1/111) ، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص (209) شرح الزرقاني (1/343) ، الأوسط (8/247) ، وصلاة الوتر للمروزي ص (109) المجموع (3/481) ، والبجيرمي على الخطيب (2/58) ، والشرواني على التحفة (2/67) ، والجمل على المنهج (1/373) الإنصاف (2/168) ، والمغني (2/584) ، ومطالب أولي النهى (1/558) ، وكشاف القناع (1/338) ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية (2/760) والأوسط (8/247) صلاة الوتر للمروزي ص (108).
السائل: هل يشرع دعاء قنوت الوتر في جميع رمضان بل والسنة أو في نصف رمضان الأخير فقط ؟
الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في هذه المسألة على مذاهب والراجح أنه يشرع قنوت الوتر في جميع السنة ، وهو مذهب الحنفية ، ووجه عند الشافعية قال عنه النووي في المجموع (3/510) : (ووجه ثالث أنه يستحب في الوتر في جميع السنة ، وهو قول أربعة من كبار أصحابنا ، أي : عبد الله الزبيري ، وأبي الوليد النيسابوري ، وإبي الفضل بن عبدان ، وأبي منصور بن مهران ، وهذا الوجه قوى في الدليل) . وهو مذهب الحنابلة .
والسنة أن يترك القنوت أحياناً .
ورجحت هذا المذهب للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- قَالَ : ((عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))(رواه أبو داود رقم (1427) ، والنسائي رقم الحديث (1756) ، والإمام أحمد في مسنده رقم الحديث (1727) . وصححه النووي في المجموع (3/496) ، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/168) وقال : (حديث صحيح ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، وحسنه الترمذي ) ) .
وجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن هذا الدعاء في قنوت الوتر ولم يخصه بوقت دون وقت ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة هنا قائمة لأنه موطن تعليم ، فدل هذا على مشروعية القنوت طوال السنة .
الدليل الثاني : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ))(رواه أبو داود رقم (1429) ، و ابن ماجه رقم الحديث (1235) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/169) ) .
الدليل الثالث : عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ –رضي الله عنه- : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ))( رواه ابن ماجه رقم الحديث (1172) ، والنسائي رقم الحديث (1710) . وصححه الشيخ الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (3/968) ) .
وجه الاستدلال من الحديثين : أنه ليس فيهما تقييد لدعاء القنوت بوقت دون وقت ، وعليه فإنه يشرع في جميع السنة .
وأما قولي بأن السنة أن يترك القنوت أحياناً لأنه قد وردت أحاديث كثيرة في إيتاره صلى الله عليه وسلم كأحاديث عائشة وابن عباس –رضي الله عنهم- وغيرها وقد مرت معنا وليس فيها ذكر القنوت مطلقاً ، فالجمع بينها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحياناً ويترك أحينا ، ولا يعارض هذا ما ذكرناه من مشروعية القنوت جميع السنة ، لأن القنوت من جملة الدعاء فإن فعله جميع السنة فمشروع ، وإن فعله أحيناً وتركه أحياناً فقد أصاب السنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى (22/271) : (وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة من شاء فعله ومن شاء تركه … وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن ، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن ، وإن لم يقنت فقد أحسن ) . انتهى .
فإن قيل : قد ثبت عن عبد الرحمن بن عبد القاري : (( ... فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان ، فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - ، فكان الناس يقومون أوله ، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف ))(رواه ابن خزيمة في صحيحه (2/155) رقم الأثر (1100) ، وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح ) .
وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- : ((أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْنُتُ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الثاني مِنْ رَمَضَانَ ))(أخرجه عبد الله في مسائله عن أبيه (96) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/305) بإسناد صحيح ) .
جوابه :
الجواب الأول : ليس في الأثر الأول أنهم لم يقنتوا إلا في النصف الأخير ، وليس فيه كذلك القنوت في النصف الأخير فقط ، بل فيه الدعاء على الكفرة في النصف الأخير ، فلا يوجد في الأثر نفي القنوت في النصف الأول ، فلا يصح الاستدلال به .
