هل يجوز للمرأة أن تسدل على وججها بالخمار ونحوه ؟

1863
السائل: هل يجوز للمرأة أن تسدل على وججها بالخمار ونحوه ؟

الشيخ: يجوز للمرأة أن تستر وجهها بالخمار ونحوه من غير أن تنتقب أو تشد الخمار على وجهها كأنه نقاب فيجوز لها أن تستر وجهها بشيء كالخمار أو غيره تلقيه على رأسها وتسْدِلهُ على وجهها ، باتفاق الفقهاء، وإن كان يمس الوجه على الصحيح ، وهو ظاهر مذهب المالكية حيث إنهم لم يشترطوا في سدل المرأة على وجهها أن لا يمس الساتر الوجه ، والإمام أحمد .
دليله :
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ قَالَتْ : ((كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ))(رواه مالك في الموطأ في الحج / باب تخمير المحرم وجهه ، رقم الحديث (718) ، ومسند إسحاق بن راهويه (5/136) رقم الحديث (37) . ينظر : الإرواء رقم الحديث (1023) وقال : إسناده صحيح ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ((كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا إِلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ))( رواه الدارقطني في سننه في الحج / باب المواقيت ، رقم الحديث (261) ، والبيهقي في سننه في الحج / باب المحرمة تلبس الثوب من علو فيستر وجهها وتجافي عنه ، رقم الحديث (8833) ، وأبو داود في المناسك / باب في المحرمة تغطي وجهها ، رقم الحديث (1833) واللفظ له . وحسنه الألباني بالشواهد كما في جلباب المرأة المسلمة ص (107)) .
قال ابن قدامة(المغني (5/155) ) : ( ولم أرَ هذا الشرط(يعني شرط عدم ملامسة الساتر الوجه ) عن أحمد ، ولا هو في الخبر ، مع أن الظاهر خلافه ، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة ، فلو كان شرطاً لَبُيِّن ، وإنما منعت المرأة من البرقع والنِّقاب ونحوهما … ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(شرح العمدة (2/270) ) : ( والذي عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه جواز الإسبال سواء وقع على البشرة أو لم يقع … لأن عائشة ذكرت أنهنّ كنّ يدلين جلابيبهنّ على وجوههنّ من رؤوسهنّ ، ولم تذكر مجافاتها ، فالأصل عدمه … ولأن في مجافاته مشقة شديدة … ولم ينهها – يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تخمير الوجه مطلقاً ، فمن إدعى تحريم تخميره مطلقاً فعليه الدليل … ) .
والله اعلم

معرفة وجوب الغسل من خروج المني حال الاحتلام ؟

1861
السائل: انا دائما أعاني من معرفة اذا كنت احتلمت اولا واحيانا أكون مع الاخرين وتخطر في بالي افكار ولذلك أصبحت اغتسل قبل كل صلاه ولكن هذا الشي ارهقني فاكيف اعرف اذا وجب الغسل ام لا ؟

