حكم مصافحة الأجنبية

1045
السائل: السلام عليكم يا شيخنا الجليل ورحمة الله وبركاته لدي سؤال: هل يجوز أن تصافح المرأة الرجل وهي مرتدية قفازات (جونتي) أو أي حائل مثل منديل قماشي أو غيره؟وبالمثل: هل يجوز للمرأة أن تربت على كتف رجل أجنبي من باب الحفاوة والترحيب؟مع الدليل وجزاكم الله خيرا

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتهوبعد :مصافحة المرأة للرجل من غير المحارم المؤبدين لا يجوز مطلقاً سواء كان بحائل أو غير حائل وكذا ضرب المرأة على كتف الرجل الأجنبي أو العكس والدليل على تحريم ما سبق ما يأتي :الدليل الأول : عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ )).رواه الطبراني في الكبير ( 486 ) .والحديث : قال الألباني عنه في صحيح الجامع ( 5045 ) : صحيح .وهو في السلسلة الصحيحة رقم (226) .فالحديث نص في تحريم لمس المرأة مطلقاً في أي موضع من جسدها والمصافحة كذلك .قال المناوي في فيض القدير (5/329) : ((لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط) بكسر الميم وفتح الياء وهو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوها (من حديد) خصه لأنه أصلب من غيره وأشد بالطعن وأقوى في الإيلام (خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) أي لا يحل له نكاحها وإذا كان هذا في مجرد المس الصادق بما إذا كان بغير شهوة فما بالك بما فوقه من القبلة والمباشرة في ظاهر الفرج ) .الدليل الثاني : عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ ». وَلاَ وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ. غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلاَمِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلاَّ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ « قَدْ بَايَعْتُكُنَّ ». كَلاَمًا . رواه البخاري ومسلم واللفظ له .فإذا كان المعصوم صلى الله عليه وسلم تقسم عائشة أنه لم يمس كف امرأة أجنبية عنه مع أن المبايعة تكون بالمصافحة فمن باب أولى من دونه ممن هو غير معصوم وكانت يستطيع أن يصافحهن وعلى يده حائل لكن لم يفعل لأن مفسدة المصافحة قائمة ، ولم يثبت في حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم صافح النساء مطلقاً وإنما جاء ذلك في ذلك حديث ضعيف ولا عبرت به بعد قسم عائشة رضي الله عنها أنه لم يصافح النساء مطلقاً .قال الإمام النووي في شرح مسلم (6/337) : (فِيهِ : أَنَّ بَيْعَة النِّسَاء بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْر أَخْذ كَفّ .وَفِيهِ : أَنَّ بَيْعَة الرِّجَال بِأَخْذِ الْكَفّ مَعَ الْكَلَام .وَفِيهِ : أَنَّ كَلَام الْأَجْنَبِيَّة يُبَاح سَمَاعه عِنْد الْحَاجَة ، وَأَنَّ صَوْتهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَلْمِس بَشَرَة الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر ضَرُورَة كَتَطْبِيبٍ وَنَحْوهَا مِمَّا لَا تُوجَد اِمْرَأَة تَفْعَلهُ ؛ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيّ فِعْله لِلضَّرُورَةِ ) .الدليل الثالث : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُّ ابْنِ آدَمَ أَصَابَ مِنَ الزِّنَا لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنُ زِنَاهَا النَّظَرُ وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ وَالنَّفْسُ تَهْوَى وَتُحَدِّثُ وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ» رواه أحمد في المسند وهو حديث صحيح ينظر السلسلة الصحيحة رقم (2804) .بين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللمس نوع من أنواع الزنا المحرم والمصافحة كذلك بلا ريب .الدليل الرابع : سد الذرائع . هذه قاعدة عظيمة في الشرع وقد دل عليها الكتاب والسنة وليس محل بسطها هنا لكن لا شك أن مس المرأة الأجنبية سواء كان بالمصافحة أو غيرها وسواء كان بحائل أو غير حائل كل ذلك من الذرائع المفضية في الوقوع في الفاحشة نسأل الله تعالى السلامة فتحرم من باب سد الذرائع .مذاهب العلماء :أولا : مذهب الحنفية :قال السرخسي في المبسوط (12/372) : (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ ) . وكذا قال في تبين الحقائق (16/361) . وكذا في كتاب العناية شرح الهداية (14/231) . والبحر الرائق (22/134) . وغيرها من كتبهم .ثانياً : مذهب المالكية :قال محمد بن أحمد ( عليش ) : (ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها ، فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بصفحة اليد قط إنما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء بالكلام ، وفي رواية ما مست يده يد امرأة وإنما كان يبايعهن بالكلام ). منح الجليل شرح مختصر خليل ( 1 / 223)ثالثاً : مذهب الشافعية :وقال ولي الدين العراقي : (وفيه : أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه ، لا في مبايعة ، ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك ، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه ، وقد قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم : إنه يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها كالوجه ، وإن اختلفوا في جواز النظر حيث لا شهوة ولا خوف فتنة، فتحريم المس آكد من تحريم النظر ، ومحل التحريم ما إذا لم تدع لذلك ضرورة فإن كان ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا يوجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة ). طرح التثريب ( 7 / 45 ، 46 ) .رابعا : مذهب الحنابلة :وقال ابن مفلح : ( وسئل أبو عبد الله – أي الإمام أحمد – عن الرجل يصافح المرأة قال : لا وشدد فيه جداً ، قلت : فيصافحها بثوبه ؟ قال : لا والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين ، وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر ) الآداب الشرعية (2/257) .