الجواب الثاني : لو سلمنا جدلا في الأثر الأول أنهم لم يقنتوا في النصف الأول فلا يلزم منه عدم مشروعيته ، وكذا يقال في الجواب على أثر ابن عمر –رضي الله عنهما- لأنه قد أثبتنا بالأحاديث المرفوعة ثبوت القنوت من غير تقييد بوقت دون وقت ، فعدم فعل الشيء من بعض الصحابة لا يستلزم عدم مشروعيته .
الجواب الثالث : أنه ثبت عن غيرهم من الصحابة خلاف ذلك ، فقد ثبت عن بعض الصحابة والتابعين ترك القنوت في الوتر طوال السنة ، وثبت عن آخرين القنوت في الوتر طوال السنة(ينظر : مصنف ابن أبي شيبة (2/97-100) ، ومختصر قيام الليل للمروزي ص (135-136) ، ومجموع الفتاوى (22/271) ، وأصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (3/970) ) ، فيرجع في الخلاف إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما بينته لك من أنه كان يقنت أحياناً ويدع أحياناً أخرى . والله أعلم .
قال الترمذي في سننه (2/329) : (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَارَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَقُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ) .
تنبيه : آثار ضعيفة :
هناك بعض الآثار الضعيفة قد يستدل بها في هذه المسألة أحببت أن أنبه عليها فهي لا تصلح للاستدلال لكلّ من الفريقين ، وهي :
الأثر الأول : عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ : ((أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ - يَعْنِى فِي رَمَضَانَ - وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))( رواه أبو داود رقم الأثر (1430)).
وهذا الأثر إسناده ضعيف لجهالة من روى عنهم محمد بن سيرين ، وضعفه الزيلعي ونقله عن النووي(ينظر : نصب الراية (2/126) ) .
الأثر الثاني : عَنِ الْحَسَنِ : (( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، وَلاَ يَقْنُتُ بِهِمْ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، فَإِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ : أَبَقَ أُبَيٌّ ))(رواه أبو داود رقم الأثر (1431) . أبق : هرب ) .
وهو أثر إسناده ضعيف ، لأن الحسن البصري لم يدرك عمر –رضي الله عنه- ، وضعفه الزيلعي في نصب الراية (2/126) ، وقال الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود (2/82) : (إسناده ضعيف ؛ لانقطاعه بين الحسن- وهو: البصري- وعمر . وضعفه النووي والزيلعي) .
روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : ((كان أُبَيّ يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة ، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ ، وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول : اللهم قحط المطر ، فيقولون : آمين ، فيقول : ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو ))(رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (7724). ) .
إسناده ضعيف بسبب انقطاعه لأن ابن سيرين لم يدرك زمن عمر –رضي الله عنه- .
الأثر الثالث : قال ابن أبي شيبة حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرِِ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : (( كَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَقْنُتُ السَّنَةَ كُلَّهَا فِي الْفَجْرِ ، وَيَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ الرُّكُوعِ ))قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا .
(رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/100) رقم (6941) ) . وهذا الأثر ضعيف لأن في إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف( ينظر : تقريب التهذيب (1/113) رقم (524) ، وتهذيب الكمال (3/264) رقم (524) ) .
وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (2/166).
والله أعلم .
ينظر : البحر الرائق (3/43) ، وبدائع الصنائع (1/273) ، ومجمع الأنهر (1/128) وروضة الطالبين (1/253) ، والمجموع (3/510، 520).