الشيخ: اعلم -رحمك الله تعالى- أنه لا يجب عليك الغسل إلا إذا رأيت المني على ثوبك بعد قيامك من النوم أما إذا لم تر شيئا على ثوبك فلا يجب عليك الغسل ، وإليك التفصيل في الاحتلام ، اعلم أن خروج المني حال النوم له صورتان :
الصورة الأولى :
يستيقظ من نومه فيرى بللا في ثوبه :
اعلم أنه إذا استيقظ من نومه فرأى في ثوبه بللا فله حالتان :
الحال الأولى :
أن يستيقظ من نومه فيرى على ثوبه بللا ويتيقن أنه مني ، فيجب عليه الاغتسال باتفاق العلماء كما نقله غير واحد من أهل العلم ينظر : البحر الرائق (1/58) ، والمغني (1/269) .
ودليله :
الدليل الأول : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : (( جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ . فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَعْنِي وَجْهَهَا وَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ ؟! قَالَ : نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا ))(رواه البخاري رقم الحديث (130) ، ومسلم رقم الحديث (802) ) .
الدليل الثاني : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : (( سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَمًا ؟ قَالَ : يَغْتَسِلُ . وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلاَ يَجِدُ الْبَلَلَ ؟ قَالَ : لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ . فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (236) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (26195) . حديث حسن لغيره . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1/429) : (حديث حسن. وقول أم سليم : المرأة ترى إلخ؛ أخرجه أبو عوانة في صحيحه من حديث أنس . وقال ابن القطان : إنه صحيح ) ) .
الحال الثانية :
أن يستيقظ من نومه فيرى على ثوبه بللا ولا يدري هل هو مني أو غيره ، ولم يستطع معرفة هذا البلل بعد شَمِّه ، ولم تظهر عليه آثار المني المعروفة ، فالراجح أن لا يجب عليه الغُسل ، والأحوط والأولى الاغتسال لإزالة الشك ، والقول بعدم وجوب الاغتسال والحالة هذه هو قول أبي يوسف إلا أنه قيده إذا لم يذكر احتلاماً أما لو ذكر احتلاما فيجب عليه الغسل ، وهو مذهب الشافعية مطلقاً ذكر احتلاما أو لم يذكر فإنه لا يجب عليه الغسل، وهو المشهور من مذهب الحنابلة. ورجحت عدم وجوب الغسل في هذه الحالة لأن الأصل عدم الغسل حتى يتيقن موجب الغسل أو يغلب على ظنه ، وهذا غير موجود في هذه الحالة ، واليقين لا يزول بالشك ، فهذا البلل يحتمل أن يكون عرقاً أو مذياً أو غيرهما ، والأصل أنه على طهارة ولا يزول هذا الأصل إلا بيقين أو غلبة ظن أنه انتقض ، والأحوط الاغتسال لإزالة الشك كما سبق . والله أعلم .
الصورة الثانية :
يستيقظ من نومه ويذكر احتلاما ولكن لا يرى بللا في ثوبه :
اختلف العلماء –رحمهم الله تعالى- فيمن استيقظ من نومه ويذكر احتلاما ولكن لا يرى بللا ، والراجح أنه لا يجب عليه الغسل ، وهو مذهب عامة أهل العلم من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، بل نقل بعضهم الإجماع على هذا ، قال ابن المنذر : (أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا رَأَى فِي نَوْمِهِ أَنَّهُ احْتَلَمَ أَوْ جَامَعَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ) ، إلا أن هذا الإجماع فيه نظر ، فقد حكي الخلاف على وجوب الغسل في مذهب الإمام أحمد ، والحنفية في قول أوجبوه على المرأة دون الرجل .
ورجحت عدم وجوب الغسل للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : (( جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ . فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَعْنِى وَجْهَهَا وَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ ؟! قَالَ : نَعَمْ تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا ))(رواه البخاري رقم الحديث (130) ، ومسلم رقم الحديث (802) ) .
الدليل الثاني : عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ : (( سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَمًا ؟ قَالَ : يَغْتَسِلُ . وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلاَ يَجِدُ الْبَلَلَ ؟ قَالَ : لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ . فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (236) ، والإمام أحمد في المسند رقم الحديث (26195) . حديث حسن لغيره . قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1/429) : (حديث حسن. وقول أم سليم : المرأة ترى إلخ؛ أخرجه أبو عوانة في صحيحه من حديث أنس . وقال ابن القطان : إنه صحيح ) ) .
الدليل الثالث : أنه لا يوجد ما يوجب الغسل ، فلا يوجد مني على ثوبه ، وذكر الاحتلام ليس من موجبات الغسل ، بل لا بد من خروج المني ، كالذي ينظر إلى زوجته بشهوة ولم يخرج منه شيء فإنه لا يجب عليه الغسل ولا الوضوء إذا كان متوضأ .
ينظر : البحر الرائق (1/59) ، وشرح فتح القدير (1/62) والمجموع (2/162) .
( ) ينظر : المغني (1/270) ، وكشاف القناع (1/139) المنتقى (1/106)والبيان للعمراني (1/241) والأوسط (2/83) .

