الشيخ: اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم العمرة والراجح من أقوال أهل العلم أن العمرة واجبة في العمر مرة واحدة إلا أنها تسقط بحجّ التمتع و القران لأنها داخلة فيهما ، وهو قول ابن عمر وابن عباس – رضي الله عنهم – ، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية ، وطاوس بن كيسان ، وأكثر الحنفية ، والأظهر عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة . دليل الوجوب ما يأتي : الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَقِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))(رواه أحمد في المسند رقم الحديث (25361) ، وابن ماجه رقم الحديث (2901) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (3074) . ينظر : إرواء الغليل (4/151) ، وصحيح ابن ماجه رقم الحديث (2345) ) . وجه الدلالة : قوله صلى الله عليه وسلم : ((عليهن)) فإنه يدل على الوجوب كما هو الراجح في علم أصول الفقه . قال ابن خزيمة في صحيحه (4/395) : ( في قوله صلى الله عليه وسلم : عليهن جهاد لا قتال فيه ، وإعلامه أن الجهاد الذي عليهن الحجّ والعمرة بيان أن العمرة واجبة كالحجّ . إذ ظاهر قوله : عليهن ، إنه واجب ، إذ غير جائز أن يقال : على المرء ، ما هو تطوع غير واجب ) . الدليل الثاني : عن أبي المنتفق – رضي الله عنه- قال : ((أَتَيْتُ مكةَ ، فسأَلْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : هو بعرفةَ ، فأَتَيْتُهُ ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ نَبِئْنِي بما يباعدني من عذابِ اللهِ ويدخلني الجنةَ ؟ قال : تَعْبُد اللهَ ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاةَ المكتوبةَ ، وتؤدي الزكاةَ المفروضةَ ، وتصوم رمضانَ ، وتحجّ وتعتمر ))(السلسلة الصحيحة رقم الحديث (3508) ) . وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمره بالعمرة كما أمره بالحجّ ، والأصل في الأمر أنه للوجوب . الدليل الثالث : حديث جبريل – عليه السلام – وفيه : (( فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا الإِسْلاَمُ ؟ قَالَ : الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ ))(رواه الدارقطني في سننه رقم الحديث (2708) وقال : (إسناده ثابت صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد ) . ورواه ابن حبان في صحيحه رقم الحديث (173) . ينظر : إرواء الغليل (1/34) ، وصحيح الترغيب رقم الحديث (175) ) . الدليل الرابع : عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما – قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ((أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلاً ))( رواه البخاري رقم الحديث (1493) ، ومسلم رقم الحديث (1216) ) . وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يحلوا ويأتوا بعمرة ، والأصل في الأمر أنه للوجوب ، فدل هذا على وجوب العمرة . الدليل الخامس : عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْليّ – رضي الله عنه : ((أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ : إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلاَ الْعُمْرَةَ وَلاَ الظَّعْنَ. قَالَ : حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ))(رواه الترمذي رقم الحديث (930) ، والنسائي رقم الحديث (2621) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (3040) . ينظر : صحيح الترمذي رقم الحديث (1595) ) . وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين أن يحجّ ويعتمر عن أبيه مع أنه شيخ كبير لا يستطيع ذلك ، فدل هذا على أنه قد وجب على أبيه الحجّ والعمرة ، وأيضاً الأصل في الأمر أنه للوجوب . الدليل السادس : عن الصُّبَيُّ بن مَعْبَدٍ قال : (( أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا وَإِنِّي أَسْلَمْتُ ، وَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَتَيْتُ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي فَقَالَ لي : اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ . وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا مَعًا . فَقَالَ لِي عُمَرُ -رضي الله عنه- : هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1799) ، والنسائي رقم الحديث (2719) . ينظر :إرواء الغليل رقم الحديث (983) ، وصحيح أبي داود رقم الحديث (1583) ) . وجه الدلالة : قوله : ((مكتوبين علي)) أي : مفروضين ، ولم ينكر عمر – رضي الله عنه – عليه ذلك ، بل قال له : (( هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم )) . الدليل السابع : قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان (5/657) : ( والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية ترجيح أدلة الوجوب على أدلة عدم الوجوب وذلك من ثلاثة أوجه : الأول : أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل على الخبر المبقي على البراءة الأصلية . الثاني : أن جماعة من أهل الأصول رجحوا الخبر الدال على الوجوب على الخبر الدال على عدمه ، ووجه ذلك هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب . الثالث : أنك إن عملت بقول من أوجبها فأديتها على سبيل الوجوب برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها ، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالباً بواجب على قول جمع كثير من العلماء ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم : (( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ )) ) . والله أعلم . ينظر : ما صح من الآثار (2/749) والمحلى (5/3) وفقه طاوس بن كيسان ص (418) وبدائع الصنائع (2/226) ، وحاشية ابن عابدين (3/421) والبيان (4/10) ، وحاشيتا القيلوبي وعميرة (2/134) ، وحاشية البجيرمي (2/154) ، وإخلاص الناوي (1/388) ، وحاشية الجمل (4/5) ، والمجموع (7/11) والإقناع (1/535) ، والإنصاف (3/350) ، والمغني (5/13) .