السائل: هل من السنة الاستراحة بين أربع ركعات في صلاة التراويح وماذا يقول فيها؟
الشيخ: قال في الموسوعة الفقهية (27/144) : (اتفق الفقهاء على مشروعية الاستراحة بعد كلّ أربع ركعات ؛ لأنه المتوارث عن السلف ، فقد كانوا يطيلون القيام في التراويح ويجلس الإمام والمأمومون بعد كلّ أربع ركعات للاستراحة) . وأما شق السؤال الثاني ماذا يقول في هذه الاستراحة وماذا يفعل ؟ فإنه يذكر الله تعالى في هذه الاستراحة ويستغفره ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك من أنواع الذكر من غير جهر أو تخصيص لذكر معين أو إلتزام له . ولا يشرع له أن يصلي بين الترويحتين لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة –رضي الله عنهم- ولو كان خيرا لفعلوه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ))(رواه البخاري رقم الحديث (2697) ، ومسلم رقم الحديث (4590) واللفظ له ) . بل ورد عن الصحابة –رضي الله عنهم- المنع قال البهوتي في كشاف القناع (3/272) : (وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ(يعني الإمام أحمد ) ، وَقَالَ فِيهِ : عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، وَذُكِرَ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ رُخْصَةٌ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَالَ : هَذَا بَاطِلٌ . وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أَبْصَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ : مَا هَذِهِ التَّرَاوِيحُ ، أَتُصَلِّي وَإِمَامُك بَيْنَ يَدَيْك؟ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَغِبَ عَنَّا)( ينظر : الإنصاف (2/179) ) . وكذلك لا يشرع الدعاء جماعة مع الإمام في هذه الاستراحة لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، والدعاء مع الإمام يكون في القنوت كما سيأتي ، وليست هناك أذكار جماعية في هذه الاستراحة ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، كلّ هذا أمر حادث غير مشروع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ))(رواه أبو داود رقم الحديث (4609) . وهو حديث صحيح . ينظر : السلسلة الصحيحة رقم الحديث (2735) ) . قال في الموسوعة الفقهية (15/269) : (والمذهب عند الحنابلة وهو المتبادر من كلام المالكية والشافعية ، أنه يجوز أن يستريح بعد كلّ أربع ركعات في صلاة التراويح بجلسة يسيرة ، قال الحنابلة : وهو فعل السلف ، ولا بأس بتركه ، ولا يدعو الإمام في الجلوس على الصحيح من المذهب عند الحنابلة) . والله أعلم ينظر : الدر المختار ورد المحتار (1/474) ، والعدوي على كفاية الطالب (2/321) ، وأسنى المطالب (1/200) ، ومطالب أولي النهى (1/564)
السائل: ما هي السنة في عدد ركعات صلاة التراويح وهل يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ؟
الشيخ: : إن أبا جعفر الرازي الغالبية على تضعيف ما تفرد به أو خالف الثقات ، ولهذا قال الحافظ في تقريب التهذيب (1/629) في ترجمته : (صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة) ، فليس هو مضعفاً مطلقاً ، فهو مطعون فيه من قبل سوء حفظه لا من قبل عدالته ، ولذا يتوقف في روايته حتى يوجد لها شاهد يقويها ، والأثر الذي معنا ليس فيه مخالفة بل هو موافق لأثر ابن خصيفة السابق ، وكلاهما يقوي الآخر ، بل إن الشيخ نفسه –رحمه الله تعالى- قوى أثرا من طريق أبي جعفر هذا في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص (80) رقم (95) ، وقال : (إسناده موقوف حسن ، رجاله ثقات غير أبي جعفر وهو الرازي اختلف في اسمه ، وفيه ضعف لسوء حفظه ، فمثله إنما يتقى من حديثه ما كان مرفوعا ، وأما ما كان منه موقوفا كهذا فلا بأس به إن شاء الله تعالى ) . فالأثر الذي معنا أقل أحواله الحسن كما قال الضياء . ويقويه كذلك ما جاء عن يزيد بن رومان أنه قال : ((كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة))(رواه الإمام مالك في الموطأ رقم (252) ). وهذا الأثر إسناده صحيح إلا أنه مرسل لأن يزيد بن رومان لم يدرك عمر –رضي الله عنه- . وقال محمد بن نصر المروزي أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : ((كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل . قال الأعمش : كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث ))(رواه محمد بن نصر في قيام الليل ص (91) ، وذكر إسناده العيني في عمدة القاري (8/246) ) . وهذا إسناد صحيح إلا أن العدد المذكور من قول الأعمش مرسل ، فيتقوى هذا المرسل بما قبله . ويتقوى أثر العشرين ركعة أيضا بما سبق أولاً من أنهم كانوا يصلون إحدى وعشرين ركعة ، وبما سيأتي من الآثار ، فلا مجال لتضعيفها . ولا تعارض بين هذه الأعداد التي وردت في زمن عمر –رضي الله عنه-لأن من ذكر العشرين لم يذكر الوتر . والله أعلم . الأثر الثاني : ثبتت الزيادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر –رضي الله عنه- . فقد روى ابن أبي الدنيا قال : حدثنا شجاع ، ثنا هشيم ، أنبا يونس ، قال : ((شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان ، فكان يؤمهم عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسعيد بن أبي الحسن ، ومروان العبدي ، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ، ولا يقنتون إلا في النصف الثاني ، وكانوا يختمون القرآن مرتين))(رواه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان ص (53) ، وإسناده حسن . وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/13) ) . الأثر الثالث : ثبتت الزيادة عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- . قال ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، قَالَ : (( كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ ))( رواه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (7766) ، إسناده صحيح ، عبد العزيز بن رفيع ثقة روى عن جمع من الصحابة ، وحسن هو الحسن بن صالح ثقة ، وحميد بن عبد الرحمن من رجال مسلم ) . الأثر الرابع : ثبتت الزيادة عن ابن عباس –رضي الله عنهما- . عن عتبة بن محمد بن الحارث أن كريباً مولى ابن عباس أخبره : ((أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة ولم يزد عليها ، فأخبر ابن عباس فقال : أصاب ، أي بني ليس أحد منا أعلم من معاوية ، هي واحدة ، أو خمس ، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء))( رواه الشافعي فِي مسنده ص (86) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/26) ومعرفة السنن والآثار (2/315) ، وابن المنذر في الأوسط رقم ( 2655) ، إسناده حسن لأجل عتبة بن محمد وبقية رجاله ثقات ) . الأثر الخامس : ثبتت الزيادة عن طلق بن علي –رضي الله عنه- فعن عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ : زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ ، ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَأَوْتَرَ بِنَا ، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلاً فَقَالَ : أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ((لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1441) ، ومسند الإمام أحمد رقم الحديث (16296) . وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (5/184) : (إسناده صحيح ، وصححه ابن حبان ، وحسنه الترمذي) ) وهناك آثار أخرى أيضاً عن الصحابة –رضي الله عنهم- وعن التابعين منها ما هو صحيح ومنها ما هو منقطع ، ولكن ما ذكرته فيه كفاية إن شاء الله تعالى على إثبات أن الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة التراويح والقيام ثابتة عن السلف وليست بدعة ، وقد أطلت في هذه المسألة لكثرة الخلاف بين طلبة العلم فأسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب ، ولهذا لا يجوز أن يبدع أو يضلل من زاد على هذا العدد ، لكن لا ينبغي هجر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن صلاة القيام إحدى عشرة ركعة مع طول القيام كما سبق ، وهذه هي السنة الغالبة فلا تهجر إلى غيرها إلا إذا احتاج إلى الزيادة ، ولا تعارض بين قولنا إن السنة إحدى عشرة ركعة وبين جواز الزيادة ، فيحمل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -إحدى عشرة ركعة- على الأفضل ، والزيادة على الجواز إذا دعت الحاجة ، ويعجبني في هذا المقام ما ذكره الكمال بن الهمام الحنفي –رحمه الله تعالى- قال في فتح القدير (1/333) : (قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة ، فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر ، أفاد أنه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم ، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة ، وكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)) ندب إلى سنتهم ، ولا يستلزم كون ذلك سنته ؛ إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر ، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه ، فتكون العشرون مستحبا ، وذلك القدر منها هو السنة ، كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة ، وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون ، ومقتضى الدليل ما قلنا فيكون هو المسنون ، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحبا )) والله أعلم ينظر : بدائع الصنائع (1/288) ، ورد المحتار (1/474) ، وفتح القدير (1/334) ، وشرح فتح القدير (1/486) ، والمنتقى (2/208) ، وحاشية العدوي على كفاية الطالب (1/353) ، وكفاية الطالب (1/353) ، وشرح الزرقاني (1/284) ، وحاشية الدسوقي (1/315) ، ونهاية المحتاج (2/123) ، ومطالب أولي النهى (1/563) ، وكشاف القناع (1/425) ، والمغني (2/604) ، والموسوعة الفقهية (27/141) .