ما الذي يسن ويجوز فعله عند وقبل الإحرام ؟

1859
السائل: ما الذي يسن ويجوز فعله عند وقبل الإحرام ؟

الشيخ: يسن ويجوز عند الإحرام وقبله الآتي :
أولا :
يُسَنّ عند الإحرام لمن أراد الحجّ أو العمرة أن يغتسل للإحرام سواء كان صغيراً أو كبيراً ، ذكراً أو أنثى ، ولو كانت المرأة حائضاً أو نفساء ، وهو مذهب الأئمة الأربعة(ينظر : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/548) ، والموسوعة الفقهية (2/171) ) .
دليله :
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه : ((أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ(يعني تجرد من المخيط ولبس إزاراً ورداءً) لإِهْلاَلِهِ وَاغْتَسَلَ ))( رواه الترمذي رقم الحديث (830) . ينظر : صحيح الترمذي رقم الحديث (664)) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : ((الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ(يعني الميقات ) تَغْتَسِلاَنِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1744) . ينظر : صحيح أبي داود رقم الحديث (1534) ، وصحيح الترمذي رقم الحديث (754) ، والسلسة الصحيحة رقم الحديث (1818) ).
والأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : (( تغتسلان )) للاستحباب بالإجماع .
قال ابن المنذر : ( أجمع عوام أهل العلم على أن الإحرام بغير غسل جائز ، وأجمعوا على أن الغسل للإحرام ليس بواجب إلا ما روي عن الحسن البصري أنه قال : إذا نسى الغسل يغتسل إذا ذكره) ينظر : المجموع (7/220) ، المغني (5/75) .
ثانياً :
ويسنّ له قبل أن يلبي بالحجّ أو العمرة عند الميقات أن يَدَّهن ويتطيب في بدنه دون لباس الإحرام بأي طيب شاء له رائحة إلا النساء فطيبهن ما له لون ولا رائحة له ، وهو مذهب الجمهور من الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة .ينظر : فتح الباري (3/466) ، والموسوعة الفقهية (2/171) ، وكتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/548) ، والمغني (5/77) ، والمجموع (7/228).
ولا يجوز التطيب بعد التلبية لأن الطيب من المحظورات كما سيأتي .
دليله :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : ((كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ))( رواه البخاري رقم الحديث (1456) ، ومسلم رقم الحديث (1189)).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (( كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ ))(رواه البخاري رقم الحديث (1464) ، ومسلم رقم الحديث (1190)) .
ثالثا :
يجوز له أن يلبس الإحرام قبل الميقات ولو في بيته كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وهذا فيه تيسير على الذين يحجّون بالطائرة ولا يمكنهم لُبْس الإحرام عند الميقات فيجوز لهم أن يصعدوا الطائرة في لباس الإحرام لكنهم لا يحرمون بمعنى يُلَبُّون بالحجّ أو العمرة إلا عند الميقات .
رابعاً :
يُسنّ له أن يحرم في إزار ورداء أبيضين ، وقد اتفق الفقهاء على ذلك( ينظر : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/548) ، والموسوعة الفقهية (6/131 ) . دليله :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ((انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ ، بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ))( رواه البخاري رقم الحديث (1470) ) .
وأما البياض فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسل : ((الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ ، وَإِنَّ خَيْرَ أَكْحَالِكُمُ الإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (3878) ، والترمذي رقم الحديث (994) ، وابن ماجه رقم الحديث (1472) . ينظر : صحيح الجامع رقم الحديث (2116) ، وصحيح ابن ماجه رقم الحديث (3236) ) .
أما المرأة فلا تنزع شيئاً من لباسها المشروع بل تبقى بحجّابها الشرعي وجلبابها إلا أنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين كما سيأتي في محظورات الإحرام ، ويجوز لها أن تستر وجهها بشيء كالخمار أو غيره تلقيه على رأسها وتسْدِلهُ على وجهها ، باتفاق الفقهاء، وإن كان يمس الوجه على الصحيح ، وهو ظاهر مذهب المالكية حيث إنهم لم يشترطوا في سدل المرأة على وجهها أن لا يمس الساتر الوجه ، والإمام أحمد . دليله :
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ قَالَتْ : ((كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ))(رواه مالك في الموطأ في الحج / باب تخمير المحرم وجهه ، رقم الحديث (718) ، ومسند إسحاق بن راهويه (5/136) رقم الحديث (37) . ينظر : الإرواء رقم الحديث (1023) وقال : إسناده صحيح ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ((كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا إِلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ))( رواه الدارقطني في سننه في الحج / باب المواقيت ، رقم الحديث (261) ، والبيهقي في سننه في الحج / باب المحرمة تلبس الثوب من علو فيستر وجهها وتجافي عنه ، رقم الحديث (8833) ، وأبو داود في المناسك / باب في المحرمة تغطي وجهها ، رقم الحديث (1833) واللفظ له . وحسنه الألباني بالشواهد كما في جلباب المرأة المسلمة ص (107)) .
قال ابن قدامة(المغني (5/155) ) : ( ولم أرَ هذا الشرط(يعني شرط عدم ملامسة الساتر الوجه ) عن أحمد ، ولا هو في الخبر ، مع أن الظاهر خلافه ، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة ، فلو كان شرطاً لَبُيِّن ، وإنما منعت المرأة من البرقع والنِّقاب ونحوهما ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(شرح العمدة (2/270) ) : ( والذي عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه جواز الإسبال سواء وقع على البشرة أو لم يقع لأن عائشة ذكرت أنهنّ كنّ يدلين جلابيبهنّ على وجوههنّ من رؤوسهنّ ، ولم تذكر مجافاتها ، فالأصل عدمه ولأن في مجافاته مشقة شديدة ولم ينهها – يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تخمير الوجه مطلقاً ، فمن إدعى تحريم تخميره مطلقاً فعليه الدليل ) .