السائل: ما هي الأحاديث الواردة في فضل الحج والعمرة؟
الشيخ: قد ورد في فضل الحج والعمر أحاديث كثيرة منها : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه :((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ :الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : حَجٌّ مَبْرُورٌ ))( رواه البخاري رقم الحديث (26) ، ومسلم رقم الحديث (83) ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَنْ حَجَّ فلم يَرفُثْ ولم يَفْسُقْ رجعَ كيومِ ولدتْهُ أمُّه))( رواه البخاري رقم الحديث (1449) ، ومسلم رقم الحديث (1350) ) . الرَّفَثُ : الجماع . قال الأزهري في تهذيب اللغة (15/77) : ( الرّفث : كلمةٌ جامعة لكلّ ما يريده الرجل من أهله ). وأيضاً الرَّفث : يطلق ويراد به الجماع ويطلق ويراد به الفُحش ، ويطلق ويراد به خطاب الرجلِ المرأةَ في ما يتعلق بالجماع ، وقد نقل في معنى الحديث كلّ واحد من هذه الثلاثة عن جماعه من العلماء . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/447) مرجحاً جميع ما ذكر : ( والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك ، وإليه نحا القرطبي ) وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1683) ، ومسلم رقم الحديث (1349) ). وعَنِ ابْنِ شَمَاسَةَ المَهْرِيِّ قال : ((حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ المَوْتِ . فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ وقال : فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي . قَالَ : مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ؟ قَالَ : تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟! قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ، وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ))( رواه مسلم رقم الحديث (121) ). وعـن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : (( جَاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ : إنِّي جَبَانٌ وإنِّي ضَعيفٌ ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم : هَلُمَّ إلى جهادٍ لا شَوْكَةَ فيه ، الحجّ )) (رواه الطبراني في الكبير رقم الحديث (2910) ، والأوسط (4/309) . ينظر : صحيح الترغيب رقم الحديث (1098) ). وعن ابن عمر – رضي الله عنهما قال : (( كُنْتُ جالساً مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مَسْجِدِ مِنى ، فأتاهُ رجلٌ مِنَ الأنصارِ ورجلٌ من ثَقِيف ، فسلَّما ، ثُمَّ قَالا : يا رسولَ اللهِ جئنا نسألُكَ فقالَ : إن شئتُما أَخْبَرْتُكُما بما جِئْتُما تسألاني عَنْهُ فعلتُ ، وإن شئتُما أن أمْسِكَ وتسألاني فعلتُ ، فقالا : أخبرنا يا رسولَ اللهِ . فقال الثقفيُّ للأنصاري : سَلْ ، قال : أخبرني يا رسولَ اللهِ ، فقال : جئتنَي تسألُني عن مخرجِكَ من بيتك تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ ومالكَ فيهِ ، وعن رَكْعتَيْكَ بعد الطّوافِ ومالكَ فيهما ، وعن طوافكَ بينَ الصفا والمروةِ ومالَكَ فيه ، وعن وقُوفِكَ عَشِيَّة عرفةَ ومالَكَ فيه ، وعن رميِكَ الجمارَ ومالَكَ فيهِ ، وعن نَحْرِكَ ومالَكَ فيهِ مع الإفاضةِ . فقال : والذي بَعَثَكَ بالحقِّ لَعَنْ هذا جئتُ أسألُك . قال : فإنَّكَ إذا خرجتَ من بيتكَ تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ ، لا تَضَعُ خُفّاً ولا تَرْفَعُهُ إلا كَتَبَ اللهُ لَكَ به حسنةً ومَحَا عنكَ خطيئةً ، وأما ركعتاكَ بعد الطّوافِ كعتقِ رقبةٍ من بني إسماعيل ، وأما طوافُكَ بالصفا والمروةِ كعتقِ سبعين رقبةً ، وأما وقوفُكَ عشيةَ عرفة فإن الله يَهْبِطُ إلى السماءِ الدنيا فيباهي بكم الملائكةَ ، يقول : عبادي جاؤوني شُعثاً من كلّ فَجٍّ عميقٍ يَرجونَ رحمتي ، فلو كانت ذنوبُكُم كعددِ الرَّمل أو كقَطْرِ المطر أو كزبد البحر لغفرتُها ، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتُم له ، وأما رَمْيُكَ الجمارَ فلكَ بكلِّ حصاةٍ رميتها تكفيرُ من الموبِقَاتِ ، وأما نَحرُك فمدخورٌ لكَ عندَ ربِّك ، وأما حِلاقُكَ رأسكَ فلكَ بكلِّ شعرةٍ حلقتَها حسنةٌ وتُمحى عنك بها خطيئةٌ ، وأما طوافُك بالبيتِ بعد ذلك فإنكَ تطوفُ ولا ذنب لك يأتي مَلَكٌ حتى يضعَ يديه بين كتفيكَ فيقـول : اعمل فيما تَسْتَقْبِلُ فقـد غُفر لك ما مضى))( : صحيح الترغيب رقم الحديث (1112) ) والله أعلم
الشيخ: الحمد لله وحده واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد : لا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة وهو أُفُقي مجاوزة الميقات من غير إحرام . قال الإمام النووي في المجموع (7/213) : ( إذا انتهى الآفاقي إلى الميقات وهو يريد الحجّ أو العمرة أو القران حرم عليه مجاوزتُه غير محرم بالإجماع). ومحل سؤالك هو من كان في طريقه ميقاتان فهل يُحْرِم من الميقات الأول له أو الثاني ؟ كالشامي مثلاً إذا مرّ بالمدينة فهل يجب عليه أن يحرم من ميقات ذي الحليفة الذي هو ميقات لأهل المدينة ، أو ينتظر ويؤخر حتى يأتي ميقاته – الجحفة ؟ اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة والراجح أنه يجب عليه أن يحرم من أول ميقات يمر عليه ، ولا ينتظر الميقات الثاني سواء أكان الميقات الثاني ميقاته أو لا ، لأن الميقات الأول صار ميقاتاً له ، وهو مذهب الشافعية ينظر البيان (4/110) ، والمجموع (7/203) ، وفتح الباري (3/451) ، والحنابلة ينظر المغني (5/64) ، والإنصاف (3/383) ، والشرح الممتع (7/53) . والدليل على ذلك ما يأتي : الدليل الأول : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ))رواه البخاري في الحج /باب مهل أهل مكة للحج والعمرة ، رقم الحديث (1452) ، ومسلم في الحج / باب مواقيت الحجة والعمرة ، رقم الحديث (1181) . وجه الاستدلال : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل وجوب الإحرام لمن أراد الحجّ أو العمرة من هذه المواقيت ، لكلّ من يمر عليها ، سواء أكان من أهلها أو من غير أهلها ، فلا يجوز له مجاوزة أي ميقات يمر عليه أولاً إلا وهو محرم. الدليل الثاني : أنه ميقات بالنسبة لمن مرّ عليه بالاتفاق( بمعنى أنه يجوز له أن يحرم منه بل هو الأفضل بالاتفاق ، والخلاف في هل يجب عليه أن يحرم من الأول أو يجوز له أن ينتظر الثاني ) ، فلم يجز تجاوزه بغير إحرام لمن يريد الحجّ أو العمرة ، كسائر المواقيت ، ولا يجوز له أن ينتظر حتى يأتي الميقات الثاني . وأما ماذا عليه فإنه لا يخلو من حالين : الأولى : أنه عامي يعتقد بالمذهب الآخر وقد أُفتي بذلك فهذا لا شيء عليه لأنه قلد عالما . الثاني : من يعلم أنه لا يجوز له أن يجاوز الميقات الأول وهو يريد الحج أو العمرة فهذا عليه التفصيل الآتي : من جاوز الميقات وهو جاهل أو ناسي وهو يريد الحجّ أو العمرة غير محرم فإنه لا إثم عليه ، ويجب عليه الرجوع إليه إن استطاع ، فإن رجع إليه وأحرم منه فلا شيء عليه ، وأما من جاوزه وهو عالم به وهو يريد الحجّ أو العمرة فإنه يأثم بفعله هذا ، ويجب عليه الرجوع إليه إن أمكنه ذلك ، فإن رجع إليه وأحرم منه ، فلا شيء عليه . قال الإمام ابن قدامةالمغني (5/69) : ( لا نعلم في ذلك خلافاً لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه ، فلم يلومه شيء كما لو لم يتجاوزه ). فإن لم يرجع سواء أكان متعمداً أو ناسياً عند مروره للميقات وأحرم بعده فإن نُسُكَه صحيح ، ويأثم إن كان يستطيع الرجوع لأنه يرى أن الميقات الأول واجب الإحرام منه وهو بهذا قد ترك واجبا ، وعليه دم لأنه ترك نسكاً لقول عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما قَالَ : ((مَنْ نَسََِ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا )) رواه مالك في الموطأ في الحج / باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئاً ، رقم الحديث (957) ، والبيهقي في الكبرى في الحج / باب من مر بالميقات يريد حجا أو عمرة فجاوزه غير محرم ثم أحرم دونه ، رقم الحديث (8707) . وهو أثر صحيح . ينظر : إرواء الغليل (4/229) ، وما صح من آثار الصحابة (2/777) . ينظر : المغني (5/69) ، والمجموع (7/212) . والله أعلم .
السائل: فضيلة الشيخ جزاك الله خير شخص حج واهدى في مكة, هل على اهل بيته الذين لم يحجوا معه اضحية ؟ مع العلم انه شخص مقتدر ؟
الشيخ: الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد :اعلم رحمك الله تعالى أن الأضحية شيء والهدي شيء آخر وإليك التفصيل :أولا : الهدي :ظاهر كلامك أن الهدي المشار إليه هو هدي التمتع فإن كان كذلك فإن دم التمتع والقران : وهو الدّم الذي يجب على الحاج الذي لبى بعمرة متمتعاً بها إلى الحجّ أو لبى بحجّ وعمرة قارناً بينهما فهذا الدم واجب بالإجماع . ينظر : الإجماع لابن المنذر ص (72) ، والمغني (5/350) ، فمن لم يجد هدياً فعليه صيام ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله ، هذا لمن لم يكن من أهل الحرم ، أما من كان من أهل الحرم فلا يجب عليه الهدي ولا الصيام ينظر : فتح الباري (3/507) ، وفتح القدير للشوكاني (1/293) ، وتفسير هود بن محكم (1/188) ، والمغني (5/351).قال تعالى :﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ سورة البقرة :196.ثانيا : الأضحية :وهي ما يذبح من النعم يوم النحر وأيام التشريق تقربا إلى الله تعالى .والراجح أنها سنة مستحبة مؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم :(( من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا )) حديث حسن كما في صحيح ابن ماجه رقم (2532) عن البراء قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال :(( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء )) . رواه الشيخان .وهذه الأحاديث وإن كان ظاهرها الوجوب إلا أنها صرفت للإستحباب لما يأتي :1- عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- : (( أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبا ))صحيح ينظر الإرواء رقم (1139) .2- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال :(( إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي )) . إسناده صحيح ينظر الإرواء (4/355) .قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/3) : (قال بن حزم لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة ) . قلت : فهذا يشير إلى أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على استحبابها .والإجماع حجة .فجواب سؤالك : أن الهدي واجب والأضحية سنة مستحبة فإذا أردت أن تضحي فلا بأس بأن توكل أحدا من أهلك أن يقوم بهذا الفعل وإن تركت ذلك فلا شيء عليك وأما الهدي فإنه واجب عليك . والله تعالى أعلى وأعلم .