السائل: هل صلاة التروايح في المسجد مع الجماعة أفضل أم في البيت؟
الشيخ: أجمع العلماء على مشروعية الجماعة في صلاة التراويح ، فلا خلاف بين العلماء على مشروعية صلاة التراويح جماعة في المسجد . ينظر : الكافي لابن عبد البر (1/255) ، و بدائع الصنائع (2/748) ، إجماعات ابن عبد البر (1/566) . وأما الأفضل فإن صلاة التراويح في المسجد جماعة سنة مستحبة وأفضل من صلاتها في البيت وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وأفضل ، وهو مذهب الحنفية ، والشافعية على الأصح ، والحنابلة ، دليله : الدليل الأول : حث النبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضلها ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ). وهذا الحديث يخصص الأحاديث الواردة في فضل النافلة في البيت ، لأن هذا الحديث خاص في قيام رمضان في المسجد مع الإمام ، فيكون المعنى صلاة النافلة في البيت أفضل إلا صلاة التراويح فإنها أفضل في المسجد مع الإمام حتى ينصرف . قال أبو داود في مسائل الأمام أحمد ص (90) مسألة رقم (437) : (سمعت أحمد قيل له : يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده ؟ قال : يصلي مع الناس ، وسمعته أيضا يقول : يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته) . الدليل الثاني : فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله في صلاة التراويح كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))( رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) ) و حديث أبي ذر -رضي الله عنه- المتقدم . قال الحاكم في المستدرك (1/440) على حديث النعمان ابن بشير -رضي الله عنه- : (وفيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة ، و قد كان علي بن أبي طالب يحث عمر -رضي الله عنهما- على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها ) . والذي منعه من الاستمرار هو خشيت أن تفرض عليهم كما روت عَائِشَةُ رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ((وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) . وقد زالت هذه العلة بوفاته صلى الله عليه وسلم فصارت صلاة التراويح جماعة سنة مستحبة . قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (4/145) : (وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته ) . قال ابن همام في فتح القدير (2/448) : (أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ سُنَّةً ) . الدليل الثالث : إقرار النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة في المسجد ، فعن ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيَّ قَالَ : ((خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ ، فَرَأَى نَاسًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ فَقَالَ : « مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ؟». قَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ هَؤُلاَءِ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَأُ وَهُمْ مَعَهُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ . قَالَ : « قَدْ أَحْسَنُوا ، أَوْ قَدْ أَصَابُوا » . وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُمْ ))(رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/495) ، وقال : (هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ) . قال الشيخ الألباني في صلاة التراويح ص (9) : (وقد روي موصولا من طريق آخر عن أبي هريرة بسند لا بأس به في المتابعات والشواهد أخرجه ابن نصر في قيام الليل ( ص 20 ) وأبو داود ( 1 / 217 ) والبيهقي) ) . الدليل الرابع : فعل عمر -رضي الله عنه- ذلك مع إقرار الصحابة له ، فكان إجماعاً منهم على استحباب صلاة التراويح في المسجد . قال ابن قدامة في المغني (2/605) : (ولنا إجماع الصحابة على ذلك ، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله) . قال أبو داود في مسائل الأمام أحمد ص (90) مسألة رقم (438) : ( قيل لأحمد وأنا أسمع : يؤخر القيام يعني التراويح إلى آخر الليل ؟ قال : لا ، سنة المسلمين أحب إلي . وكان أحمد يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام ، شهدته شهر رمضان كلّه يوتر مع الإمام إلا أُرى ليلة لم أحضر) . ينظر : الموسوعة الفقهية (27/146) . شرح الزرقاني (1/283) ، وحاشية الدسوقي (1/315) وشرح ابن عابدين (1/473) والمجموع (3/528) ، وشرح المحلي (1/217) والمغني (2/605) .