ينظر : الموسوعة الفقهية (2/156) ، والمغني (5/154) ، والمجموع (7/228)بداية المجتهد (3/278) ، وحاشية الدسوقي (2/86) ، والفواكه الدواني (1/568) ، والموسوعة الفقهية (2/157)الإنصاف (3/453) ، والمغني (5/154) ، والفروع (3/332).

ما هي المواقيت وما هي أصناف الناس بالنسبة لها ؟

1855
السائل: ما هي المواقيت وما هي أصناف الناس بالنسبة لها ؟

الشيخ: اعلم رحمك الله الله تعالى جواب سؤالك هو :
أولا : أما أصناف الناس بالنسبة لمواقعهم للميقات :
يختلف الميقات المكاني للإحرام بالحجّ باختلاف مواقع الناس ، فإنهم من حيث المواقيت المكانية على ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : الأُفُقِي : وهو من كان منزله خارج منطقة المواقيت .
الصنف الثاني : الميقاتي : وهو الذي يسكن في مناطق المواقيت ، أو ما يحاذيها ، أو في مكان دونها إلى الحرم المحيط بمكة .
الصنف الثالث : الحرمي والمكي : وهو من كان منزله في الحرم أو في مكة سواء أكان مستوطناً أو نازلاً .
ثانيا : وأماالمواقيت المكانية للأفقي للحجّ أو العمرة :
المواقيت المكانية للأفقي خمسة ، نظمها أحدهم بقوله :
عِرْق العراقِ يلملم اليمن وبذي الحُليفة يُحرم المدني
والشامُ جُحفةُ إن مررت بها ولأهل نجدٍ قرْنُ فاسْتِبِنِ
قال الإمام النووي( المجموع (7/199)): ( قال ابن المنذر وغيره : أجمع العلماء على هذه المواقيت ) .
قال الإمام ابن قدامة( المغني (5/56)) : ( وجملة ذلك أن المواقيت المنصوص عليها الخمسة التي ذكرها الخرقي – رحمه الله ، وقد أجمع أهل العلم على أربعة منها ، وهي : ذو الحليفة ، و الجحفة ، و قرن ، ويلملم ، وأما ذات عرق فميقات أهل المشرق في قول أكثر أهل العلم ، وقال ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقيّ من ذات عرق إحرامٌ من الميقات ) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قَالَ : (( إِنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ ))( رواه البخاري رقم الحديث (1452) ، ومسلم رقم الحديث (1181) ) .
وعن أَبُي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يُسْأَلُ عَنِ المُهَلِّ فَقَالَ سَمِعْتُ أَحْسِبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ : ((مُهَلُّ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الْجُحْفَةُ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ ))(رواه مسلم رقم الحديث (1183) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (2592) ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ ))( رواه أبو داود رقم الحديث (1739) . وهو حديث صحيح . ينظر : الإرواء رقم الحديث (999) ).
ثالثاً : وميقات الميقاتي للحجّ أو العمرة ، وأما الميقاتي وهو الذي يسكن في مناطق المواقيت ، أو ما يحاذيها ، أو في مكان دونها إلى الحرم المحيط بمكة فإن ميقات إحرامه المكاني للحجّ أو العمرة هو موضعه الذي ينشأ منه الإحرام بالعمرة أو الحجّ ، أو أقرب ميقات له ، وهو مذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، إلا أنهم اختلفوا في المكان الذي يتعين عليه منه الإحرام ، فالحنفية يرون أن ميقاته جميع المسافة ما بين المواقيت إلى الحرم ، والمالكية يرون أنه يحرم من داره أو من مسجده ، والشافعية والحنابلة يرون أنه يحرم من القرية التي يسكنها أو المكان النازل فيه .
والأمر فيه واسع لأن الحديث يحتمل جميع ما سبق ؛ دليله :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قَالَ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ))(رواه البخاري رقم الحديث (1452) ، ومسلم رقم الحديث (1181) ) .
رابعاً : وميقات الحرمي والمكي للحجّ أو العمرة ، وأما الحرمي والمكي وهو من كان منزله في الحرم أو في مكة سواء أكان مستوطناً أو نازلاً فميقاته بالنسبة للحجّ من حيث أنشأ ، وهو مذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية، والحنابلة . دليله :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قَالَ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ))( رواه البخاري رقم الحديث (1452) ، ومسلم رقم الحديث (1181)) .
أما ميقاته بالنسبة للعمرة الحِلّ ، فلا بدَّ أن يخرج للعمرة عن الحرم إلى الحلّ ولو بخطوه واحدة يتجاوز بها الحرم إلى الحلّ ، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء . والأفضل أن يكون إحرامه من الجعرانة أو التنعيم .
ينظر : الإقناع في مسائل الإجماع (1/251) ، والموسوعة الفقهية (2/151) .
الموسوعة الفقهية (2/151)وبدائع الصنائع (2/166) ، و الفتاوى الولوالجية (1/266) ، والمبسوط (4/169) والمعونة (1/327) ، وحاشية الدسوقي (2/36) ، وحاشية الزرقاني (2/445) ، وبداية المجتهد (3/271) ، ومواهب الجليل (4/43)والمجموع (7/200) ، والبيان (4/111) ، والشرح الكبير (3/331) ، ومغني المحتاج (2/226) ، وحاشية البجيرمي (2/172) ، وإخلاص الناوي (1/401) والإنصاف (3/383) ، ومنتهى الإرادات (2/77) ، ومطالب أولي النهى (3/219) ، وكتاب المنور ص (222) ، وكشاف القناع (2/401) ، والإقناع (1/552).

ما هي شروط الحج عن الغير ؟

1853
السائل: ما هي شروط الحج عن الغير ؟

الشيخ: اعلم أنه يشترط للحج عن الغير شرطان :
الشرط الأول : يشترط فيمن يحجّ عن غيره أن يكون قد حجّ عن نفسه أولاً ، وهذا هو مذهب الشافعية ورجحه النووي ، والحنابلة وهو قول الأوزاعي وإسحاق بن راهويه ورجحه ابن قدامة ، والشوكاني. دليله :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – : ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ . قَالَ : مَنْ شُبْرُمَةَ . قَالَ : أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي . قَالَ : حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ . قَالَ : لاَ. قَالَ : حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ ))(رواه أبو داود رقم الحديث (1811) ، وابن ماجه رقم الحديث (2903) . ينظر : صحيح أبي داود رقم الحديث (1596) ، والإرواء رقم الحديث (994) ).
الشرط الثاني : أن يكون المحجّوج عنه عاجزاً عن الحجّ الواجب بنفسه ، وهذا بالإجماع ، فإنه لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحجّ بنفسه إجماعاً ، قاله ابن قدامة ، ونقل الإجماع عن ابن المنذر .
ينظر : المغني (5/19-23) والموسوعة الفقهية (17/72) ، ونيل الأوطار (4/347) ، والمجموع (7/103) ، وشرح العمدة لابن تيمية (1/295) ، والشرح الممتع (7/38) ونيل الأوطار (4/347) .

العاجز عن الحج بنفسه هل يجب أن ينيب غيره للحج عنه ؟

1851
السائل: هل العاجز عن الحج بنفسه هل يجب أن ينيب غيره للحج عنه ؟

الشيخ: اعلم رحمك الله تعالى أن من توفرت فيه شروط الحجّ الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة بملك المال وغيره وكان عند وجود هذه الشروط مريضاً مرضاً مزمناً ، أو مصاباً بعاهة دائمة ، أو مقعداً ، أو شيخاً كبيراً لا يثبت على آلة الركوب بنفسه ، فإنه لا يجب عليه أن يؤدي فريضة الحجّ بنفسه باتفاق العلماء ، لكن يجب عليه أن يرسل إلى الحجّ من ينوب عنه إذا وجد ، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية والشافعية ، والحنابلة ، لأن صحة البدن ليست شرطا لوجوب الحجّ عليه ، بل هي شرط للزوم أداء الحجّ بالنّفس ، دليله :
الدليل الأول : عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِي – رضي الله عنه : ((أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ : إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلاَ الْعُمْرَةَ وَلاَ الظَّعْنَ( أي لا يقوى على السير ولا على الركوب من كبر السن ). قَالَ : حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ ))( رواه الترمذي رقم الحديث (930) ، والنسائي رقم الحديث (2621) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم الحديث (3040) . ينظر : صحيح الترمذي رقم الحديث (1595) .
وجه الدلالة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين أن يحجّ عن أبيه مع أنه شيخ كبير لا يستطيع الحجّ ، فدل هذا على أنه قد وجب على أبيه الحجّ .
الدليل الثاني : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما – قال : ((جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ ، عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا ، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِي عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ))( رواه البخاري رقم الحديث (1755) ، ومسلم رقم الحديث (1335)) .
فالخثعمية أخبرت أن أباها قد فرض عليه الحجّ وهو شيخ كبير لا يثبت على الرحل ، وأقرها النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وأمرها أن تحجّ عنه ، وشبه ذلك بالدين المقضي كما جاء في بعض الروايات .
الدليل الثالث : إن فرائض الله إذا قدر العبد أن يفعلها بأصل أو بدل وجب عليه ذلك كما يجب بدل الصوم وهو الإطعام ، وبدل الكفارات ، وبدل الوضوء والغسل .
ينظر : شرح فتح القدير (2/421) ، وحاشية ابن عابدين (3/405) ، والبناية (4/143) والبيان (4/39) ، وحاشية البجيرمي (2/164) ، وحاشيتا القيلوبي وعميرة (2/144) . وحاشية الجمل (4/30) والمغني (5/19) ، وشرح العمدة (1/162) ، والإنصاف (3/365) ، وكشاف القناع (2/390) ، والإقناع (1/543) .