الشيخ: اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- في أفضل وقتٍ لصلاة التراويح ، قال في الموسوعة الفقهية (27/146) : (ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يستحب تأخير التراويح إلى ثلث الليل أو نصفه ، واختلف الحنفية في أدائها بعد نصف الليل ، فقيل يكره ؛ لأنها تبع للعشاء كسنتها ، والصحيح لا يكره لأنها من صلاة الليل والأفضل فيها آخره . وذهب الحنابلة إلى أن صلاتها أول الليل أفضل ؛ لأن الناس كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله تعالى عنه أوله ، وقد قيل لأحمد : يؤخر القيام أي في التراويح إلى آخر الليل ؟ قال : سنة المسلمين أحب إلي) . يشير –رحمه الله تعالى- إلى ما ثبت عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ : (( خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ) والراجح أن الأمر فيه سعة ، وإن كان ثلث الليل الآخر أفضل وقت لصلاة الليل ، لما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1094) ، ومسلم رقم الحديث (1808)) . ولقول عمر –رضي الله عنه- : ((وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ) . قال الباجي في المنتقى (1/264) : (وَقَوْلُهُ : وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا . يُرِيدُ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ ، أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخَرَهُ) . لكن لو صلى بعد العشاء إلى ثلث الليل الأول فحسن ، أو إلى نصفه فحسن ، أو إلى السحور فحسن ، وينبغي أن يراعي حال المصلين الذين معه ، كلّ ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : (( صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ . قَالَ : فَقَالَ : « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ » . قَالَ : فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ . قَالَ : قُلْتُ : مَا الْفَلاَحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ) . وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))(رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) ) والله أعلم
الشيخ: صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة بأصحابه ثلاث ليال ، ثم تركها مخافة أن تفرض ، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها : ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا » . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1908) ، ومسلم وَهُوَ التَّرَاوِيحُ رقم (1819) وزاد : ((قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)) ) . قال القيلوبي( حاشيتا القيلوبي وعميرة (1/320) ) : ( هذا يشعر أن صلاة التراويح لم تُشرع إلا في آخر سنيّ الهجرة لأنه لم يرد أنه صلاها مرة ثانية ولا وقع عنها سؤال ) . وأما تعين الليالي التي قامها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقد روى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ : (( صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ . قَالَ : فَقَالَ : « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ » . قَالَ : فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ . قَالَ : قُلْتُ : مَا الْفَلاَحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1377) ، وابن ماجه رقم الحديث (1388) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (22030) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2206) . إسناده صحيح . ينظر : صحيح أبي داود (5/119) رقم الحديث (1245) ، وإرواء العليل رقم الحديث (447) ) . وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ –رضي الله عنه- قال : (( قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لاَ نُدْرِكَ الْفَلاَحَ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السُّحُورَ))( رواه النسائي رقم الحديث (1617) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (18899) . ينظر : صحيح النسائي رقم الحديث (1606) ) . ثم أحيى هذه السنة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجمع الناس على قاريء واحد يصلي بهم لأن العلة – وهي الفرض – التي من أجلها ترك النبي صلى الله عليه وسلم الجماعة في التراويح قد زالت بوفاة صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : (( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما -))(رواه البخاري رقم الحديث (1905) ، ومسلم رقم (1816) ) قال الإمام النووي في شرح مسلم (6/40) : (قوله : (( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما )) معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كلّ واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضى صدرا من خلافة عمر ، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة ، واستمر العمل على فعلها جماعة) . وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ : (( خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ : نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ . يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ))(رواه البخاري رقم الحديث (1906) ) . قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (4/145) : (وفيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته ) . وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر ؟ فقال : ( التراويح سنة مؤكدة ، ولم يتخرص (أي لم يفعله بظن غير صحيح أو كذب بل فعله عن علم ) عمر من تلقاء نفسه ، ولم يكن فيه مبتدعاً ، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد سن عمر هذا ، وجمع الناس على أبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما رد عليه واحد منهم ، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك )(ينظر : فتح القدير (1/333) ، والاختيار (1/68) ، والموسوعة الفقهية (27/138) ) والله أعلم
السائل: جزاكم الله خير يا شيخ.. سؤالي يا شيخ ما هي النية ؟وكيفيتـــها..