ليلة القدر وقول ابن مسعود رضي الله عنه :مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا ؟

1849
السائل: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل هناك تعارض بين قول ابن مسعود رضي الله عنهما سُئِل عنها:مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا. و بين الآيتين في القرآن{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ} و الآية الأخرى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
فهاتان الآيتان تدلان في ظاهرهما على أن ليلة القدر في رمضان فهل قول ابن مسعود رضي الله عنه مردود عليه أم أن الآيتين ليستا كما يبدو في ظاهرهما؟

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ليس هناك تعارض بين قول ابن مسعود رضي الله عنه وبين الآيتين وذلك أن أثر ابن مسعود رضي الله عنه لفظه هو ما رواه الترمذي وغيره بإسناده إلى زِرّ بْنُ حُبَيْشٍ يَقُولُ قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : إِنَّ أَخَاكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ .
فَقَالَ : يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ . قَالَ قُلْتُ لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ؟ قَالَ : بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِالْعَلَامَةِ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا.
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فأثر ابن مسعود رضي الله عنه أنها في الحول لا يعارض أنها في رمضان لأمور :
أولا : أنه قال إنها في الحول ورمضان من الحول ولهذا قال : (مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ) وهذا صحيح من اجتهد طوال السنة بالقيام سيصيب ليلة القدر التي في رمضان فلم يرد أن يحدد حتى يجتهد الناس بالعبادة طوال السنة لا أنه يجتهدون في رمضان أو العشر الأواخر فقط .
ثانيا : أن أبي بن كعب رضي الله عنه صرح أن أبا مسعود رضي الله عنه يعلم أنها في العشر الأواخر من رمضان لكنه أراد أن يجتهد الناس في العبادة طوال السنة ولهذا قال إنها في الحول .
ثالثا : أن الآيتين والأحاديث الكثيرة دالة صراحة على أن ليلة القدر في رمضان وقول ابن مسعود رضي الله عنه لو سلمنا جدلا أنه معارض لهذا فإنه يرد بهذه الأدلة الصريحة ، وقد عرفت أنه لا تعارض .
والله أعلم .

حكم الصلاة بين السواري ؟

1847
السائل: بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم الصلاة في صف فيه ساريتين {عامودين} في المسجد في يوم الجمعةأو في أي يوم لا يكفي المسجد لاستعياب المصلين فيه؟
و بما أن الحكمة من النهي عن الصلاة بين السواري هو أنها تقطع الصف, فهل يجوز أن يأمر الإمام المصلين بالصلاة بين الساريتين و ترك بقية الصف؟

الشيخ: اعلم –رحمك الله تعالى- أن الصلاة بين السواري منهي عنه للأدلة الآتية :
الدليل الأول : عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ : (( صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدُفِعْنَا إِلَى السَّوَارِى فَتَقَدَّمْنَا وَتَأَخَّرْنَا فَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نَتَّقِى هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- )) . رواه الحاكم في المستدرك (1/329) ، وأبوداود في سننه رقم الحديث (821) ، والترمذي في سننه رقم الحديث (229) ، وابن خزيمة رقم الحديث (1568) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم الحديث (2492) . وصححه الحافظ في الفتح (1/689) ، وابن خزيمة ، والحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (190) .
الدليل الثاني : عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ((كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا )) . رواه ابن ماجه رقم الحديث (1002) ، والبيهقي في الكبرى رقم (5205) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم (1567) ، والحاكم في المستدرك رقم (794) ، والطبراني في الكبير (19/21) . وهو حديث حسن بما قبله ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان والألباني .
واعلم أن العلة من النهي هي قطع الصف على الراجح من أقوال أهل العلم وقد دل عليها النصوص الآمره بتسوية الصفوف وسد الفرج ، وحتى لا تترك فرجة للشيطان ، والسارية لا شك أنها تترك فرجة بين المصلي الذي عن يمينها والمصلي الذي عن يسارها ، ولا يحصل التراص المأمور به بين المأمومين ، وعليه فإن الصف إذا لم يجاوز الساريتين فإنه لا ينهى عنه لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، وهذا ما ذهب إليه البيهقي في سننه (3/148) فإنه قال : (وَهَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ، لِأَنَّ الْأُسْطُوَانَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وَصْلِ الصَّفِّ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ لَمْ يُجَاوِزُوا مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لِمَا رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ بِلَالًا: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي فِي الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ ) .
الحديث رواه البخاري رقم الحديث (504) وبوب عليه بقوله : (باب الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِى فِى غَيْرِ جَمَاعَةٍ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/689) : (إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب) .
وقال ابن قدامة في المغني (3/60) : (ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري ، ويكره للمأمومين لأنها تقطع صفوفهم فإن كان الصف صغيرا قدر ما بين الساريتين لم يكره ، لأنه لا ينقطع بها) .
وقال ابن رجب في فتح الباري (2/651) : (وإنما يكره ذلك ؛ لصف تقطعه السواري ، فلو صلى اثنان أو ثلاثة جماعة بين ساريتين لم يكره أيضا ، هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي وغيرهم من العلماء) .
واعلم أن حكم الصلاة بين السواري لغير حاجة مختلف فيه وظاهر الأحاديث يفيد التحريم لأن الطرد والنهي يفيد ذلك فإن كان هناك حاجة كازدحام الناس في المسجد ونحو ذلك مما يدعو إلى الصلاة بين السواري فلا بأس ، قال الشوكاني في نيل الأوطار (3/229) : (وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه . وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم) .
وعليه فيجوز الصلاة بين الساريتين للمنفرد ، والجماعة إذا كان الصف بين الساريتين ، ويجوز للجماعة حتى ما بعد الساريتين للحاجة كالازدحام ونحوه ، وعلى الإمام أن يبين هذه المسألة للمأمومين بالحكمة والموعظة الحسنة ، وادعو إخواني الذين يبنون المساجد أن يحاولوا تجويدها من السواري قدر المستطاع . والله أعلم .