وهل النية تنقض ..؟وهل تجدد أو يجب تجديدها .. مثلا إذا ذهبت للصلاة وأقيمت الصلاة هل أجدد النية في داخلي؟ وجهونــا جزاكم الله خير ..للعمل الصيحي علِى الكتاب وسنة نبيننــا محمد صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: اعلم رحمني الله تعالى وأياك أن جواب سؤالك كما يأتي : أولا : النِّيَّةُ في الاصطلاح : هي قصد القلب واعتقاده على فعل الشيء ، وعزمه عليه ، من غير تردد . ثانياً : النية شرط في صحة الأعمال لا يقبل العمل إلا بها لحديث عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))رواه البخاري . ثالثاً : محل النية القلب ولا يشرع التلفظ بالنِّيَّة لأن النِّيَّة محلّها القلب ، ولم يرد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه – رضي الله عنهم التلفظ بها ، ولو كان خيراً لفعلوه ، ولو فعلوه لنقل إلينا لأنه مما تدعو الدواعي لنقله . قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح (3/86) : (قال السندي : عند كثير من العلماء النية باللسان بدعة ، لكن غالبهم على أنها مستحبة ليتوافق اللسان والقلب انتهى . قلت : استحب مشائخ الحنفية النطق بالنية والتلفظ بها للاستعانة على استحضار النية لمن احتاج إليه . وقالت الشافعية : باستحباب التلفظ بها مطلقاً . واتفق الفريقان على أن الجهر بالنية غير مشروع وقالت المالكية بكراهة التلفظ بالنية . والحنابلة نصوا على أنه بدعة . وهذا هو الحق والصواب عندنا . فلا شك في كونه بدعة ؛ إذ لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح ، ولا ضعيف ، ولا مسند ، ولا مرسل أنه كان يتلفظ بالنية) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/263) : (وَالنِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ : هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : يُسْتَحَبُّ لِيَكُونَ أَبْلَغَ ؛ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَد : لَا يُسْتَحَبُّ لِيَكُونَ بَلْ التَّلَفُّظُ بِهَا بِدْعَةٌ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ النِّيَّةِ لَا فِي صَلَاةٍ وَلَا طَهَارَةٍ وَلَا صِيَامٍ ، قَالُوا : لِأَنَّهَا تَحْصُلُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْفِعْلِ ضَرُورَةً فَالتَّكَلُّمُ بِهَا نَوْعُ هَوَسٍ وَعَبَثٍ وَهَذَيَانٍ ، وَالنِّيَّةُ تَكُونُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي قَلْبِهِ فَيُرِيدُ تَحْصِيلَهَا بِلِسَانِهِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، فَلِذَلِكَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْوَسْوَاسِ . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ لَا لِإِمَامِ وَلَا لِمَأْمُومِ وَلَا لِمُنْفَرِدِ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ فِي التَّكَلُّمِ بِهَا سِرًّا : هَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ ؟ ) قال في الموسوعة الفقهية(2/287) : (لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّ إِخْفَاؤُهَا ، لأَِنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَلأَِنَّ حَقِيقَتَهَا الْقَصْدُ مُطْلَقًا ، وَخُصَّتْ فِي الشَّرْعِ بِالإِْرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْل مُقْتَرِنَةً بِهِ ابْتِغَاءَ رِضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَامْتِثَال حُكْمِهِ ) . رابعا : حكمة مشروعية النية : بين الفقهاء أن النية شرعت لتمييز العبادات عن العادات حتى يتميز ما هو لله تعالى عما ليس له . كذلك لتمييز العبادة عن العبادة الأخرى . وكذلك لتتميز مراتب العبادات في أنفسها حتى تتميز مكافأة العبد على فعله ويظهر قدر تعظيمه لربه. خامساً : تجديد النية للصلاة، أخي بمجرد خروجك إلى المسجد وأن تريد أداء صلاة الظهر مثلا هذه نية قد يسهو عنها الإنسان أحيانالكن بمجرد وصوله إلى المسجد وقبل دخوله مع الإمام لصلاة الظهر فإن النية ترجع له مباشرة فهو لم يبطل نيته حتى يحتاج إلى تجديد وهذا الباب لو فتح سيؤدي إلى الوسوسة المنهي عنها نسأل الله تعالى السلامة . سادساً : أما مبطلات النية فهي كثير وقد بينت بعضها في سؤال أجبت عليه على هذا الرابط http://www.ebrahimalzaabi.co/?page_id=698 وإن قصدت بمطلات ونواقض نية الصلاة خاصة فنية الصلاة لا تنتقض إلا بالعزم والقصد الأكيد على إلغائها بسبب من الأسباب ، منها أن يبطل نيته لهذه الصلاة لأنه تذكر أنه على غير طهارة فإبطال النية هنا في الحقيقة قطع للصلاة حتى يتوضأ ثم يرجع وينوي الصلاة نفسها ، ومنها أنه يبطل النية بسبب أنه تذكر وهو يريد صلاة العصر أنه لم يصل الظهر مثلا فيبطل نية صلاة العصر ثم ينوي صلاة الظهر قضاءا وهذا في الحقيقة تغير للنية . ونحو ذلك . هذا باختصار ومباحث النية عند العلماء فيها تفصيلات كثير بحسب العبادة. والله أعلم .
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ياشيخ.
سؤالي جزاك الله خيرا عن صلاة الجمعة في حال وصلت في التشهد الأخير هل يجب علي إني أصلي ركعتين فقط أم أربع ركعات؟
وجزاك الله خبر.
الشيخ: الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وبعد: اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- فيمن أدرك مع الإمام يوم الجمعة أقل من ركعةبمعنى أنه دخل مع الإمام بعد قيام الإمام من الركوع الثاني فلم يدرك مع الإمام ولا ركعة لأنه الركعة تدرك بالركوع . والراجح أنه من لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة بحيث أدرك الإمام يوم الجمعة بعد الركوع الثاني فإنه يصلي أربع ركعات وهو مذهب محمد بن الحسن من الحنفية وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. والأدلة على رجحان هذا المذهب ما يأتي : الدليل الأول :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ)) . رواه النسائي وغيرهوصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (3/89) . وجه الاستدلال منه : أن من لم يدرك ركعة مع الإمام يوم الجمعة فإنه لم يدرك الجمعة وعليه أن يصلي أربع ركعات . وهذا يعرف عند العلماء مفهوم المخالفة . الدليل الثاني : عن عن عبد الله بن مسعود قال : (( من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ومن فاتته الركعتان فليصل أربعا )) . رواه الطبراني . وحسنه الشيخ الألباني في تمام المنة ص (340) . والإرواء (3/82) . الدليل الثالث : وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ((إِذَا أَدْرَكْتَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَأَضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُمْ جُلُوسًا فَصَلِّ أَرْبَعًا ))رواه البيهقي في سننه . وصحح سنده الشيخ الألباني في الإرواء (3/83) . فأنت لم تدرك مع الإمام إلا التشهد ، فعليك أن تصلي أربع ركعات . تنبيه : قولك : التشهد الأخير . قيد التشهد بالأخير لا فائدة منه لأن الجمعة ركعتان وفيها تشهد واحد فقط ولا يقال التشهد الأخير إلا إذا كانت الصلاة فيها أكثر من تشهد .