دخول المسجد والإمام في التشهد ؟

1836
السائل: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ياشيخنا الفاضل اذا دخلت المسجد والامام في التشهد الاخير هل ادخل معه ام انتظر لحين ان يسلم وهل تحسب لي صلاة فرد او جماعه؟

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إذا دخلت المسجد والإمام في التشهد فعليك أن تدخل معه ولا تنتظر حتى يسلم وذلك لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إذا وجدتم الإمام ساجدا فاسجدوا أو راكعا فاركعوا أو قائما فقوموا و لا تعدوا
بالسجود إذا لم تدركوا الركعة)) ينظر السلسلة الصحيحة رقم (1188) ، ولقوله النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا )) رواه البخاري ومسلم .
فقوله صلى الله عليه وسلم : (( فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا)) أمر بالدخول ما الإمام على أي هيئة كان .
وأما شق سؤالك الآخر وهو هل يدرك فضل الجماعة مع أنه أدرك التشهد فقط ؟
فأقول لك نعم إن شاء الله إذا كان ينوي أن يدرك الجماعة لكنه لم يدرك وذلك لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ حَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)) رواه النسائي وهو حديث صحيح .
والله أعلم .

الإعانة على المحرم ؟

1835
السائل: السلام عليكم و رحمة الله
ما حكم إعانة مدخني السجائر بشراء السجائر لهم, و هل يدخل هذا في باب العقوق إذا رفض الابن شراء السجائر لوالده, و هل منع الضيوف من التدخين في منزلي الخاص إخلال بأخلاقنا الإسلامية التي تحثنا على إكرام الضيف؟
و السلام عليكم

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
التدخين محرم وقد أفتى بذلك أكثر العلماء ، وأدلة تحريمه كثيرة ليس هذا محل ذكرها ، وعليه فالإعانة عليه لا تجوز لأن الإعانة على المحرم حرام ولأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى : (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) ، والوسائل لها أحكام المقاصد ، فلا يجوز لك حفظك الله تعالى أن تعين مدخني السجائر على شرائها .
ولا يعد من العقوق إذا رفض الإبن شراء السجائر لوالده لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وينبغي للإبن أن ينصح والده باللطف والحكمة والموعظة الحسنة في ترك التدخين وأن عدم شرائه له من باب حبه له وخوفه عليه ومن باب عدم معصية الله تعالى .
وأما منع الضيوف عن التدخين في بيتك فهو أمر واجب عليك لأنه من باب إنكار المنكر لكن بالحكمة .
والله أعلم .